صحيفة الحقيقة العدد”380″:القول السديد :دروس من خطاب السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبةالذكرى السنوية للشهيد 1437هـ

 

القول السديد

عاقبةُ الصُّمُـوْد والثبات والتضحية هي النصرُ، هذا وعد الله للمستضعفين الذين عبَّدوا أنفسَهم لله وحدَه، ولم يقبلوا بأن يستعبدهم المستكبرون والظالمون والطُّـغَـاة والأَشْرَار.

 

مشروعية الجهاد في مواجهة المستكبرين وكبح جماحهم.

الله ـ سبحانه وتعالى ـ شرع الجهادَ في سبيله وهو الغني، الجهاد في سبيل الله ليس معناه حالة دفاع عن الله، بأن هناك مَن يشكل خطورة على الله فيطلب اللهُ من عباده أن يدافعوا عنه، أَوْ أن هناك مَن يشكل خطورة على ُملك الله أَوْ على سلطانه، الله ليس مستضعفاً وليس بحاجة لأحد أن يدافع عنه، هو المحيي والمميت وهو الخالق وهو المبدِئ وهو المعيد وهو القاهر فوق العباد، وحياة البشر بيده وتحت سلطانه وقهره، حينما يقول هنا: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ}المائدة33 ماذا يعني؟، نرى في هذا دلالةً عجيبةً، وعظيمة على عظيم قداسة دين الله، مدى العناية الكبيرة بالبشر بالناس في الدين الإسْـلَامي، مكانتهم في الإسْـلَام، أن الله يجعل العُـدْوَانَ على عباده، الظلم لعباده، التعدي على عباده، التخريب لحياة عباده، يجعله حرباً معه؛ ليعبر بذلك عن مكانة عباده لديه، وعن خطورة التخريب لحياتهم، التعدي على حياتهم، التجاوز بالحق فيهم، جعل المسألة بمثابة حرب معه، هذا عندما يكون لديك مثلاً: لدي مكانة عزيزة فأقول: من حاربك فهو يحاربني من اعتداء عليك فهو يعمل ضدي، بهذه المكانة الكبيرة للبشر عند ربهم، للناس لدى الله.

فحينما يأتي مَن لديهم نزعة الشر، حينما يأتي الأَشْرَارُ والطُّـغَـاة والمجرمون بما لديهم من شر وحقد وكبر وتجبر واستهتار بحياة الناس، يعتدون، يتجاوزون الحرمات والحقوق، يفسدون، يقتلون، يبطشون، يتجبرون، هذه الحالة يوصّفها اللهُ ـ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ـ بأنها حرب معه، ثم يحَـرّك الأُمَّـة لمواجهتها، ويعد من يتَـحَـرّك هذا التَـحَـرّك بالنصر، ولذلك أتى عقب ذلك مباشرةً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}المائدة35  جاهِدوا مَن؟!  جاهدوا أولئك الأَشْرَار الذين إن تركتموهم لن يتركوكم، إن سكتم عنهم لم يسكتوا عنكم، الذين هم معتدون، معتدون حتى لو لم تتكلموا معهم، حتى لو لم تشكّلوا عليهم أيَّةَ خطورة، حتى لو لم يصدر منكم تجاههم أيُّ شر، أي خطر، أي ضر،  لن يتركوكم، هم خطر على الناس على حياتهم على أمنهم على استقرارهم، هم يسعون دَائماً إِلَـى استعباد الناس إِلَـى التحكم في الناس، ثم ليس للإنْسَـان في حياته ولا في ممتلكاته ولا في وجوده أيَّةُ قيمة لديهم، بكل بساطةٍ يستهدفُ لك قرية آهلة بالسكان، فيعمل على إبادة كُلّ سكانها ولا يبالي!!، المسألة لديه طبيعيةٌ كما تشرب أنت شربة ماء، أي حقد؟ أي إجْــرَام؟ أي طغيان؟ ولذلك تَأتي هذه اللهجة القوية والشديدة في القُـرْآن للتصدي لكل الأَشْرَار، والطُّـغَـاة، والفاسدين وهذه النزعة: نزعة الشر، العُـدْوَان، الإجْــرَام، لدى فريق من البشر على مر التأريخ.

الأشرار يحاربون الحق وحملته لأنه يعارض مساراتهم في استعباد الناس.

عندما نجدُ في القُـرْآن الكريم ونجد في التأريخ ما يحكيه اللهُ عن معاناة الأنبياء، الأنبياء هم أرقى الناس أَخْـلَاقاً ، أعظم الناس إيْمَـاناً وكرامة وحرصاً على مصلحة البشرية، هم أزكى الناس ، أهدى الناس ، هم أرقى الناس هم يُجَسِّدون الكمال الإنْسَـاني ، هم يجسدون القيَمَ الفطرية والإلهية في واقع الحياة ، الأَنْبيَاء بكل عظمتهم ، بكل كرامتهم ، بكل ما هم عليه ويتصفون به من الخير والهدى والزكاء وإرادة الخير للناس ، كان لهم أَعْدَاء، وكان الكثيرُ منهم يُقتَلُ ، ولذلك نجدُ أن اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيما عابه على بني إسْرَائيْل تجاه أنبيائهم قال عنهم: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}البقرة61 وفي آية أُخْرَى: {وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ}آل عمران112 يعني هناك كثيرٌ من الأَنْبيَاء قُتلوا ، هناك مَن لم يتحاش عن قتل نبي من أَنْبيَاء الله، فما بالك أن يتحاشى عن قتل أي أحد أي آخر، أي شخص، أي إنْسَـان.

الآن لو نهض مُحَمَّـدٌ بن عبدالله رسولُ الله وخاتمُ الأَنْبيَاء – صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله – إِلَـى الحياة مجدداً وأتى إِلَـى واقعنا في العالم الإسْـلَامي ومن داخل العالم الإسْـلَامي واللهِ لتَـحَـرّكَ الكثيرُ ممن ينتمون للإسلام لقتاله، لقتاله خدمةً لمصالح أعدائهم، وفيما يرونه مصلحة وهميةً وزائفةً لهم؛ لأنه بالتَأكيد في منهج الحَـقّ، في الدعوة إِلَـى العدل، في السعي لإقَـامَة الحَـقّ والخير، سيرونه معارضاً لمصالحهم ومساعيهم لاستعباد الناس.

 يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً}الفرقان31، ويقول تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ}الأنعام112، فهكذا واقع الحياة صراعٌ بين المنتمين إلى الخير وبين المنتمين إلى الشر، صراع حتى الأَنْبيَاء لم يسلموا كانوا في صراع، في مشاكل، كان لهم أَعْدَاء، والكثير من الأَنْبيَاء استشهدوا وهم في عِدادِ الشُّـهَدَاء.

يقول أَيْضاً عن بني إسْرَائيْل: {وَتَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}المائدة62 ، يقولُ عن قوى الكفر، والشرك، والنفاق، والطغيان ممن تفرغوا من القيم الإنْسَـانية والفطرية: {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً }التوبة10، لا يراعون لا عهود، ولا مواثيقَ، ولا قراباتٍ، ولا أي اعتبار أبداً. {وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ}التوبة10، يعني لديهم النزعة العُـدْوَانية؛ إذا كنتَ في واقع يسهل عليهِ أن يعتدي عليك يرى أمامه فرصة أَوْ أملاً في قهرك والتغلب عليك لن يتردد، سيبادرُ بالعُـدْوَان عليك.

 

لابد من تبني قوة لمواجهة الظالمين.

ولذلك كان الحل لواقع المؤمنين ولواقع المستضعفين لواقع الأَحْـرَار أن يسعوا لأن يكونوا قوةً في مواجَهة هذا التحدي، وجود أَشْرَار في واقع البشر، وجود طغاة، وجود مفسدين، وجود مستكبرين، وجود من لديهم نزعة عدائية وشريرة في استعباد الناس بغير حق، وقهرهم وإذْلَالهم والاستهتار بحياتهم، وجود من لا يمتلكون الرشد في الحياة، وخُصُوْصاً حينما يمتلكون القوةَ والإمْكَانات بدون رُشد، يمثل خطورة، يمثل تحدٍ، يستدعي أن يكون في مقابل هذا التحدي قوةٌ تقفُ بوجه هذا التحدي، تحرك يقف في وجه هذا التحدي.

ولذلك نجدُ من عجيب الحال أن قوى الشر والطغيان من المستوى العالمي، يعني نأتي اليوم إِلَـى أَمريكا مثلاً وإسْرَائيْل إِلَـى أذيالها الصغيرة يحاولون أن تنحصرَ فيهم القدرات والإمْكَانات العسكرية، وأن يسلبوا المستضعفين كُلَّ مقومات وقدرات الدفاع عن النفس، الدفاع عن الحياة، الدفاع عن الحُـرِّيَّة، الدفاع عن الكرامة، الدفاع عن الاستقلال، فيسعون لاضطهاد كُلّ الشعوب، وخُصُوْصاً حينما يشاهدونها تنشد الحُـرِّيَّة والاستقلال والعزة والكرامة. 

ما يحاربك عليه الظالمون هو… سعيك للتحرر من قبضتهم.

هذه مشكلة لديهم لا يمكن السكوت عليها، تريد أن تكون حراً هذه عندهم كارثة وأمر غير مقبول بتاتاً، تُعتبَرُ حينئذ متمرداً ويمكن أن يسوقوا الكثير والكثير من الصفات والتبريرات لاستهدافك ، يحاولون أن يكونوا هم وحدهم من يمتلكون القدرات، التي يتمكنون بها من الهيمنة والاستبداد والظلم والقهر والطغيان، وحينئذٍ يفعلون بالمستضعفين ما يشاؤون،  دونَ أن يجعل المستضعفون من أنفسهم قوةً مقتدرة تدافع عن النفس، عن الحُـرِّيَّة، عن الاستقلال، عن الكرامة.

والمشكلة عجيبة جداً، لأنهم هم قوة الشر، قوى الطغيان، قوى الإجْــرَام، التي من الخطر أن تمتلكَ هي قدرات كبيرة تضُرُّ بالناس، تؤذي البشرية، تسبب في واقع البشر المشاكل الكثيرة ، وتسلب البشرية  أمنها واستقرارها هذا ما هو حاصل اليوم.

التقصير والتفريط مكن الطغاة من امتلاك القوة التي دمروا بها البشرية.

هؤلاء الذين لا رشد لديهم، ولديهم نزعة الشر، والعُـدْوَان، والطغيان ، بيدهم الآن الإمْكَانات والمقدرات نتيجة حكاية طويلة من التقصير والتفريط عبر التأريخ، أوصل الواقع إِلَـى ما وصل إلَيْه، ولكن هؤلاء الذين لا رُشد لديهم نرى كم جلبوا بتلك الإمْكَانات والقدرات، الشر والويلات في واقع البشرية؟ كم جلبوا للبشرية من معاناة كبيرة؟ هل أَمريكا بكل ما لديها من إمْكَانات وهيمنة ونفوذ ومَن معها على المستوى الدولي والإقليمي،  وصولاً إِلَـى النظام السعودي، بكل تلك الإمْكَانات والمقدرات الهائلة، هل كان نتاجُ نفوذهم إمْكَاناتهم هيمنتهم قدراتهم إمْكَاناتهم خيراً في الحياة ؟ سلامةً للبشرية ؟ استقراراً في الواقع العالمي؟، أم أنهم إنَّمَـا جلبوا الشر، والويلات، والمصائب، والنكد، والنكبات إِلَـى واقع البشرية بشكل كبير؟ [مقتبس من خطاب الذكرى السنوية للشهيد 1437هـ]

 

 

قد يعجبك ايضا