مقالات صحيفة الحقيقة في عدد رقم 386

الشهادة في منهجية الشهيد حسين بدر الدين

كتب/سند الصيادي

الشهيدُ كمفهوم نحتفي به اليوم، هو مفهومٌ تجاوز التوصيفاتِ الطرفيةَ التي عادةً ما تُطلَقُ جزافاً، في مسعًى لإظهار أحقية القضية التي يُقتَلُ مِن أجلِها الفرد، وَلطالما سمعنا هذا اللفظ يُطلَقُ حتى لمن يقاتلون في صف الباطل أياً كان شكل ومبرّرات هذا الاصطفاف، لكن وَبذات القدر الذي نفتخرُ فيه بشهدائنا وَنعلي مقامهم اليوم، فَـإنَّه يحق لنا أن نحتفيَ بأن المفهوم والمصطلح قد بلغ بهم ذروةَ الكمال المبدئي واللفظي وَتملك كُـلّ نواصي الكلمة قولاً وَفعلا.. لا مكابرة وَادِّعاء.

فالشهادةُ هنا بمفهومها القرآني كاملةٌ وَمنطلقةٌ من معطيات المسمى الإلهي وَمستوفيةٌ لشروطها، وَهي أبلغُ المسميات التي لا يمكن مقارنتها بأيِّ منهج إنساني مهما كانت الفضيلة تحكمه، ناهيك عن أنها أحاطت بمعاني الشهادة بمفهومها الإنساني والوطني.. والتي لا تتعارَضُ أبداً مع المفهوم الإيماني الذي أحاط بكلِّ أصول الفضيلة التي نتغنى بها.

ولنا في سيدِ الشهداء حسين الحوثي رضوانُ الله عليه أُنموذجٌ لهذه الصفة وَمنطلقٌ لهذا النهج بأبعاده الإنسانية وَالوطنية وَالدينية، فالشهيدُ الذي أعاد تأصيلَ منهجية الشهادة وَأطلقها لتصبحَ ثقافةً وَطريقاً، كان أولَ من تملك أصولها في سلوكه وَأفعاله وَقاد بها المشروع، وَعلى ذمته ارتقى شهيداً، وهذه الحقائقُ باتت اليومَ واضحةً وجليةً بعد أن ظلت دهراً مثاراً للتشويه والتحريف والتضليل الإعلامي.

انطلق السيدُ حسين من واقع توافرت فيه كُـلُّ موجبات الثورة، ولا نقصدُ بهذه الموجبات الإمْكَاناتِ أَو الجاهزيةَ أَو الفرصَ لتحقيقها وَإنجازها، بل الظروف التي يتوجبُ على بشر سليم الفطرة وَالعقيدة وَالولاء الوطني الشريف أن يثور ضدها وَأن يتحَرّك وَيناهضَها بكل الوسائل المتاحة، تحت أي عنوان، فما بالُك أن يكونَ هذا العنوان إيمانياً خالصاً.

تحَرَّك الشهيدُ غيرَ آبه بالمآلات المتوقعة، فكُلُّها باختلافِها تمثل فوائدَ على كُـلّ المستويات، إما نصرٌ يخلُقُ واقعاً وجودياً كريماً، أَو شهادةٌ تؤسِّسُ وعياً وَترسُمُ طريقاً للأجيال، ناهيك عن معاني وَثمن هذه الشهادة عند الله وَخلود رجالها في حياة غير فانية، أي أن ثمنَ هذا التحَرّك بحسابات المصالح القريبة وَالبعيدة عظيمٌ وَكَبيرٌ.

وعلى هذه الدرب مضت قوافلُ من الرجال، مثمِّنةً بدمها الزكي مفهومَ الشهادة في نيلِها حياةَ الخلود، وَفي رسمها للحاضر وَللأجيال القادمة طريقَ الخَلاص.

 

في رحاب الشهداء.. حروفٌ وخواطر
كتب/علي صومل

ثمة فرقٌ بين شهداء المسؤولية وشهداء المظلومية فإذا كان لا بد من الشهادة برصاصات الخصم وصواريخ القصف فلتكن من شهداء المسؤولية، فشهادة المرء في خدور الضراغم خير من شهادته في خدور النواعم.

الشهادة أُمنية شخصية؛ ولذا فنحن لا ندعو للمجاهدين بالشهادة في ميدان الحرب وإنما ندعو اللهَ لهم بالسلامة والنصر.

طلبُ الشهادة لا يعني تمكينَ العدوّ من النفس فالأخذ بأسباب الوقاية من القتل أمر مطلوب من المجاهد المؤمن.

ثقافة الشهادة استراتيجية إيمانية أرعبت الخصوم ووفرت عوامل الثبات وأسباب النصر.

الشهداء أكرم بني البشر فلو كانوا يملكون الأرصدة في البنوك لما بخلوا بها على فقراء الشعب وكيف يبخل بالفلوس من يجودون بالنفوس؟

يمتلك الشهيد وعيًا عاليًا بعدالة القضية وصوابية الموقف وقداسة التضحية بالنفس في سبيل الدفاع عن الحق.

في قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم: (الجنة تحت أقدام الأُمهات) وقوله في حديث آخر: (الجنة تحت ظلال السيوف) ما يشير إلى علو مقام أُمهات الشهداء فقد كانت الجنة تحت أقدامهن في جنبات البيوت قبل أن تكون تحت سيوف أبنائهن في جبهات الموت.

الجهادُ فريضةٌ لا تقبلُ الحيادَ وتجارة لا يقاربها الكساد والشهيد يربح حياته من، حَيثُ يخسر الآخرون ويستبدل دار الفناء الحتمي بدار الخلود الأبدي فالشهيد -كما يقول شريعتي- هو المخلوق الوحيد الذي يولد ولا يموت.

يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين: “الشهادة في مدلولها القضائي: هي إظهار الحقيقة لأجل إثباتها في صراع وخصومة بين شخصين أَو جماعتين يختلفان ويتنازعان على حق من الحقوق يدعيه كُـلّ واحد منهما لنفسه، فيأتي الشاهد ليظهر حقيقة الموقف.

ومن هنا فلا بد أن يكون هذا الشاهد منفصلاً عن الطرف المبطل الظالم أَو المبطل المخطئ انفصالا تاما، ومتحداً مع الطرف المحق اتّحادًا تامًّا، لا من موقع ذاتي أَو مصلحي وإنما من موقع موضوعي خالص لا مجال فيه لأية نزعة ذاتية إلا نزعة الانتصار للحق”. وينطبق ذات التوصيف على شهيد القضية العادلة والموقف الحق.

ما الفرق بين أن يدافع الإنسان عن حقوقه الشخصية وحريته الإنسانية وبين أن يدافع عن حقوق وحريات الآخرين؟

جميع ذلك أمر مشروع وحق مكفول إلا أن الدفاعَ الأخير قد يكون أشرفَ وأنبلَ؛ لأَنَّك تدافع عن مطلق الحق ومطلق الحرية ومن هنا نعرف عظمة الشهداء الذين لم يغرقوا في ذواتهم ولم يتمحوروا حول شخوصهم بل جندوا أنفسهم للقيام بمسؤولية الدفاع عن حقوق الآخرين وحرياتهم فما أرذل المحايدين القاعدين الآمنين في بيوتهم الذين لم يقابلوا شهامة المجاهدين ونبلهم حتى بكلمات الشكر ودعوات النصر وما أحقرهم وما أوقحهم وهم يسلقون المجاهدين بألسنة الحداد وينطلقون للتثبيط عن فريضة الجهاد والتأصيل لجريمة الحياد واتّهام حراس الدين والوطن وحماة العرض والأرض بالانحراف والفساد.

في مواكب الشهداء
كتب/عبدالقوي السباعي

ونحن نعيشُ الذكرى السنوية للشهيد 1442هـ، لا يمكن لنا أن ننكرَ حقَّ وفضلَ شهدائنا الأبرار، الذين ارتقت أرواحُهم الطاهرة، وهم يجالدون تحالفَ البغي والعدوان الأمريكي السعودي الإماراتي الصهيوني، فدماؤهم الزكية هي التي منحتنا العزةَ والكرامةَ والشموخ والحرية، وهي الأرواحُ الطاهرةُ نفسُها التي تجعلنا نقفُ اليومَ في مقاومةٍ شرسةٍ أمام الشيطان الأكبر والثالوثِ المتغطرس الذي يحاولُ النيلَ من عزتنا وكرامتنا واستقلالنا.

فعندما نتحدَّثُ عن الشهداء، فَـإنَّنا نتحدثُ عن هاماتٍ استثنائيةٍ للرجولة والأنفة والإباء، عندما نستذكر اليوم رجالاً مضَوا في سبيل الله نُصرةً للدين والعقيدة، للأرض والوطن، وحملوا أمتهم وقضاياها المصيرية، فَـإنَّنا نستلهمُ منهم كُـلَّ مبادئ الشرف الكرامة، كُـلَّ معاني التضحية والفداء، وتعلمنا منهم كيفَ نخطو بنُكران ذات؛ مِن أجلِ أن يعيش الآخرون.

في موكبِ الشهداء الأبرار، نستذكرُ ذلك النهرَ الخالدَ الذي يتدفقُ بالخير فارتوت منه الأرضُ، تلك المشكاةُ من النور التي أضاءت عتباتِ التاريخ بوهج تألُّقِها.

نعم إن الهواءَ الذي نستنشقه اليوم، والحياة الكريمة التي ننعمُ بها رغم العدوان والحصار، هي بفعلِ تضحية هذه الدماء الزكية، وبفضل أرواحهم الطاهرة المبتسمة عند مليك مقتدر في عليين، ومن حق الشهيد علينا اليوم وكلَّ يوم أن نستذكرَه ونخلدَ تاريخَه؛ لأَنَّه الامتدادُ الأزلي والبُوصلة الحقيقية، لرسالات السماء، وتوجّـهات الأنبياء، ونداءات الصالحين والأتقياء، وثورات الصديقين والأولياء، والدليل القاطع على استمرار تلك الثورات المباركة، والتي حملوها إلى الأجيال المتعاقبة عبرَ العصور والأزمنة.

ومن هنا كانت الشهادةُ حياةً للأمم، فالأمة الحية هي التي تقدِّسُ الشهيدَ وتُعلِي الشهادةَ، وتعتبرها قيمةً إنسانيةً وثقافة إلهية تفهم أن الموتَ قتلاً في سبيل الله هو الحياةُ الأبدية، وأن الحياةَ من دونِ ثقافةِ الشهادة هي الموتُ، وقد تجلت هذه الحقيقة بقول الإمام الحسين (عليه السلام): “إنِّي لا أرى الموتَ إلَّا سعادةً والحياةَ مع الظالمين إلَّا برما).

واحتفاؤنا بذكرى الشهيد هو أقلُّ واجبٍ يمكنُ أن يقدمَه كُـلُّ يمني شريف، بل هو واجبٌ بأن تستذكرَه كُـلُّ الأمم والشعوب التي تتطلع للكرامة والحرية؛ لما لهؤلاء الشهداء من فضلٍ على الأُمَّــة؛ كونهم الأحياءَ ونحن مَن يعيشُ حياةً زائفةً.

 

الذكرى السنوية للشهيد.. شواهد الإباء وذكريات العظماء

حلت علينا الذكرى السنوية للشهيد لتجدد معها حكاية سنوات طويلة من مقارعة الطاغوت والوقوف في وجه الطغيان المتمثل بأمريكا وإسرائيل وأدواتهم من الخونة والعملاء والمنافقين، وضمن مسيرة جهادية ابتدأت من جبل مران قبل سته عشر عاماً يقودها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) ليواصل بعده أحرار الشعب اليمني وتحت قيادة حفيد رسول الله سيد الجهاد والكرامة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي (حفظه الله) مسيرة العطاء والجهاد والتضحية وإنقاذ المستضعفين من سياط الجلادين والمستعمرين ومصاصي دماء الشعب، ومع كل عام تأتي هذه المناسبة كما قال السيد القائد ضمن “مسارٍ تصاعديٍ لصالح عباد الله المستضعفين والمظلومين”

وكالعادة ما إن تحل هذه الذكرى حتى يبدأ الشعب اليمني في التوافد لزيارة معارض الشهداء ورياضهم التي يتجسد فيها أكبر دليل على عظمتهم وأعظم شاهد على عطائهم وأفضل أماكن اللقاء بهم فيها نسائم الجنة ونفحات الرحمة ومراقد العظمة وشموخ الإباء وسمو الأولياء فلها قداستها وحرمتها لأن فيها قادتنا وسادتنا وقرة أعيينا وفلذات أكبادنا وخلص إخواننا وأشجع أبطالنا وأعظم رجالنا .

وهي صفحات تاريخنا وشواهد مجدنا ودلائل إيماننا وبراهين هويتنا ومزار أوليائنا فيجب علينا في هذه الذكرى التردد لزيارتها فمن شهدائنا نستلهم الثبات والصمود ونتعلم معاني الوفاء والإباء فمنهم عرفنا العزة و تنسمنا الحرية وكسبنا النصر وفهمنا معاني الجهاد وعظمة ميادين الاستشهاد.

كيف لا وقد انطلقوا بإيمان لا تهزه دواهي الأحداث ويقين لا تزعزعه تقلبات الدهر واقدام لامثيل له في هذا العصر يحثه تأييد الله وتحفه عظمة الأخلاق وتزينه قوة الإرادة وتتوجه عدالة القضية وسمو الغاية ونبل المقصد، ملبين نداء الحق القائل:(إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)[الحجرات آية:15] ومسارعين إلى رضوان الله وجنته يحدوهم الأمل بإحدى الحسنيين وتدفعهم معاناة المستضعفين وتأوهات المظلومين وأنات المكلومين وكلهم فرح بتوفيق الله له بالجهاد وشوقا إلى نيل مراتب الأشهاد مصرين على كبح جماح الظالم المستكبر وتحقيق النصر لأمة كبلتها ألوان شتى من مراود الاستعمار وأعلام العمالة من الأشرار فخاضوا غمار الموت لا بطرا ولا أشرا ونالوا الشهادة بكل إباء وشموخ واعتزاز وفخر فهم اليوم في مدرسة الأخلاق أسادتنا وفي ميادين القتال قادتنا وفي المواقف الصعاب إسوتنا وفي الإيمان الراقي قدواتنا وهم أمان لنا في بلدنا وفخر لنا في أمتنا وشاهد لنا في حشرنا وشافعين لنا عند ربنا فسلام الله عليهم دائما أبدا ورحمته وعهدا أن نكون لهم ولتضحياتهم وعطائهم أوفياء.

تعاظم مكانة الشهداء

تستمر فعاليات الذكرى السنوية للشهيد قرابة الأسبوع تتنوع فيه الفعاليات والأنشطة المختلفة احتفاء وتكريم للشهداء العظماء ولأسرهم وتذاكر تضحياتهم وبطولاتهم وسيرهم الزاخرة بالمواقف العظيمة والأخلاق الكريمة وتتميز المناسبة أيضاً بخطاب تلفزيوني للسيد القائد يتحدث فيه عن قيمة الشهادة ومكانة الشهداء وعطائهم وتضحياتهم وفوزهم العظيم كونهم قدموا أرواحهم في سبيل الله ومواجهة المستكبرين ودفاعاً عن المستضعفين، كما تقدم مؤسسة الشهداء هدية سنوية لجميع أسر الشهداء تكريماً لهم واحتفاء بمكانتهم وهكذا تستمر الفعاليات التكريمية للشهداء ولأسرهم لدرجة أن أغلب الأسر أصبحت تتمنى أن يكون منهم شهداء يفاخرون بهم بين الناس.. كنتيجة لما يرونه من حفاوة وتكريم لأسر الشهداء..

وهكذا يخلد الشعب اليمني خلال ذكرى شهدائه بكل فخر واعتزاز تضحياتهم وملاحمهم الاسطورية وثباتهم العظيم ” معاهداً لهم المضي على دربهم حتى تحقيق النصر.

قد يعجبك ايضا