كيف نهيئ أنفسنا لاستقبال شهر رمضان المبارك؟ { وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ }

 

{ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } كيف نهيئ أنفسنا لاستقبال شهر رمضان المبارك؟

شهر رمضان المبارك الذي نصوم فيه، هو شهر الصيام الفريضة، الذي فرضه الله “سبحانه وتعالى” كركنٍ عظيمٍ من أركان الإسلام، فالصيام بالشهر نفسه بما فيه من البركات، بما فيه من الخيرات، بما فيه من الفرصة المتاحة، التي هيَّأها الله “سبحانه وتعالى” لعباده، موسمٌ عظيم، موسمٌ للتزود بالتقوى، موسمٌ تربويٌ عظيمٌ، يساعد الإنسان على تزكية النفس، على الارتقاء الروحي والأخلاقي والإيماني، الظروف فيه مهيَّأة لتنمية العلاقة الإيمانية بالله “سبحانه وتعالى”، بما لذلك من أثرٍ إيجابيٍ عظيمٍ في نفس الإنسان ومشاعره، التي تكتسب بشعور القرب من الله “سبحانه وتعالى”: الطمأنينة، والأنس، والسعادة، والهدوء النفسي، والثقة، والرجاء، والأمل الإيجابي، وكل المعاني الخيِّرة، ويحس الإنسان فيها بازدهار الحالة الخيِّرة في وجدانه، كلما زكت نفسه أكثر؛ كلما شعر بذلك أكثر، فيحس بقيمته الإنسانية، بما فيها من معانٍ سامية، من مشاعر إيجابية، من معانٍ عظيمة، من سموٍ نحو الأمور العظيمة والكبيرة…

التهيئة الذهنية لاستقبال شهر رمضان

التهيؤ الذهني النفسي، والاستعداد المسبق، وتحضير الأولويات، التي ستكون محط اهتمام لدى الإنسان خلال الشهر الكريم، هذه مسألة مهمة جداً، والإنسان المؤمن عادةً من واقع انتمائه الإيماني، مشاعره الإيمانية، وبحكم وعيه واهتماماته الإيمانية، هو أصلاً يكون توَّاقاً ومشتاقاً لشهر رمضان المبارك؛ لأنه يشعر حتى في وجدانه أنه يعيش في شهر رمضان المبارك أجواء خاصة، على مستوى الراحة النفسية، الاطمئنان النفسي، الشعور بالقرب من الله “سبحانه وتعالى” أكثر.

رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” في سياق التهيئة الذهنية المسبقة، والتهيئة النفسية، والاستعداد المسبق، كان مما أُثِرَ عنه في ذلك: خطابٌ مهمٌ جداً، سنقرأ نصاً، أو بعضاً منه، ثم نتحدث على ضوء ذلك باختصارٍ إن شاء الله: 

((عن أمير المؤمنين عليٍّ “عليه السلام”، قال: خطب رسول الله “صلى الله عليه وعلى آله وسلم” في آخر جمعةٍ من شهر شعبان فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس: إنه قد أظلكم شهرٌ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر وهو شهر رمضان فرض الله “عزَّ وجلَّ” صيامه وجعل قيام ليلةٍ منه بتطوع صلاة، كمن تطوَّع سبعين ليلةً فيما سواه من الشهور، وجعل لمن تطوَّع فيه بخصلةٍ من خصال الخير والبر، كأجر من أدَّى فريضةً من فرائض الله “عزَّ وجلَّ” فيما سواه ومن أدَّى فريضةً من فرائض الله “عزَّ وجلَّ” فيه، كمن أدَّى سبعين فريضةً من فرائض الله “عزَّ وجلَّ” فيما سواه من الشهور، وهو شهر الصبر، وإنَّ الصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة وهو شهرٌ يزيد الله فيه أرزاق المؤمنين، ومن فطَّر فيه مؤمناً صائماً؛ كان له بذلك عند الله “عزَّ وجلَّ” عتق رقبة، ومغفرةٌ لذنوبه فيما مضى، فقيل له: يا رسول الله ليس كلنا يقدر على أن يفطر صائماً فقال: إنَّ الله تعالى كريم، يعطي هذا الثواب من لا يقدر إلَّا على مُذقةٍ من لبن يفطِّر بها صائماً يفطِّر بها صائماً، أو بشربةٍ من ماء عذبٍ، أو تميراتٍ لا يقدر على أكثر من ذلك، ومن خفف فيه عن مملوكه؛ خفف الله “عزَّ وجلَّ” حسابه فهو شهرٌ أوله رحمة، ووسطه مغفرة، وآخره إجابةٌ وعتقٌ من النار …إلخ)

  • أولا: أهمية هذا الشهر المبارك(شهرٌ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر):

شهر رمضان فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، فيه ليلة القدر، وفي ليلة القدر نزول القرآن الكريم، القرآن الذي شأنه عظيمٌ جداً، نور الله لعباده، هديه لعباده، كما قال الله “سبحانه وتعالى”: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: من الآية185]، وكما قال “جلَّ شأنه”: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر: الآية1].  

ولذلك من الأولويات الرئيسية خلال شهر رمضان المبارك، التي يقرر الإنسان- مع الاستعانة بالله- أن تكون من أولوياته: الاهتمام بالقرآن، العناية بتلاوته، التركيز على التدبر له، الاستفادة بهديه، العلاقة بالقرآن الكريم هي علاقة اهتداء، كيف نهتدي بالقرآن الكريم، فنكتسب من خلاله الوعي، فنتزكى من خلاله، نستفيد منه ما هو شفاءٌ لصدورنا، ما نتزكى به، ما نصلح به، ما نعالج به كل الإشكاليات والرواسب السلبية التي نعاني منها في مشاعرنا في نفوسنا، فنتزكى، ونصفو، ونستقيم، فالقرآن الكريم على مستوى التلاوة، والتدبر، والاهتمام بهديه، من أهم الأولويات التي ينبغي التركيز عليها في شهر رمضان المبارك. 

  • ثانيا: فضيلة العمل الصالح في شهر رمضان:

من ضمن الاهتمامات في شهر رمضان المبارك: الاهتمامات العبادية، يعني: ذكر الله “سبحانه وتعالى”، التطوع بالصلاة، الصلاة النافلة، والعناية بذكر الله “سبحانه وتعالى” بشكلٍ واسع، الإكثار من ذكر الله “سبحانه وتعالى”، هذا الإكثار من ذكر الله “سبحانه وتعالى”، والتطوع بالنافلة الصلاة، هو يروي ظمأنا الروحي.  

الجانب الروحي هو جانبٌ أساسيٌ في حياة الإنسان المؤمن، في حياة الإنسان المؤمن، الذكر لله “سبحانه وتعالى” بالقلب والمشاعر والوجدان واللسان مسألةٌ ذات أهميةٍ كبيرة جداً في الإيمان، وفي حياة الإنسان المؤمن، وبعدٌ أو جانبٌ إيمانيٌ أساسي. 

الإنسان المؤمن من خلال العلاقة الروحية بالله “جلَّ شأنه”، الذكر لله بالقلب واللسان، الشعور بالقرب من الله “سبحانه وتعالى”، هو يكتسب حالةً من الطمأنينة تمثل أعظم طاقة لمواجهة التحديات مهما بلغت، ولذلك يكون لذلك أثر كبير في مسيرة حياته، في مواقفه، في أعماله، في تحمله، في إيجابيته في الحياة، في إيجابيته في الحياة.  

الله “جلَّ شأنه” هو القائل في القرآن الكريم: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}[البقرة: الآية152]، {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}، كلمة عظيمة، عظيمة الشأن، عظيمة الشأن، الله يذكرك برحمته، بفضله، بألطافه، بمعونته، يرعاك، يمنحك حتى على مستوى المشاعر النفسية، يمنحك السكينة، يمنحك السكينة، يربط على قلبك، يقدِّم لك الدعم المعنوي الذي تحس به في نفسك، واليسر في شؤون حياتك، يفرِّج عنك الهموم الكبيرة، يصلح لك الأمور العظيمة، يهيئ لك الأشياء الكثيرة وفق حكمته ورحمته وعلمه “سبحانه وتعالى”، هذا جانبٌ مهم.  

  • شهر رمضان موسم الأرباح

شهر رمضان موسم تأتي فيه الأرباح الكبيرة في العمل الصالح، الأجر فيه مضاعف إلى مستوى عظيم؛ أمَّا في ليلة القدر فإلى مستوى يفوق التخيل، فيمكن للإنسان مثلاً خلال شهر رمضان المبارك مع التقوى، مع التقوى؛ لأنها أساس لقبول العمل، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة: من الآية27]، أن يكسب في رصيده من الأجر، والحسنات، والمنزلة عند الله، أن يكسب الشيء الكثير جداً، يعني: أهم من سوق تجارية رابحة جداً يحصل الإنسان على أرباح هائلة، تحصل على رصيد عظيم جداً، قد يفوق مدة زمنية طويلة مضت من حياتك. 

 

شهر الصبر

ثم يقول عنه: ((وهو شهر الصبر))، هذا عطاؤه التربوي، عطاء شهر رمضان على المستوى التربوي، ((شهر الصبر))، نحن نتعود فيه على الصبر، بكل ما للصبر من أهمية كبيرة جداً، في نجاحنا في هذه الحياة وفي فلاحنا، في نجاتنا وفي فوزنا، كل الأمور المهمة التي يأمل فيها الإنسان لخيره في الدنيا والآخرة متوقفةٌ على الصبر، لا بدَّ فيها من الصبر، ((الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد))، الصبر لا بدَّ منه لكي نفلح، نفوز، نسعد، لكي نحقق النتائج العظيمة فيما فيه الخير لنا في الدنيا والآخرة، لا بدَّ من الصبر، مسألة ضرورية الصبر، لا بدَّ منه، أن يكون لدينا تحمل، تحمل للصعوبات، للمشاق، للتحديات، وهو في البدء حالة نفسية، عزم، قوة إرادة، قوة تحمل بالتالي.  

((وهو شهر الصبر))، نحتاج إلى الصبر في الاستقامة، في مواجهة الإغراءات والشهوات، نحتاج إلى الصبر في النهوض بمسؤولياتنا، مسؤولياتنا الجهادية، مسؤولياتنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مسؤولياتنا في مواجهة الباطل، والطغاة، والظالمين، والجائرين، والمستكبرين، نحتاج إلى الصبر في مواجهة التحديات والصعوبات، نحتاج إلى الصبر في كل ذلك، فلا بدَّ من الصبر، هذا الزمن المفلحون فيه، الفائزون فيه، الأقوياء فيه، الناجحون فيه هم الصابرون، هم الصابرون، من يتوفقون للنهوض بمسؤولياتهم، للقيام بواجباتهم، لأن يحقق الله على أيديهم ما وعد به؛ لأن وعوده ارتبطت بالصبر: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال: من الآية66]، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال: من الآية46]، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: من الآية146].  

((وإنَّ الصبر ثوابه الجنة))، وما أعظم صبر المرابطين! هنيئاً لهم في شهر رمضان في الجبهات ما يحظون به من الأجر على صبرهم وهم يرابطون، وما يضاعفه الله لهم من الأجر والحسنات، لاحظوا ثمرة الصبر، كان أيضاً في شهر رمضان المبارك أبرز وأهم الأحداث التاريخية المصيرية، التي هيَّأ الله من خلالها تحولات كبيرة في مسيرة الإسلام والمسلمين: غزوة بدرٍ الكبرى، يوم الفرقان، يوم الفرقان، الذي سمَّاه الله يوم الفرقان في سورة الأنفال في شهر رمضان، فتح مكة، بما ترتب عليه من تحولات كبيرة، ونتائج عظيمة، وحدث تاريخي عظيم، وتحولي، نتجت عنه تحولات ومتغيرات كبرى في مسيرة الرسول والرسالة والإسلام والمسلمين، كان في شهر رمضان، هذه قيمة تربوية ترتقي وتنهض بالأمة بالمجتمع المؤمن إلى مرتقيات أو إلى مستويات عظيمة ترفع مستوى أدائهم لمسؤولياتهم؛ وبالتالي يترتب على ذلك نجاحات عملية كبيرة. 

شهر المواساة

((وهو شهر المواساة))، المواساة عنوان مهم من عناوين هذا الشهر القادم، شهر المواساة، شهر العطاء، شهرٌ بروحيتك الخيِّرة تفكر فيه بالآخرين، بالفقراء، بالمساكين، بالمكروبين، بالمحتاجين، شهرٌ تتجاوز فيه أنانيتك، تفكيرك الشخصي، انشغالك الذهني الدائم بواقعك الشخصي، فتفكر في مساحةٍ أوسع، بدافعٍ إيماني، بروحٍ خيِّرة، بنفسيةٍ زاكية، بدافعٍ إيمانيٍ عظيم، فتتلمس في واقعك المحتاجين، الفقراء، فتتجه إلى مساعدتهم. 

أول عنوان للمساعدة هو: الإطعام،  لأن من أشد أنواع المعاناة: الجوع، ترى الإنسان الفقير أكثر وأكبر ما يمكن أن يكون مهموماً، عندما لا يجد الطعام لأسرته، يقول لك: [يا أخي ما معي غداء لأسرتي، ما معي لهم عشاء، ما معي لهم فطور أو سحور] حسب الزمان والأوقات ما بين شهر رمضان وغيره، ترى المهموم بهمِّ لقمة العيش، بهمِّ إطعام أسرته، يحمل من الهم والألم والغم ما لا يحمله غيره، همه كبير.  

 ((ما آمن، قيل مَنْ يا رسول الله؟ من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم))، إذا أنت تمسي (تنام) ممتلئ البطن، شبعان، وجارك جائع، وأنت تعلم أنه جائع فلا تبالي ولا تكترث لحاله. 

ولذلك من أهم ما يجب الحرص عليه في شهر رمضان، ومن الأولويات المهمة التي ينبغي أن تكون لدى كل إنسانٍ مؤمن: المساعدة للآخرين، وفي المقدِّمة في الطعام،  مساعدتهم في توفير طعامهم، العناية بالمحتاجين في ذلك، وأجر ذلك كبيرٌ جداً عند الله، الله “سبحانه وتعالى” عندما قال في القرآن الكريم: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}[البلد: 11-16]، لنقتحم في شهر رمضان هذه العقبات، لننال هذا الشرف الكبير، لنرتقي المرتقى الإيماني والإنساني والأخلاقي بعطائنا، وإحساننا، واهتمامنا بفقرائنا ومساكيننا، عندما تنتشر هذه الروح الإيجابية في أوساط المجتمع. 

((ومن فطَّر فيه مؤمناً صائماً، كان له بذلك عند الله “عزَّ وجلَّ” عتق رقبة، ومغفرةٌ لذنوبه فيما مضى))، يستفيد الإنسان فائدة كبيرة جداً كأجر عظيم، ومن أسباب المغفرة، أسباب المغفرة للإنسان المؤمن التواب إلى الله؛ لأن التوبة من الذنوب لا يكفي فيها مجرد الاستغفار، لا بدَّ من الأخذ بأسباب المغفرة الأخرى، من ضمن ذلك: هذا العطاء الذي يمحو الله به ويكفر به عنك سيئاتك، حتى في آثارها السلبية على نفسك، وفي أن تنتهي نهائياً من سجل أعمالك، أنت بحاجة إلى الله “سبحانه وتعالى”، هذا التضامن، هذا التكافل أمرٌ مهمٌ جداً، سواءً على المستوى الشخصي، أو إضافةً إلى ذلك النشاط المنظَّم، مثلاً: في الحارات، وجبات إفطار وما شابه، لكن هذا لا يكون بديلاً، يعني: لا يفرض خيار واحد بديل عن الأشياء الأخرى، كل شيءٍ في باب الخير مناسبٌ ومطلوب، تحتاج الأسر إلى ما يصل إلى البيوت، إلى المنازل، من القمح، من المواد الغذائية، وهناك أيضاً وجبات رمضانية… ما شابه، أشكال وأنواع من المساعدات والمساهمات التي تسد جوع الجائعين، وحاجة المحتاجين، هذه مسألة مهمة. 

 

[مقتبس من كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة التهيئةً لشهر رمضان المبارك 1443]
قد يعجبك ايضا