مسارات الدفاع والبناء في زمن الحرب

إلى جانب خوض معركة الدفاع الوطني ضد المعتدين التي وصفت بالأشرس في تاريخ اليمن, استطاعت القوى الوطنية في صنعاء ومعها أحرار البلد

أن تتميز في أنموذجيتها للحفاظ على مقدرات الدولة من المؤسسات التي لم تسلم من غارات الطيران المعادي التي أمطرتها بمختلف أنواع الصواريخ الفتاكة والقنابل المحرمة دوليا أيضا ضمن مئات الآلاف من الغارات الجوية التي لم تسلم منها أي من مؤسسات الدولة ومقدراتها التنموية والاقتصادية والعسكرية والمدنيين في مختلف مناطق اليمن.. أمام كل هذا الصلف استطاعت القوى الوطنية في صنعاء أن  تتصدر المشهد الوطني العام لخوض معركة التحرير التي تهافت حولها احرار اليمن من مختلف مناطقه لإيمانهم بمشروعية وعدالة القضية التي يناضلون من أجلها جميعا ضد الغزاة .. فشهدت مسارات بناء الدولة في الجوانب العسكرية والسياسية والاقتصادية نجاحات كبيرة .. نستعرض في هذا التحليل  الموجز بعض أبرز ما تحقق في المسارين العسكري والسياسي :

المسار العسكري
في المسار العسكري تم إعداد خطة معركة النفس الطويل وفق استراتيجية عسكرية والتي تجسدت نتائجها ميدانيا من خلال التصدي لقوى العدوان وفق مراحل مدروسة بحيث تحولت الخطط القتالية من الدفاع إلى الهجوم المباشر الذي وصل مدى ضرباته النوعية إلى عمق المواقع والمطارات العسكرية المعادية والأماكن الأكثر حساسية في كل من السعودية والإمارات .
ومن حيث المعادلة في موازين القوى مع العدو وسلاحه الفتاك وغاراته المكثفة لم يكن في اعتقاد البعض أن صنعاء وقواتها المسلحة  ولجانها الشعبية ستقاوم وتصمد أمام تحالف أعتى دول العدوان الذي يقوده النظامان السعودي والإماراتي وبإشراف ومشاركة أمريكية واسرائيلية وبريطانية سواء بالدعم والاسناد اللوجيستي أو المشاركة بصورة مباشرة كما يحصل في السواحل الغربية والشرقية لليمن .
وبالثقة بنصر الله تحرك المرابطون لخوض معركة الدفاع الوطني الأقوى في تاريخ النضال الوطني لمواجهة الجيش والمأجورين الذين جلبهم العدوان من مختلف دول العالم لقتال ابناء اليمن .
النجاح الذي أبهر العالم والعدو ايضا هو الابتكار والقتال بتكتيك ومهارة عالية جعلت الكثير يعيدون قراءة النظريات العسكرية التي تدرس في عدد من الأكاديميات والكليات العسكرية.. لأن المقاتل اليمني تفوق بشكل كبير في قلب المعادلة وحقق التوازن في الردع بل وحيد الأنظمة العسكرية المعادية مستخدما اسلحة جديدة (الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة)  صعب على الرادارات اكتشافها وأيضا الدفاع الجوي المتطور وكانت السعودية قد قامت نهاية العام 2018 بشراء 44 منصة لإطلاق صواريخ “ثاد” وصواريخ ومعدات أخرى بقيمة 15 مليار دولار، وتشير تقارير بأن  المشتريات العسكرية للسعودية  بلغت نحو 63 مليار دولار منذ بدء عدوانها على اليمن في مطلع العام 2015م  وحتى نهاية العام 2021م

سلاح رعب
مثلت الطائرات المسيرة بمختلف أنواعها الاستطلاعية والهجومية السلاح المرعب الذي ظل يلاحق العدوان حتى اللحظة إلى جانب الصواريخ المطورة محليا بخبرات وكوادر يمنية والتي غيرت موازين الردع في ميادين المعركة مع تحالف العدوان .

التصنيع الحربي
بشكل مواز لمجريات المعارك في مختلف خطوط التماس مع العدو ظلت العقول اليمنية والخبرات تبدع وتبهر العالم بجديد الصناعات والتطوير والتحوير لمختلف أسلحة القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية , بشكل جعل من الحصار المطبق الذي يفرضه العدوان غير مجدٍ في الجانب العسكري بعد أن تضاعفت الأسلحة وتنوعت حتى وصلت القوات المسلحة الى مستوى متقدم  في القدرات الدفاعية المتطورة .

الحفاظ على مقدرات البلد  
في سباق مع الزمن قامت القوى الوطنية في القوات المسلحة والجانب المدني منذ الوهلة الأولى للعدوان بالحفاظ على مؤسسات الدولة من النهب والسلب فاستطاعت أن تحافظ على المصالح العامة والخاصة رغم الاستهداف الذي طالها بأعنف غارات العدوان الجوية .
فعلى المستوى المدني استمرت مؤسسات الدولة قائمة على قدميها رغم شحة الموارد وحصار العدو الجائر  ونهبه لخيرات وثروات البلد وعلى الجانب العسكري تمكن القادة العسكريون من تحييد أسلحة القوات المسلحة من الاستهداف الجوي والبحري المعادي في مختلف القوى والمناطق , ومن خلال الاستعراضات العسكرية الأخيرة  فقد تم الكشف عن أنواع مختلفة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة التي ظلت في مأمن من غارات العدوان المكثفة التي استهدفت شل القدرات الدفاعية بشكل عام وعلى وجه الخصوص القوة الصاروخية .

العرض بمدرعات العدو
إلى جانب الحفاظ على أسلحة القوات المسلحة من استهداف طائرات المعتدين تمكن أبطال القوات المسلحة من تعزيز قدرات  القوات المسلحة الدفاعية بكميات كبيرة من الذخائر والأسلحة المختلفة من الخفيفة والمتوسطة والثقيلة ومنها أحدث المدرعات التي أسند العدوان مرتزقته بها للقتال لكنها وقعت غنيمة سهلة بأيدي المرابطين في مختلف جبهات المواجهة وقد أشار لهذه الأسلحة والمدرعات عضو المجلس السياسي الأعلى محمد على الحوثي في كلمته أمام العرض العسكري المهيب للدفعات المتخرجة من وحدات المنطقة العسكرية السادسة بقوله: “ها نحن نشاهد مدرعاتكم تستعرض أمامنا وليست الا جزءاً بسيطا مما اغتنمه المجاهدون في مختلف الجبهات “

شواهد تاريخية
هناك شواهد تاريخية  كثيرة عن شجاعة المقاتل اليمني وكيف تمكن  من قتال العدو بالسلاح الذي تم اغتنامه منه أثناء خوض المعارك معه ومن تلك الشواهد التاريخية ما أورده الباحث عبدالله بن عامر في الجزء الثاني من كتابه (تاريخ اليمن مقبرة الغزاة): “ساهمت الحروب مع الأتراك في اغتنام كميات كبيرة جدا من الأسلحة التركية، واستطاعت تلك المقاومة من الحصول على مدافع حديثة واستخدمتها في الدفاع عن الحصون والمدن وفي الهجوم على الأتراك” .

إضافة نوعية
مثل دخول الطائرات المسيرة ضمن منظومة اسلحة القوات المسلحة اضافة نوعية وتطور كبير جعل من القوات المسلحة تتكامل في مسارات بنائها بشكل كامل وجعلها تخوض هذه المعركة وأوشكت على الخروج منها بقوات وقدرات فائقة من حيث الحداثة والتقنية والتطور التكنولوجي لخوض المعركة الحديثة المشتركة بكل كفاءة واقتدار .وبالتأكيد أن ما شهدته ميادين العروض للدفعات المتخرجة وبنماذج مصغرة لبعض الأسلحة أن قادم الأيام ستشهد عروضا عسكرية لتشكيلات القوات المسلحة بأسلحة أكثر حداثة وقوة وتطور مما شهدته الميادين حاليا .

الدلالة والأهمية
هذه النماذج التي استعرضت من خلالها القوى والمناطق والوحدات العسكرية  تعد جزءا بسيطا لعرض التطور النوعي والبناء والتدريب والتأهيل الذي تحقق للقوات المسلحة في الوقت الذي تواجه فيه معارك شرسة في مختلف جبهات القتال .

مرتكزات لدولة قوية
ذهب كثير من المحللين السياسيين والعسكريين والاقتصاديين  الى التأكيد  بأن الثبات والقدرات والكفاءات  التي استطاعت صنعاء من خلالها إدارة الجبهات العسكرية والسياسية والاقتصادية بشكل دقيق في ظل الإنفلات الأمني والفوضى والاقتتال الذي تشهده فصائل المرتزقة في جنوب الوطن المحتل وتصدع  (مجلسهم  القيادي الرئاسي ) وفشله الذريع في وضع حد لسفك الدماء والوضع المعيشي الصعب الذي يعانيه المواطن في المناطق المحتلة .

المسار السياسي
“اذا أردت السلام فأحمل السلاح” هذه عبارة يتداولها السياسيون والعسكريون معا , فبالقوة التي وصلت إليها القوات المسلحة وخوضها معارك خاطفة كبدت العدو خسائر كبيرة في العدة والعتاد استطاعت القوى الوطنية في صنعاء أن تضع أقدامها بقوة في المشهد الدولي للدخول في مسارات سياسية تفاوضية للهدن التي دخلنا في الثالثة منها لمدة شهرين اضافيين وفق شروط لاتزال على طاولة التفاوض والتي كان من أبرزها النقاط التي وضعتها قيادة الدولة ممثلة بالمجلس السياسي واللجان المكلفة بالتفاوض هي صرف مرتبات موظفي الدولة بشكل عام وإنهاء العدوان ورفع الحصار وفتح المطارات والموانئ كضرورات لضمان استمرار الهدنة .

تغيرات المشهد العام
التفاوض من موقع القوة والندية جعل من صنعاء حاضرة بقوة في المشهد الدولي خاصة بعد التطورات والمتغيرات التي يشهدها العالم في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية التي جعلت من روسيا تعود مجددا كقوة عظمى وإلى جانبها الصين وإيران وتركيا التي دخلت في الخط أيضا بعد أن أدركت بأن تركة الرجل المريض (بايدن) باتت غير قادرة على قيادة العالم وعلى القرارات الدولية بعد أن ظلت لعقود مهيمنة عليها .
وقد ظهر جليا الدور الدبلوماسي والسياسي الذي تجريه صنعاء مع القوى الصاعدة في العالم  (روسيا) خاصة بعد الزيارة العلنية الاخيرة لرئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبدالسلام الذي أشار إلى بعض من مضامينها من خلال حديثه للميادين بالقول: “هناك تحديات جديدة نشترك فيها مع روسيا وإيران ودول محور المقاومة، ودول أخرى متضررة من الهيمنة الأمريكية”.. لافتا إلى أنّ هناك تغيراً في المزاج الإقليمي والدولي، والسعودية مدركة بأنّ الحماية الأمريكية لم تعد مضمونة ”  ويرى محللون سياسيون بأن تحذيرات  عبدالسلام لدول العدوان ومرتزقته جدية وستحد من نهبهم للنفط اليمني الخام التي وصل المنهوب منه خلال الفترة 2016- 2022م بلغ أكثر من 14 مليارا و450 مليون دولار.  
وقد حذر عبدالسلام  الشركات التي تنهب ثروات الشعب اليمني بأنها ستكون في دائرة الاستهداف العسكري بعد انتهاء الهدنة ,  إن لم يتم  التوصل إلى اتفاق واضح  .
فهل ستعي الدول المتحالفة في عدوانها على اليمن هذه المتغيرات على المستوى الإقليمي والدولي وقدرات صنعاء الدفاعية وصدقها في الوفاء بالعهد وبتنفيذ رسائلها التحذيرية  إن لم تجد التجاوب معها ؟!

 

ناصر الخذري

قد يعجبك ايضا