صحيفة الحقيقة العدد “381”: :ثقافة قرآنية :كلمات من نور : دروس من هدي القرآن للشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه

 

كلمات من نور

 

((إنه ليس لأنفسكم ثمنا إلا الجنة)). فمن يستبدل بالهدى شيئا من الدنيا فإنه باع نفسه فأوبق نفسه، أوبق نفسه – أهلكها – والكثير الكثير يبيعون أنفسهم! ومن هو ذلك الذي قد باع دينه بالدنيا كلها هل أحد عمل هذه؟ البعض يبيع دينه, ويبيع هداه بأقل القليل, بالشيء البسيط, وهذا مما يكشف – وللأسف الكبير – أنه ليس للهدى.. ليس للإيمان.. ليس للدين أهمية عند الكثير منا إذا ما كان مستعدا أن يبيعه بأتفه الأشياء..[مكارم الأخلاق ـ الدرس الثاني].

 

النفوس العظيمة لا تقبل لا ثمن غير الجنة

 

۞ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة 111]

إيمان عظيم

المؤمنون بلغ بهم إيمانهم إلى درجات عليا من الانشداد نحو الله سبحانه وتعالى، والرغبة في الحصول على رضاه, والرغبة فيما وعد به أولياءه المؤمنين فأصبحوا لا يحتاجون – تقريباً – إلى من يعرضهم على الله ليبيعهم منه، بل هم من ينطلقون ليبيعوا أنفسهم من الله، ليبيعوا أنفسهم, وأموالهم من الله، فالله يأتي ليشتري، وبالشكل الذي يوحي، وكأنها لم تحصل مساومة بل هم انطلقوا ليعرضوا أنفسهم, وأموالهم في سوق الله؛ ليحصلوا على ذلك الثمن العظيم [الجنة]، {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}(التوبة: من الآية111) ماذا يريدون من أنفسهم وأموالهم عندما باعوها؟ هم يريدون الجنة.. باعوها منه ابتغاء رضاه فمنحهم رضاه, ومنحهم الجنة.

وعندما باعوها باعوها بصدق [بيع صَرْم نافذ] كما نقول [وطرقوا صَبّ وصَلَب وسَيْل وغَيْل] كما نقول نحن في مبايعنا على هذا النحو.. فانطلقوا ليقاتلوا في سبيل الله، وليس فقط بيع وعاد فيه خيار، وعاد با أشوف الوالد إذا با يرضي، والوالدة إذا هي با توافق إذا أعجبها السعر وأعجبها الثمن لا بأس سيبيع وإلا فلا. لا, بيع صَرْم نافذ يريدون الجنة، يريدون رضا الله.

 

المؤمنون في ميادين القتال في سبيل الله يخوضون غمرات الأهوال

 

ففيما تَجَسُّد هذا البيع؟ تجسد في قتالهم في سبيل الله، ذلك الميدان الذي يتطلب بذل النفس والمال، فهاهنا يكون البيع، وهاهنا يكون الشراء من الله سبحانه وتعالى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(التوبة: من الآية111) وعندما ينطلقون للقتال في سبيل الله لا يتصورون بأن مجرد البيع هو أن يحضروا ميدان المواجهة بل ينطلقون في خوض الصفوف في غَمَرَات الأهْوال يقاتلون, وليس فقط يتفرجون كما كان بعض أولئك ممن يوصفون بأنهم عظماء فيقال عنهم بأنهم كانوا يحرسون رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في معركة بدر ومعارك أخرى فنراهم عندما تصول الصولة من جانب الكافرين يكونون هم من أوائل من ينهزمون فيتركون النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، فليسوا هم من قاتل في الميدان، وليسوا هم من حافظ على النبي في وقت الخطر، هذا ليس بيعاً.

 

المؤمنون لا تخدعهم الإغراءات ولا تشدهم الماديات لأنهم باعوا النفس والمال

 

هؤلاء ينطلقون ليقاتلوا بجدية في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم، هم باعوها من الله، لم يبيعوا مجرد تحرك وهْمِي لينتظروا هذا الطرف أو هذا الطرف من الذي سيدفع أكثر لنـتحرك معه؟. لا.. ليحصلوا على أموال؛ لأنهم قد خرجوا بشكلهم كمقاتلين, خرجوا بشكلهم, بآلتهم كمقاتلين هم يريدون من الذي سيشتري، من الذي سيدفع أكثر من الأموال من الذي سيعطي بنادق، من الذي سيعطي ذخيرة، من الذي سيعطي رتب، من الذي سيعطي كذا ننطلق معه.

هؤلاء ليسوا من هذا النوع، رأوا أن أنفسهم غالية، وفعلاً ((إن نفوسكم غالية ليس لها ثمن إلا الجنة)) هكذا ورد حديث بهذا المعنى عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن النفوس عظيمة وغالية ليس لها ثمن إلا الجنة، ماذا يعني؟ أبذلها في سبيل أن تحصل على الجنة.

هؤلاء انطلقوا يقاتلون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فأمام إغراءات أعدائهم لا يفكرون أن يميلوا يميناً أو شمالاً؛ لأنهم لا يبحثون عن المال, هم من باع المال، وأمام إرهاب وتخويف أعداء هم أيضاً ليسوا ممن يخاف  الموت؛ لأنهم من باعوا النفس أيضاً. فماذا يصنع معك العدو أكثر من أن يُرغِّبْ أو يُرهب، أكثر من أن يعد أو يتوعد؟. فتصبح كل الوعود لا قيمة لها، وكل التَّوَعُّد أمامك لا قيمة له.

 

مصدقون بوعد الله

 

{أَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}، وعدٌ إلهي صدقوا به أيضاً. هكذا هو شأن أولياء الله الذين آمنوا، تصديق بثقة بأن لهم الجنة، ويؤكد الوعد {وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ}(التوبة: من الآية111) أنني سأمنحهم الجنة فصدقوا وانطلقوا {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ}(التوبة: من الآية111) من الذي يمنعه من أن يفي بعهده؟ ومن الذي يمكن أن يحول بينه وبين أن يفي بعهده؟، ومن هو ذلك الطرف الذي يملك ما يملك الله؟ حتى يمكن أن يكون مثله بالوفاء بعهده، من هو ذلك الطرف الذي يمكن أن يكون أوفى من الله بعهده؟ لا، {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ}(التوبة: من الآية111) هذا ليس خسارة، هو بشارة {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(التوبة: من الآية111).

المؤمنون الذين دفعهم إيمانهم, وترسخ في نفوسهم من خلال هذا العمل, ومن خلال هذا العمل، ومن خلال هذه الآية، ومن خلال تلك الكلمة، ومن خلال ذلك الموقف الذي تجسد في عمل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لم يكن وليدة لحظة بل ترسخ في نفوسهم؛ لأنهم كانوا هكذا: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ}(التوبة: من الآية112) هم هؤلاء المؤمنون الذين قال عنهم بأنهم باعوا أنفسهم من الله، كأنه قال: هم الذين يمكن أن يصلوا إلى هذه الدرجة، هم أولئك الذين هم {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله. وبشر المؤمنين}.. ما هي البشارة من جانب الله؟. رضوانه، والجنة، والفوز في الدنيا والآخرة، الكرامة في الدنيا والآخرة، العزة في الدنيا والآخرة.

 

قلوبهم مملوءة بالخشية من الله

 

وهم من كان إيمانهم إيماناً كاملاً، إيماناً وهم يتجهون نحو الله سبحانه وتعالى فتبرز من كل جوارحهم ما يجسد إيمانهم حتى وهم يتحركون في الأرض سائحون في أعمال التجارة في مختلف الأغراض يسافرون فيكون سفرهم أيضاً مما يصبح عبادة من خلال تأملاتهم، ومن خلال اهتماماتهم بواقع الحياة، ومن خلال اهتمامهم ببناء الأمة، فخبرات من هنا, ومن هنا يحصلون عليها في مجال بناء الأمة. سواء في تعاملهم مع الآخرين أو تعاملهم مع الله، هكذا {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}(الرعد: من الآية21) لأنهم مسلِّمون، ومستسلمون ونفوسهم سليمة، ومستسلمة لله ربهم وملكهم، وإلههم، وسيدهم، فهم لا يأنفون من أن يصلون ما أمر الله به أن يوصل؛ لأنهم عبَّدوا أنفسهم لله.

 {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}(الرعد: من الآية21)، قلوبهم مملوءة بالخشية من الله، والخوف من يوم الحساب، أن يقفوا بين يديه فيحاسبوا حساباً عسيراً؛ لأنهم يعرفون ماذا وراء الحساب العسير أن وراءه النار.

صبرهم صبر عملي {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}

{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}(الرعد: من الآية22) أليست هذه الصفات يحكيها كواقعة؟. صفات متجسدة فيهم, في مختلف المجالات. {صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} هذا هو الصبر العملي: الصبر على نقصٍ، في الأنفس على نقصٍ في الأموال، صبر على شدائد، صبر وهم يواجهون حصارات اقتصادية، صبر وهم يواجهون هجمات إعلامية؛ لأنهم في ميدان العمل بوعي وثقة بالله وصدق مع الله، منطلقين في أعمالهم من واقع الوفاء بعهد الله، ومواثيقه، والحرص على أن يصلوا ما أمر الله به أن يوصل فلا ينقطع في نصف الطريق الذي أمرهم الله بأن يواصلوا السير عليه، إلى الغاية المنشودة التي يجب أن يسعوا لأن يصلوا وهم في طريقهم إليها.

وهم عندما يصبرون يصبرون ابتغاء وجه ربهم؛ لأنهم مخلصون له فلا ينتظرون ثناء من ذا أو من ذاك. {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}، فهذا هو الصبر العملي، الصبر الذي منـزلته من الإيمان بمنـزلة الرأس من الجسد. أما ذلك الصبر على الذل، الصبر على الخضوع، الصبر على القهر، الصبر والباطل يسود، والفساد ينتشر، والحق ضائع، والناس يظلمون، ويقهرون، وعباد الله يستضعفون، واليهود والنصارى يتحركون هنا وهناك، وأمريكا وإسرائيل تتحرك هنا وهناك، الصبر في هذه المرحلة هو ذل، لا يمكن أن يسمى صبراً، إنه ذل بكل ما تعنيه الكلمة، إنه ضياع للإيمان، إنه انحطاط في النفوس. هؤلاء المؤمنون يصبرون في ميادين العمل في مواجهة أعداء الله، ويتحملون مختلف الشدائد، مهما كانت؛ لأنهم صبروا ابتغاء وجه ربهم.  [ سلسلة المائدة ـ الدرس الرابع].

 

قد يعجبك ايضا