صحيفة الحقيقة العدد “395”: :ثقافة قرآنية :كلمات من نور : دروس من هدي القرآن للشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه

 

كلمات من نور

ما يدل على أن الإنسان يعيش حالة الثقة بالله سبحانه وتعالى هو أن ينطلق، هو أن يتحرك حتى في الظرف الذي يرى كل ما حوله ليس في اتجاهه، يرى كل ما حوله بعيداً عنه، يرى نفسه ضعيفاً، يرى موقفه غريباً، يرى منطقه ممقوتاً، هذه هي اللحظة التي تدل على مدى ثقتك بالله، إذا ما انطلقت في ظروف مثل هذه، في مرحلة معينة.(الشهيد القائد/ الثقافة القرآنية)

الثقة بالله مصداقية الولاء له

معنى الثقة بالله

الثقة بالله تعني أن  نأخذ الحقائق من كتاب الله ـ سبحانه وتعالى ـ بأنه ربنا الرحيم بنا، الذي يعلم السر في السموات والأرض، العليم بذات الصدور، الحكيم في تشريعاته، البصير بعباده، الصادق في وعده ووعيده، فنعتمد عليه ونتوكل عليه، ونستعين به، ونهتدي به ونعتبره ولي أمرنا، ومرشدنا، وراعينا، ومئيدنا وناصرنا… ولكن ليس مجرد كلام، ولقلقة ألسنة، بل يجب أن نكون فاهمين وواعين من هو هذا الذي نريد أن نعتمد عليه، إنه الله القوي العزيز القاهر فوق عباده، الذي له ملك السموات والأرض، وبيده خزائن السماوات والأرض، بيده الدنيا والآخرة، فنثق به وثوقاً صادقاً عملياً لا يتزعزع أبداً أمام أي دعاية أو إرجاف، أو تخويف، بل كلما ازدادت الصعوبات ازددنا ثقة بصدق ما أنزل، وحقيقة ما وعد به أولياءه،  فنثق بأن كل ما شرِّع لنا وما رسم لنا من طرق تهدي إلى الجنة، وطرق تهدينا إلى كيف نواجه الحياة وكيف نواجه الآخرين، أنها حقائق ثابتة، وأنه هدانا إليها من منطلق رحمته بنا، فهو من يجب أن نثق به وثوقا كبيرا.

أهمية الثقة بالله

إن كل ما تعانيه الأمة اليوم من مصائب وويلات، وتراجع كبير أمام أعدائها على كافة الأصعدة وفي شتى الجوانب، والميل الكبير نحو العدو، ومحاولة إرضائه بكل شيء تملكه من تنازلات عن حقوقها، وإهدار لثرواتها، وقبولها للتطبيع معه ما هو إلا نتاج عدم الثقة بالله، فمشكلة المسلمين اليوم أنهم لم يثقوا بالله، الثقة المطلقة، ولهذا لم يرجعوا إلى كتابه, ولم يعرفوا الله المعرفة الكافية, المعرفة المطلوبة, ولم يعرفوا رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) المعرفة الكافية المطلوبة.. فظلوا دائماً يدورون في حلقةٍ مفرغة، وظلوا دائماً يتلقون الضربة تلو الضربة, مستسلمين, مستذلين, مستكينين. ناسين قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت: من الآية53)، فلو ترسخ في نفوسهم هذا المفهوم القرآني لتفادوا كثيراً من الإشكالات, وكثيراً من هذا الانحطاط الذي وصلوا إليه؛ و لاستطاعوا مواجهة عدوهم والحفاظ على هيبتهم وعزتهم وكرامتهم وثرواتهم ولم يكن قرار الاستسلام للعدو هو النتيجة والذي كان له تداعياته الكثيرة ونتائجه الوخيمة في كل جوانب حياتهم.

 

دور الثقة بالله في الفوز والغلبة

عندما تتحقق الثقة المطلقة بالله ـ سبحانه وتعالى ـ في واقعنا فهذا بالتأكيد يرفع من معنوياتنا ويقوي ارتباطنا بالله ويوصلنا إلى درجة عالية من اليقين أنه عندما  يأمر بشيء لا يأمرنا إلا وقد هيأ لنا كثيرا من التشريعات التي تخدم الأمة في أن تصل إلى تنفيذ هذا الأمر، ولهذا نحن في أمسّ الحاجة في هذه المرحلة من تاريخنا إلى أن نعرف كيف نعزز ثقتنا بالله ـ سبحانه وتعالى ـ حتى نرى أن بالإمكان أن ننفذ كل ما أمرنا به، أن نكون قوامين بالقسط ، أن نكون أنصارا له، أن نكون أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أن نكون مجاهدين في سبيله، أن نكون مؤمنين فيما بيننا بعضنا أولياء بعض نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر. كل هذا سيصل الناس إليه إذا ما عملنا على تعزيز ثقتنا بالله، وعرفنا سنته في الهداية والتشريع، وعرفنا أن تشريعه كله منوط برحمته فإذا ما أمرك فأعلم أنه أمرك من منطلق رحمته بك وأنه سيهيئ لك ما يجعلك تؤدي هذا الأمر وهكذا مع كل أوامره ومع كل نواهيه.

 

أثر الثقة بالله في الواقع النفسي والأداء العملي

في مسيرة العمل، عندما يكون الموقف مع الله من منطلق الثقة به يكون موقفا قويا, فمتى ما مر الناس بصعوبة ما، رجعوا إلى أنفسهم، وإلى واقع الحياة ليفتشوا عن الخلل ربما يكون خطأ حصل من عندنا ونحن نرتب المسألة على هذا النحو، أو أنها ضعفت ثقتنا بالله… وهكذا تكون الثقة بالله عاملا مهما في تصحيح المسار العملي، وزيادة الاتقان في أداء الأعمال وسرعة انجازها لأنه مع الثقة بالله تتلاشى الشكوك في تحقق النتائج المرجوة من الجهد المبذول وبالتالي تطمئن النفس تجاه هذا العمل وتتحفز لبذل المزيد من الجهد أضف إلى ذلك تأييد الله وتوفيقه وتمكينه ورعايته المتلازمة مع الثقة بالله والأيمان به والتوكل عليه والاستعانة به وهذا بدوره ينعكس على الواقع النفسي طمأنينة وسعادة ورضى بما تقوم به من الأعمال فتزداد صبرا واستقامة وإخلاصا وشغفا للمزيد من العمل الذي فيه رضى لله ـ سبحانه وتعالى.

 

في القرآن ما يعزز ثقتنا بالله

يقول الشهيد القائد (رضوان الله) عليه إن المسلمين اليوم يعيشون أزمة ثقة بالله مع أن في القرآن الكريم ما يعزز ثقتهم به ـ سبحانه وتعالى ـ فهو من وصف الله قوة تأثيره بقوله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الحشر:21)  وإنما قلة المعرفة بالله، أدت إلى انعدام الثقة به، وهذه الحالة  جعلت المسلمين يتصرفون بعيداً عن الله ـ سبحانه وتعالى ـ، بل أصبحوا أسوأ من المشركين, في واقعهم وفي تعاملهم مع الله، لا يثقون بالله كما يثقون بواحد منهم خاصة في مجال الإنفاق في سبيل الله وهذا ذنب عظيم جدا، فالواجب علينا أن نصحح ثقتنا بالله ـ سبحانه وتعالى ـ من خلال الرجوع الجاد والصادق إلى القرآن الكريم  لنعرف مدى عظمة الله وقدرته، وسعة علمه ورحمته، وما حبانا به من النعم، وهدانا إليه من البصائر، فتتعزز ثقتنا بالله حتى تصبح ثقة مطلقة لا يعتريها شك، ولا يتخللها سوء الضن به والعياذ بالله.

 

قد يعجبك ايضا