صحيفة الحقيقة العدد “389”: :ثقافة قرآنية :كلمات من نور : دروس من هدي القرآن للشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه

 

كلمات من نور

  • ليس هناك أعلى ثقافة من ثقافة القرآن الكريم، وليس هناك أسمى وأسنى غاية وهدفاً من غايات يرسمها القرآن الكريم.

مواصفات إيمانية

[سورة المائدة ـ الدرس الرابع]

{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}

إذاً فكيف نكون من أوليائه إلا إذا كنا نثق به، نثق بالله, نعتمد على الله، نتوكل على الله، نعمل على الحصول على أن نكسب ونحصل على رضا الله، نخاف من الله، نستعين بالله، نسترشد بالله، نستهدي بالله، نعتبره ولي أمرنا، هو هادينا، هو مرشدنا، هو من سيرعانا، من سينصرنا، من سيؤيدنا.. ولكن ليس مجرد كلام، ليس مجرد لقلقة ألسنة، تكون أنت فاهماً وواعياً من هو هذا الذي تريد أن تعتمد عليه، إنه الله القوي العزيز القاهر فوق عباده، الذي له ملك السموات والأرض، وبيده خزائن السماوات والأرض، بيده الأولى والأخرى، بيده الدنيا والآخرة، تثق به وثوقاً صادقاً عملياً لا يتزعزع أبداً أمام أي دعاية أو إرجاف، أو تخويف، تعتمد عليه، تتوكل عليه.

وما أكثر ما كان يردد الإمام الخميني (رحمة الله عليه) كلمة [يجب أن نعتمد على الله] يقول للإيرانيين: اعتمدوا على الله، توكلوا على الله، بالاعتماد على الله نستطيع أن ننتصر، بالاعتماد على الله نستطيع أن نقف على أقدامنا دون حاجة إلى أن نستعين بهذا أو هذا ممن لا تمثل استعانتنا به شيئاً، ممن لا يمكن الاستعانة بهم إلا وندفع من إيماننا، ومن ديننا ثمن الاستعانة بهم.

كيف لو فهم زعماء العرب الاعتماد على الله، والتوكل على الله، لو كانوا بهذا المستوى كيف كانوا سيكونون في هذا العالم، لكن لا. انطلقوا كلٌ منهم يحاول أن يستعين بهذا أو بهذا بتلك الدولة أو بتلك، في كل أموره، حتى في مجال الخبرة في كيف ينظف مدينته، في كل شئون الحياة، أصبحوا يعتمدون عليهم.

 

إذاً فلِنكون صادقين في إيماننا يجب أن يكون إيماناً واعياً بالشكل الذي يخلق لدينا هذه المقومات المهمة، ثقة بالله، اعتماداً على الله، حباً لله، استعانة بالله، توكلاً على الله، ألم يقل هو: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}(آل عمران: من الآية122) {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}(الطلاق: من الآية3) أليست هكذا الوعود الإلهية؟. وهي وعود أصبحنا في واقعنا – كباراً وصغارا ً- لا نثق بها.

من يمثلون أولياء الله حقاً في واقع إيمانهم وتقواهم لهم مواصفات في القرآن الكريم تتجلى في سلوكهم، مواصفات تعكس واقع نفسياتهم، تتجلى في أعمالهم في واقع الحياة.

فلنعد إلى جملة آيات من القرآن الكريم تتحدث عن صفات أولياء الله، الذين هم المؤمنون، والمؤمنون الذين هم على هذا النحو، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(الشورى: من الآية36) أليست هذه واحدة؟. اتكالاً على الله من منطلق الثقة بالله. والاتكال على الله لا يعني أن نُوكِل الأمور إليه فندعه هو يعمل بدلاً عنا، ننطلق نحن في ميدان الحياة, في واقع الحياة في أداء المسئوليات، في أداء المهام، ونحن نتكل عليه حيث نهتدي بهديه، حيث نلتجئ إليه، حيث ندعوه.

{آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} من منطلق إيمانهم بأن الله هو ربهم، من يهمه أمرهم، من يعمل على تدبير شؤونهم.

{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}(الشورى:37) لاحظ كيف سلوكياتهم تكشف واقع نفسياتهم، التي ملؤها الإيمان الواعي، الإيمان الراسخ، الإيمان الذي لا ارتياب معه، هم يجتنبون كبائر الإثم حياء من الله، ولما لكبائر الإثم من أثر في جعلهم غير جديرين بتحقيق وعود الله على أيديهم ولهم.

{وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}

 

{وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} لا يتجاوزون الحق، لديهم اهتمامات كبرى، لديهم حرص على رضى الله سبحانه وتعالى، فسيصفح وسيغفر لأخيه إذا ما بدرت منه إساءة أو زلة، هو لا يريد أن يغرق المجتمع في مشاكل ثانوية تصرفه عن القضايا المهمة التي يجب أن يعطيها كل اهتمامه، فهم عادةً إذا ما غضبوا لا يدفعهم الغضب إلى التجاوز، ولا إلى الباطل، بل يغفرون أيضاً.

{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ}(الشورى: من الآية38) لأنهم مؤمنون بربهم فاستجابوا له في كل ما أرشدهم إليه، وكل ما أراد منهم، وطلبه منهم.

{وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}(الشورى: من الآية38) أمورهم وهم في ميادين المواجهة، في ميادين العمل على إعلاء كلمة الله، في كيف يحافظون على صلاح المجتمع، في كيف يحققون التعاون على البر والتقوى، في كيف يؤهلون أنفسهم ليكونوا أمة تدعو إلى الخير, وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، يتشاورون في أمورهم كيف نصنع؟ ما الذي ينبغي أن نعمل؟ يشعرون بمسئوليات كبيرة وعظيمة، وهم في نفس الوقت نفوس متآلفة قريبة من بعضها بعض، كلٌ منها ينصح، كل منها لديه رؤية من واقع اهتمامه بواقع الحياة، وبوضعية الأمة، ليسوا من أولئك الذين تمر الأحداث، وتمر الوضعيات السيئة وهم لا يلتفتون إليها، ولا يحملون أي رؤية عملية نحوها، ولا يفكرون في ماذا يصنعون من أجل المخرج منها، فأنت لا تجد لديهم أي فكرة، أما هؤلاء فاهتماماتهم تجعلهم جديرين بأن يكون لديهم أفكار ذات قيمة في مجال بناء الأمة، في مجال المواجهة لأعداء الأمة، في مجال الحفاظ على صلاح المجتمع، لديهم رؤى، ومتى يمكن أن يكون لديك رؤى؟. عندما يكون لديك اهتمامات كبرى بواقع الأمة.

 

{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}

 

{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}(الشورى: من الآية38) يبذلون أموالهم، ومما رزقناهم ينفقون: من علمهم، من مالهم، من خبراتهم، بأقلامهم، بأيديهم، بكل ما رزقهم الله من إمكانيات ينفقون، ينفقون في مجال ماذا؟ في المجالات التي يجب أن تهمهم كمسلمين، كمسئولين أمام الله، كمؤمنين مصدقين بما وعد الله المؤمنين به في الدنيا وفي الآخرة، فهم لا يبخلون؛ لأنهم يثقون بمثل قول الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}(سـبأ: من الآية39) {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}(الأنفال: من الآية60) أليست هذه وعوداً؟ لكنها تتطلب إيماناً، وتتطلب أن تكون أنت ممن يحمل اهتماماً من واقع إيمانك حتى تعرف مدى أثر ما تنفق، وتعرف أنه يجب أن تبذل مالك، وتبذل من كل ما رزقك الله من خبراتك، وإمكانياتك.

فهم هكذا شأنهم كمؤمنين واثقين بوعد الله، حريصين على رضا الله، عارفين أثر الإنفاق في تحقيق ما يَصْبُون إليه وما يريدون تحقيقه، فهم ينفقون.

 

{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}

 

{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}(الشورى:39) لديهم وعي إيماني بأن الصبر على الظلم لا يمثل إلا الضَّعَة والذلة والخنوع، لا قيمة له عند الله إذا لم يكن صبراً عملياً، إذا أصابهم البغي إيمانهم، تربيتهم الإيمانية, ثقافتهم القرآنية جعلتهم يمتلكون نفوساً عالية، نفوساً أبيّة، نفوساً تفهم كيف ستكون العاقبة السيئة إذا ما خنعوا، إذا ما خضعوا إذا ما استُذِلوا وقُهروا, كيف ستكون الحياة، كيف سيصبح الدين، كيف سيضيع الحق، كيف سيسود الباطل، كيف سينتشر الفساد، فهم ينتصرون، ينتصرون إذا أصابهم البغي في أنفسهم؛ لأن نفوسهم أبية، نفوسهم كبيرة, لا يطيقون السكوت على أن يُظلموا، وأن يُهضموا، وأن يُذلوا، ينتصرون لدينهم.

وعادة ما يكون أحياناً البغي عليهم هدفه البغي عليهم باعتبار ما يحملون في دينهم, في كونهم هم طائفة محقة، في كونهم من يحملون اهتمامات بأمر الدين فالبغي عليهم هو عملية ضرب للدين من خلال ضربهم هم، فهم ينتصرون على من بغى، وليكن هدفه ما كان.

هكذا آية واحدة تعرض مثل هذه القيم المهمة، والصفات العليا لأولياء الله، هذه الصفات التي تجسد إيمانهم الحقيقي الصادق، الراسخ، الواعي.

 

قد يعجبك ايضا