عقيدة المواجهة في اليمن: سر عمقها ومنطلقاتها

تعترف الولايات المتحدة الأميركية عبر إعلامها، أن ضرب اليمن ومحاربته لن ينعكس ولن يرتدّ إلاّ سلباً على المحاولات العالمية للعب على كي وعي الشعوب في سبيل انقلابها على المقاومة كفكرة بالدرجة الأولى.. ماذا في سر عقيدة المقاومة في اليمن ومنطلقاتها إذا؟

“سنصرخ في وجه المستكبرين وإن كان البعض منا داخل أحزاب متعددة، سنصرخ أينما كنا نحن لا نزال يمنيين ولا نزال فوق ذلك مسلمين، أليس هذا الزمان هو زمن الحقائق ويتجلى فيه كل شيء؟ لا يجوز أن نسكت، بل يجب أن نكون سبّاقين، وأن نطلب من الآخرين أن يصرخوا في كل اجتماع.. وموقف بلادنا واضح”.

كلمات قالها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي قبل سنوات.. تلخص المأزق الذي تعيشه الولايات المتحدة اليوم، بارتكابها حماقة العدوان على اليمن، كونها تسلط الضوء على العقيدة اليمنية وثقافة المقاومة عند الشعب اليمني، إذ إنّ تكوين  هذا الشعب قائم على فكرة “العداء لقوى الشر في المنطقة أي الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وهو ما يعني أنّ المواجهة مع هذه القوى ليست حصراً على قرار صنعاء وقيادتها العسكرية فقط إنما تستند إلى أيديولوجية شعب بأكمله.

وهذا ما يترجمه الشعب اليمني على الأرض، عندما يخرج بتظاهرات مليونية إلى الشوارع تعبيراً عن دعمه للشعب الفلسطيني المظلوم في غزة وسائر فلسطين المحتلة، وتنديداً بالعدوان الإسرائيلي والدعم الأميركي له. وعبروا عن دعمهم بشتى الطرق حتى أنهم تناسوا جراحهم وخلافاتهم وأحزابهم وتعدد انتماءاتهم، وتوحدوا تحت قضية فلسطين ومظلومية أبنائها وأحقية أصحابها.

وهو ما أكده قائد حركة أنصار الله، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، قبل خطابه الأخير، إذ قال عن التفاعل الشعبي في اليمن دعماً لفلسطين إنّه “لا مثيل له في المنطقة والعالم”. مردفاً أنّ “إجماع الشعب اليمني على دعم فلسطين يتجاوز إجماعه في ما يخص قضاياه الخاصة، وأكبر دليل على ذلك المسيرات المليونية“، التي تخرج في اليمن تضامناً مع الشعب الفلسطيني وتنديداً بالعدوان الإسرائيلي والدعم الأميركي له.

التضامن اليمني الاستثنائي كان لافتاً بخروج مسيرات حاشدة بعد أقل من 3 ساعات على انطلاق ملحمة “طوفان الأقصى” دعماً لخيار الشعب الفلسطيني، وما تبعها من تظاهرات مركزية شبه يومية في محافظات يمنية عدة، بينها مناطق ترزح تحت الاحتلالين الإماراتي والسعودي.

وهذه التحركات ليست جديدة إنما هي بمنزلة مبادئ عاشت وتربت عليها أجيال من اليمنيين. اختلفت وتنوعت وتعاقبت مع مرور الأجيال بدءاً من المقاطعة للمنتوجات التي تدعم الاحتلال وصولاً إلى التظاهرات المليونية، والعنوان واحد “نصرة المظلومين”.

الاعتبار الديني في الفكر اليمني

الفكر اليمني المقاوم، انطلق من الاعتبار الديني، ووعيه بطبيعة التحرك الأميركي – الإسرائيلي في المنطقة ومشاريع التقسيم التي تحاك ضدها، وهو ما أثار المخاوف الأميركية والإسرائيلية، فـ”محاولة تغيير فكر شعب يكنّ عداءً تاريخياً لنا ليست بهذه السهولة بل يمكن القول إنه أمر مستحيل”، يقول الإعلام الإسرائيلي.

وعليه، فإنّ العدوان الأميركي – البريطاني مؤخراً على اليمن، “لن يرتدّ إلا سلباً على المحاولات العالمية للعب على كيّ وعي الشعوب في سبيل انقلابها على المقاومة كفكرة بالدرجة الأولى”، وهو ما تحدث عنه الإعلام الأميركي نفسه.

ومثال على ذلك، شبكة “سكاي نيوز” البريطانية، اعترفت بأنّ الضربات الأميركية والبريطانية تدفع مزيداً من اليمنيين إلى دعم أنصار الله في اليمن أكثر وأكثر، وهذا الأمر لا تحبّذه واشنطن ولندن على الإطلاق”.

وتأكيداً لعدم جدوى العدوان الأميركي – البريطاني على اليمن بسبب مواقفه الداعمة لغزة قولاً وفعلاً، نشرت وكالة “بلومبرغ” الأميركية، تقريراً أوضحت فيه أنّ هذه الضربات “لن تحقق مبتغاها”.

إرث تاريخي  يمني في العداء لـ”إسرائيل” وأميركا

وبفضل الهوية التي يتمتع بها الشعب اليمني القائمة على المبادئ الدينية والإسلامية والفكر المقاوم، استطاع اليمنيون وفي طليعتهم الجيش واللجان الشعبية إحباط المؤامرات التي حكيت لهذا البلد، ومؤخراً برز اليمن كلاعب دولي أساسي في معركة الدفاع عن فلسطين تخشاه قوى الغرب، وذلك عبر الضغط الذي شكله على الاحتلال الإسرائيلي والأميركي في سبيل وقف العدوان على غزة، من خلال استهدافه مناطق فلسطينية محتلة وأيضاً الدور المحوري الهام الذي يلعبه اليوم في البحر الأحمر عبر منعه مرور السفن الإسرائيلية أو تلك المرتبطة بالاحتلال من الوصول إلى موانئ فلسطين المحتلة، لتصبح المواجهة مؤخراً مباشرة مع واشنطن عبر استهداف سفينة لها رداً على اعتدائها على البحرية اليمنية، وهو ما يفتح باب المواجهة نحو التوسع أكثر فأكثر بعد العدوان الأميركي على اليمن.

وفي هذا الصدد، وتعليقاً على ما ذكر بالنسبة إلى العقيدة اليمنية والهوية الثقافية اليمنية الراسخة التي يحملها أهل اليمن، قال خالد موسى، عضو رابطة علماء اليمن للميادين نت، إن هناك عقيدة وثقافة تتعلقان بالعداء المشروع والمقدس للاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية.

فالعقيدة اليمنية، وفقاً لموسى، “التي يؤمن بها اليمنيون مستقاة من نور القرآن وبصائر دينية حددت للمسلمين البوصلة بوصلة العداء ضد أشد الناس عداوة للذين آمنوا”.

وأضاف أن هناك إرثاً تاريخياً صنع عقيدة راسخة وثقافة عدائية قوية وعميقة للصهيونية العالمية التي تدافع عن المحتلين وتشرعن ظلمهم وطغيانهم واحتلالهم للمقدسات وانتهاكهم للحرمات. ووفقاً له، إن “العداء المقدس والعادل للصهيونية مستوحى من ما سبق، إضافة إلى الدور التاريخي والكبير للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي الذي انبثق نوره القرآني وأسهم في إحياء ثقافة الموالاة والمعاداة في الوجدان الشعبي، وقدم لليمن والأمة كنزاً ثميناً من الدروس القرآنية لفهم طبيعة الصراع ومنطلقاته وأهدافه وسبل مواجهته”.

وفي ما يخص الحروب التي تشنها واشنطن وأدواتها على اليمن، قال موسى إن بلاده لم تهزم من قوى الاستكبار عبر مراحل التاريخ، بل أثبتت أنها قادرة على مواجهة هذه القوى بعزيمة وصبر وصمود وثبات شعبها وقوة مقاومته.

فاطمة فتوني

قد يعجبك ايضا