الأسس القرآنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي للأُمَّة ..في رحاب البرنامج الرمضاني:(1)

يُؤكِّد الشهيد القائد/ السيد حسين بدر الدين الحوثي على ضرورة تحقيق التنمية الزراعية، والاكتفاء الذاتي الغذائي للأُمَّة، فلم يكن تناوله لقضايا الأُمَّة، مُجرَّد حلول نظرية على الورق، بل تجلت المنهجية القرآنية في تناول قضايا الأُمَّة، وتشخيصها، ومن ثم تقديم الحلول الناجعة، والعملية، للخروج مما تعانيه الأُمَّة، والتي يجب أن تقوم بها للخروج من واقعها السيئ.

وإزاء ذلك، يُبيِّن الشهيد القائد أن وضعية الأُمَّة تفرض عليها الاهتمام بزراعة القوت الضروري (الحبوب، والبقوليات الأُخرى)، وهذا يحتاج إلى دعمٍ إلهي، ودعمٍ من الدولة أيضاً، يقول:“…إن كان في الواقع أن وضعيتنا تفرض علينا أن نهتم بزراعة الأشياء التي هي ضرورية بالنسبة لنا كالحبوب، والبقوليات الأخرى، ولكن هذا يحتاج إلى دعم من الدولة، وأيضاً يحتاج إلى دعم إلهي”.

العودة إلى الله للحصول على الدعم الإلهي:

إن الجانب الزراعي مهمٌ جداً في استمرار حياة الإنسان، سواء أكان في حالة صراع وحرب، أو سِلم، فالله سبحانه وتعالى هيأ الأمور للنَّاس، حيث بسط الأرض، وجعلها قابلة للزراعة، وجعل في باطنها الماء الكثير، وينزل الغيث، ويتكفل برعاية المحصول الذي تم بذره في باطن التربة، حتى يصل إلى مرحلة الحصاد، فيجني الإنسان ثمرة الزراعة، ويضمن استمرار حياته، ومعيشته.

وفي سياق ذلك، يُبيِّن السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن جزءاً كبيراً من الاحتياجات الأساسية للنَّاس، في كثيرٍ من شؤون حياتهم يرتبط بالإنتاج الزراعي، والمحاصيل الزراعية التي تعتمد على الماء، حيث يقول: “لو جئنا مثلاً إلى دراسةِ الاحتياجات الأساسيةِ للناسِ في الحياة، جزءٌ كبيرٌ من هذه الاحتياجات جزءٌ كبير وأساسيٌ في طعامِهم وفي مَلابسِهم وفي كثيرٍ من شؤون حياتِهم يرتبطُ بالزراعةِ، بالإنتاج الزراعي، الإنتاجُ الزراعي فيه طعامُنا فيه قُوتُنا الضروري، القمح، الإدام، الطعامُ يأتي من أين؟ من الزراعة، من المحاصيل الزراعية ومن المُنتجَات الزراعية، الملابسُ كذلك، جزءٌ كبيرٌ منها يأتي من الزراعة، من القُطن، من الكتَّان، من منتجاتٍ زراعيةٍ أخرى هي أساسية، وأيضاً الثروةِ الحيوانيةِ، والثروةُ الحيوانيةُ هي جزءٌ أساسي من احتياجاتِنا سواءً للِّحُومِ أو للألبانِ ومُشتقاتها، “الزبادي” الذي يَعتمدُ عليهِ أكثرُ اليمنيين، أو “الجُبنةُ” أو غيرُ ذلك من مُشتقات الألبان هي كثيرة، وكذلك فيما يتعلقُ بالملابس فيما يتعلق بالفُرُشِ يتعلقُ بالثروةِ الحيوانية، البقر، الأبل، الغنم، الماعز.

الثروةُ الحيوانيةُ تعتمدُ على الزراعة، وهي كذلك تحتاجُ إلى العَلَفِ، “والعَلف يشتي مطر والمطر من الله”، كلُها تشتي في النهايةِ، المحاصيلُ الزراعية تعتمدُ على الماءِ على المطر، فالله يقول {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} (الجن، الآية: 16)“.

وتمثل الموارد المائية أهم المُرتكزات التي تقوم عليها التنمية الزراعية، وعند الحديث عن تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء، فلابُدّ من الحديث عن توافر المياه الذي تعتبر صمام أمان للزراعة، فالاهتمام بالثروة المائية، والمحافظة عليها، وتنظيم استخداماتها، مسألة في غاية الأهميَّة؛ لأن المياه بالمحصلة تشكل عصب وشريان الحياة.

وفي خضمِّ ذلك، يُؤكِّد الشهيد القائد بأن الحياة والأرزاق مُرتبطةٌ بالماء، ويتجه إلى أكثر من ذلك وبيان أن الحرية ونصر الدين مُرتبطٌ بالماء أيضاً، يقول: “الحياة مرتبطة بالماء، الأرزاق مرتبطة بالماء، بل حريتنا مرتبطة بالماء، بل نصر ديننا مرتبط بالماء…”، ويُشير إلى الأهميَّة الكبرى للماء في أنه: “أساس الحياة، هو عمود الحياة: حياة الأرض، وحياة الأنفس، بل حياة الإيمان، حياة الدين، بل حياة الأمة، عزتها كرامتها”.

مسألة النمو الاقتصادي ليست مرتبطة بالأرض فقط:  

يشخِّص الشهيد القائد مكامن الداء، ويُقدِّم الدواء المفُيد، ويُبيِّن أن مسألة النمو الاقتصادي هي قضيةٌ ليست مرتبطة بالأرض فقط، وإنما مرتبطة بعلاقة النَّاس مع الله عزَّ وجلّ، حيث يقول: “…إن مسألة النمو الاقتصادي هي قضية ليست كلها مرتبطة بالأرض فقط، أيضاً هي مرتبطة بعلاقة الناس مع الله {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(الأعراف:96). ولو لم يكونوا إلا سكاناً قليلاً، وبلادهم واسعة جداً، تجد عندهم أزمات اقتصادية، تجد عندهم مجاعات، تجد عندهم سوء تغذية، تجد عندهم حالة سيئة”.

وفي هذا الصدد، يُبيِّن الشهيد القائد أن الأُمَّة قد فسدت، وأن شحة الامطار، وقلتها مردّه ذلك الفساد المُستشري في المجتمع، يقول: “نحن قد فسدنا، نحن فسدنا فلم تعد البركات بالشكل الذي كنا نسمع عن أجيال سابقة، الأمطار قلَّت، أليس كذلك؟ الأنهار أيضاً قلت وانتهى بعضها، وتلك المناطق التي كان يعتمد الناس فيها على الآبار الارتوازية أيضاً قلت المياه فيها بشكل كبير”.

ومردّ ذلك كما يُبيِّنه الشهيد القائد هو الفساد المستشري في مختلف المجالات، المالية، والإدارية، والقضائية، والأمنية، والتعليمية، والصحية، يقول: “…أو لسنا نسمع من الدولة نفسها أنهم يشكون من الفساد المالي، والفساد الإداري، والفساد في القضاء، وفي الجانب الأمني وفي مختلف المجالات، في الجانب التعليمي، في الجانب الصحي، في مجالات كثيرة، ألسنا نسمع وهم يشكون؟

ألستم تسمعون برنامج يقدم [من هو المسئول] أليسوا يعالجون فيه أو يتحدث من المسؤول عن أخطاء في هذا المجال، أو هذا المجال، أو هذا المجال، فساد على مستوى الدولة والشعب؟”.

ويُؤكِّد الشهيد القائد أن السماء، والأرض لم تعد تعطي بركاتها، وأن النَّاس أصبحوا غير مُتمكنين من زراعة الحبوب، والبقوليات الأُخرى، حتى يوفروا ويؤمنِّوا الغذاء لأنفسهم، حيث يقول: “{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} (الروم: من الآية:41فلم ير الناس أنفسهم متمكنين من زراعة الحبوب، ومن زراعة البقوليات الأخرى حتى يوفروا أو يؤمنّوا غذاءهم لأنفسهم, يؤمنّوا لأنفسهم الغذاء. السماء لم تعد تعطي بركاتها، الأرض لم تعد تعطي بركاتها، فسدنا كلنا، كبيراً وصغيراً، كما قال الإمام علي (عليه السلام) ((إذا فسد السلطان فسد الزمان))”.

ويُذَّكر الشهيد القائد النَّاس بحقيقةٍ هامةٍ تتضمن أن المياه في اليمن قبل نحو خمسة وعشرين سنة كانت تتدفق في كل مكان، وكان النَّاس لا يرون أنفسهم بحاجةٍ إلى أن يحفروا خزانات، يقول: “ألسنا هنا في اليمن نسمع من قبل سنين من قبل نحو عشرين سنة، أو خمسة وعشرين سنة، كانت مياه الأودية تتدفق في كل مكان، وكان الناس لا يرون أنفسهم بحاجة إلى أن يحفروا خزانات، وكان إذا كان هناك [بركة] في منطقة تقريباً لا أحد يحتاج إليها إلا في النادر، وكانت بركة واحدة قد لا يكون عمقها أكثر من ثلاثة أمتار تكفي قرية بأكملها، الأمطار كل أسبوع، كل ثاني أسبوع، كل شهر، كل ثاني شهر، وهكذا والأودية الماء يتدفق فيها, لا أحد يحتاج إلى أن يسقي”.

ويتساءل: “ما الذي حصل الآن؟ الماء كاد أن يختفي كاد أن يغور، حتى أمام أولئك الذين يحفرون مئات الأمتار في عمق الأرض يغور الماء ويختفي ما هذا؟ ما هذا؟ هل أن هناك أحواض؟ [صحنة] تحت صنعاء أو [صحنة] تحت صعدة فيها ماء، الإرتوازات تأخذ منها تكاد أن تنجح؟”.

ويُبيِّن السبب الرئيس في ذلك بالقول: “الله هو الذي جعل في الأرض يوم دحاها، يوم هيأها للمعيشة {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} (النازعـات:31) هو هو من قال:{فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أخذناهم بما كانوا يكسبون، أخذناهم في [صعدة]، أخذناهم في [فوط]، أخذناهم في [زبيد]، أخذناهم في مناطق أخرى، أخذناهم في محافظات أخرى، أليس هذا هو ما نشاهده؟. {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} (الملك:30)”.

الهوامش:

 السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، سلسلة معرفة الله، نعم الله، الدرس الخامس، 2002م.

– السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، سلسلة دروس شهر رمضان المبارك، سورة البقرة، الدرس التاسع، 1424هـ -2003م.

– السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي، سلسلة المحاضرات الرمضانية، المحاضرة الثانية عشرة، 1440هـ.

قد يعجبك ايضا