إبراهيم سنجاب يكتب:ما بين خطاب السيد وتعقيب السيد ولحظة الخليج التاريخية

 

ثورة البركان النائم (3)
كتب/إبراهيم سنجاب

نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية

من بين الرسائل التى أرسلها السيد (عبدالملك الحوثي ) لليمنيين وللخارج معا خلال خطابه بمناسبة ذكرى المولد النبوى الشريف , حظيت كلا من رسالته لإسرائيل بالرد المباشر والقوى والمؤلم باستهداف مواقع حساسة ومهمة , بنفس القدر من الاهتمام والمتابعة لرسالته للملكة العربية السعودية بأنه لا اتفاق بدون وقف العدوان وفك الحصار .
وبغض النظر عن الألاعيب التى تمارسها سلطات التحالف السعودى -الإماراتى فى الجنوب اليمنى , واستمرار بحثها عن مرتزقة لتمثيل دور (المحلل ) فى الشمال , وفى ظل تضليل إعلامى يمارس على صنعاء كما لم يمارس على أى مكان آخر فى العالم , جاءت رسائل (السيد ) لتضع سقفا جديدا , عاليا بالنسبة لطموحات صنعاء ,ومنخفضا فيما يتعلق بأطماع السعودية بعد إتفاق الرياض (جدة سابقا ) ,ومزعجا بالنسبة لتل أبيب التى وضعت صنعاء ضمن محور العواصم المتمردة .
أما فى تعقيب السيد (حسن نصر الله )فى اليوم التالى , فقد أكد على ثابتين , أولهما أن اليمن أصبح يمتلك أسلحة مهمة فعلا , بما يشير إلى قدرته على قصف أهداف إسرائيلية سواء برية كمفاعل ديمونة مثلا , أو بحرية كسفن وبوارج حربية موجوده فعلا فى مياه البحر الأحمر هنا وهناك , أما ما لم يقله وهو الثابت الثانى والأهم فهو أن اليمن لن يلتزم بما تلتزم به إيران أو حتى حزب الله نفسه فى التعامل مع أى اعتداء إسرائيلى عليه .
لنعد إلى نقطة بداية وهى أن البركان الذى كان نائما منذ مئات السنين على باب المندب استيقظ , وأن المارد الذى يسكن قمم جبال اليمن وكهوفها قد خرج من القمقم , وأن البيئة الاستراتيجية التى توفرت عليها المنطقة العربية بعد غزو العراق تتغير بل تغيرت فى اتجاهات متداخلة ومتضاربة , بحيث أن دولة كالسعودية تشترى فى صفقة واحدة تمت فى يوم واحد ب480 مليار دولار أسلحة وأشياء أخرى , ثم تضطر بعد بأقل من عام ذلك لشراء أسلحة بما يوازى 28 مليار دولار , وتليها فى ذلك قطر ثم الإمارات وغيرهما من دول الخليج .
نقول أن البيئة الاستراتيجية تغيرت بحيث تعجز قوات التحالف بأسلحتها ومرتزقتها وأموالها وقراراتها الدولية وإعلامها من عن تحقيق نصف انتصار فى اليمن , بل بالمعايير العسكرية البحتة , فإنها تلقت هزيمة فاشحة بالنظر إلى السلاح المتطور الذى امتلكته صنعاء أثناء سنوات الحرب , وبالمقاتلين الجدد من ذوى العقيدة الايمانية والقتالية , وهم أجيال غير مسبوقة تدريبا واستيعابا للسلاح منذ حرب 1973 .

السقوط الخليجى فى الفخ الأمريكى

فى العام 2015 دشن باراك أوباما مفهوما جديدا أطلق عليه الصبر الإستراتيجى بمقتضاه ألغى الحرب على الإرهاب بضربات أمريكية إستباقية , واعتمد مفهوما جديدا لقيادة أمريكا للعالم وهو , طالما أنت القائد فليس مهما أين يكون موقعك , وبديلا عن ذلك دشن سياسة التحالفات بدلا عن الأعمال الفردية , وانطلاقا من فهمنا لهذه السياسة , فقد نرى أن الحرب على اليمن أمريكية اسرائيلية بتحالف عربى يدفع ويشترى ويمول ويموت ويخسر , خدمة لمخططات الشرق الأوسط الجديد وتطبيع الوجود الاسرائيلى فى العالمين العربى و الإسلامى , وتأمين المصالح الإسرائيلية فى البحر الأحمر , وغيرها من الأهداف التى تناقشها مراكز الدراسات حول العالم حول توزيع الأنصبة فى العالم العربى بين أمريكا وروسيا والصين وأوروبا وغيرهم .

ما بين السلاح والسياسة .. هنا مفاوضات

لنرى الآن ماذا تمتلك الرياض وأبوظبى اللتين تولتا مقعد القيادة فى تطبيق نظرية الصبر الاستراتيجى الأمريكية فى أهم بقعة بترولية وتراثية على وجه كوكب الأرض , وماذا تمتلك صنعاء بعد قرابة 5 سنوات من القتل والاقتتال المسبب والحصار والصمود .
فيما يتعلق بتحقيق نصر عسكرى أو حسم رادع , فقد سقط هذا الخيار من يد تحالف السعودية –الامارات , كان ذلك مؤكدا وما زال , رغم امتلاكهما بورقة الشرعية الدولية التى تلاعبا بها ,معا أحيانا ومنفردين أحيانا أخرى ,حتى أنتجت الاعتراف بالمجلس الانتقالى الجنوبى شريكا فى عدن وما حولها , ولم تجرؤ أحدهما أو كلاهما على فرض هذه الشرعية على الشمال حتى اللحظة . قد تمتلك دولتا التحالف القدرة على استعاضة السلاح كما تمتلكان ميزة الامداد به طوال الوقت , بنفس الدرجة التى تمتلكان فيها ناصية الاعلام العربى والعالمى , ولكن قدرتهما على تغييب أى محاولة عربية أو إقليمية للنقاش حول مستقبل اليمن أو حتى الحالة الإنسانية المتردية فيه بسبب العدوان والحصار أخطر . وهذه هى أهم أوراق تحالف السعودية – الإمارات على اليمن ونضيف إليها قدرتهما على تمويل وتغذية احتجاجات إجتماعية فى مناطق سيطرة سلطة صنعاء والعب على وتر الخلايا النائمة فى ظل الحصار , خاصة أتباع النظام القديم ويتامى الجمهورية التى ما زالت جمهورية .

فما الذى تمتلكه صنعاء ؟

تمتلك ثورة وزعيم وجيش ولجان شعبية ومجلس سياسى وسلطة أمر واقع كما تقر بذلك وتعترف الأمم المتحدة وتمتلك سيطرة أمنية بحيث تبدو صنعاء أكثر أمنا من نيويورك , وتمتلك شعبا غالبيته تكيفت مع الحصار والجوع والمرض والنوم تحت القصف . ولديها تقارير حالة إنسانية أممية تكفى لمحاكمة قادة وعسكريين فى التحالف أمام الجنائية الدولية , وما سبق قد يكون طبيعيا فى ظل حالة الصمرد ولكن غير الطبيعى والمعجز هو أنها باتت قادرة على تخزين وتصنيع وتطوير أسلحة مهمة , والأكثر أهمية أنها تستطيع قصف أهداف داخل دولتى التحالف بدون سقف أو حسابات سياسية كما حدث فى حالة أرامكو ومطار أبو ظبى , وتستطيع أن تحيل المرور فى البحر الأحمر وبحر العرب إلى مندب حقيقى , وأيضا بلا سقف وبلا حسابات سياسية .
صنعاء قتلت حجة شيعى وسنى فى مناطق سيطرتها , ووأدت ذريعة الذراع الإيرانية فى اليمن بحيث تشير التطورات إلى أن حاجة صنعاء لطهران لا تساوى شيئا إلى جانب احتياج طهران لصنعاء , وهذه نقطة مهمة جدا لم يحن بعد وقت تحليلها , وفى ظل تنازل السعودية يوميا عن مذهبها الوهابى الذى قامت عليه , وتقديمه كبش فداء لهيئة الترفيه , تستمسك صنعاء بما تطرحه تحت شعار قرآنيون – محمديون ويخرج شعبها بالملايين إحياء لذكرى المولد النبوى الشريف فى نفس الليلة التى قتل فيها سعودى ثلاث فتيات فى حفل راقص لهيئة الترفيه . أما استعدادها للتضحية ومواصلة القتال فحدث ولا حرج .

اللحظة ليست خليجية يا عبد الخالق ولن تكون !

فى محاضرة للدكتور عبد الخالق عبد الله زعيم مفكرى الإمارات , وواجهة نظام أبو ظبى رغم الإنكار قال إن اللحظة فى المنطقة العربية فى القرن الحالى أصبحت خليجية وأنها لحظة مستمرة على الأقل لخمسين سنة قادمة , وأن دول الخليج تتولى مسئولية الأمن فى 16 دولة عربية , بعد تراجع مصر والعراق وسورية .
عبد الخالق لم يخطئ ولكن فى اطار ما تفعله بلاده يوميا من كنز آثار الغير وإنشاء متاحف لها , بحيث ظهرت وكأنها تسرق التاريخ . ولم يخطئ لأن بلاده لم تحلم ولو بمجرد فتح باب للتفاوض على جزرها الثلاث المحتلة , وبدا الامر وكأنه سرقة للجغرافيا ولو بتسويق فكرة غض النظر . عبد الخالق يتكلم فى بلده ويحاضر فى بلده ويشترى مستمعين له أيضا فى بلده ولو قال كلامه هذا فى مدرج أولى إقتصاد وعلوم سياسية فى أفقر مدينة عربية لما استطاع أن يكمل أول جملة منه . الغريب أن عبد الخالق الذى يبلغ عدد مواطنى دولته 800 ألفا من بين 8 مليون مقيم , يعرف أنه مجرد واجهة فى محل زجاجى يتحرك من خلفه العارضون والزبائن . عبد الخالق يمتلك المال , هذا صحيح . ويمتلك السلاح , هذا صحيح , ولكنه لا يمتلك الشعب المليونى الذى يصنع المقاتلين ولا العمق التاريخى الذى يصنع الحواضن الشعبية فى لحظات الخطر . قد يستقوى بأمريكا ويستقوى بإسرائيل بل وروسيا والصين وإنجلترا ولكن كل هؤلاء لا يصنعون دولة قائد , ربما يخلقون نظاما أما دولة فلا .
ولو كلف نفسه عبد الخالق ونظر يمينا إلى جارته إيران لوجد قوة إقليمية كبرى صنعت نفسها تحت الحصار وقالت لأمريكا لا , أما إذا نظر يسارا فسيجد قوة عاقلة إسمها سلطنة عمان سويسرا الشر ق وصديقة الجميع , بالتأكيد ليس على عبد الخالق أن يمد نظره أبعد من ذلك ولو إلى اليمن و التى ذهبت وفود من بلاده إلى إيران لتسترضيها حتى توحى إلى صنعاء بألا تقصف المدن الزجاجية .
قد تبدو اللحظة فى نظر عبد الخالق خليجية من حيث التمويل وشراء السلاح , ولكن حتى هذه فشلت فى سوريا والعراق وليبيا واليمن , ولكن بعد خطاب السيد وتعقيب السيد , وعدم اكتراث العواصم العربية بما قاله عبد الخالق، أعتقد أنه فهم أو سيفهم أن البيئة الاستراتيجية تتغير فى العالم العربى كله وخاصة فى الجزيرة العربية , وان اللحظة ليست خليجية مهما أنفقوا على ترامب وبوتين والملكة اليزابيث .

قد يعجبك ايضا