مركز الأبحاث الأوروبي التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ينشر تقريراً استقصائياً كشف فيه مخططات العدوان ويؤكد فشل حكومة هادي

 

نشر مركز الأبحاث الأوروبي التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية تقريراً استقصائياً عن العدوان السعودي على اليمن مسلطا الضوء على الاهداف الحقيقة الخفية للعدوان السعودي والأطراف الإقليمية والدولية المتورطة، والنتائج  التي خلص اليها  استمرار العدوان السعودي على اليمن ومخاطر الانهيار الشامل للدولة في اليمن.

التقرير الذي نشره مركز الأبحاث الأوروبي على موقعه الرسمي نهاية الأسبوع الفائت، استند على تقارير وأبحاث دولية ومحللين كبار وخبراء أوروبيين ودوليين وصحفيين استقصائيين وباحثين في الشؤون العربية وشبه الجزيرة العربية على وجه الخصوص وفي مقدمتها اليمن،ووضع رؤية شاملة لا سابق لها رغم عشرات التقارير المشابهة والصادرة عن مراكز بحثية غربية استراتيجية.

ويؤكد التقرير ان الدلائل التي لا تقبل الشك أو القفز عنها، تؤكد أن الحرب التي يشنها التحالف بقيادة السعودية فاشلة وانها تهدف إلى احداث انهيار شامل للدولة اليمنية بذرائع واهية كما يؤكد أن حكومة الفار هادي فشلت تماما  في اداء أي دور سياسي في ما سمي المناطق المحررة في مقابل نجاح السلطات في المحافظات الشمالية من الحفاظ على مؤسسات الدولة.

وسخر التقرير من خطاب التحالف وحكومة المنفى –حسب توصيفه للعدوان وحكومة الفار هادي- ومزاعمه السيطرة على معظم الأراضي اليمنية مؤكداً أن المساحات الفارغة هي فقط الواقعة تحت سيطرتهم، وهي رغم ذلك سيطرة شكلية فقط، فضلاً عن أن حكومة المنفى لا تستطيع التحرك خارج المجمع الرئاسي (المعاشيق) في عدن الواقع تحت الحراسة المشددة من القوى الأجنبية، كما يؤكد أن التنظيمات الإرهابية ممثلة بـ “القاعدة وداعش” تقاتل جنباً إلى جنب مع قوات التحالف وهادي وتوسع من نفوذها يوماً بعد آخر.

ويتضمن التقرير مقترحات تفصيلة هامة عما ينبغي على  الاتحاد الأوروبي ان يفعله لتدارك الكارثة التي قد تواجه اليمن جراء العدوان السعودي والحصار.

نص التقرير ؛؛؛

اليمن هو أكثر فقرا وأكثر فوضى من أي وقت مضى. وقد قسمت البلاد فعليا، ويتم التحكم في مساحات شاسعة من الأراضي عن طريق مجموعة واسعة من قادة مختلفين. دون اتخاذ أي إجراء حاسم لإنهاء أو حتى التخفيف من حدة الصراعات في البلاد، في حين أن مخاطر انزلاق اليمن إلى مزيد من الفوضى، سيجعل البلد أرضا خصبة للجماعات المتطرفة ويمكن أن يحفز لموجة جديدة من اللاجئين إلى أوروبا.

كانت أهداف السعوديين، كما حددها وزير الخارجية عادل الجبير، للأمريكيين، آنذاك عندما بدأت العملية العسكرية (قبل عامين) لا تقتصر فقط على “دحر الانقلابيين أو تأمين الحدود السعودية، ولكن حول مكافحة “التهديد الإيراني” المتمثل بالحوثيين، واستعادة حكومة هادي (التي لا تحظى بأي شعبية في الداخل) إلى السلطة.

ورغم أن التحالف بقيادة السعودية، استولى على عدة مناطق في الجنوب من الحوثيين، وبالرغم أيضاً من الهجمات السعودية لا هوادة فيها على مدى عامين، لا يزال الحوثيون وحلفائهم وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح يسيطرون على أكبر مدن اليمن، صنعاء والمرتفعات الشمالية للبلاد، والجزء الأكبر من ساحل البحر الأحمر في البلاد، كما تمكنوا من الحفاظ على سيطرتهم على جزء كبير من وسط مدينة تعز.

الغارات الجوية المستمرة وسلسلة المبادرات الفاشلة التي من الأفضل أن نصفها بأنها “حرب اقتصادية”، أدت إلى المجاعة وزيادة معدلات البطالة وسط ارتفاع أسعار المواد الأساسية، مثل الغذاء والوقود. الإرهاب وحكومة المنفى ومن المثير للسخرية، التصريحات “الطوباوية” لمسؤولي حكومة هادي ومسؤولي التحالف الخليجي، عن استعادة سيادة الدولة.

لكن الحقيقة أن “المناطق المحررة” من الحوثيين وقوات الرئيس صالح لا تزال غارقة في الفوضى وتعاني من الأمراض، علاوة على، ازدهار التنظيمات الإرهابية (القاعدة وداعش) الذين استفادوا من الفراغ في السلطة، وبقت نشطة في العديد من المناطق التي خرج منها الحوثيون وقوات الرئيس صالح.

حكومة المنفى لا تستطيع أن تتحرك بعض أمتار حتى في المناطق التي “حررتها”، فكيف لها أن تحكم بلدا بأكمله وعملها رموزي وتحت حراسة مشددة من قوات التحالف الأجنبية.

اليمن في مأزق سياسي والدولة تزداد انهياراً. تعميق نقاط تقسيم البلاد يستوجب ضرورة المشاركة السياسية بصورة أوسع من الدور الضيق نسبيا، الذي تقوم به الأمم المتحدة.

وفي محاولة لتعزيز هذا الجهد، ينبغي على الدول الأوروبية تعميق التواصل مع جميع الجهات الفاعلة، بما في ذلك الفصائل المناهضة للحوثيين وسكان الجنوب (الانفصاليين سابقاً).

بذلك، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يكون مثالا يحتذى به، بالتشديد على الحاجة الملحة لمسار سياسي أكثر شمولا يضمن جميع الفئات ذات الصلة بمقعد لها على طاولة محادثات السلام.

يستوجب على الدول الأوروبية أيضا المساعدة في ضمان الدعم لجهود المساعدات الإنسانية في اليمن، مع 86 في المئة من السكان في حاجة إلى المساعدة. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تعمل على حماية مؤسسات الدولة، وذلك قبل فوات الأوان.

مخاطر انزلاق اليمن إلى مزيد من الفوضى، سيجعل البلد أرضا خصبة للجماعات المتطرفة، ويمكن أن يحفز موجة جديدة من اللاجئين إلى أوروبا؛ وقد أظهرت أزمة اللاجئين بأن الصراعات “البعيدة” يمكن أن يكون لها آثار محلية كبيرة. ولذا، فإن الاتحاد الأوروبي لديه مصلحة استراتيجية وأخلاقية بالتعهد ببذل مزيد من الجهود السياسية لعملية السلام في اليمن.

على الدول الأوروبية – باستثناء المملكة المتحدة، والتي ينظر إليها الآن من قبل العديد كطرف مباشر في الصراع، بسبب دعمها التحالف السعودي – ضرورة تكثيف دورها في حل النزاعات ومنع البلاد من أن تصبح دولة فاشلة تستغرق عقودا لبنائها من جديد.

وفي حال حدوث مثل هذا التدهور في الأفق القريب، سيكون له انعكاسات سيئة على كل المنطقة وأوروبا نفسها، لاسيما بالنظر إلى اعتبار اليمن مركزا ناشئاً لأنشطة الإرهاب الجديدة الموجه على الصعيد العالمي.

*قرار نقل البنك المركزي المدمر

قرار حكومة هادي في سبتمبر الماضي بنقل البنك المركزي وتغيير محافظه، ترك البلاد بلا مؤسسة قادرة على توفير أبسط مقومات الاستقرار الاقتصادي. وإذا حاولت الأطراف المتحاربة تعزيز موقفها في الصراع عبر أدوات ومعارك اقتصادية، فإن شل قدرة البنك المركزي اليمني يمثل تصعيدا غير مسبوق في اليمن وعلى المجتمع الدولي التحرك لضمان عدم تجويع ملايين اليمنيين كتكتيك حربي.

حتى فترة قريبة، كان البنك المركزي إحد المؤسسات الحكومية القليلة التي عملت بشكل فعال على المستوى الوطني خلال السنوات الخمس الماضية التي شكلت فترة من الاضطراب السياسي والنزاعات المسلحة. وحتى مع تراجع نفوذ الحكومة المركزية، واصل البنك تقديم خدماته المالية بالتنسيق مع المجالس المحلية لتسهيل عملية تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. كما قام البنك أيضا بصرف رواتب 1.2 مليون يمني في الخدمة العامة، إضافة إلى حماية قيمة العملة المحلية وضمان حصول المستوردين على العملات الأجنبية لشراء السلع الأساسية.

كل ذلك تم مع استمرار البنك في دفع استحقاقات الديون الخارجية والحفاظ على ثقة المؤسسات المالية العالمية؛ وعبر تلك الخطوات حافظ البنك على أساسيات الاستقرار الاقتصادي وحال دون ازدياد سوء واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

اعتمدت تلك التدخلات الاقتصادية للبنك بالدرجة الأولى على:

1) أن لدى البنك المركزي قدرة على توفير عملات أجنبية من احتياطيتة في الخارج لتمويل العمليات.

2) الاتفاق الضمني بين الأطراف المتحاربة على احترام استقلالية البنك وعدم التدخل في عملياته.

منذ الإعلان عن نقل البنك المركزي، هناك تدهور ملحوظ للوضع الإنساني للبلاد؛ إنه لمن الضروري للأطراف المنخرطة في الحرب، بالإضافة إلى الأطراف المعنية بالأمر سواء كانت محلية، إقليمية، أو دولية، أن تقوم بتنسيق الجهود لدعم البنك المركزي حتى يتمكن من استئناف مهامه في أقرب فرصة، وبغض النظر عن موقعه الجغرافي.

هنالك بالأخص حاجة ملحة وعاجلة لدفع رواتب موظفي الدولة الذين لم يتسلم أغلبهم رواتبهم منذ شهر أغسطس المنصرم. وبما أن هؤلاء الموظفين يقومون بإعالة حوالي الستة ملايين يمني، فما زال هؤلاء أيضاً بلا أي دخل مادي منذ أشهر. كما أن استئناف تمويل الاستيراد مهم جدا لضمان إمدادات الغذاء. يقدر مستوردو القمح في اليمن بأنه ما لم يتم استئناف تمويل واردات الحبوب فإن مخزون البلاد من القمح سينفذ خلال شهرين.

*تحالف صالح/ الحوثي المتماسك والفعال رغم كل الصعاب

استطاع تحالف صالح/ الحوثيين الحفاظ على قدر من التماسك، على الرغم من الحرب التي تشن ضدهم. كما استطاع الحفاظ على مؤسسات الدولة في المناطق التي يسيطرون عليها، بشكل فعال ومتماسك. تعمقت العلاقات بين صالح والحوثيين على مسار الصراع حيث وجدوا أنفسهم يقاتلون جنبا إلى جنب في نفس الخنادق.

حرفيا ومجازيا – الحركتان – على الرغم من تاريخهما المتوتر، عملا معا على أرض المعركة، وبدأوا أيضا العمل جنبا إلى جنب مع بعضهما البعض في وظائف دبلوماسية، مشكلة جبهة موحدة في المحادثات الجارية بوساطة الأمم المتحدة لإنهاء الصراع. كما كانت هناك أيضا الجهود الجارية لإضفاء الطابع الرسمي على الشراكة على أرض الواقع؛ التي أدت إلى دور مفتوح على نحو متزايد سُجل لصالح ومؤيديه.

كان الجهد الأكثر وضوحا لإضفاء الطابع الرسمي على العلاقة بين صالح والحوثيين، تشكيل المجلس السياسي الأعلى في يوليو 2016، والذي حل محل اللجنة الثورية. بالإضافة إلى تشكيل حكومة الدكتور عبدالعزيز بن حبتور وكسب تأييد البرلمان اليمني، الذي انعقد في 13 أغسطس 2016 في صنعاء، في تحد للرئيس المنفي، هادي.

وعلى الرغم من تحقيق التحالف الحوثي/صالح قدر عالي من التماسك والفاعلية، أصبحت المناطق الخاضعة لسيطرتهم غير مستقرة بسبب عمليات القصف السعودية، وشخصنة الحوثيين لمؤسسات الدولة وإقصائهم للكوادر الفاعلة والجيدة؛ القوى المنبوذة في الشمال والجنوب ببقية البلاد، التي تشكل غالبية أراضي اليمن، ولكن أقلية من السكان، تحت السيطرة الشكلية لحكومة هادي.

ولكن بالمقارنة مع المناطق التي يسيطر عليها صالح/ الحوثي، شهدت – مناطق سيطرة هادي والجماعات المسلحة الأخرى – تصدعاً كبيراً، بل هناك توتر واقتتال داخلي بين القادة الذين أعلنوا ولاءهم لهادي؛ والواقع ما يسمى بـ “المناطق المحررة” تقسمت إلى أيديولوجيات متفرعة ومختلفة بشكل كبير وفي نفس الوقت تتركز السلطة في الجنوب مع الشخصيات التي لطالما ارتبطت بالفصائل المتشددة والحراك الجنوبي (الانفصاليين)، ومن الشخصيات الرئيسة، عيدروس الزبيدي محافظ عدن وشلال شايع مدير الأمن؛ وعلى الرغم من أنهما مدرجان اسميا في الهيكل الإداري، إلا أنهما لا يزالان الجهات الفاعلة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي.

في كثير من الحالات ينسقون بشكل مباشر مع القوات الأجنبية مثل الإمارات، متجاهلين أي دور أو توجيهات لحكومة هادي.

في المناطق التي يسيطر عليها مناهضو الحوثيين في الشمال، من مدينة تعز، ومأرب، والجوف، فإن الكثير من القيادة السياسية الجديدة، لديهم علاقات إما مع حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين)، أو مع علي محسن الأحمر.

الاستقرار النسبي في مأرب والمناطق المجاورة يرجع بشكل كبير إلى الحكم القبلي المحلي أكثر من ممثلي حكومة هادي. وعلى الرغم من ولائهم الظاهري للحكومة المركزية، إلا ان السلطات المحلية هناك تعمل غالبا بشكل مستقل في غياب سلطة الدولة المركزية؛ ودليلا على ذلك، وجه محافظ مأرب عائدات النفط والغاز إلى فرع البنك المركزي المحلي، بدلا من المؤسسة المركزية.

حكومة هادي المنفية في ظل تماسك صالح/الحوثي القوي في الأماكن المركزية

في ظل تصارع القوات المنشقة في الجنوب، فإن حكومة هادي، في المنفى بالمملكة العربية السعودية، تبدو بعيدة كل البعد، على نحو متزايد بكل ما تعنيه الكلمة. اليوم.

حكومة المنفى، خليط غير متماسك فكرياً من الشخصيات والفصائل الانتهازية. فشلت حكومة هادي بتشكيل جبهة موحدة حقيقية تحتشد حولها، ناهيك عن أي رؤية للمستقبل في حال انهزم الحوثيين.

لا تزال العديد من الفصائل السياسية التي تملك سلطة قوية على الأرض مهمشة أو غير ممثلة في صفوف حكومة المنفى؛ وفي حين، يتمتع مسئولو حكومة المنفى خارج البلاد، بالترف، يواجه 14 مليون يمني – في المناطق التي يسيطر عليها هادي والجماعات الأخرى المسلحة – من انعدام الأمن على أساس يومي. كما فقدت حكومة المنفى احترام الكثير من اليمنيين بمن فيهم مناهضو الحوثيين، وعرضت نفسها للشتم والنكات بشكل متكرر.

مخاطر مزيد من الفتنة

السعودية والإمارات شركاء دوليون رئيسيون بدعم التحالف في اليمن، ورغم أنهما يشتركان في نفس الهدف، لكن المملكة ركزت بشكل كبير على الشمال، لاسيما مأرب والمناطق الواقعة على طول حدودها، فيما ركزت الإمارات على المناطق الجنوبية.

أثارت هذه الديناميكيات الداخلية والإقليمية المتنافسة انفجارا داخليا سياسيا أوسع وانهيارا مؤسسيا في جميع المناطق التي يسيطرون عليها. تزايد نفوذ الميليشيات في اليمن أصبح أكثر وضوحا في مدينتي عدن وتعز، واللتين، يمكن القول، إنهما كانتا ذات يوم أكثر تنظيماً من العاصمة.

على الرغم من التقدم الهش الذي تبذله قيادة محافظ عدن، عيدروس الزبيدي، ما زالت المدينة تحت سيطرة الفصائل المسلحة والمتشددة ولا يستطيع هادي ومسؤوليه الحكوميون، لدى زيارتهم إلى عدن، التحرك أو مغادرة المجمع الرئاسي (المعاشيق) شديد التحصين، ما يجعلهم غير قادرين على الحصول أو عمل أي شيء، سوى أن وجودهم في المدينة مجرد رمزي فقط.

السلفيون والانفصاليون

وسط هذا الاضطراب العام في اليمن، تمكنت مجموعتان من إثبات وجودهما مع تأييد شعبي، واولها الانفصاليون الجنوبيون. حيث يسعون للسيطرة على معظم مناطق الجنوب. والجدير بالذكر أن علم الجمهورية اليمنية غائب تماما في المناطق الخاضعة في المناطق الجنوبية (المحررة). في حين أن العديد من أجنحة الحراك الجنوبي على نحو مطرد اندمجت تحت قيادة الزبيدي، والحراك الجنوبي نفسه يفتقر إلى أيديولوجيا متماسكة وراء دعم واسع من الحكم الذاتي لجنوب اليمن.

تتكون المجموعة الثانية من مجموعة متنوعة من الفصائل السلفية التي تمكنت من تكوين قوة كبيرة على أرض الواقع حيث شكل الصراع تحولا كبيرا في دور السلفيين في اليمن، ونشطوا في العديد من مناطق البلاد، وعملوا مع الانفصاليين في الجنوب، وانضموا مع قوات الأمن المدعومة من دولة الإمارات العربية المتحدة في أجزاء كثيرة من الجنوب – وعلى الأخص في عدن.

وقد استغل السلفيون أيضا الفوضى المستمرة لإنشاء مناطق خاضعة لسيطرتها، وتحديدا في مدينة تعز.

تنظيم القاعدة في اليمن

تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (القاعدة في جزيرة العرب) يشكل أيضا تحديا هائلا إذ خاض القاعدة في جزيرة العرب جنباً إلى جنب مع القوات المناهضة للحوثيين، حرباً ضد الحوثيين على العديد من الجبهات، ويبدو أنه قد انتعش منذ خروجه من المكلا عاصمة حضرموت، واطلق سلسلة من الهجمات ضد أهداف الحوثيين في الشمال والقوات المدعومة من الإمارات في الجنوب.

ساعدت قوات الإمارات قدرا من الاستقرار في مناطق حضرموت – بما في ذلك في ميناء المكلا – منذ خروج مقاتلي القاعدة من المدينة في وقت سابق من هذا العام. على الرغم من استمرار الهجمات التي يشنها تنظيم القاعدة، لا تزال المدينة واحدة من الأكثر أمانا في الجنوب.

جيل ضائع وسط التنافر وعدم الاستقرار في اليمن

على مدى العامين الماضيين، الشيء الوحيد الذي ظل ثابتا هو معاناة الشعب اليمني والأرقام تتحدث عن نفسها فأكثر من 21 مليون نسمة، بنحو 86 في المئة من السكان، هم في حاجة إلى المساعدة الإنسانية. أكثر من 14 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

تسعة عشر مليون شخص لا يستطيعون الحصول على المياه الصحية، ما يشكل عواقب أكثر قساوة، بما في ذلك تفشي الأمراض المعدية. وأكثر من 7،000 شخص قتلوا كنتيجة مباشرة للصراع، وقتل أكثر من ذلك بكثير بسبب آثاره غير المباشرة. ويقدر مسؤولو الأمم المتحدة أن 10000 طفل لقوا حتفهم بسبب أمراض يمكن الوقاية منها منذ التدخل العسكري للتحالف في مارس 2015.

الأضرار التي لحقت بميناء الحديدة، الذي تعرض للقصف من قبل قوات التحالف التي تقودها السعودية، جعل من الصعب للغاية تفريغ الإمدادات اللازمة؛ وقد كان لهذا عواقب مميتة بالنسبة لبلد يستورد 90 في المئة من احتياجاته الغذائية وفي نفس الوقت، الكثير من البنية التحتية للبلاد تعرضت للقصف، بينما عشرات المصانع دمرت، الأمر الذي يقضي على القدرة الصناعية في البلاد مع زيادة عالية في معدلات البطالة.

في بعض المناطق، الأوضاع أسوأ مما هي عليه في أخرى. في عدن – وفي المدن الساخنة لاسيما في المناطق الجنوبية والساحلية – المياه جنبا إلى جنب مع انهيار مياه الصرف الصحي وتكدس القمامة، وتوقف الخدمات الحكومية، أدى إلى انتشار الأمراض مثل حمى الكوليرا وحمى الضنك التي دمرت السكان. كما دمرت الغارات الجوية من قوات التحالف التي تقودها السعودية أيضا العديد من المنازل، وعلى الأخص في محافظة صعدة.

تركت اشتباكات الشوارع والقصف العشوائي، مساحات شاسعة في مدن تعز وعدن في حالة خراب؛ وتشير أحدث الأرقام إلى أن هناك 3270000 نازح داخليا في البلاد و هذه هي القضايا التي ستزيد من مدة الحرب، وسوف تمتد آثار المرض وسوء التغذية والتشرد لعقود.

وسيواجه اليمن جيلا ضائعا. وقد اضطر الآباء في جميع أنحاء البلاد لاتخاذ قرارا بين إطعام أطفالهم أو استمرار دراستهم، الأمر الذي أدى إلى وضع الآلاف من الأطفال يعانون من الجوع وغير متعلمين على حد سواء. هذا ناهيك عن انهيار النسيج الاجتماعي لليمن.

الصراع العسكري وتقسيم سلطة الدولة إلى فصائل مختلفة عمق من الانقسامات الاجتماعية في البلاد. ويشهد اليمن انتشارا غير مسبوق للطائفية منذ بداية التدخل العسكري بقيادة السعودية في مارس 2015. في أمة ذات تاريخ عميق من المعارك المسلحة، وتزايد نشاط أخطر التنظيمات الإرهابية التي استهدفت الغرب، وفراغ خطير في السلطة، كل ذلك يجلب انعكاسات سيئة جدا ليس فقط بالنسبة لليمن، ولكن للمنطقة أوسع وأوروبا أيضا.

ما يجب أن تفعله أوروبا؟

أوروبا لا تستطيع أن تتجاهل اليمن. ولكن ما يمكن وما يجب أن تفعله؟ في نهاية المطاف، سيتحتم عليها، بما في ذلك داعموها الإقليميون – نزع فتيل الصراع. هناك عدد من الخطوات التي يمكن للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء أن تتخذها من أجل المساعدة في تسهيل عملية السلام في اليمن. قد يكون الاتحاد الأوروبي قادرا على الاستفادة من مكانته باعتباره طرفا خارجي لتشجيع الجهات الفاعلة الرئيسة للابتعاد عن ميدان المعركة واللجوء إلى طاولة المفاوضات.

رغم كل عيوبها، لا تزال عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة أفضل أمل لتحقيق تقدم في الوقت الراهن، كونها واحدة من عدد قليل من الهيئات التي تشارك كل من الجهات المحلية والإقليمية.

ومع ذلك، فمن الواضح أن أي اتفاق في هذا المحفل سيواجه قضايا التنفيذ بسبب بعد المسافة الأيديولوجية المتزايدة بين القيادة السياسية الرسمية في البلاد، والذين يشغلون السيطرة الفعلية على أرض الواقع. هذا ناهيك عن غيرها من الفصائل المختلفة التي لها أهداف متباينة؛  هذا هو المكان الذي يمكن للدول الأوروبية أن تحدث فيه فرقاً.

يمكن للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، دعم العملية الجارية التي تقودها الأمم المتحدة والانخراط في إجراءات منفصلة للمساعدة في تمهيد الطريق ليمن أكثر استقرارا، بما في ذلك من خلال الانخراط مع الجهات الفاعلة الرئيسة على الأرض التي تم استبعادها حتى الآن من عملية السلام.

ملء الفجوة التي خلفتها الولايات المتحدة

عندما يصبح دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة في عام 2017، سوف يصبح النشاط الأوروبي المنسق أكثر أهمية. ليس فقط كون ترامب من المرجح أن ينسى اليمن، والتركيز على القضايا التي تواجه أراضي الولايات المتحدة، مثل مكافحة الإرهاب.

هذا التغيير في النظرة السياسية للولايات المتحدة قد يؤدي إلى تجاهل التقدم المبدئي من قبل اللجنة الرباعية – المملكة المتحدة والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

 

التراجع المتوقع لدور الولايات المتحدة يوفر فرصة، بل ويمنح مسؤولية على أوروبا لتكثيف الجهود الدولية للعمل من أجل السلام في اليمن.

نجاح هذه الجهود، سيعتمد على قدرة أوروبا على التنسيق الفعال فيما بينها، وملء الفجوة التي خلفتها الولايات المتحدة.

ومن الأهمية بمكان أن نؤكد على ضرورة التنسيق بين الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في اليمن بشكل أكبر – وتحديدا مع المملكة المتحدة وفرنسا وهولندا وألمانيا، التي لعبت دورا نشطا هناك.

وعلى الرغم من أن المملكة المتحدة، ينظر إليها على نطاق واسع بأنها طرف مباشر في الصراع، ينظر إلى الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الرئيسة، مثل ألمانيا وهولندا، على أنها جهات محايدة نسبيا من قبل الفصائل الرئيسة في اليمن.

ولذا، يتعين على دول الاتحاد الأوروبي والأعضاء، الاستفادة القصوى من هذا الوضع “المحايد” لتسهيل عملية السلام، ونظرا لوجود عدد من الفصائل المختلفة في اليمن، لا بد من توسيع عملية السلام.

علاقات أوروبا الودية نسبيا مع الحوثيين وصالح يعني أن القوى الدبلوماسية الأوروبية الرئيسة لديها بالفعل قناة هامة.

كما يجب فتح المزيد من قنوات التواصل مع الجهات الفاعلة الناشئة حديثا، وتلك المهمشة تقليديا من قبل المؤسسة السياسية في اليمن.

سيتعين على الاتحاد الأوروبي تخصيص الموارد على المدى الطويل لهذه الغاية، لأن ذلك الأمر، أعظم عمل من أجل بناء السلام المستدام على الأرض بعد التوقيع على الاتفاق.

وفي هذا الصدد، يمكن لأوروبا أن تلعب دورا حاسما في جهود تحقيق الاستقرار، استكمالا للعملية التي يقوم بها فريق مبعوث الأمم المتحدة.

 دعم عمليات السلام متعدد المسارات

إن الطريق إلى السلام في اليمن سيكون محفوفا، ويتطلب إلى التسوية، وإعادة بناء الثقة، وإعادة أحياء اللحظات المؤلمة في التاريخ.

كما يتطلب قيادة جديدة.

لن يتحقق السلام من خلال عملية معزولة واحدة، ولكن فقط من خلال سلسلة من العمليات المستمرة – على حد سواء الرسمية وغير الرسمية – على المستوى الوطني والإقليمي والمحلي. ولكي يحدث ذلك، يتوجب على اللاعبين الدوليين الرئيسيين وقف دعم الصراع، وتركيز جهودها على وقف التصعيد وإعادة البناء.

في هذا الصدد، حياد أوروبا، قد يسمح لها أن تلعب دورا رئيسا في المساعدة على التوسط على المستوى الشعبي، سواء من حيث مساعدة الجهود الداخلية، أو الدولية.

دعم الجهود المبذولة لإصلاح مشاكل البنية التحتية

ما وراء العمل على دعم العملية السياسية على المدى الطويل، ينبغي أن تركز الجهود الأوروبية أيضا على الحلول قصيرة الأجل التي يمكن أن تساعد اليمن للوقوف على قدميه.

وسيكون أحد الأولوية تحرك الجهات الفاعلة الرئيسة لتسهيل إعادة فتح مطار صنعاء للمدنيين وتسهيل حركة المرور إلى ميناء الحديدة.

وينبغي أن تتضمن هذه الجهود، إذا لزم الأمر، ممارسة أقوى الضغوط على التحالف بقيادة السعودية.

هذا من شأنه أن يساعد على تحسين جذري في الوضع الإنساني.

كما أن إعادة بناء البنية التحتية والزراعية والنقل والمصانع، سيكون أمراً بالغ الأهمية.

دعم الجهود الرامية للحفاظ على مؤسسات الدولة

ينبغي أيضا أن يكون هناك تركيز على المحافظة على ما تبقى من مؤسسات الدولة. لا تزال هناك فرص لتشجيع التنسيق بين البيروقراطيين والمسؤولين الحكوميين من جوانب مختلفة من الطيف السياسي، بالإضافة إلى تعزيز مؤسسات الحكم المحلي، وتوزيع المساعدات وغيرها من الخدمات.

التنسيق المثمر مع المؤسسات على الأرض يساعد على دعم كل من قدراتها التشغيلية وشرعيتها مع ناخبيهم.

وطالما استمر الصراع، يجب توزيع المساعدات على الفور لتخفيف الأزمة الإنسانية المستمرة. لا يوجد أي مبرر للدول الأوروبية أن تخجل من تقديم أقوى الدعم للمساعدات.

 تعميق التنسيق مع دول الخليج

مع جميع العوامل المذكورة أعلاه، فإن التنسيق مع دول الخليج – لاسيما دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية – ستكون حيوية.

إن أي عملية سلام تعتمد على السعوديين والإماراتيين، لاسيما بسبب العلاقات التاريخية والمستمرة مع اللاعبين الرئيسيين على أرض الواقع  ستكون المساعدات والدعم السعودي والإماراتي مهماً في اليمن بعد انتهاء الصراع.

وفي هذا الصدد، فإنه من الأهمية بمكان أن تحافظ أوروبا على علاقة بناءة مع دول الخليج وتجنب استعداء الجهات الفاعلة القوية التي لديها أيضا مصلحة في استقرار اليمن على المدى الطويل.

ينبغي أيضا أن تواصل أوروبا للاستفادة من القنوات القائمة مع إيران عند الاقتضاء، مع الاستمرار في دعم الجهود الرامية لتخفيف التوترات الإقليمية من خلال الجهود الدبلوماسية مع الأطراف الإيرانية والخليجية.

هذا يجب أن يأتي بالإضافة إلى استمرار التنسيق مع عمان، ودعم جهود الوساطة في السلطنة، والتي كانت قادرة على القيام بحكم موقعها الفريد في السياسة الإقليمية، الحفاظ على علاقات ودية مع كل من إيران والمملكة العربية السعودية.

 دعم لجنة جرائم الحرب الدولية

أخيرا، يتعين على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء دعم لجنة دولية مستقلة في مزاعم انتهاكات القانون الإنساني الدولي. استمرار انعدام المساءلة قد يشجع المتحاربين، ارتكاب جرائم أخرى، وتجاهل أكبر لحماية المدنيين. *خاتمة مأساة اليمن ستمتد إلى ما بعد الحرب العادية. الدولة ومؤسساتها تتهاوى. وفي الوقت نفسه، بدأت الأزمة إنسانية تنافس دول أخرى، وربما حتى تتجاوز سوريا في حدتها. ولكن على الرغم من بعد مسافة اليمن – جغرافيا ومجازيا – من أوروبا، لا ينبغي تجاهل ضرورة جهد أوروبا الاستراتيجي والأخلاقي للفهم والمساعدة في حلحلة الصراعات في البلاد. للأسف، من المرجح أن تكون اليمن غارقة في مستويات مختلفة من الصراع لسنوات قادمة. ولذا فإن السياسة الأوروبية المتماسكة في اليمن ستلعب على الأقل دورا قوياً في تحسين الوضع الإنساني في البلاد، ووضع أسس سلام حقيقي ومستدام.

قد يعجبك ايضا