صحيفة الحقيقة العدد”391″:القول السديد :دروس من خطابات ومحاضرات السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله

 

القول السديد

  • هل تتصور أن بإمكانك أن تمتلئ وعياً، وأن يتكامل وعيك وبصيرتك دون الرجوع إلى هدى الله؟ دون الاهتمام بهدى الله؟ هذا خطأ، هذا خطأ ويجب أن يزول.

حين غابت القيم تداعت علينا الأمم

للأسف الشديد وصلت الحالة بالكثير من أبناء الأمة أن عاشوا حالةً من نقص الوعي، ومن عدم الفهم بالعدو، بالواقع، بالظروف، بطبيعة الأحداث، بأسباب كثيرٍ من المشاكل، بخلفيات كثيرٍ من المواقف، إلى درجة عدم التمييز من نحن ومن هو هذا العدو الذي يستهدفنا، وما مستوى هذا الاستهداف، ثم عدم الوعي بمستوى الخطر الذي نعيشه، وأهمية أن نعود بكل جد إلى عناصر القوة لنستفيد منها في مواجهة هذه الأخطار، الكل يشعر بالمعاناة، الكل يتضايق من هذا الواقع الذي تعيشه الأمة، مستوى المعاناة، مستوى البؤس، مستوى المشاكل، مستوى التحديات أصبح بالرغم من حالة انعدام حالة الوعي لدى الكثير من أبناء الأمة، لكنه أصبح على نحوٍ يؤثِّر على الجميع، يدركه الجميع، حتى أموات الأحياء من هذه الأمة، الذين فقدوا الإحساس، فقدوا الوعي، فقدوا الاستشعار لكثيرٍ من الأمور المهمة، فقدوا الإحساس بالكرامة، فقدوا الإحساس بالعزة، فقدوا قيمة هذا الإسلام في كل ما فيه من قيم عظيمة، ومبادئ عظيمة، وتشريعات عظيمة، لو أخذت بها الأمة، حتى هؤلاء باتوا يدركون أنَّ الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية بشكلٍ عام في مختلف بلدانها وأقطارها هو واقعٌ مؤسف، وواقعٌ يتضايق منه الجميع، وواجبٌ محتم البحث عن مخرجٍ منه، عن معالجةٍ لمشاكله، وبناءً على ذلك عندما نعي أننا أمة مستهدفة، وأنَّ العدو يستهدفنا، ونرى يوماً بعد يوم الكثير من المشاكل، عندما نتأمل في واقعنا نجد أنَّ كثيراً مما نعانيه ليس وليداً لظرفنا، وليس طارئاً على حياتنا، نحن أمة- للأسف- لها كثير من المشاكل المتراكمة على مدى الزمن، عبر قرونٍ من الزمن تراكمت الكثير من المشاكل، من المعاناة، من الأخطار، من العوامل السلبية التي أضعفتها، أثَّرت عليها، أثَّرت في واقع حياتها، تركت تأثيراً سيئاً في كثيرٍ من أمورها.

كثيرٌ من القيم الإيمانية العظيمة والمهمة فقدت في واقع هذه الأمة، وغابت عن واقع هذه الأمة، ليس فقط نتيجةً للاستهداف الخارجي، ليس فقط بفعل ما يقوم به أعداء الأمة من خارج الأمة، ولكن على مدى الزمن لعبت تلك الفئات: فئة النفاق، ولعب الطغاة، والجبارون، والمضلون، وعلماء السوء، والجبابرة من داخل الأمة دوراً أساسياً في عملهم وسعيهم لتغييب تلك المفاهيم، تلك المبادئ، تلك القيم من واقع الأمة، حتى غابت في كثيرٍ من الزمن، في كثيرٍ من الأحيان، في كثيرٍ من الأقطار عن الواقع؛ حتى باتت النظرة إلى الدين نفسه، إلى الإيمان نفسه، إلى الإسلام نفسه، وكأنه لا يحمل تلك القيم، وكأنها ليست جزءاً منه، وكأنها ليست أساسيةً فيه، وكأنها ليست في جدول أعماله، وكأنها ليست جزءاً من برنامجه للحياة، وكأنها ليست جزءاً أساسياً منه كمشروعٍ للحياة؛ فغابت العدالة، وأتت الشرعنة للظلم، الشرعنة للطغيان من علماء السوء الذين برروا ذلك، وأتت حالة الانحراف التي نراها ماثلةً أمامنا في كيانات، في أنظمة، في حكومات، في جماعات تنتمي لهذه الأمة، وتقدِّم نفسها كجزءٍ من هذه الأمة، ثم هي تفعل كلما هو محرم في هذا الدين، ترتكب أبشع الجرائم، تعتدي، تظلم، توالي أعداء الأمة، تقف في معسكر أعداء الأمة، تتآمر على أبناء هذه الأمة… تفعل الأفاعيل الشنيعة والفظيعة التي لا تنسجم بأيِّ حالٍ من الأحوال مع هذا الدين، مع الإيمان في كل مضمونه، في مبادئه، في قيمه، في أخلاقه، في شرعه ونهجه.

مبدأ الاستقلال حصانة من العبودية والإذلال

عندما نأتي إلى مبدأ من المبادئ الإيمانية المهمة جدًّا في الإسلام، وهو مبدأ الاستقلال بمفهومه الإيماني، المنبثق عن مبدأ التوحيد لله -سبحانه وتعالى- الذي يجعل من هذه الأمة أمةً مستقلةً حرةً، لا تعيش حالة التبعية لأعدائها من الكافرين، الذين لهم في اتجاهاتهم، في أفكارهم، في برامجهم، في اهتماماتهم، مسارات منطلقة أولاً بحسب ما هم عليه من ضلال، من كفر، من باطل، ثم في نظرتهم العدائية لهذه الأمة، في موقفهم العدائي المؤكد من هذه الأمة.

الأمريكي والإسرائيلي الذي يتجه اليوم بعضٌ من أبناء الأمة لموالاته، ماذا يريده لنا كأمةٍ مسلمة، حتى لمن يتَّبعونه؟ أليس يريد لهم الهوان والضعة؟ أليس يحقد ويحتقر هذه الأمة؟ يحقد عليها ويحتقر أبناءها، ما يريده لهذه الأمة هو الشر، هو الضعف، هو الضياع، هو الهوان، هو أن تبقى أمةً ضعيفةً تحت سيطرته، تفتقر إليه في كل شيء، يعبث بها، يتحكم بمقدراتها وخيراتها، ينهب ثرواتها، يستغل أبناءها، يجعل منهم العوبةً بيده، يعملون له ما يشاؤه هو ويريده هو فيما يحقق مصلحته هو وليس مصلحة هذه الأمة، هذا ما يريدونه، هذا المبدأ مبدأ الاستقلال أننا كأمة لا يجوز ولا يمكن أبداً بحكم هذا الانتماء الإيماني أن نعيش حالة التبعية لأعدائنا، وأنه لا بدَّ أن نحقق لأنفسنا الاستقلال، ونسعى في هذا الاستقلال أن يكون استقلالاً ثقافياً، استقلالاً لا نعيش فيه حالة التبعية بأي شكلٍ من أشكالها، لا تبعيةً ثقافيةً وفكرية، لنا مفاهيمنا، لنا ثقافتنا، لنا فكرنا، ثقافتنا المنبثقة من آيات الله -سبحانه وتعالى- هذا المبدأ المهم، هذا المبدأ العظيم الذي يبنينا كأمةٍ مستقلة، ويحصننا من العبودية والإذلال والاستعمار لصالح أعداء الأمة، مبدأ إيماني، مبدأ مهم، مبدأ عظيم، ومبدأ بنَّاء، يجعلنا نتجه في هذه الحياة بشكلٍ عمليٍ وبنَّاء، ويحمينا من خطر كبير من جانب أعدائنا حتى لا نخضع لهم في حالةٍ من التبعية.

نجد فيه أيضاً عنصر قوة، يجعلنا ندرك ما معنى أن نكون أقوياء كأمةٍ لتستطيع أن تحقق لنفسها هذا الاستقلال الذي يحاربنا عليه العدو، العدو يحاربنا بكل أشكال المحاربة؛ ليضمن السيطرة علينا، السيطرة التامة، السيطرة الشاملة.

هنا نجد أن مفهوم الإيمان، وأن الهوية الإيمانية، وأن الانتماء الإيماني له أهمية كبيرة جدًّا كعنصر قوة، وكحاجة نحتاج إليها كأمةٍ مسلمة، فنلتفت من خلال هذه المناسبة إلى هذا المفهوم، إلى مدلول هذا الانتماء، إلى هذه الهوية بكل ما تعنيه، بكل علاقتها بواقع حياتنا.

عندما نعود إلى الإيمان كمنظومة متكاملة في مبادئه، في قيمه، في أخلاقه، ونجد أن واحداً من أهم قيم هذا الإيمان هو العزة، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: من الآية8]، ونعرف ما معنى أن نكون أعزاء، ما يعنيه لنا هذا في واقع حياتنا، في علاقتنا بالآخرين، في معركتنا مع الآخرين، ندرك قيمة هذا الإيمان، ماذا يريده الله لنا به؛ لأن الله هو الغني، غنيٌ عنا، غنيٌ عن إيماننا، لكن نحن من نحتاج إلى الإيمان؛ لأن الإيمان تتحقق به العزة، الإيمان في مبادئه وقيمه وأخلاقه تتحقق به العزة، يحقق لنا العزة بكل ما تعنيه، لا نعيش حالة الذل والهوان لصالح أعدائنا، لا نعيش حالة التبعية والارتهان والخنوع لهم والاستسلام لهم. |لا| بل نعيش حالةً من العزة والمنعة والكرامة؛ وبالتالي نتحرر من كل حالات الذلة والهوان والاستسلام والخنوع لأعداء الأمة.

هذه الحالة التي نرى عليها من يوالون أمريكا وإسرائيل، نراهم أمام أولئك في حالةٍ من الذلة، في حالةٍ من الخزي، في حالةٍ من الهوان، أولئك ينظرون إليهم باحتقار، يسمونهم بأسماء متعددة متنوعة، من مثل: البقرة الحلوب… وغيرها، يمتهنونهم، يسخرون منهم، يستغلونهم بشكلٍ واضح ومكشوف، ويتعاملون معهم بلا احترام، بلا كرامة، بلا مقدار، بلا قدر.

ولذلك نحن معنيون في أن نلتفت إلى هذا الانتماء في مدلوله العظيم، وما يحققه لنا مما تطمح إليه النفس البشرية، أوليس من مصلحتنا أن نكون في عزة؟ عزة من الله -سبحانه وتعالى- بتأييده، بمعونته، بنصره، عزة بكرامة وعظمة قيم هذا الدين، هذا الإيمان فيما يعنيه، فيما يتركه من أثر، فيما يصون به هذا الإنسان

قد يعجبك ايضا