لماذا لم تعد مواجهة الكيان الإسرائيلي أولوية لمعظم الدول العربية؟

 

 بعد الاحتلال الصهيوني لفلسطين عام 1948 واعتراف منظمة الأمم المتحدة رسمياً بالكيان الإسرائيلي، رفضت الدول العربية هذا الاحتلال وشمرت عن سواعدها لمواجهته بكل ما أوتيت  من قوة.

واستجابة لمطالب وضغط الشعوب العربية تضامنت مصر وسوريا والعراق ولبنان والأردن وليبيا والسعودية والكويت والسودان وتونس والمغرب والجزائر للدفاع عن فلسطين واستعادة الحقوق المغتصبة لشعبها في الأرض والوطن. وخاضت معظم هذه الدول أربعة حروب بارزة ضد كيان الاحتلال في الأعوام (1948، 1956، 1967 و 1973).

لكن بعد عام 1973 بدأت الدول العربية باستثناء سوريا بالتراجع عن الدفاع عن المطالبة بالحق الفلسطيني، ووصل الأمر إلى حدّ عقد اتفاقية “كامب ديفيد” للتسوية بين الرئيس المصري الأسبق “أنور السادات” ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الأسبق “مناحيم بيغن” عام 1978.

وتكمن خطورة اتفاقية “كامب ديفيد” في كونها أوجدت شرخاً كبيراً بين مصر والدول العربية التي رفضت هذه الاتفاقية والتي اتخذت فيما بعد قراراً بنقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس احتجاجاً على هذه الاتفاقية.

ومقابل اعترافها الرسمي بالكيان الإسرائيلي حصلت مصر على ملياري دولار سنوياً من أمريكا كمعونات عسكرية شريطة أن لا تستخدم ضد الكيان الإسرائيلي في أي حرب قادمة.

وبفقدان دور مصر المحوري خسر العالم العربي قوة كبيرة كان يحسب لها حساب في أي مواجهة عسكرية ضد الكيان الإسرائيلي. ويمكن القول بأن اتفاقية “كامب ديفيد” مثّلت في الواقع رأس الحربة التي مزقت الجسد العربي وأضعفت قواه المعنوية والمادية لمواصلة الدفاع عن الشعب الفلسطيني والتصدي للاحتلال.

وبعد إدراكه لخطورة التضامن العربي وإمكانية الاستفادة من النفط كسلاح اقتصادي في الدفاع عن فلسطين لجأ الغرب بقيادة أمريكا إلى استمالة بعض الأنظمة العربية لإقناعها بتطبيع العلاقات ولو بشكل تدريجي مع الكيان الإسرائيلي.

وفي أعقاب انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وتأكيدها على ضرورة الدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه المغتصبة سارعت بعض الأنظمة العربية وبإيعاز من أمريكا إلى تطبيع علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي. وتحولت إيران بمرور الوقت إلى عدو بنظر هذه الأنظمة التي باتت تسخر كافة إمكاناتها في هذا المجال بذريعة الخوف من توسع نفوذ الجمهورية الإسلامية في عموم المنطقة، أو ما بات يعرف بـ “إيران فوبيا”.

وتتزعم السعودية المعسكر العربي المعادي للجمهورية الإسلامية التي تدعم محور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي الرامي إلى تمزيق المنطقة وإشغال العالمين العربي والإسلامي بنزاعات جانبية خدمة للكيان الإسرائيلي. وقد تكرس هذا الدور في السنوات الأخيرة بدعم الجماعات الإرهابية والتكفيرية خصوصاً في العراق وسوريا.

ولم تعد قضية بناء المستوطنات الصهيونية وتوسيعها في الأراضي الفلسطينية المحتلة أمراً مهماً بنظر الأنظمة العربية الموالية لأمريكا والتي أعرب الكثير منها عن استعداده لتطبيع العلاقات مع هذا الكيان في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية؛ ووصل الأمر إلى حدّ الإعلان عن إمكانية افتتاح سفارات وقنصليات لهذا الكيان في عدد من البلدان العربية لاسيّما الدول الأعضاء في مجلس التعاون.

وبعد اندلاع الأزمة السورية في شباط/فبراير 2011 سارعت بعض الدول العربية وفي مقدمتها قطر والسعودية لدعم الجماعات الإرهابية والمسلحة بهدف إسقاط نظام حكم الرئيس بشار الأسد. وقد ساهم هذا الأمر إلى حد كبير في إبعاد القضية الفلسطينية عن الواجهة رغم العدوان الإسرائيلي الواسع على غزة عام 2014 والحصار المتواصل على القطاع حتى الآن.

وبعد شنّ السعودية العدوان على اليمن في آذار/مارس 2015 بالتحالف مع عدد من الدول الغربية والإقليمية وبإيعاز من أمريكا سعت الرياض إلى توظيف هذا العدوان لإضعاف حركة أنصار الله في اليمن التي تمثل حلقة مهمة من حلقات محور المقاومة ضد المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة، كما سعت الرياض للاستحواذ على جزيرتي “تيران” و”الصنافير” الاستراتيجيتين في مدخل خليج العقبة بعد التفاوض مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بهدف منع استخدام هاتين الجزيرتين في أي مواجهة عسكرية محتملة ضد كيان الاحتلال.

من خلال هذه المعطيات وغيرها يمكن الاستنتاج بأن بعض الأنظمة العربية وفي مقدمتها النظام السعودي تسعى لتقوية علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي لمواجهة إيران من جهة، وتكريس مشروع التقسيم الأمريكي المسمى بـ”الشرق الأوسط الكبير أو الجديد” من جهة أخرى، وذلك من أجل ضمان أمن “إسرائيل” وإضعاف دول وشعوب المنطقة خدمة لمصالح هذا الكيان والدول الغربية الداعمة له وعلى رأسها أمريكا. 

الوقت

قد يعجبك ايضا