كالمستجير من الرمضاء بالنار …أحلام شرف الدين
كثيرا ما كنت أسمع ذلك البيت العربي الأصيل:
المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار, لكنني كنت أرى فيه نوعا من المبالغة ولا أجد إنصافا في تشبيه عمرو بالنار فشتان بينهما ولم أكن أتخيل أن عمرو قادر على الكي ومزاولة عمل النيران وأن الاستجارة به كالاستجارة بالنار تماما مع اختلاف في المسميات وتوافق في الأهداف والرسائل أما اليوم فقد أدركت بخبرتي في هذا الصنف من الكائنات المتمثلة في عمرو أنني كنت على حق فلا وجه للتشبيه بينهما فعمرو داء لا دواء له في حين تتداوى من لذعة النار وقد تتداوى بها في أحايين كثيرة.
هكذا حال الواحد منا في اليمن ترفعنا كلمة وتخفضنا أخرى فبنظرة طيبة من الطرف الآخر نلبي له ما شاء وتمنى وبكلمة معسولة نرمي وراء ظهورنا سنوات من الآه وأياما من الألم وبابتسامة صفراء نوقع له على كم من الأوراق البيضاء كل ذلك وأكثر جاء ردة فعل لابتسامة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين.
لقد صرنا في حاجة ماسة لاستجداء حدسنا واستفتاء قلوبنا لتقدير الأشياء على حقيقتها فقد فشلنا في استخدام العقل وخسرنا حين رجحنا كفة العاطفة, ثم ما الغرابة في ذلك فعلم الفراسة من أشهر علوم الفراسة وأقواها على الإطلاق ألا يكفي أنه يصف لك نوايا عبد ربه هادي من أول نظرة ويقرأ في تقاسيم مؤتمر جنيف الغدر ويشتم من مفاوضات الكويت المكر والخديعة ويجعلك ثابتا على موقفك منذ صعودك طائرة الذهاب وإلى أن تصعدها للإياب عائدا إلى وطنك كما ذهبت مرتديا كل الثوابت الوطنية والمعتقدات الإنسانية التي لا ترضخ للخطأ مرتين ولا تغرق في بحر فرعون.
كم يملك ذلك الرأي الذي يخرج رأسه ثم يدسه في التراب ليواري سوءة عمله, فبعد كل تلك الدماء وبعد أن بذلنا أغلى من نملك من إخواننا وأهلينا ثم نعود إلى بداية السطر من كتاب العمالة والارتزاق لكنني لا أعتقد أن هناك من يحمل قطرة دم يمني في جسده يقبل مثل هذا الاستسلام ويرضى هكذا قرارات خائنة لليمن شعبا ووطنا ولا نامت أعين الجبناء!