صحيفة الحقيقة العدد “368”: :ثقافة قرآنية :كلمات من نور : دروس من هدي القرآن للشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه

 

كلمات من نور 

من يتوانَ، من يفرط، من يقصر، من تنطلي على نفسه عبارات الجمود، عبارات التضليل، فليحذر، وليعلم أن في قلبه مرض، فالله قد حذر في البداية بأن أولئك الذين يسارعون إنما لأن في قلوبهم مرض.

 

الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ

{يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}

    {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} وكأن الشيء هذا كله لا يلفت النظر ولا ينتبه له، ويقفز من فوقه. {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} لاحظوا إضافة [الفاء] في [فترى]، كأنه يقول لك: وعلى الرغم من هذا كله، من خطورة القضية، وغموض أساليبها، وخطورة نتائجها وغاياتها، التي هي في الواقع تدفع كل إنسان أن يكون بعيداً جداً جدا عن هذا، أو بطيئاً وهو ينطلق نحوهم على أقل تقدير، بطيئا وهو ينطلق نحوهم لكن لا، ترى من داخل المؤمنين من يسارعون فيهم. ماذا يعني يسارعون فيهم؟. يسارعون نحو توليهم نحو خدمة ضمائرهم، نحو تنفيذ خططهم, مسارعة، أليس هذا الموقف مضاد جدا لما كان ينبغي لأي إنسان مؤمن أن يكون عليه؟ أن يكون بعيداً جداً، جداً عنه أن يكون في نفسه أطرف ميل، أو أن يكون قلبه من القلوب التي يمكن أن تتعرض لأن تواليهم، ولو بأدنى ولاء؟.

لكن تجد هناك من هم؟. الذين في قلوبهم مرض.. ولاحظ متى حصل مرض في القلوب كيف يحصل ماذا؟ مسارعة إلى توليهم، فاليهود هم يعرفون كيف يشتغلون، هم يوجهون أعمالهم نحو القلوب، والمرض يتجمع، تتجمع أمراض من هنا ومن هنا، من مشاهدة التلفزيون، ومن قراءة صحيفة، ومن كلمة فلان، زعيم يتكلم, تتجمع، تتجمع فحصل مرض في النفوس، في القلوب.

بمعنى أن القلب السليم الذي هو مملوء بتولي الله ورسوله والذين آمنوا ما يمكن أن يميل إليهم، يبقى سليماً منهم، سليماً من هذه المخاطر الرهيبة.

ومرض القلوب يتجلى بعناوين متعددة قد يصبح نفاقاً، شكاً، ارتياباً، إيثاراً لمصالح خاصة على الدين، إيثار لمصلحته الخاصة على الدين مما هو مرض مشين. عادة قد لا تحتسب فعلا أن يكون صادقاً من يدعي أنه من منطلق الحفاظ على المصلحة العامة، هذا ما يحصل من القلوب المريضة.

فمن يسارع فيهم في قلبه مرض، وغير صادق عندما يدعي أنه من أجل الحفاظ على المصلحة العامة، على مصلحة شعبه أو على مصلحة المسلمين، غير صادق. القلوب المريضة ليست هي من تهتم بمصالح المؤمنين بمصالح المسلمين، القلوب السليمة هي وحدها التي تهتم بمصالح المسلمين، هي التي تتجاوز خارج إطار وحدود شخصيتها، أما القلب المريض فلا يمكن أن يحمل اهتماماً بمصالح الآخرين؛ ولهذا يأتي بعبارة (يقولون) {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}. فنحن نحافظ على المجتمع من أن يحصل عليه ضربة.

 

المسارَعةُ في العمالةِ سببُها الحقيقيُّ المرضُ وكلُّ مبرِّراتِها الأخرى كاذبةٌ

عبارة (يقولون) مثلما يقول لك: يزعمون يتفوهون، والواقع أن هناك مرض، قد يكون هذا المرض جُبْن، نفاق، حب لهم، تأثر بثقافتهم يدفعه إلى أن يُنَفّذ مؤامراتهم، ويتولاهم، ثم يضفي على توليه لهم، ماذا؟. عنواناً كبيراً يقدمه وكأنه يخاف على المصلحة العامة، أو أنه حتى يخاف على نفسه، حتى أن يتفوه بأنه يخاف على نفسه، هو ممن في قلبه مرض.

لأن الله عرض قضيتهم في القرآن أنه متى ما أصبحتم ممن يحملون قلوباً سليمة ليس فيها مرض فستصبحون مؤهلين لدرجة أن يصبح واقعهم معكم على هذا النحو {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} (آل عمران:111).

المؤمن, من قلبه مملوء بالإيمان، من قلبه سليم، لا يمكن أن يخاف على نفسه منهم؛ لأنه يثق بالله، ويعلم بأن ما يقوله الله سبحانه وتعالى عنهم أنه حقائق، بل يكون قوياً عليهم، جريئاً عليهم.

هل أحد منكم شاهد [السيد حسن نصر الله] في التلفزيون وهو يتكلم بملء فمه، وبكل قوة وبعبارات تهز إسرائيل. ماهي عبارات مثلما يتكلم زعماء العرب الآخرين: كلمتين أو ثلاث، وسموه [فارس العرب].

كلمات مجاهد، كلمات شجاع، كلمات تحتها جيش من الشباب المجاهدين الأبطال، يتكلم كلمات حقيقية مؤثرة، وهو بجوارهم، وهو يعلم أن معهم قنابل ذَرِّيّة، وأن معهم صواريخ ومعهم دبابات، ومعهم كل شيء، لكن قلبه من القلوب المملوءة بتولّي الله ورسوله والذين آمنوا فأصبحوا حزب الله، وحزب الله هم الغالبون، كما سيأتي عندما نصل إلى عند هذه الآية.

فمن في قلبه مرض هو من يخاف، فيدفعه خوفه إلى أن يقول: نحن خائفون على أنفسنا. {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} أو نخشى أن تصيب المجتمع والشعب دائرة، لكن ذلك ليس في الواقع هو مبعث خوف، وليس هو في الواقع مبرر ادعاء اهتمام بمصلحة عامة، إنما سببه مرض.

أحياناً قد يكون الخوف الحقيقي مما هو مخيف حقيقة، قد يكون أحياناً مقبولاً، بل قد تأتي أحكام شرعية تسوغ تصرف معين تحت وطأة الخوف كما يقال: [التقيَّة] {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}(آل عمران: من الآية28) لكن مع هذا الجانب الذي يسارع فيهم يسارع فيهم يعني أن هذا عمل يدل على أن في قلبه مرض، وما يقوله من بعد معناه مرض يدفعه إلى أن يكون فعلاً متولياً لهم، إنما قضية أن يقول: [والله احنا خائفين على مصالحنا، أو خائفون على بلادنا]. إنما هي تغطية فقط، وإلا فواقعه أن في قلبه مرض، فهو يسارع فيهم.

ما معنى {فِيْهِمْ}؟ هي مثل {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}(الحج: من الآية78) يسارع في خدمتهم، في تنفيذ خططهم, في تنفيذ مؤامراتهم، في توليهم؛ لأن في قلبه مرض فهو يتولاهم.

هنا تأتي عبارة {يَقُولُونَ} بمعنى يتفوهون وكأنها عبارة فعلاً لهجتها أو صيغتها تفيد بأنها شيء غير حقيقي بالنسبة لواقعهم أنهم فعلاً يخافون على أنفسهم فعلا، أو يخافون على أمتهم، وإنما الذي دفعهم إلى المسارعة هو أن في قلوبهم مرض جعلهم يتولونهم.

كيفَ نكونُ أمامَ الذينَ في قلوبِهم مرض ؟

{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ}(المائدة: من الآية52) لاحظ (الفاء) في قوله {فَعَسَى اللَّهُ} توحي بأن أولئك الذين يسارعون فيهم، أولئك الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم، سيأتي اليوم الذي يندمون فيه على كل ما عملوه معهم، على كل ما بذلوه من جهودٍ فيهم، على تلك الجهود التي سارعوا إليها، سارعوا في بذلها فيهم. {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ}(المائدة: من الآية52) وعبارة {أمرٍ من عنده} واسعة {فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}(المائدة: من الآية52).

{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} من هذه الآية من قوله: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}(المائدة: من الآية52) إلى قوله: {فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}(المائدة: من الآية52) تعنى بأنه يجب أن نكون واعين نحن أمام من تنطلق من أفواههم هذه العبارات من كبير أو صغير، من يدعي أنه خائف علينا منهم، أو من يدَّعي أنه خائف على نفسه منهم، فيريد أن يجمّد المسلمين، يجمد أي حركة للمؤمنين؛ لأنه إما خائف عليهم وإما خائف على نفسه، من خلال تحركهم فليتوقف كل صوت يكون معادياً لأوليائه.

هذه في حد ذاتها تخلق لدينا وعياً أن كل من انطلق مسارعاً فيهم، وتحت أي عنوان يقدمه إنما هو ممن في قلوبهم مرض، وما يقوله إنما هو مجرد تَفَوّه، فعندما يقول: إنما كان ذلك من أجل حرصٍ على مصالحكم،  وحفاظاً عليكم. نقول له: لا. لا. نحن رأينا المسارعة، نحن رأينا المسارعة عندما جاءت أمريكا لتقدم نفسها قائداً للتحالف الدولي ضد ما يسمى بالإرهاب، ألم يسارعوا فيهم جميعاً؟. يكفينا هذه، أن كل كلمة يتفوهون بها من بعد غير مقبولة.

فعندما يقول: اسكتوا لا تتحركوا لا تعملوا شيئاً نحن إنما أوقفناهم، نحن إنما رديناهم، وإلا ربما كان ستحصل ضربة، ربما سيحصل كذا، وإذا عملتم كذا سيحصل كذا، اتركوا.. اتركوا. سنقول له: لا.. إن الله هو الرحمن الرحيم هو الذي يأمرنا أن نقف هذه المواقف، أليس الله هو أرحم بنا من أي إنسان آخر؟ أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا وأرحم بنا من زعماء بلداننا؟ أرحم بنا من حكوماتنا؟ هو من يطلب من عباده المؤمنين أن يتحركوا، هو من يعمل هذا العمل الكبير جداً، جداً في هدايتنا إلى أن نكون واعين، هو من يعمل على أن يخلق في قلوبنا وعياً وفهما، وإيماناً واعياً, إيمانا واعيا.

دروس من هدي القرآن سورة المائدة الدرس الأول للسيد حسين بدر الدين الحوثي

 

قد يعجبك ايضا