عملية «إلعاد»… إطاحة عيد الكيان بفأس

كاد أن يمر الخميس، هادئاً، رغم اقتحام مئات المستوطنين لباحات المسجد الأقصى، قبل أن تحمل ساعات المساء نبأ عملية جاءت على شاكلة غير متوقعة. شابٌ أو شابان اثنان، تمكنا من قتل ثلاثة مستوطنين وإصابة ستة آخرين، في مستوطنة «إلعاد» شرق تل أبيب، حدث يعقّد الحسابات الأمنية الإسرائيلية، والفرضيات أمام ردة الفعل الفلسطينية المتوقعة، لا على صعيد الأداة المستخدمة في التنفيذ فحسب، إنما على صعيد الجغرافيا.

حملت الأيام التي سبقت الخميس، نُذر جولة تصعيد وشيكة، استناداً إلى تهديد قائد حركة «حماس» في غزة يحيى السنوار، التي أكد فيها أن مشهدية اقتحام الجيش والمستوطنين لباحات المسجد الأقصى «يجب ألا تتكرر». وكان السنوار قد أكد في خطابه قبيل عيد الفطر، أن معركة المسجد الأقصى لن تنتهي بانتهاء رمضان بل ستبدأ بانتهائه. ودعا في كلمته الشعب الفلسطيني إلى التحضير لمعركة كبيرة إذا لم يكف الاحتلال عن الاعتداء على الأقصى، مشدداً على أن «العدو يريد تحويل المعركة إلى معركة دينية ونحن لها وقبلنا التحدي»، وطالب السنوار «كل فصائل المقاومة في قطاع غزة أن تكون على أهبة الاستعداد والجهوزية».
ومنذ صباح الخميس، اقتحمت أولى مجموعات المستوطنين باحات الأقصى، بدعوة من منظمة «الهيكل»، وخلال ساعات النهار وصل عدد المستوطنين الذين دخلوا باحات الأقصى إلى 792 مستوطناً، غير أنه كان ملاحظاً أن الشرطة الإسرائيلية حرصت على تمرير الحدث بمستوى مضبوط من الاستفزاز. وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، قيام شرطي إسرائيلي بمنع مستوطنة من رفع علم إسرائيلي. مشهدية رأى فيها بعض الفلسطينيين، نجاحاً لخطاب الردع الذي قدمه السنوار.
يشير مصدر في المقاومة في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «رفع سقف التهديد، تساور مع الاندفاعة الإسرائيلية في تطبيق مخطط التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، الذي كان من المقرر أن ينضج، تزامناً مع الذكرى الـ 74 لإقامة دولة الاحتلال، وأعياد الفصح».
ويتابع المصدر ذاته: «كان من المقرر أن يقتحم المسجد الأقصى خلال هذه الفترة أكثر من 22 ألف مستوطن، لكن الاستعداد الجدي لإشعال الفتيل، انتهى بمرور غير منجز واقعياً لجملة الأعياد والأحداث التاريخية، إذ لم يتجاوز عدد المستوطنين الذين اقتحموا الأقصى هامش الـ6 آلاف مستوطن، ولم يستطيعوا استثمار الواقع السياسي الإسرائيلي الداخلي ولا الإقليمي العربي المنساق وراء التطبيع، في إحداث تغيير للواقع التاريخي القائم في المدينة المقدسة».

غير أن مفاعيل مسلسل الاستفزاز الإسرائيلي، وإن لم تقد إلى اطلاق الصواريخ من غزة، فقد ساهم رفع مستوى التوتير وتسخين الميدان، إلى نضوج رد مقاوم في ساحات أخرى، أقل ما يمكن أن توصف به، إنها عبقرية ودقيقة

بينما أخذت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تهديدات المقاومة في غزة على محمل الجد، وأقدمت على نشر عدداً من بطاريات القبة الحديدية في عمق وصل إلى 100 كيلو متر حول القطاع، لم تستطع ولا بأي طريقة، إجراء فعل وقائي أمام عملية سينفذها شاب أو اثنان، بأدوات بسيطة يمكن أن تتوفر في قبو أو مطبخ كل بيت.

ومع تمكّن المنفذين الانسحاب من ميدان الحدث، وجد قادة الاحتلال ومن خلفهم المؤسسة الأمنية بكاملها (الشرطة، الجيش، الشاباك، وحتى وحدة نخبة مشاة الجيش «لوتر») أنفسهم في مطاردة لشابين أعزلين. فحوّلوا السهام باتجاه قائد حماس في غزة يحيى السنوار، بوصفه المحرض والداعي إلى فعل كهذا. إذ دعا عضو الكنيست الإسرائيلي ايتمار بن غفير، في مقابة مع «القناة 14» العبرية، إلى التوجه لغزة وقتل السنوار وتدمير منزل. كما تساءلت صفحة حزب «يمينا» الذي يتزعمه رئيس الوزارء الإسرائيلي نفتالي بينت عن «الغبي الذي أطلق سراح السنوار في صفقة التبادل».

تقع مستوطنة «إلعاد» إلى الشرق من العاصمة السياسية لكيان الاحتلال الذي يحتفل بذكرى «استقلاله» الـ 74. ويمكن القول، أن المستوطنة التي بنيت على أنقاض قرية المزيرعة المهجرة، هي واحدة من أبرز تجمعات التحريض على زيادة وتيرة الاستفزاز الديني للفلسطينيين، إذ يغلب على سكانها الصبغة الدينية المتطرفة.

و«إلعاد» اسم لجمعية استيطانية، تختصر جملة عبرية تعني: «إلى مدينة داوود» في إشارة إلى مدينة القدس، التي تزعم الروايات الصهيونية أن نبي الله داوود، أسس على تلة جنوب المسجد الأقصى قبل 3 آلاف عام، عاصمة دينية وروحانية للشعب اليهودي، وفق ما يذكر موقع الجمعية.

ربما اختار المنفذون ألا يسفر فعلهم عن إيذاء مجموعة من المستوطنين العاديين فحسب، إنما ضرب زمرة من دعائم الفكر الصهيوني، الذي ينظّر ويمارس ويقود فعل التهويد الديني للمعالم المقدسة.

وتتبدى عبقرية الفعل المقاوم، في اختيار زمانة الدقيق، عشية اليوم الذي تحتفل فيه إسرائيل باستقلالها. وربما جاء تعليق رئيس الكنيست الإسرائيلي ميكي ليفي، كما اشتهى منفذا العملية بالضبط، إذ قال معلقاً على العملية أن «فرحة ​الاستقلال​ انقلبت إلى يوم فظيع وحزين وهذا يعكس ثمن العيش في هذه البلاد».

 

 تقرير  – يوسف فارس

 

قد يعجبك ايضا