صحيفة الحقيقة العدد”374″:القول السديد :دروس من المحاضرة الرمضانية التاسعة والعشرين للعام1441هـ للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله

القول السديد

مستوى العداء الإسرائيلي و الأمريكي، وما فيه من تحركٍ واسع، ومؤامراتٍ واضحة، واستهدافٍ جليٍ وواضح  على كل المستويات، هو بالشكل الذي يفترض بهذه الأمة أن تكون في غاية الاستفزاز، وأن تتحرك بكل جدية، وباستشعارٍ عالٍ للمسؤولية في التصدي لعدوٍ بهذا المستوى.

أهل الكتاب وخطرهم على الأمة من الداخل

القرآن الكريم قدَّم تشخيصاً عجيباً، وبياناً عجيباً، تجاه العدو من أهل الكتاب- ركَّز بشكلٍ كبير على توجيه خطابه إلى الأمة فيما يتعلق بواقعها الداخلي، محذراً لها وفق عنوانين: من التولي لهذا العدو، ومن الطاعة لهذا العدو، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران: الآية 100]، وكان هذا من العجيب، في بداية الأمر عندما تلحظ هذه النصوص القرآنية كيف (الَّذِينَ آمَنُوا) ويفترض بهم أن تكون منطلقاتهم في هذه الحياة على أساس هدي الله وتوجيهاته، أن يكونوا مطيعين لله وفي الوقت الذي تعتبرون أنفسكم لا زلتم فيه أنتم الذين آمنوا تتجهون هذا الاتجاه: بالطاعة أو بالولاء لأهل الكتاب، لهذا العدو، ولفريق الشر من أهل الكتاب، ويقدِّم المسألة بأنها في غاية الخطورة، في الوقت الذي يحذِّر منها، يقدِّمها بأنها في غاية الخطورة، إلى درجة أنها ستمس بانتمائك الإيماني، بمصداقيتك في إيمانك؛ لأن هناك يقول: {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}، وهناك في الآية الأخرى يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: من الآية51]، بعد أن قال: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المائدة: من الآية 51].

ولاحظوا، حتى في قوله -جلَّ شأنه-: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، فهم في واقع الحال يتولون بعضهم بعضاً، في الوقت الذي لا يزال اليهودي يهودياً، والنصراني نصرانياً، من حيث الانتماء العقائدي، لكنه التوجه في الموقف، والتوجه في العمل، والتوجه في المؤامرات ضد هذه الأمة، وغير غريبٍ في واقعهم ذلك؛ لأنها تشابهت قلوبهم، أهدافهم، نواياهم، توجهاتهم، وكذلك لما عندهم هم في واقعهم من الخلل الكبير، ليس عندهم تركيز- أصلاً- على الالتزام الإيماني، والإنساني، والأخلاقي، والقيمي، منطلقاتهم منطلقات أخرى، بعيداً عن أي التزام ديني، أو أخلاقي، أو إنساني، أو قيمي بالنسبة لهم.

لكنَّ حالنا كمسلمين، حال الذين آمنوا، يفترض أن يكون مختلفاً عنهم، حيث المنطلقات تبنى على أساس أن تكون منطلقات محسوبة بحساب الإيمان، بحساب القيم، بحساب الأخلاق، بحساب المبادئ الإلهية، وهذا ما يفترض أن ندرك به أننا نختلف عنهم؛ وبالتالي لا يمكن أن نجتمع معهم في موقف، في توجه، في مسار عملي، في سياسات واحدة، في توجهات واحدة؛ لاختلاف المواقف في منطلقاتها؛ وبالتالي في أهدافها وغياتها ونتائجها، وهذا ما يجب أن يجعلنا في اتجاه مختلف عنهم.

أمَّا هم فمن الطبيعي، {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، من الطبيعي أن يكونوا كذلك، فهم متشابهون في السوء، في المكر، في الكفر، في الغدر، في الشر، في الفساد، في الإجرام، في الأطماع، في النزعة الاستعمارية… إلى غير ذلك.

النتيجة الحتمية لموالاة أهل الكتاب!

 ولكن الحال بالنسبة لنا عندما يحدث مثل هذا الانحراف، فهو يدل على انحرافٍ خطيرٍ جدًّا، وهو- في واقع الحال- يعتبر جرماً عظيماً؛ ولذلك قدَّم توصيفاً لهذا الجرم في قوله: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، وقدَّم توصيفاً في الآية الأخرى: {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}، فهذا- بحد ذاته- يبين مستوى الخطورة.

لو أتى الإنسان ليقدِّم وجهة نظرٍ أخرى: فيعتبر أنه من الممكن الطاعة لهم، دون أن يكون لهذه الطاعة أي تأثيرات على انتمائك الإيماني، ويمكن التولي لهم، والوقوف معهم في موقفهم، والتحالف معهم، دون أن يحصل عليك هذا التوصيف، دون أن تتحول إلى هذا المستوى في بُعدك عن انتمائك الإيماني إلى درجة أن يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، فإنَّ هذا كفرٌ بالقرآن، ردٌ لآيات الله /، الذي يتصور أنَّ بإمكانه الطاعة لهم، وأن يبقى مؤمناً كامل الإيمان، ويطيعهم ولو في بعض الأمر، والذي يتصور أن بإمكانه أن يتحالف معهم، وأن يواليهم، وأن يقف معهم في مؤامراتهم ضد أبناء الأمة، وبتصوره أنَّ هذه مسألة تصفية حسابات مع هذا الطرف أو هذا أو ذاك الطرف من أبناء الأمة، فهو هنا هو يتصور أنه سيبقى سليم الولاء لله /، وأنه سيبقى أيضاً على مصداقيةٍ في انتمائه للأمة؛ فهو يكفر ويجحد بقوله /: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}.

 

المسارعون والقاعدون.. خذلان رهيب!

ثم نجد في الآية المباركة في قوله -جلَّ شأنه-: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}، ما يمثله هذا الموضوع من خطورة كبيرة على الإنسان، فكما قلنا تتجه الكثير من الآيات المباركة لتحصين الأمة من الداخل، هنا تجد ما يتوجه إلى تحصين الإنسان- نفسه- من الداخل؛ لأنه عندما يحصل هذا المرض في قلبك، الذي قد يكون أي نوع من أنواع الخلل في إيمانك، في واقعك النفسي والداخلي، وفي مشاعرك ووجدانك، عندما تحصل أي حالة نفسية سلبية تترسخ في وجدانك: إما كانت انعدام ثقة بالله / وشك في وعده، إما كانت جبناً، إما كانت أطماعاً، إما كانت ميولاً فاسدةً… أي مرضٍ من الأمراض التي تعني حالة من انعدام السلامة الإيمانية في نفس الإنسان، قلبه لم ينطبع بهدى الله، لم يستنر بنور الله، لم يزك بهدى الله /، فهذه الحالة قد تدفع بك، وتؤثر عليك وتهيؤك إلى أن تتجه وبمسارعة، تتحرك بنشاط وجد ومبادرة، ومن دون أي تكاسل وتخاذل، وتكون في اتجاهك المسارع (فِيهِمْ) يعني: فيما هو خدمةٌ لهم، فيما هو طاعةٌ لهم، فيما هو استرضاءٌ فكل الذين اتجهوا اتجاه الاسترضاء هم يبالغون في استرضائهم، يدخلون حتى في مواقف- لربما- غير متوقعة من جانب الأمريكي والإسرائيلي، لربما لم يكن يتوقع في بعض الأمور أن يستجيب له فيها النظام السعودي، أو الإماراتي، أو أشباههم ممن ينطلق في هذا الاتجاه المنحرف، أو ربما لم يكن يتوقع أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من المبالغة في استرضائه، من تقديم أعمال، وخطوات، ومواقف كبيرة جدًّا مفاجئة، في بعضها قد تكون مفاجئة حتى له، لم يكن يتوقع، وأحياناً يعبرون عن أنهم لم يكونوا يتوقعون بعض الخطوات، بعض المواقف، ويستغربون.

فيبين القرآن أنها حالة رهيبة جدًّا؛ حالة المرض التي ينبغي أن يتحصَّن الإنسان منها، كما تأتي التوجيهات التي تحصِّن الأمة من الداخل، تأتي التوجيهات والتوصيفات والتنبيهات التي تذكِّر الإنسان كيف يحصِّن نفسه حتى على المستوى الشخصي، كيف تحصِّن قلبك، كيف تحصِّن داخلك مما يسبب لمثل هذا الانحراف الرهيب والخطير جدًّا.

المبررون والساعون لاسترضائهم.. نهايتهم المخزية

عندما تأتي التبريرات من جانبهم: {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}[المائدة: من الآية 52]، يعني: يبررون موقفهم بأنه إيمان بأن العدو أصبح حالة قائمة لا يمكن التصدي لها، ولا يمكن التغلب عليها، ولا يمكن دفع خطرها، وأنه لم يبق أمامهم إلا الانحياز في صفه بشكلٍ مباشر، أو القعود عن أي تحرك بوجه مؤامراته ومخططاته، وللتصدي له.

حالة تبرير غير مقبولة عند الله /؛ لأن الله -جلَّ شأنه- يربينا إيمانياً، ويعلمنا أن نثق به، وأن نتوكل عليه، وأن نثق بوعده الصادق بالنصر، إذا تحركنا كما ينبغي، وقمنا بمسؤولياتنا.

ثم يؤكد القرآن الكريم على أن مآلات هذه المواقف المنحرفة هي الخسارة والندم، فيقول: {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}[المائدة: 52-53]، فيؤكد هذه الحقيقة القاطعة، الحتمية أيضاً: أن الذين يتجهون هذا الاتجاه المنحرف في الطاعة للأعداء، في التولي لهم، في المسارعة في الاسترضاء لهم، أن عاقبتهم هي الندم والخسران.

[مقتبس من محاضرة السيد عبد الملك الرمضانية التاسعة والعشرين 1441هـ]

قد يعجبك ايضا