“سيف القدس”.. بتوقيت غزّة وكلّ فلسطين

الحقيقة/ليلى عماشا

بتوقيت غزّة المكتوب بالنار والموصوف بالدّقة، وبلغة الصواريخ العابرة للحصار وللحدود وللقيود وللتسويات، كان لنا في تمام السادسة من مساء الأمس موعدٌ مع فرح من “كورنيت” وصليات حملت قلوبنا جسرًا يصل الحرّة غزّة بالقدس وبكل المدى الفلسطينيّ.

على وقع هتافات المقدسيين العزّل إلّا من سلاح الرّوح، وبصيحات أهل أم الفحم التي تستعجل النجدة الغزاوية، وباسم الحزن الملتهب في قلوب المستضعفين في حي الشيخ جرّاح، والغضب المشتعل في عيون “الخلايلة”، كانت المدن الفلسطينية تنظر صوب أختها غزّة، وتناديها.. لبّت غزّة النداء وعيدًا يضع العدو في زاوية التراجع أو المواجهة.. أمهلته حتى السادسة ولم يمتثل، فبادرت إلى صفع المعتدي كرسالة أولى: استهداف جيب عسكري بصاروخ كورنيت. وتلت الصفعة صليات مباركة من الصواريخ التي عبرت سماء فلسطين محمّلة بالدعاء وبالتكبير وبالتهليل وأصابت الاحتلال في القدس وفي اللدّ وفي يافا.

جُن جنون الجبان. أصابه رعب يعرفه جيّدًا.. تذوقه مرارًا في تموز ٢٠٠٦ وفي حروبه المتتالية على عزّة.. ولأن الجبان حين يخاف يلجأ إلى تغطية خوفه بالقصف الهستيري، قصف غزّة التي رفعت شهداءها بصرخة أم شهيد: فداءً للأقصى.

"سيف القدس".. بتوقيت غزّة وكلّ فلسطين

قال السيد حسن نصر الله يومًا إنّ الفلسطينيين ليسوا بحاجة لأحد كي ينتصروا. يومها، حاول الواهمون تفسير هذا الكلام كمقدّمة للتخلّي عن نصرة فلسطين وأهلها. وبالطبع ليس مجديًا تذكير هؤلاء بأن حزب الله وسائر المنتمين إلى محور المقاومة لم ولن يتخلوا يومًا عن قضية فلسطين، فهم يعرفون كلّ ما نعرف حول الدّعم المخلص حدّ الشهادة، بكلّ أشكاله وأنواعه ودرجاته، وحول الرابط المقدّس الذي يصل كلّ حرّ في العالم بفلسطين، ولا سيّما رجال الشمس في محور الحق.

في الأيام الأخيرة الماضية، ومع اندلاع الغضب المقدسي إنقاذًا لحيّ الشيخ الجراح الذي يريد الصهاينة استباحة بيوته تمامًا كما فعلوا منذ بداية قدومهم إلى فلسطين، كانت الحركة في الشارع الفلسطيني هي الترجمة الأدق لعبارة “نصرك بيدك” التي تحوّلت إلى نشيد ثوري يدعو إلى قتال الصهاينة الذين هم “أوهن من بيت عناكب”.

وشهدنا كيف تداعى الدم الفلسطيني من سائر المدن المحتلة إلى نصرة بعضه بعضًا. كانت المسيرات الآتية إلى الأقصى من كلّ القرى والمدن الفلسطينية تذهل العدو الذي عجز عن منعها من التوافد والتلاقي والالتفاف كأسوار من اللحم الحيّ المقاتل حول القدس وقلب القدس وأهل القدس.. وكنا نتابع المشاهد المتلاحقة بحسرة مَن يتمنى أن يكون كتفه على كتف المرابطين في الأقصى والمشتبكين بأرواحهم مع العدو في كلّ شارع فلسطيني شهد المواجهات.. رأينا الأطفال يحبون على أدراج الأقصى بلهفة المشتاقين لرائحة الدار الأولى لكل قلب فلسطينيّ، ورأينا النساء وهنّ يواجهنّ بدمهنّ وبعزمهنّ جند الاحتلال.. ورأينا، مما رأينا، سيلًا هدارًا من البسمات المقاتلة على وجوه شبان وشابات يلعنون المسار السلميّ ويناشدون غزّة التي من خلف سور الحصار والأزمات مدّت لهم الصواريخ يدًا ولقّنت عدوّها وعدوّهم الذلّ.

في لبنان، بل من لبنان، كان المشهد طيلة ليلة أمس أشبه بالعرس.. تابعنا العد التنازلي بانتظار السادسة مساء، الساعة صفر التي أعلنت عنها المقاومة كمهلة أخيرة.. وما إن دوّى خبر الكورنيت الأوّل، أمكن أن تُحصى ملايين النبضات التي انطلقت زغاريد وتبريكات، وتحوّلت إلى اجتياح مبتهج حقيقي لصور الاستهداف وما تلاه من رشقات صاروخية على سائر منصات التواصل الاجتماعي. ساعات كانت فيها فلسطين كلمة السرّ المقدّس التي يتداولها الجميع بفرح واعتزاز يثبت مرة جديدة أنّها بوصلة القلوب، وأنّها الصوت الذي يعلو فوق كل أصوات التطبيع مهما تضخّمت، وفوق كلّ أصوات الأزمات المعيشية مهما جرّحت..

ليل أمس، أمسكت غزّة بقلوبنا وأخذتها معها بجولة في سماء فلسطين، كلّ فلسطين، ونثرت منها تحيّات لا تُعد ووردًا وقبلًا في كلّ كفّ خطّطت وجهّزت وحملت وأوصلت وأمّنت السلاح إلى داخل فلسطين، وعلى كلّ يد قاتلت وتقاتل من أجل تحرير الأرض وإزالة “اسرائيل” من الوجود..
وليل أمس، أمكن لأرواحنا أن تلمح في نوافذ السماء خيالات وجوه كلّ شهداء محور المقاومة وهي تحدّق نحو فلسطين وتبتسم.. من اليمن السعيد إلى عراق العزة، ومن شآم الحب إلى طهران القوّة، ومن امتداد عامل الذي يعانق الجليل وكلّ فلسطين ملقيًا التحية باسم الرضوان وحزبه، كان الشهداء في عليائهم كما الأبطال على الأرض يقفون وعيونهم شاخصة نحو فلسطين، وأهل فلسطين، وسرّ فلسطين، وبلهجة الحبّ بصوتٍ واحد هتفوا: القدس أقرب.

 

قد يعجبك ايضا