فيتو أمريكي على السلام في اليمن وتمديد أمريكى لحالة الطوارئ

 الانتصارات التي تتحقق في اليمن وسوريا والعراق ولبنان وما يحصل في فلسطين هي في مجملها تحولات عميقة، وهي نواة للفعل الثوري المناهض لسياسة الاحتلال الأمريكي – الغربي الصهيوني الذي مزق المنطقة بالمؤامرات والحروب التدميرية، ولم تسلم اليمن من الدمار والخراب وسفك الدماء  وتجزئة كيانه، وتفكيكه إلى كنتونات مجتمعية متناحرة، بفعل هذا الاستهداف الممنهج وارتماء الساسة  في الحضن السعودي الإماراتي الأمريكي الصهيوني كأدوات لتمزيق اليمن وفتح الطريق لاحتلال اليمن، فانشاؤوا معا مليشيات مسلحة تقوم بهذا الدور إلى جانب القوات الغازية.

ما يحدث اليوم هي محاولات أمريكية – غربية – صهيونية لفك العلاقات بين الأقطاب العالمية والإقليمية التي تتشكل بقيادة الصين وروسيا وحلفائهما، وعرقلة ذلك بتلغيم وتوتير الاجواء في كل مناطق العالم وهذا التخبط الأمريكي الذي يفقد مكانته، وأيضا الأزمات العاصفة باقتصاده وحلفائه، جراء التضخم المتصاعد، وفشل سياسته العمياء في فرض أجنداته الاحتلالية, فيما باتت أوروبا تعاني الأمرين، وتشعر بأن السياسة الأمريكية ستقودها الى الانهيار المحقق، وأن الركود الاقتصادي أصبح على الأبواب يدق جرس انذاراته. في المقابل هناك إصرار لدى القطب الشرقي بعالم تعدد قطبي يسعى لجعل العالم أكثر امنًا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا واستراتيجياً كي تمارس الشعوب حقوقها في الوجود والتعاطي مع بعضها البعض.

ولعل وجود روسيا اليوم في الخط الأمامي في مواجهة العدوان الأمريكي و”الناتوي” هو اضعاف للمشروع الصهيوأمريكي وتقوية للمحور الاقتصادي العالمي الجديد. وبدأت امريكا والغرب تشعر أن هذا العالم الجديد أصبح قاب قوسين أو أدنى، وهناك مخاوف لدى الولايات المتحدة والناتو أنهم يخسرون مراكز نفوذهم  بشتى مستوياتها، وأن العالم يتغير فعليا، وهناك وضع جديد بعد الاتفاقيات الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية الايرانية – السعودية، وعودة سوريا إلى الحضن العربي التي ستنعكس على صورة المنطقة والعالم؛ وبالتالي فإن المحور الشرقي يخوض معركة وجود حضاري وثقافي، واقتصادي لوضع حد للامبريالية الغربية ومخططاتها الخبيثة في إعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط، وإعادة نفوذها بالاحتلال.

وتأسيسا على ما سبق فإن الولايات المتحدة عملت على  فرملة خطوات السعودية نحو عقد اتفاق سلام مع صنعاء، بعد أن كانت هذه المفاوضات قد خلقت بما حققته من تقدم نسبي في أجواء إيجابية. حيث أعلن البيت الأبيض، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن وجّه رسالة إلى الكونغرس الخميس بشأن تمديد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن. في وقت أعلن المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندر كينغ، والسفير السعودي محمد آل الجابر في تصريحين منفصلين الخميس عن صعوبات حول السلام في اليمن، في مؤشر جديد على تنسيق أمريكي سعودي للتبرم من تفاهمات صنعاء والرياض .

 الأخيرة اذعنت لضغوط البيت الأبيض باستمرار دعم الحرب في اليمن، وتحاول حاليا المناورة لسحب يدها من  الطاولة، وإبقاء الصراع على الساحة اليمنية من خلال دعم الفصائل الموالية لها بالمال والسلاح .

وقال مصدر سياسي في صنعاء إنه على الرغم من الحديث عن جولة جديدة من المفاوضات في صنعاء، إلا أن السعودية استجابت للضغوط الأمريكية، وتنصلت عن الالتزامت التي كانت قد قطعتها الشهر الماضي.

فرملة الخطوات السعودية من قبل واشنطن جاء عن طريق الالتزام للرياض بدعمها لاستمرار الحرب، وطرح رؤية جديدة للحل في اليمن، تقتضي ربط الملف الإنساني بحدوث انفراج سياسي بين الأطراف اليمنية، وتنأى بالسعودية عن تحمل أي التزامات، أو مسؤوليات نتيجة الحرب التي قادتها بدعم أمريكي مباشر. وبالتوازي مع هذه الرؤية عادت السعودية لتقديم نفسها بدور الوسيط، حيث قال السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر: “إن الرياض تعتبر نفسها أكثر من وسيط”، بل ذهب آل جابر أبعد من ذلك وزعم أن لدى بلاده علاقة مع جميع اليمنيين، بمن فيهم الحوثيين، وأنها ستستخدم نفوذها لإقناع جميع اليمنيين بالجلوس على الطاولة.

ولأن آل جابر يدرك أن لعب السعودية لهذا الدور غير مقبول، ألقى باللوم على الطرفين اليمنيين، قائلا إنهم “يرفضان الجلوس معًا” في الوقت الراهن، على الرغم من إعلان رشاد العليمي الذي تم تعيينه من قبل الرياض في أبريل العام الماضي رئيسا لما يسمى مجلس القيادة دعا صنعاء للقبول بوساطة السعودية، والموافقة على مقترحاتها، إلا أن العليمي لا يملك ترف الخيارات، أو يملك القرار أصلا كي يوافق أو يرفض على ما تطرحه السعودية.

تعتبر صنعاء أن من السذاجة إعفاء التحالف من تبعات الحرب، عبر السماح بلعب السعودية دور الوسيط، وسبق أن أعلن القائد السيد عبدالملك الحوثي في خطاب عام أنه :”لا يمكن أن يتحول دور من قدم نفسه منذ بداية العدوان بصفة قائد الحرب ومنفذ للعمليات الهجومية على بلدنا إلى مجرد وسيط “

 وأضاف: لسنا سذجا، أو أغبياء ولا يمكن أن نعفي تحالف العدوان من التزامات هي عليه أساسا وهي استحقاقات مشروعة لشعبنا.

تنطلق الرؤية السعودية الجديدة من الرؤية الأمريكية التي سبق وأن أعلنها المبعوث الأمريكي تيم ليندركينغ في أكثر من موقف، وآخر ذلك في تصريح لصحيفة الشرق الأوسط أن قضية دفع المرتبات وباقي القضايا لا يمكن حلها إلا من خلال حوار سياسي يمني-يمني.

قالت مجلة ذا انترسبت إن قضية دفع المرتبات كانت قضية شائكة، ليس للسعودية فحسب، ولكن للولايات المتحدة أيضا، مشيرة إلى تصريح ليندركينغ أن مطالب الحوثيين بدفع المرتبات مستحيلة.

ونشرت المجلة وثائق مسربة عن البنتاغون تكشف قلق واشنطن من مفاوضات صنعاء -الرياض، ونوهت إلى أن الدبلوماسيين الأمريكيين هرعوا إلى السعودية لتأكيد الدعم الأمريكي لاستمرار الحرب.

بالإضافة إلى ذلك واصلت الولايات المتحدة تحريض السعودية على العودة إلى الحرب، عبر إثارة مخاوفها من هجمات صنعاء، واستمرار ما زعمت أنه “دعم إيراني”

وكان المبعوث الأمريكي  تيم ليندركينغ، قد زعم في تصريح لوكالة رويترز يوم الخميس أن إيران رغم اتفاقها مع السعودية “تواصل تسليح الحوثيين، وتجهيزهم لتنفيذ هجمات ضد المملكة”.

ومنذ الحديث عن مفاوضات ثنائية بين صنعاء والرياض في أكتوبر العام الماضي، زعمت القوات الأمريكية بشكل متكرر عن ضبط أسلحة إيرانية كانت في طريقها إلى الحوثيين، وهي مزاعم رفضتها إيران، واعتبرها مراقبون ضمن منع أي تقدم نحو حل الأزمة السياسية في اليمن لا يضمن المصالح الأمريكية.

من الواضح أن واشنطن تخشى فقدان نفوذها في اليمن والمنطقة بشكل عام، وقد أرسلت كبار دبلوماسييها مطلع الأسبوع الجاري إلى الرياض لمناقشة ملف المفاوضات.

التطورات الأخيرة في رمضان يمكن تفسيرها على أنها دليل على أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تفقدان نفوذهما في اليمن. لهذا تأتي إشارة السفير الأمريكي السابق إلى اليمن جيرالد فيرستاين في العام 2019 عندما قال:” إنه لا يمكن أن تنتهي الحرب في اليمن بدون أن يكون هناك حكومة في صنعاء تعمل مع الولايات المتحدة، وتحقق مصالحها في المنطقة.

أخفقت الولايات المتحدة في تحقيق هذا الهدف عسكريا، وتعمل في الوقت الحالي على دعم فصائل موالية لها، ذات دوافع انفصالية.

وبحسب وثيقة تم تسريبها من وزارة العدل الأمريكية تم توقيع عقد بين شركة الدعاية الأمريكية”Hyperfocal Communications” من أجل حملة ضغط لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي التابع للإمارات في الوسط السياسي الأمريكي، بهدف دعم توجه الانتقالي نحو الانفصال.

قال مدير الشركة تايم فيليبس في مقابلة إن تبني حملة الانتقالي هو من أجل أن يكون صديقا للولايات المتحدة، لأن أي مفاوضات سلام تفضي إلى إيجاد حكومة مركزية موحدة تحكم البلاد مع بقاء الحوثيين في موقع مهيمن سيكون ضد مصلحة الولايات المتحدة.

ومع استمرار مماطلة التحالف والتحركات الأمريكية الرافضة للسلام، تؤكد صنعاء رفضها لبقاء حالة اللاحرب واللاسلم، كما ترفض تعلل السعودية بالضغوط الأمريكية، وتؤكد عزمها على اتخاذ الخيارات التي تجبر الطرف على الآخر على السلام العادل.

قال رئيس المجلس السياسي مهدي المشاط في لقائه مع المبعوث الأممي هانس غرودنبرغ إن أمريكا وبريطانيا اللتان تعيقان السلام في اليمن، لن تكونا بعيدتان عن التصعيد إذا عادت الحرب، فيما أكد وزير الدفاع في صنعاء، اللواء الركن محمد ناصر العاطفي، أن “ما لم يتحقق للشعب اليمني في استعادة حقوقه المنهوبة بالحل السياسي، سيتحقق بطرق أخرى تتلاءم مع غطرسة العدو وغيه ومماطلته وتلكؤه”،

وأشار الوزير العاطفي خلال ترؤس اجتماع موسع ضم قيادات وضباط القوات البحرية والدفاع الساحلي في قوات صنعاء: إذا عادت الحرب فإنها لن تبقى في اليمن، بل ستنتقل إلى عمق دول التحالف.

قد يعجبك ايضا