ميناء ايلات مشلول.. أنصار الله أسياد البحر الأحمر

يعيش الكيان الإسرائيلي هذه الأيام أسوأ مراحل وجوده المصطنع. فكل يوم يستيقظ على فاجعة وينام على كارثة. بعد اخفاقاته الميدانية في غزة وعلى الحدود الشمالية مع لبنان، بفعل ضربات المقاومة، جاءته مصيبة أزمة البحر الأحمر على يد أنصار الله  ردًا على حملة الإبادة القائمة بحق للشعب الفلسطيني، فخلطت الأمور وعقّدت الحسابات الأمريكية والإسرائيلية (الجيوسياسية منها والاقتصادية)، فضلًا عن أنها أحدثت هلعًا وقلقًا غير مسبوقين على مستوى التجارة العالمية كونها أصبحت مُهددة نتيجة الاستهداف اليومي للسفن المتجهة إلى الكيان.

فأنصار الله في اليمن باتوا يتحكمون بجزء كبير من الشحن العالمي بما يهدد اقتصاد “إسرائيل”، وهو ما دفع الخبراء إلى التحذير من أن يؤدي ذلك إلى خسائر أكبر، إذا استمرت الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الشعب اليمني.

ما أهمية البحر الأحمر بالنسبة لـ”اسرائيل” والولايات المتحدة؟
 
معظم التجارة البحرية الإسرائيلية تمر عبر حيفا وموانئ أخرى على البحر الأبيض المتوسط، وتُعد إيلات نقطة دخول رئيسية لبعض الواردات من شرق آسيا والتي تسلك طريق قناة باب المندب. بما في ذلك السيارات الكهربائية المستوردة من الصين، والتي تشكل معظم السيارات المباعة في “إسرائيل”. وفي هذا السياق، أشارت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إلى أن “انخفاض قدرة البائعين على تجديد المخزون، مع وصول عدد أقل من السيارات، يمكن أن يساهم في ارتفاع الأسعار”.

علاوة على ذلك، يشكل البحر الأحمر نقطة اختناق على أحد الطرق البحرية الرئيسية في العالم، فما يقرب من خمس البضائع المتجهة إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة، تمر عادة عبر البحر الأحمر، في طريقها إلى قناة السويس، وفقًا لوكالة موديز، وتبعًا لذلك، بدأت شركات الشحن العالمية العملاقة في إرسال السفن لمسافات طويلة حول أفريقيا وتحديدًا عبر ممر رأس الرجاء الصالح.
 
كيف أثّرت ضربات أنصار الله على الحركة التجارية الإسرائيلية؟

ألحقت ضربات أنصار الله الموجهة بالدرجة الأولى نحو السفن الإسرائيلية أو تلك المتوجهة الى موانئ فلسطين المحتلة (ولاحقًا القطع الأمريكية بعد الاعتداء على اليمن) خسائر كبيرة بالاقتصاد الإسرائيلي. إذ كشف جدعون غولبر الرئيس التنفيذي لميناء إيلات أن الكيان “شهد انخفاضًا بنسبة 85 بالمئة في نشاط الشحن”، وقال لصحيفة “جيروزاليم بوست” إنه “بدون التراجع للأسف سنضطر على الأرجح إلى منح إجازة للعمال”.

أما بالنسبة للسفن التي تمر عبر قناة السويس إلى موانئ فلسطين المحتلة الأكثر ازدحامًا على البحر الأبيض المتوسط، فقد أوقفت العديد من شركات النقل الكبرى حركة المرور داخل الممر أو خارجه، على الرغم من التحالف العالمي الذي يزعم زورًا السعي إلى توفير ممر آمن للسفن. وتبعًا لذلك، أكدت شركة الشحن الدنماركية العملاقة ميرسك هذا الشهر، أنها ستقوم بتحويل جميع سفنها جنوبًا – على طول الطريق حول إفريقيا – في المستقبل المنظور.

من جهتها، قالت شركة “إيفرجرين”، عملاق الشحن التايواني، الشهر الماضي إنها ستتوقف عن نقل البضائع الإسرائيلية على الفور، من أجل سلامة البضائع والسفن وطاقمها،  في حين فرضت شركة “ميرسك” الشهر الماضي، رسومًا إضافية على الشحنات إلى الكيان للمساعدة في تغطية تكاليف التأمين المتزايدة.

بالمقابل، أعلن “بنك إسرائيل” هذا الشهر أن توقعاته للصادرات الإسرائيلية في 2024 انخفضت 1 %، عن توقعاته في نوفمبر تشرين الثاني، عندما تسارعت وتيرة هجمات أنصار الله.

ليس هذا فحسب، من المتوقع أن تنخفض الواردات المدنية الإسرائيلية، بنسبة 4 في المائة العام المقبل، بانخفاض بنسبة 5 في المائة عن التوقعات في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وفقا للبنك المركزي. ومن المرجح أيضًا، أن تكون الواردات من آسيا، التي تمر عادة عبر المصب الجنوبي للبحر الأحمر الأكثر تضررا، خصوصًا وأن الصين تعتبر أكبر مصدر للكيان، حيث تشكل أكثر من 14 بالمئة من الواردات الإسرائيلية في عام 2021، بحسب “مرصد التعقيد الاقتصادي” الذي يتتبع البيانات الاقتصادية.
 
ماذا عن الأضرار المتوقعة بالقطاع الطبي الإسرائيلي؟

لم تتوقف خسائر “اسرائيل” على الشق الاقتصادي، فاللافت أنها امتدت إلى القطاع الطبي، ولهذا أوضح موشيه كوهين، الرئيس التنفيذي لـ”منظمة ياد سارة” أكبر مقرض غير حكومي للإمدادات الطبية في الكيان أنه حتى التغييرات الصغيرة في سلسلة التوريد يمكن أن تشكل تحديات كبيرة لتوريد الإمدادات الطبية وسط “عدد غير مسبوق” ممن أسماهم “ضحايا الحرب”. وقال في بيان إن “التأخير الناجم عن ضربات أنصار الله يمكن أن يهدد حياة الإمدادات التي تشتد الحاجة إليها”.
 
ما هي انعكاسات أزمة البحر الأحمر على الصعد الجيوسياسية والجيوبوليتكية؟

التأثيرات الاقتصادية لضربات البحر الأحمر، لا سيما على “إسرائيل” ستنعكس على المنطقة بأكملها المتجهة نحو  التأزيم أكثر فأكثر.
وتعليقًا على ذلك، قال دان أرينسون، مستشار المخاطر الجيوسياسية في شركة “جي إس هيلد”، وهي شركة استشارية عالمية للمخاطر، إنه طالما استمرت الحرب في غزة، فإن مخاطر تدهور الوضع في البحر الأحمر بشكل أكبر وتحول المناوشات الإقليمية مثل تلك التي تحدث على الحدود اللبنانية إلى حرب “تتزايد بشكل كبير، وأعتقد أن إدارة بايدن تدرك ذلك”.

إلى جانب ذلك، من المتوقع أن تؤدي زيادة أسعار الشحن البحري من الصين إلى أمريكا الشمالية إلى ارتفاع أسعار السلع المستهلكة، وفقًا لتقرير صدر الأسبوع الماضي عن شركة Freightos، للشحن. ولهذا قال أرنسون إنه إذا تضرر الاقتصاد الأمريكي من هجمات أنصار الله، فإن ذلك قد يدفع الرئيس بايدن للضغط على “إسرائيل” لإنهاء حربها في غزة. وأضاف: “من الواضح أن الصبر بدأ ينفد”.

على المقلب الآخر، أوضح الخبير في الجيوبولتيك الدكتور علي ناصر أن حركة انصار الله كانت ذكية، فهم بسيطرتهم على البحر الأحمر أصبحوا عمليًا، يفصلون بين الأساطيل الأمريكية المنتشرة في كل من البحر الأبيض المتوسط، والخليج العربي والمحيط الهندي، وهذا سيعيق حتمًا حركتها، ولهذا تشعر أمريكا بخطر جيوبولتيكي، يهدد وجودها بكل منطقة أوراسيا.

ويفنّد الدكتور ناصر خيارات أمريكا مؤكدًا أنها محدودة، وهي إما وقف الحرب الدموية على غزة، أو التدخل على الأرض باليمن في مناطق معينة، وهنا نكون أمام مفارقة غريبة، تتمثل بالمواجهة بين أقدم وأحدث حضارتين بالعالم أي اليمن وأمريكا. ويضيف: التاريخ يخبرنا أن اليمن لم يُهزم، ولم يُستعمر عبر العصور، لكن أمريكا هُزمت واستُعمرت.

 

د. علي دربج – باحث وأستاذ جامعي

قد يعجبك ايضا