عن الأسلحة التي لا تصدأ في فلسطين: القدس أقرب

الحقيقة/شارل أبي نادر

في الوقائع والمعاني والإجراءات، لن يكون الاحتفال بمناسبة يوم القدس العالمي لهذا العام مختلفًا عما سبقه، حيث يتم الاحتفال السنوي بالذكرى التي حددها عام 1979 آية الله العظمى الإمام روح  الله الخميني داعيًا جميع مسلمي العالم لاحياء آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك لكل عام، تضامنًا وتعبيرًا عن رفض الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية وللقدس تحديدًا. ولكن، من الواضح أن الاحتفال بالذكرى لهذا العام، يحمل أبعادًا مختلفة، يمكن تحديدها بالتالي:
 
هبّة رمضان، والتي بدأت في الأراضي المحتلة في فلسطين مع بداية شهر رمضان المبارك، وحملت هذا العام أكثر من بعد ديني وقومي ووطني فلسطيني، فقد ناصرت كل فلسطين: القدس والضفة وقطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948، ناصرت أبناء القدس الذين واجهوا اجراءات العدو وحواجزه التعسفية في منطقة باب العامود، وحيث بدأ العدو اجراءاته وبثقة وعناد بأنه لن يتراجع عنها، أُجبِرَ مرغمًا على التراجع وإعادة آليات الدخول والتواجد في باب العامود كما كانت كل عام وخاصة في شهر رمضان المبارك.

هي هبة رمضانية، حملت وحدة فلسطينية لافتة في توقيتها ومضمونها، مدعومة بصواريخ المقاومة من غزة ضد المستوطنات، فكانت صادمة للعدو، وأجبرته على إعادة النظر بالكثير من مشاريع التغيير المرتقبة التي كان يحضِّرها لتوسيع مناورة تهويده للقدس.
 
عملية حاجز زعترة والتي حصلت عبر قيام مقاوم فلسطيني وبجرأة وبطولة غير مسبوقة، بإطلاق النار على حاجز لقوات الاحتلال في زعترة شمال الضفة الغربية، وجاءت كرد على جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة بحق أبناء الشعب الفلسطيني وخاصة جرائم التهجير والتهويد في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة.

ردة الفعل غير المنتظرة من كافة الشعب الفلسطيني على محاولات الاحتلال طرد عائلات فلسطينية من حي الجراح في القدس المحتلة، والتي كانت صادمة للعدو، في ما حملته من معاني الوحدة والتضامن الفلسطيني، لتأتي رسالة قائد هيئة الاركان في كتائب القسام ابو خالد محمد الضيف المزدوجة، للشعب الفلسطيني الصامد في حي الجراح تحية دعم وتضامن، وللعدو تحذيرًا واضحًا بوقف عدوانه ومحاولات اغتصابه للحي المقدسي “الجراح”، وبأن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي وسيدفع العدو الثمن غاليًا، ولتحمل هذه الرسالة في التوقيت وفي المضمون أكثر من بعد، سيكون العدو مجبرًا على قراءتها والتعامل معها جيدًا، وهذه الأبعاد هي:
 
رسالة دعم ووحدة، وهذه الوحدة هي أساس ثبات وصمود الشعب الفلسطيني، والتي ستكون جواز المرور الأكثر فعالية لاستعادة الحقوق والمقدسات المغتصبة.

رسالة مقاومة وصمود، فصحيح أن حي الجراح يمثل في المساحة أو في عدد السكان نسبة ضئيلة جدًا مقارنة مع ما تمثله الأراضي المحتلة في فلسطين، ولكنه يعبر عن مبدأ أساسي من مبادىء المقاومة، يقضي بالدفاع باللحم الحي عن التاريخ والمقدسات، وبعدم التنازل عن أي شبر من الأراضي مهما كانت الضغوط.
 
رسالة عملانية حاسمة، كونها صادرة عن كتائب القسام في حركة حماس، بما تمثله قدراتها وتاريخها وعملياتها وتجاربها بمواجهة العدو من مصداقية ومن بعد عسكري فعال.

رسالة وجدانية بما تحمله من معاني الدفاع عن خصوصية وتاريخ القدس الشريف، كنقطة الارتكاز في النضال والمقاومة ضد الاحتلال.

مقابل هذه الهبة الفلسطينية الرمضانية هذا العام، نجد هذا الاستشراس الصهيوني في متابعة الاعتداءات وتعميق اغتصاب الحقوق وخاصة في القدس. وهذا الاستشراس لدى العدو، والذي يعبر عن حالة من الضياع والخوف غير المسبوقين، يمكن تفسيره بالتالي:

مشكلة “اسرائيل” الحقيقية أو الفعلية ليست مع النووي الإيراني، أسلحة أو طاقة أو قدرات علمية (نووية)، وليست بالصواريخ الباليستية الايرانية أو بصواريخ حزب الله الدقيقة ومسيّراته، أو بصواريخ القسام الفعالة والموجعة في استهدافاتها لمستوطنات قطاع غزة أو للأراضي المحتلة الأبعد من الغلاف.

هذه المشاكل، وعلى الرغم من جديتها وحساسيتها وخطورتها، قد تجد “اسرائيل” لها حلا، ربما عبر السياسة الدولية المنحازة لها دائمًا، أو عبر  تقاعس أو تواطؤ مجلس الأمن معها، أو عبر حق النقض الأميركي الدائم لها، والجاهز لتغطية كل اعتداءاتها ومخالفاتها للقوانين الدولية.

أيضًا هذه المشاكل التي تواجه “اسرائيل”، قد تجد لها حلًا عبر قاذفات الجيل الخامس أو السادس أو عبر نماذج ومنظومات القبة الحديدية أو السهم  المختلفة القدرات والامكانيات، وقد تجد لها حلًا أيضًا عبر التطبيع مع أكبر عدد  ممكن  من الدول العربية، وذلك بعد أن تتوسع جبهة دعم الكيان بمواجهة جبهة مقاومته.. الخ.
 
ولكن مشكلة “اسرائيل” الحقيقية، والتي لن تجد لها حلًا مهما طال زمن احتلالها للأرض واغتصابها للحقوق، تكمن في حناجر أطفال فلسطين بمواجهة جنودها المدججين بالأسلحة، والمرعوبين والخائفين من صرخات ونظرات هؤلاء الأطفال الأبطال.

 مشكلة “اسرائيل” تكمن في قبضات شبان فلسطين في الضفة وغزة والقدس، حين يرفعونها بوجه ضباط وجنود الاحتلال عند كل مواجهة أو مظاهرة أو اعتصام.

مشكلة “اسرائيل” في لوعات ودمعات نساء وشيوخ فلسطين، حين تحفر عميقًا في ذاكرة التاريخ والقانون والحق والعدالة.
     
كل هذه الأسلحة التي يملكها أبناء فلسطين، تعتبر أسلحة لا تصدأ ولا تتآكل ولا تنتهي مدة مفعولها.. إنها أسلحة الطبيعة والتاريخ والجغرافيا والدين والحق والإيمان والغريزة.. سلاح الدهس أو سلاح الطعن واللذين يستعملهما فتية فلسطين ضد جنود الاحتلال، وكأنها أسلحة دمار شامل بالنسبة لعدو يغتصب الأرض والحقوق والمقدسات. يومًا بعد يوم، وبقدر ما تتسلح “اسرائيل” أكثر وتمتلك أسلحة وقدرات أكثر تطورًا، بقدر ما نشاهد ونسمع ونلمس الخوف الإسرائيلي يكبر ويتوسع أكثر والكوابيس والهواجس تكبر أكثر وأكثر.

ما كانت تمتنع عن ذكره مراكز أبحاثهم سابقًا لناحية الأخطار المحدقة بهم وبجبهتهم الداخلية لضآلتها بداية ربما، أو لأسباب أمنية أو معنوية ثانيًا، أصبحت تلك المراكز اليوم تجاهر به دون خجل وتعتبر أن الإفصاح عنه واجب ضروري لحفظ وحماية الأمن القومي الصهيوني، ويجب معالجته كأفضلية أولى من بين الإجراءات المفروضة.

عدم التوازن السياسي داخل الكيان الاسرائيلي، وعدم الاتفاق بين الأحزاب السياسية على الحكومة، والذي نشهده حاليًا، أسبابه الحقيقية ليست من الفساد المحيط بعمل المسؤولين، أو من سياسة تغليب المصالح الخاصة لهؤلاء أو بسبب الاختلاف في النظرة أو الرؤية حول استراتيجية المواجهة.. أسبابه الحقيقية هي الضياع والخوف من المستقبل الذي لم يعد مضمونًا ومن المصير الذي لم يعد آمنًا.

إنه الخوف من حتمية دفع فاتورة احتلال الأرض وسرقة الحقوق واغتصاب المقدسات.. إنه الخوف من المصير المحتوم -الزوال من المنطقة- الذي يشاهدون ويلمسون اقترابه يوما بعد يوم.

قد يعجبك ايضا