قراءة في خطاب السيد عبدالملك في ذكرى الهجرة و الاستقلال || علي احمد جاحز

استطاع السيد عبدالملك في خطابه الاخير عشية المناسبتين العظيمتين ذكرى الهجرة النبوية الشريفة و الذكرى 52 لثورة 14 اكتوبر ثورة الاستقلال المجيدة ، استطاع ان يسقط الماضي بتفاصيله و مراحله و نتائجه على الحاضر بتداعياته و تشكلاته ، ليكون خطابه في مجمله تعبويا ثوريا ثابتا على مبادئ و اسس لا تؤثر فيها المتغيرات ، اوصل خلاله رسائل للداخل و الخارج ان المعركة التي يواجهها اليمن و اليمنيون هي معركة مصير و لا مجال فيها للمساومة بثوابت الوطن ، مستدعيا شواهد التاريخ و امثلته للدلالة على صوابية قرار الصمود والنضال الذي اتخذه الشعب اليمني امام اصرار الغزاة على مواصلة مشروعهم و مؤامراتهم ضد اليمن رغم كل المحاولات والتنازلات التي قدمت في مسقط ، باعتبار ان هذا هو نهج اليمن و هذه هي كيمياء الانسان اليمني عبر التاريخ سواء في تاريخ مسيرة الرسالة النبوية او في تاريخ مواجهة الاستعمار.

وحين تحدث عن ذكرى الهجرة النبوية على صاحبها افضل الصلاة وعلى اله ، لم يكن حديثه وعظيا كما قد يعتقد البعض بل كان حديثا فكريا تاريخيا بامتياز، تخللته اسقاطات دقيقة لدلالات التاريخ وحيثياته على تفاصيل و حيثيات الحاضر ، سيما فيما يخص مفهوم النضال لاجل المبادئ الانسانية وقيم الحق و العدل ، متجسدا في مراحل النضال النبوي الذي بدأ بمواجهة قوى الجاهلية دون ان يضع في اعتباره فارق القوة و التاييد، برغم العوائق والحملات التي استهدفت رسالة الاسلام التي حملها النبي صلوات الله عليه وعلى اله ، وصلت الرسالة في النتيجة ، غير ان ذلك لم يأت بالتمني بل بتضحيات جسام ، وهو ما استطاع السيد عبدالملك ان يسقطه على واقع اليمنيين اليوم و هم يواجهون الجاهلية الجديدة حاملين رسالة التحرر و العدالة التي حملتها رسالة الاسلام نفسها للبشرية في كل زمان و مكان .

و في سياق حديثه عن مرحلة الهجرة التي كانت مرحلة مفصلية في مسيرة الرسالة النبوية ركز السيد القائد على دور اليمنيين ممثلين بالاوس والخزرج في نصرة رسالة الاسلام و اعتماد النبي صلوات الله عليه و اله عليهم في ان يكونوا الحاضنة البديلة عن قريش للرسالة ونالوا شرف النصرة ليكونوا هم الانصار ، معتبرا ان التاريخ لايمكن ان ينفصل عن الحاضر و ان اليمنيين هم اليمنيون في اخلاقهم و سلوكهم و ميلهم الفطري نحو نصرة الحق و احتضان المشروع الفاضل ، باعتبار ان مجتمع الانصار ” اليمنيون ” مختلف جذريا عن مجتمع قريش ، وفي سياق اسقاط المشهد التاريخي على الواقع اليوم يرى السيد ان هذا هو المجتمع اليمني في قيمه التي جعلت منه مجتمعا حاضنا للاسلام ، و هو اليوم يحمل ذات القيم النبيلة وهو يواجه الجاهلية الحديثة الممثلة في السعودية و من يقف معها باعتبارها قريش اليوم .

ويعود السيد عبدالملك ليتناول الجاهلية التي خسرت شرف احتضان رسالة الفضيلة و العدالة والتي برغم ما شنته من حروب و ما ارتكبته من ممارسات بحق من حملوا راية الاسلام مع النبي انهزمت في النهاية ، يتناولها السيد بكونها انموذجا يمكن اسقاطه على الجاهلية اليوم التي تسيطر على الواقع وتلحق بالبشر المزيد والمزيد من المعاناة وهو ما يعني حتمية سقوطها و هزيمتها مهما امتلكت من قوة، معتبرا ان الوجه التكفيري الوهابي للجاهلية الحديثة يتحالف اليوم مع الصهيونية ، في انعكاس متطابق للجاهلية التي تحالفت مع اليهود ضد الرسالة النبوية في الماضي ، بكونهما حليفين تاريخيين متشابهين في كل مراحل التاريخ وان اختلفت الوجوه فالمشروع واحد ، و ” لا يختلف واقع التكفيريين اليوم عن واقع الصهاينة ، فكلاهما براء من حقيقة واقع و مبادئ الانبياء ” هكذا خلص السيد في حديثه عن تحالف الشر اليوم بوضعه في معمل التاريخ ، معتبرا ان ” ما يواجهه شعبنا من هجمة عدوانية ظالمة اليوم هي امتداد لممارسات ابو جهل و مجتمع الشرك بحق حملة الرسالة النبوية رسالة الحرية والعدالة ”

ويستفيض السيد خلال حديثه عن الهجرة النبوية وتسليط الضوء على نقاط محورية في مسيرة الرسالة المحمدية، في استدعاء الدلائل على واحدية القضية والهدف والمشكلة والحلول بين التاريخ و الحاضر و استمرارية المعركة بين رسالة الحرية و العدالة و الخير و الحق و بين من يقفون بوجهها ، فقريش واجهت مبادئ الرسالة النبوية بكل اشكال الصد و التكذيب وبالكثير من الادعاءات و الاتهامات لشخص الرسول رغم انهم كانوا يعرفونه ، و رغم ذلك كانوا يلاحظون ان بنيان الدين كان يزداد اتساعا فاتجهوا الى التامر على شخص النبي صلى الله عليه و اله ، وهو ما يمكن اسقاطه على ما يجري اليوم من تامر على كل مشروع يحمل مشعل تلك الرسالة الانسانية في اصولها والتي جاءت معنية بالانسان و بحريته و كرامته ، و بكون مجتمع قريش كان مجتمع استعباد البشر فانه واجه حملة رسالة الحرية ، كانما يريد السيد ان يخلص الى مملكة ال سعود و حلفاءها ممن يستعبدون البشر حاليا يجمعهم بمجتمع قريش نفس الخوف من أي مشروع يحمل مشعل الحرية والعدالة . و هذا ليس ظلما بحق ال سعود و حلفهم بل هو تطابق تاريخي اساسه نفس الحقد و نفس المخاوف من نفس الرسالة و نفس المبادئ .

وفي سياق اسقاط صورة الماضي على صورة الحاضر يحيلنا السيد عبدالملك الى كون النظام السعودي الان يستغل البيت الحرام و الحج لحصد الاموال الكثيرة ويستغل سيطرته عليه على المستوى السياسي و سائر المستويات ، في حين يفترض ان يكون الحج و البيت الحرام و المقدسات مستغلة في نشر قيم الحق و الحرية و العدالة كما كان الرسول يستغلها في الاجتماع بوفود الحجاج و التجار في موسم الحج ليعرفهم بمادئ الاسلام وقيمه وهذا كان مهما في ايصال الاسلام الى اماكن كثيرة ، مذكرا ، ويرى السيد ان الوصول الى هذه الحالة التي يصفها بالجاهلية الجديدة هو ان الاسلام تعرض لحملات تشويه كبيرة من قبل ابنائه على فترات مختلفة في التاريخ و يتحمل تبعات ممارسات ظلامية اوصلت الامة الى مأزق الضلال وسيطرة ثقافة التكفيريين و الارهابيين والتخلي عن المبادئ النبيلة وممارسة الظلم و الطغيان باسم الاسلام و ما الى ذلك ، موجها بوصلة الحديث الى ما يجري في المنطقة عموما و في اليمن خصوصا .

ثم ينتقل الى محور اخر في خطابه مشيرا الى تزامن ذكرى الهجرة مع ذكرى ثورة 14 اكتوبر باعتبار الاخيرة هي ذكرى العز والكرامة والحرية و الاستقلال ، وعلى وقع التطورات التي تشهدها اليمن كان حديث السيد القائد عن تاريخ الاستعمار و النضال في سبيل الاستقلال ميدانا واسعا يتسع للتعبئة والحشد بوجه الاحتلال و الاستعمار الجديد الذي تتعرض له مناطق الجنوب اليمني اليوم ، ومن هذا المنطلق يجزم السيد عبدالملك ان النتيجة هي الاستقلال و التحرر طالما وان هناك احرار و شرفاء في اليمن ، مذكرا بان المستعمر البريطاني كان قويا حين احتل اليمن و كان له الكثير من العملاء و المرتزقة الذين اشتراهم اضافة الى انه تمكن من احتلال اجزاء واسعة في البلد ومع ذلك عندما تحرك الشعب بجد و صدق واهتمام كان النصر حليف هذا الشعب الذي بالفعل طرد المستعمر و تحرر و استقل .

وفي سياق تناوله المستفيض لمخاطر الاستعمار ومخاطر القبول به و الاستهانة بالاستسلام له يستحضر جزئية مهمة وهي ان حقبة الاستعمار لم تحض بمساحة كافية في المناهج الدراسة باعتباره هو سبب ما تعانيه الامة من تفكك و صراعات و ضعف وتدنيس للمقدسات ، كما لم يفت السيد ان يذكر بان الاستعمار البريطاني و الامريكي هما من صنع الكيان الاسرائيلي في جسد الامة ككيان سرطاني ، و هو الذي انشأ الكيان السعودي ليقوم بدور تخريبي وينشر الافات و الفتن و الحروب والمشاكل بين ابناء الامة ، وهو بهذا يحذر من خطورة ما يتركه المستعمر من مشاريع هدامة ومصائب و مآسي يزرعها في طريق اجيال قادمة ، وكشف خلال خطابه ان اسرائيل مشاركة في العدوان على بلدنا و ” نقلت قبل ايام العديد من الاسلحة و القنابل الى خميس مشيط لضربنا ” ، وهي المرة الاولى التي يفصح فيها بكل وضوح ان اسرائيل و الكيان السعودي وجهان لمشروع واحد وكيانان رديفان .

ولم يكن ليفوته في سياق خطابه التعبوي ان يفكك عقد و اشكالات الواقع التي صنعها المستعمر الجديد في الوعي وفي النفسية المجتمعية باعتبار ان هذا الشعب وهذا البلد تعرض في كثير من مراحل تاريخه للاستعمار والاضطهاد و العدوان ، مهونا من تأثير كل ما تشهده اليمن من هجوم و من اعتداء ومن تهويل ، ويرسل رسائله للمجتمع الذي تؤثر عليه الشائعات معتبرا ان عملية التهويل و التخويف و ترسيخ حالة الهلع و الاستسلام التي يبثها اعلام العدو و مرتزقته هي جزء من فصول الحرب واداة من ادواتها ، محذرا من التأثر بها ، و هذا يعكس مدى وعيه باهمية و تاثير مثل هذه التفاصيل التي يترفع البعض من التعاطي معها .

ويعود للتعبئة و الحشد كملاذ وحيد لمواجهة الغزو الجديد ، مشددا على وجوب ان يتحرك الجميع شبابا وشيوخا رجال اعمال و عسكريين و اصحاب خبرات كل بما لديه ، وبدا من خلال خطابه ان خيارات المساومة على الثوابت وعلى الحرية و الاستقلال ليست مطروحة ويقول ” لايمكن ان نضحي بكرامتنا و حريتنا و استقلالنا و سندافع عن ارضنا و عرضنا و شرفنا ماحيينا و هذه هي مسؤليتنا وهو ما نحن مستمرون عليه ” ، وهو ما يفهم منه الكثير من الامور على راسها ان المعركة لاتزال طويلة و ان اليمن لاتزال تمتلك الكثير مما يؤهلها لتواجه العدو الغازي ، وفيه ايضا رسائل لمن يطرح و يلمح بخيار الاستسلام و يفترضه ولو افتراضا مفادها اذا تخلى ضعفاء النفوس لن نتخلى .

وفي ذات الصدد يكشف السيد القائد ان التنازلات لم تعد باي نتيجة ، معتبرا ان المشاورات في عمان و الموافقة على النقاط السبع قوبلت برفض سعودي و اصرار على مواصلة العدوان و الاحتلال لبلدنا ، مؤكدا ان خيار المواجهة هو الحل لا سواه ، وهو اذ يعتبر تلك التنازلات اسقاط حجة ودرء للذرائع وكشف للنوايا ، فان ما يفهم من تناوله لتلك الجزئية ان الميدان هو الحكم بعد ان اصبح العالم كله يعي ويعرف و يتواطأ مع العدوان و تعنته ، ويشدد على ان لا مجال لليأس نهائيا في معركة التحرر و الاستقلال .

السيد القائد عبدالملك الحوثي تحدث عن جرائم العدوان باستفاضة و بشاعة ما يفعله بالشعب و تواطؤ العالم معه ، و لم ينس ان يعري الخونة و يحملهم مسؤلية ما يتعرض له اليمن ارضا و شعبا و مقدرات ، باعتبارهم الورقة التي يستخدمها العدو ليفرغ احقاده ويصفي حساباته مع هذا الشعب ، وتعودنا دائما من هذا القائد الشاب انه لا يمكن ان يطرح وعدا دون ان يفي به ، ولهذا طرح وعدا بان ينتصر اليمن ويتحرر اليمن و يخرج الغزاة ، وهو يثق ويعتمد على الله وعلى عدالة القضية وعلى ارادة هذا الشعب و ايمانه بقضيته و على تلاحمه وشجاعته و على نخوته و غيرته الضاربة في جذور التاريخ .

قد يعجبك ايضا