فجر جديد في تاريخ اليمن: تحرير محافظة البيضاء بالكامل

 

مثّل الانتصارُ التاريخي لأبطال الجيش واللجان الشعبيّة في محافظة البيضاء وتحريرُها بالكامل من قبضة الجماعات الإجرامية “داعش والقاعدة” نقلةً نوعيةً في مسار التطورات الميدانية، وضربة مؤلمة للعدوان الأمريكي السعوديّ لن ينساها على مدى سنوات قادمة؛ ولهذا فقد كانت تسمية آخر عملية في البيضاء بـ “فجر الحرية” ذات دلالة عميقة، وأهميّة بالغة.

وعلى امتداد السنوات الماضية، عُرفت البيضاء بأنها وكرٌ رئيسٌ للجماعات الإجرامية “داعش” و”القاعدة”، ومنها انطلقت مشاريعُ التكفيريين والإرهابيين لتشكل كابوساً على اليمن بأكمله، وعلى امتداد تلك المرتفعات الجبلية الشاهقة أقيمت المعسكرات، ومصانع الموت لهذه العناصر بدعمٍ خفي من واشنطن والسعوديّة التي جعلت منها جسر عبور لتنفيذ مشاريع أمريكا في اليمن.

وخلال عهد نظام الخائن صالح وعهد الفارّ عبد ربه منصور هادي، حاولت القواتُ المسلحة أكثرَ من مرة التوجّـه إلى البيضاء للقضاء على هذه العناصر، لكن تلك الحملات باءت بالفشل، أَو هكذا أريد لها.

لقد أراد العدوان بالفعل أن يجعلَ من هذه العناصر خنجراً مسموماً في خاصرة الشعب اليمني بحسب تأكيدات وزير الدفاع بحكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء، اللواء محمد ناصر العاطفي، الذي زار البيضاء مؤخّراً وتنقل ما بين الصومعة ومسورة وعدة مديريات، ليؤكّـد بما لا يدع مجالاً للشك أن كفةَ صنعاء هي الراجحة في البيضاء، وأن أوكار القاعدة قد تحطمت وإلى الأبد.

ويؤكّـد وزير الدفاع العاطفي أن أبطال الجيش واللجان الشعبيّة أفشلوا مخطّطاتِ العدوان وكانوا عند مستوى المسؤولية الوطنية في ترسيخ أسس الأمن والاستقرار في المديريتين وعلى امتداد محافظة البيضاء بأكملها، مُشيراً إلى أنه وبعد تحرير مديريتي الصومعة ومسورة مؤخّراً من عناصر داعش والقاعدة باتت محافظة البيضاء محرّرةً بشكل كامل من الإرهاب ومرتزِقة العدوان.

ويعتبر تعاوُنُ قبائل وأحرار البيضاء مع أبطال الجيش واللجان الشعبيّة أحدَ أبرز العوامل التي صنعت الانتصار في “فجر الحرية”، فالمعاناة التي لاقاها الناس خلالَ سنواتٍ كثيرة، جعلتهم يمدون أيديهم إلى صنعاء، ويقاتلون جنباً إلى جنب مع أبطال الجيش واللجان الشعبيّة، حتى تحقّق الانتصار الكبير، ولاحت بشائر الخير في كُـلّ ربوع محافظة البيضاء.

ومنذ بدء العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا في 26 مارس آذار سنة 2021م امتلأت مديريات وقرى البيضاء بالعناصر الإجرامية التي قدمت من الخارج.

وقال وزير الدفاع العاطفي: “دول تحالف العدوان استجلبت إلى اليمن كُـلّ الأدوات المشبوهة من مرتزِقة أجانب ومحليين وعناصر تكفيرية ومستشارين وضباط من جهاز الموساد الصهيوني وخبراء غربيين وبوارج وأساطيل وخلايا تجسسية إلى المحافظات المحتلّة والجزر والموانئ اليمنية تحت ذريعة مواجهة النفوذ الإيراني، فيما تؤكّـد الحقائق أنهم يسعون لتدمير اليمن ونهب ثرواته ومقدراته والهيمنة على موقعه الاستراتيجي على مستوى المنطقة والعالم”.

وَأَضَـافَ الوزير العاطفي: “كنا نريد من الغزاة المحتلّين أن يرحلوا من اليمن بماء الوجه، ولكن يبدو أنهم بغطرستهم وتجبرهم واستكبارهم يفضّلون الخروجَ مطرودين أذلاءَ صاغرين يجرون أذيالَ الهزيمة والانكسار والاندحار”.

من هنا نفهم أهميّةَ هذا الإنجاز العسكري الكبير لقواتنا المسلحة، فقد جاء ليطرد الغزاة أذلاء صاغرين من محافظة تعتبر أهم معقل للعناصر التكفيرية في اليمن.

وَأَضَـافَ المصدر بأن العملية الأمنية استمرت مواكبة للجُهد العسكري وهجوم الجيش واللجان الشعبيّة على مواقع وتحصينات التنظيمات التكفيرية والمرتزِقة في مديريتي الصومعة ومسورة، وجرى تقديم معلومات مواكبة للجيش واللجان الشعبيّة عن تحَرّكات ونشاط الجماعات التكفيرية والمرتزِقة، عبر غرفة عمليات مشتركة جرى إنشاءها بين الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة في محافظة البيضاء.

ولعل ما يميز هذه العملية كذلك هو تراكُمُ الإنجاز العسكري مع الإنجاز الأمني، حَيثُ كانت عملية استخباراتية بامتيَاز، فكان حجم المعلومات التي وفرتها الأجهزة الأمنية كفيل بتقليل المخاطر والخسائر في صفوف القوات المسلحة للجيش واللجان الشعبيّة.

وتكشف المعلوماتُ التي نشرتها الأجهزة الأمنية عن الوثائق والأحزمة والعبوات الناسفة مدى المخطّط القذر لهذه العناصر وتحضيراتها لقتل الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه، وأنه لولا تحرير هذه المحافظات من هؤلاء لتلقى الشعب اليمني الويلات وعلى مدى سنوات طويلة، كما أن هذه الوثائق والمعلومات أثبتت تورط هذه العناصر بالعدوان الأمريكي السعوديّ، واتضح ذلك من خلال الوثائق التي تم العثور عليها في مقار ومعسكرات الجماعات التفكيرية والمرتزِقة.

 

سقوطُ الأقنعة

وفي المؤشرات السياسية تعد محافظة البيضاء من المحافظات الاستراتيجية؛ نظراً إلى المميزات الكثيرة التي تتمتع بها، فالمحافظة، التي تتكون من 20 مديرية، توصف بأنها قلبُ اليمن؛ كونها تتوسط بين شمالي البلاد وجنوبها.

وتحاذي المحافظةُ أربعَ محافظات جنوبية، هي: (أبين ولحج والضالع وشبوة)، إضافةً إلى محاذاتها لأربع محافظات شمالية، هي: (مأرب وإب وذمار وصنعاء).

وجاء إعلانُ قوات الجيش ولجانه الشعبيّة على لسان ناطقه، العميد يحيى سريع، في بيان صحفي منتصف الشهر الفائت استكمال تحرير محافظة البيضاء والسيطرة عليها بشكل كامل ضمن عملية “فجر الحرية” ليمثل انتكاسة وهزيمة جديدة منيت بها قوات تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ ومرتزِقته وعناصره الإرهابية من قوات “داعش والقاعدة” التي كانت متواجدة سابقًا بشكل كبير في المحافظة.

ويوحي هذا الحسمُ في وقتٍ قياسي لم يتجاوز 72 ساعةً للسيطرة على محافظة البيضاء وتطهيرها من أي تواجد لقوات التحالف وعناصره الإرهابية داعش والقاعدة باستمرار تساقط جميع أوراق العدوان السعوديّ الأمريكي وفشل رهاناته وأطماعه في اليمن، وفي الجانب الآخر تثبيت معادلات ميدانية في ساحة المعركة أمام هذا العدوان، والقدرة العالية لمواجهة أي تهديد يمس هذه الأرض، بالإضافة إلى خلق واقع جديد وتحولات ميدانية كبرى فرضتها قوات الجيش واللجان الشعبيّة ببعده الاستراتيجي.

ويؤكّـد المحلل السياسي، الدكتور أنيس الأصبحي، أن عملية “فجر الحرية” تعتبر من أهم المعارك الاستراتيجية والحاسمة التي حقّق فيها الجيش واللجان الشعبيّة انتصارات متراكمة وعبر عمليات وخطط وعمليات استطلاعية، نجح الأبطال وخلال فترة قصيرة في استكمال تحرير محافظة البيضاء وضرب أكبر معاقل التنظيمات الإرهابية التي تم توظيفها وتنميتها ودعمها من دول العدوان بقيادة السعوديّة والإمارات وبدعم أمريكي صهيوني.

ويوضح الأصبحي في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أنه وخلال هذه العملية تم تحرير محافظة البيضاء بالكامل وتحرير مديرية الصومعة بالكامل وأجزاء من مكيراس ومديرية مسورة أي تحرير مساحة2700 كم٢ في المناطق ذات الأهميّة الاستراتيجية، مُشيراً إلى أن محافظة البيضاء تحتل موقعاً جغرافياً بالغ الأهميّة، حَيثُ تشتركُ حدودُها مع ثماني محافظات، وَهذا الموقع الاستراتيجي يجعل تحرير محافظة مأرب مهمة سهلة، كما أنه قد أسقط كُـلّ مخطّطات العدوان بتقسيم اليمن إلى أقاليم وبهذا سقطت مشاريع الأطماع للسيطرة على الثروات النفطية والغازية.

ويواصل الأصبحي قائلاً: وعلى الرغم من كُـلّ الإسناد الجوي لدول تحالف العدوان لكل تلك الجماعات الإرهابية والمرتزِقة فقد تم هزيمة تنظيم القاعدة وداعش والسيطرة على سبعة معسكرات وسقوط 230 ما بين قتيل وأسير وجريح، حَيثُ أظهرت المشاهد التي عرضها الإعلام الحربي للجيش واللجان الشعبيّة تلك الجماعات والمرتزِقة الإرهابية التي تم توظيفها من السعوديّة والإمارات وبدعم أمريكي صهيوني وهي أدَاة من أدواتهم وَإرهابهم المعولم بمشاهد مخزية لهم بينما هي فخر وعزة وكرامة لنا، مؤكّـدة سقوط مشروع الإرهاب وكل الخدع التي رسمتها الدوائرُ الأمريكية والبريطانية والصهيونية ومرتزِقتهم لأقلمة وتقسيم اليمن عبر الإرهاب وتدخلاتهم تحت تلك المسميات الفاشلة والمكشوفة.

 

بدايةُ النهاية للعدوان

ويتفق الكاتب والباحث، وجدي الصراري، مع الأصبحي في أهميّة تحرير محافظة البيضاء وموقعها الهام والاستراتيجي وتتوسط محافظات الجمهورية اليمنية عُمُـومًا وقلبها الذي يربطها ببقية المحافظات شمالاً وجنوباً.

ويؤكّـد الصراري في حديثه لصحيفة “المسيرة” أن البيضاء تقع في المنتصف تماماً وتربط الشمال بالجنوب وَأن هذا الربط الذي نتحدث عنه يتعدى الربط الجغرافي إلى الربط الثقافي والوجداني والإنساني لجميع محافظات الجمهورية اليمنية.

ويشير الصراري إلى تلك المخاطرة المحسوبة والضرورية عند فتح جبهة البيضاء؛ كونها أولاً بيئة صعبة ووعرة وتعكس في نفسها قوة وجلادة في وعي أهلها، إلى جانب كما نعرف جميعاً كانت هذه المحافظة مستهدفة من قبل العناصر الإرهابية بشكل مُستمرّ حتى قبل البداية العسكرية للعدوان السعوديّ الأمريكي علينا في شهر مارس من العام 2015م.

ويتابع الصراري حديثه: “في اللحظة الراهنة مثلت البيضاء لقوى العدوان جبهة لتخفيف الضغط عن مأرب من جهة ومن جهة أُخرى حلقة وصل مع المناطق المحتلّة في شبوة قبل تحريرها وبقية مناطق الجنوب”، مُضيفاً في النهاية نستطيع الذهاب بالقول إن تحرير محافظة البيضاء هو طريق لتحرير مأرب واستعادة ثروات الشعب المنهوبة وكذلك الذهاب لنهاية الحرب العدوانية على اليمن.

من ناحية التوقيت، فقد تزامن تحريرُ محافظة البيضاء بالكامل مع احتفالات الشعب اليمني بالذكرى السابعة لثورة 21 من سبتمبر، وَلهذا فَـإنَّ هذا الانتصار يؤكّـد صوابية الثورة في القضاء على الوصاية والهيمنة الخارجية، وأن اليمن يتوق إلى الحرية، والخروج من عباءة الغزاة والمحتلّين، وهي بذلك رسالة لكل العالم بأن اليمنيين ماضون في نهجهم الثوري الذي لا يقبل بأي شكل من الأشكال التدخل في شؤونه أَو انتهاك سيادته والعبث بمقدراته.

ويؤكّـد الكاتب والمحلل السياسي، صقر أبو حسن، أن قوات صنعاء باتت على تخوم مدينة مأرب، وقادة المرتزِقة يدفعون بالمرتزِقة الصغار للقتال، بينما هم يجدون الطريق إلى الفرار بعيدًا عن مأرب، منوِّهًا إلى أنه ومع توالي انتصارات الجيش واللجان الشعبيّة في محافظات مأرب والبيضاء وشبوة، وعلى وَقْعِ مدافع الأبطال في الخطوط الأمامية، تعود تلك المناطق إلى الحاضنة المجتمعية لليمن.

ويشير أبو حسن في كلامه لصحيفة “المسيرة” إلى أنه وفي محافظة واحدة “البيضاء” استطاع القاعدة وداعش أن يجدا لهما موطئ قدم، وينفذا منها عمليات إرهابية، وآخرها صلب طيب أسنان في مركز مديرية الصومعة قبل عدة أشهر، مُضيفاً بقوله: كانت القاعدة لها سطوة وحضورٌ كبيرٌ في تلك المناطق، إلَّا أن قوات الجيش واللجان الشعبيّة استطاعت أن تدفن الدعاية الإعلامية التي صنعت لهذين التنظيمين لإرعاب المجتمعات، حَيثُ كانت صرخات الأحرار في الجبهات أكثر رعباً بالنسبة لأعضاء القاعدة وداعش؛ لذا سارعوا في الفرار إلى مناطق أُخرى.

ومع تحرير مديريات في مأرب وشبوة يفقد التنظيمُ حضورَه الشعبي-كما يقول صقر أبو حسن- وسطَ تنامي الحاضنة الشعبيّة لأنصار الله كقوة تحرّرية وثورية حقيقية.

وينهي أبو حسن كلامَه بالتأكيد على أن عمليةً عسكريةً واحدةً استطاعت أن تعيدَ حسابات العالم إلى مدى القوة التي بات يمتلكها المقاتلُ اليمني، وأن خيارات التحرير للجيش واللجان الشعبيّة باتت مفتوحة؛ لذا لا ريب أن يسارعَ المطبخُ الإعلامي للعدوان للتغنِّي بالقضايا الإنسانية في المناطق التي شهدت للتوِّ التحرير.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا