ماذا تعني أول جمعة من رجب لدى اليمنيين؟

وهذا البلد المسلم، هذا الشعب الذي ينتمي للإيمان… هذا الشعب اليمني هو يمن الإيمان والحكمة، يمن الأنصار يمن الأوس والخزرج الذين آووا ونصروا وحملوا راية الإسلام عالية، وكانوا سباقين إلى الإيمان والنصرة، الذين تبؤوا الدار والإيمان، يمن الفاتحين الذين حملوا راسة الإسلام ولواء الفتوح في صدر الإسلام، وقوّضوا الإمبراطوريات الظالمة”.

 لا يغيب استعراض علاقة اليمن بالإيمان، وعلاقة شعبها بنصرة النبي محمد (ص) عن الأدبيات اليمنية. للموضوع علاقة بالمكانة العظيمة التي يكنها اليمنيون للإسلام، وبالإرتباط الوثيق لأهل اليمن بنبي الإسلام (ص) وبأهل بيته. وفق ما ينقل التاريخ كان أهل اليمن الناصر والحامي للنبي(ص) يوم طردته عشيرته، وشكل هؤلاء القاعدة التي بُنيت على أساسها الدولة الإسلامية في المدينة، وقد سجل التاريخ أسماء كبار الصحابة الذين ارتبط اسمهم بالسيرة النبوية، منهم شهيد الإسلام الأول ياسر بن عامر العنسي… وإلى جانب هذا التاريخ يقف ما يُسمى بـ “جمعة رجب” ليكون محطة مهمة في تاريخ اليمن بكل أطيافه، الجمعة التي حولها اليمنيون إلى يوم مقدس.

 يحتفي اليمنيون اليوم بما يسمى “جمعة رجب” أو “عيد رجب”، وهي مناسبة تحظى منهم بالاهتمام والتقديس، إلى درجة جعلها عيداً يصطف جنباً إلى جنب مع الأعياد الإسلامية في اليمن.

 ويحتفي اليمنيون في هذا اليوم، بذكرى دخولهم في الإسلام أفواجاً في السنة التاسعة للهجرة، وفق ما تنقل المصادر اليمنية.

 ويتباهى اليمنيون أنه كان للأنصار، وهم من قبيلتي الأوس والخزرج اليمنيتان، شرف تكوين القاعدة الصلبة للدولة الإسلامية التي أقامها النبي محمد (ص) في المدينة المنورة، بعد هجرته من مكة. كما يفخرون بأن هاتين القبيلتين إرتبطا بنبي الإسلام حياة وموتاً، وشكلوا البيئة التي حمت ونصرت وأيّدت وآوت نبي الإسلام.

 وفي مختلف المحطات يُذكر اليمنيون بالنصوص القرآنية أو الأحاديث النبوية التي امتدحت هؤلاء، كالحديث المروي عن النبي (ص) عقب معركة بدر: “فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت إمرأً من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً وسلكتِ الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار. اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار” .

 

وفي العام التاسع للهجرة، أوفد النبي إلى اليمن الإمام علي (ع)، لدعوة الناس للإيمان برسالته. وعند وصول الإمام علي (ع) إلى صنعاء خطب في قبائل همدان التي تحلق أبناؤها حوله. وأسلمت قبيلة همدان كلها في يوم واحد، فكتب الإمام علي (ع) إلى رسول الله، الذي ما إن قرأ الرسالة خر ساجداً وقال: السلام على همدان  . ثم تتابع أهل اليمن على الإسلام.

 

ومنذ ذلك التاريخ، حظي اليمنيون باهتمام من رسول الله، واحتل النبي (ع) والإمام علي (ع) مكانة كبرى في قلوب اليمنيين، الذين بنوا مسجداً سُمي “مسجد علي” مكان البيت الذي نزل فيه أمير المؤمنين(ع). وإلى اليوم يحتفي اليمنيون بذكرى دخولهم الإسلام، ويفخرون باستعراض تاريخهم المشرف في حمايتهم وتأييدهم للدعوة النبوية.

 

وفي اليمن، يحتفل الزيديون والشافعيون بعيد “جمعة رجب”. ينقل الإعلامي اليمني حميد رزق في إحدى كتاباته عن المناسبة، عن تفاعل المناطق الشافعية: ” ففي بداية رجب من كل عام تشهد منطقة الجند في محافظة تعز أضخم التجمعات الشعبية الجماهيرية يشترك فيها العلماء والنخبة ويتم إحياء ليالي الأسبوع الأول من رجب بالموالد وحلقات الذكر والإشادة بمقدم الصحابي الجليل معاذ بن جبل رسول رسول الله إلى اليمن لتبليغ رسالة الإسلام كما أن مناطق كثيرة في تريم وزبيد والحديدة تشهد نفس الفعاليات بالمناسبة.”

 ويشير رزق إلى أن “التيارات المذهبية الدخيلة على المجتمع اليمني تعمل بشكل دائب لمحاربة ظاهرة الاحتفال بجمعة رجب وتمكنت في العديد من المناطق التي اكتسحتها بفعل عوامل عديدة من تصوير مناسبة عيد رجب باعتبارها ابتداعا محرما في الدين لا أساس له من كتاب أو سنة”، وقد ساعد على ذلك انحسار المذهب الزيدي في اليمن بفعل سياسة الوهبنة التي مولتها السعودية بقوة لتغيير الوجه المشرق لليمن، وإدخاله في الظلامية التي صدرتها الوهابية إلى بلدان العالم الإسلامي.

 وفي المجالس اليمنية اليوم، يتكرر نقل الحديث النبوي الذي يقول: “الإيمان يمان، والحكمة يمانية” . ويستدلون بما نقله “البخاري” من حديث نبوي يقول: “اللهم بارك لنا في يمننا، اللهم بارك لنا في شامنا”، وعندما سُئل النبي(ص): وفي نجدنا؟ قال: هناك الزلازل والفتن ويها يطلع قرن الشيطان  .

 وفي الزمن الذي تُهرق فيه دماء اليمنيين باسم الإسلام والدفاع عن بلاد الحرمين، يقف العالم بصمت ليمرر كل المذابح والمجازر دونما أن يهتز أي جفن للعالم الإسلامي. على الضفة الأخرى يقف اليمنيون، بكل تاريخهم العابق بالمفاخر، وبحاضرهم الذي يكتنز البطولات. لا يُذكّر اليمنيون غيرهم أنه في الوقت الذي خذلت فيه قريش رسول الله، كانت صدور اليمنيين تفتح لتلقي دعوته وللذود عنه، ولا يقف اليمنيون ليعيدوا إلى أذهان غيرهم أن رسول الله اختص الدعوة في اليمن بخليفته الأحب إلى قلبه، ولا يرددون مديح النبي(ص) لليمنيين والهمدانيين لشيء، إلا لمواساة أنفسهم، أن الإيمان يمني وأنهم كانوا السباقين إلى الإسلام وللنصرة يوم عز الناصر للدين الذي يمتطيه كُثر اليوم لتبرير الوحشية في تحقيق المصالح، يذكر اليمنيون أنفسهم بكل هذا، وينظرون إلى أن ما يُرتكب اليوم لا يخرج عن دائرة “قرن الشيطان” الذي لا يراه اليمنيون منطبقاً إلا على أسرة قدمت من نجد لتحكم الجزيرة العربية بالدم والفتنة.

 

قد يعجبك ايضا