ما بين الفشل الإسرائيلي وتصاعد المقاومة.. هل يقترب وقف إطلاق النار؟
مع تصاعد الدعوات لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، تتزايد التساؤلات حول الدوافع الحقيقية لتحريك هذا الملف مجددًا؛ فهل يعود ذلك إلى تصاعد العمليات النوعية للمقاومة الفلسطينية، التي باتت تُحرج المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وتهز ثقة جمهورها؟
أم أن الضغوط الدولية المتنامية على حكومة الاحتلال، بعد فشلها في تحقيق “صورة نصر” رغم مرور 21 شهرًا على اندلاع الحرب، هي العامل الحاسم؟ خلال شهر يونيو الماضي، قُتل 20 جنديًا إسرائيليًا، بحسب ما كشفته القناة 12 العبرية، ما زاد من حدة الانتقادات الموجهة لحكومة الاحتلال، التي تُتهم بمواصلة الحرب دون خطة واضحة للتعامل مع قطاع غزة.
وشكّل كمين خان يونس، الذي قُتل فيه سبعة جنود إسرائيليين بينهم ضباط — منتصف الأسبوع الماضي — نقطة تحول لافتة، إذ أظهرت مشاهد مقاومًا يعتلي دبابة إسرائيلية ويلقي عبوة ناسفة داخل قمرة القيادة قبل تفجيرها من مسافة صفر.
عملية وصفت بأنها كسرت هيبة الجيش الإسرائيلي، وكشفت هشاشة منظومته الميدانية رغم تفوقه الناري الهائل.
ضربة قاسية للردع الإسرائيلي يقول د. عثمان عثمان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، إن ما حدث في خان يونس ليس مجرد عملية فدائية ناجحة، بل “كسْر علني لهيبة الجيش الإسرائيلي وضربة مباشرة لأسطورة الردع التي تأسست عليها عقيدته الأمنية”.
ويضيف عثمان لصحيفة فلسطين: “هذه العملية تمثل ضربة معنوية قاسية ليس فقط للجيش، بل للحكومة الإسرائيلية بأكملها. لا تستطيع المؤسسة السياسية ولا الرأي العام الإسرائيلي تحمّل مثل هذا المشهد؛ إنه إهانة علنية لجيش مدجج بالسلاح”.
وحول قدرة حكومة نتنياهو على مواصلة الحرب وسط تصاعد الخسائر، يرى عثمان أن استمرار العمليات النوعية ستكون له تأثيرات تراكمية حاسمة، وقد تُجبر الحكومة على إعادة حساباتها. ويوضح: “الرأي العام الإسرائيلي لا يتحمل هذا النوع من الخسائر المهينة.
مع كل عملية نوعية تُسقط قتلى وتُظهر إخفاق الجيش، تتعمق الخلافات داخل المؤسسة السياسية والعسكرية، ويتزايد الضغط الشعبي على نتنياهو للبحث عن مخرج من هذا المستنقع”.
ويتابع: “هذه العمليات قد لا تدفع نتنياهو فورًا إلى وقف إطلاق النار، لكنها تُضعف موقفه السياسي، وتجعله أقرب إلى القبول بحلول جزئية أو تفاهمات ميدانية، خاصة في ظل تصاعد الضغط الدولي والمأزق القانوني الذي يواجهه داخليًا”.
ويخلص عثمان إلى أن المقاومة الفلسطينية، بصبرها وجرأتها وتكتيكاتها الميدانية، تعيد رسم قواعد الاشتباك وتُمهّد لتوازن جديد في المعادلة.
ويقول: “إذا حدث وقف لإطلاق النار، فسيكون نتيجة صمود فلسطيني، لا منّة من الاحتلال”. عمليات المقاومة تحرّك المشهد من جانبه، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي، عادل شديد، أن العمليات الفدائية النوعية التي نفذتها المقاومة خلال الشهر الأخير، وأدت إلى مقتل عشرات الجنود الإسرائيليين، تُعد العامل الأهم في تحريك ملف وقف إطلاق النار، أكثر من أي ضغوط أمريكية أو دولية.
يقول شديد لـ”فلسطين”: “لو أراد ترامب وقف الحرب على غزة لفعل ذلك منذ أشهر، رغمًا عن (إسرائيل)، لكنه لم يفعل. وما يجري الآن هو محاولة فرض شروط مذلة على المقاومة، أكثر مما هو مسعى حقيقي لإنهاء العدوان”.
ويضيف: “حين يقول ترامب إنه يدعم اتفاقًا، يوضح الإعلام الإسرائيلي ذاته أن ما يُعرض ليس اتفاقًا نهائيًا، بل إطارًا عامًا لمفاوضات عبر وسطاء، في محاولة لإغلاق ملفات عالقة دون تقديم تنازلات إسرائيلية حقيقية”.
ويتابع: “ترامب يتحدث بلغة تهديدية أشبه بفرض الاستسلام، لا بصيغة حلول سياسية.
لكنه في الحقيقة يدرك أن استمرار هذه الحرب، بعد كل هذه الخسائر، يزج (إسرائيل) في مستنقع استنزاف يشبه ما واجهته في لبنان أو الانتفاضات السابقة”. ويلفت شديد إلى أن الرأي العام الإسرائيلي بات أكثر إدراكًا لفشل الحرب في تحقيق أهدافها، خاصة بعد عمليات المقاومة الأخيرة، التي خلقت قناعة متزايدة بأن استمرار الحرب يعني الغرق في مستنقع غزة.
وحول الأهداف الإسرائيلية، يقول شديد: “نتنياهو يحاول أن يخرج من الحرب بمكاسب تزيل عنه عار السابع من أكتوبر، لكن الواقع يفرض عليه معادلة مختلفة تمامًا.
حتى الاستطلاعات الإسرائيلية تشير إلى أن ثلث الإسرائيليين باتوا يدعمون فكرة إعادة الاستيطان في غزة، ويرون التهجير كخيار مطروح بجدية”.
ويؤكد أن “التهجير لم يعد مجرد فكرة هامشية في أروقة الاحتلال، بل أصبح جزءًا من مخطط متكامل، تحرّض عليه جهات داخلية وتحظى بدعم أمريكي ضمنيًا، لكنه يصطدم بمقاومة ميدانية شرسة تمنع تنفيذه”.
يُشار إلى أن جيش الاحتلال اعترف رسميًا بمقتل 880 شخصًا في صفوفه منذ السابع من أكتوبر 2023، بينهم 438 جنديًا منذ بدء العمليات البرية، و30 جنديًا منذ استئناف الحرب على غزة في 19 مارس الماضي.
الحقيقة ـ محمد الأيوبي