نص المحاضرة الرمضانية الحادية والعشرون للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 22 رمضان 1442هـ 04-05-2021

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ 

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين. 

اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم. 

أيُّها الإخوة والأخوات 

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

 

نعود إلى النص القرآني المبارك في الآية المباركة من سورة الأنعام، في قوله سبحانه وتعالى: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}[الأنعام: من الآية151]، بعد أن سبق ذلك بقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ}[الأنعام: من الآية151]، قال: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}، الإملاق: شدة الفقرة والحاجة، وقلة ذات اليد، التي تدفع الكثير من الناس إلى التصرف الخاطئ، إلى ارتكاب جرائم متنوعة. البعض قد يصل به الحال إلى أن يظلم حتى أولاده وأقرباءه، ويرتكب مختلف أنواع الجرائم في توجهه لمكافحة هذه المشكلة، التي هي الفقر.

 

الله سبحانه وتعالى عندما قال: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}، قدَّم الضمانة، وهذا يشدُّنا إلى الله سبحانه وتعالى أن نبتغي عنده الرزق من واسع فضله، بالالتجاء إليه، وبالأخذ بأسباب الرزق.

 

تحدَّثنا في المحاضرات الماضية أنَّ الله سبحانه وتعالى عرض لنا في القرآن الكريم عرضاً واسعاً جداً عن نعمه التي أسبغها علينا ظاهرةً وباطنة، قرأنا بعضاً من الآيات المباركة التي تحدثت عن ذلك، مختلف أنواع النعم، أصول النعم الكبرى، الثروات العظيمة، الموارد العامة الكبيرة التي منَّ الله بها علينا كبشر، ومع ذلك- وفي هدايته سبحانه وتعالى- قدَّم لنا في التشريعات والمنطلقات والقيم، قدم لنا ما يساعدنا على استثمار تلك النعم، والتصرف فيها بما نتفادى به الأضرار والمفاسد، ويتحقق لنا بذلك أحسن الانتفاع، الانتفاع الخالي من السلبيات الرهيبة، التي تحصل حينما يتصرف الإنسان بعيداً عن التوجيهات الإلهية، والهداية الإلهية، ويتصرف فقط بدافع الغريزة والحاجة، أو الطموح والطمع، وتحدثنا عن هذه المسائل في المحاضرات الماضية.

 

إضافةً إلى ذلك: ما وعد الله به من البركات، مع أنه قد خلق أصول النعم، وفيها الخير الكثير، لكنه وعد أيضاً بالبركات: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف: من الآية96]، ووعد أيضاً عندما يتقي الإنسان ربه، أنه سبحانه وتعالى سيرزقه من حيث لا يحتسب، وعد أيضاً بالمزيد والمزيد من النعم عندما نتوجه إليه بالشكر، فقال جلَّ شأنه: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم: من الآية7]، فالله سبحانه وتعالى هو الرزاق، الكريم، الوهاب، المنان، المحسن، المتفضل، المنعم، ولذلك المشكلة فيما يتعلق بالفقر، بالذات الفقر المدقع، وتفاقم هذه المشكلة في الواقع البشري، وضغط هذه المشكلة بشكلٍ كبير في الواقع البشري في كثيرٍ منه يعود إلى البشر، سواءً في تعاملهم مع الله سبحانه وتعالى من خلال سوء تعاملهم مع نعمه، ومقابلتها بالكفران، وسوء تصرفاتهم ومعاصيهم… وما إلى ذلك.

 

فعندما نأتي بعد أن تحدَّثنا عن أصول النعم، وعن الموارد العامة التي عرضها لنا القرآن الكريم، وتلونا آياتٍ من القرآن الكريم تحدثت عنها، وذكَّرت بها، نأتي إلى الواقع البشري، فنجد أنَّ هناك دول ومجتمعات أصبحت متقدِّمة، وغنية، وذات ثروة ضخمة، ونشاط اقتصادي على مستوى كبير، الدول الصناعية الكبرى، ودول نامية: دول لم تصل بعد إلى مستوى ما وصلت إليه الدول الصناعية الكبرى، ولكنها أصبحت نامية، وأصبحت معدلات النمو فيها معدلات سنوية، يعني: كل سنة وهي تنمو بشكلٍ أفضل في اقتصادها، وهناك دول فقيرة، وهناك دول تحت خط الفقر، يقولون عنها: تحت خط الفقر، يعني: تعاني من فقرٍ مدقع، ومجاعات، ومشاكل كبيرة جداً.

 

لو نقارن بين واقع كل هذه الدول: الدول الصناعية الكبرى، والدول النامية، والدول الفقيرة، والدول التي تحت خط الفقر؛ لنصنِّف حقيقة المشكلة ما هي، لو نأتي مثلاً لاستعراض أصول النعم، الله سبحانه وتعالى ذرأ المجتمع البشري في الأرض، نشره على كوكب الأرض، وعلى جغرافيا الأرض، والأرض بكلها في كل أنحائها التي هي معمورة، دعك عن الأماكن غير المعمورة، مثل القطبين: القطب الشمالي، والقطب الجنوبي، المناطق المعمورة، والأنحاء المعمورة من الأرض تتهيَّأ فيها ظروف الحياة، والظروف الملائمة، والمتطلبات الأساسية لحياة الإنسان، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى ومن حكمته، يعني: أنَّ الله سبحانه وتعالى لم يحصر أصول النعم لتبقى مثلاً في منطقة محدودة جداً، ورقعة جغرافية صغيرة في الأرض، ويسبب هذا مشكلة للمجتمع البشري.

 

مثلاً لم يجعل المنطقة الزراعية فحسب مثلاً منطقة أستراليا، بحيث لا يوجد على الأرض منطقة صالحة للزراعة إلا أستراليا، أو إلَّا منطقة كذا، وبقية الأرض بكلها لا تصلح للزراعة، كذلك زراعة مثلاً مختلف المحاصيل الزراعية، كثير من المحاصيل الزراعية يمكن زراعتها في كل بلد من البلدان، يعني: مثلاً يمكن زراعتها في المنطقة العربية، يمكن زراعتها في أوروبا، يمكن زراعتها في قارة أمريكا، يمكن زراعتها في أستراليا، يمكن زراعتها في مختلف القارات والبلدان، فتجد على مستوى البلد الواحد، أو الدولة الواحدة، أنَّ هناك قائمة واسعة جداً من المحاصيل الزراعية التي يمكن زراعتها فيها، مع بقاء مثلاً خصوصيات للتكامل الاقتصادي بين البشر في مختلف بلدانهم، بحيث يتهيَّأ مقدار معين من التنوع يساعد على التكامل.

 

ثم تجد كذلك بقية النعم، بقية الاحتياجات البشرية الأساسية، كثير من البلدان هي تعيش في مجتمعاتها على ضفاف الأنهار والبحار، ولديها سواحل، وتستفيد من الثروات البحرية، والبعض منها إن لم يكن كذلك، فثروته على المستوى البري ثروة ضخمة جداً… وهكذا.

 

فالله سبحانه وتعالى نشر نعمه على أصقاع الأرض وفي أقطارها، لتلائم هذا الانتشار البشري على أنحاء الأرض، ولذلك لو نأتي مثلاً إلى مقارنة بين دولة فقيرة، وبين دولة ثرية جداً، مثلاً: قارن بين اليمن واليابان، من ناحية سعة الأرض، سعة الجغرافيا: اليمن أوسع، أوسع من اليابان، يعني: ليست المشكلة أنَّ اليمن لأنها دولة فقيرة أنه لم يتوفر لنا رقعة جغرافية نتحرك عليها في أنشطتنا الاقتصادية المختلفة، بل لدينا مثلاً جغرافيا وأرض قابلة للزراعة، ويمكن الاستفادة منها، وتتنوع فيها المحاصيل الزراعية بأفضل من اليابان وأوسع.

 

ثم لو تأتي مثلاً إلى مقارنة في بقية الأمور، المعادن مثلاً التي يمكن استخراجها في اليابان، يمكن استخراج أكثر منها في اليمن، وهكذا بالمقارنة ما بين دولة فقيرة ودولة غنية، لا تعود المشكلة إلى أنَّ الله منح تلك الدولة، أو ذلك البلد في الموارد الاقتصادية، ما لم يمنح تلك الدول الفقيرة، تلك الدول الفقيرة أحياناً في مواردها، وفي ثرواتها الموجودة في أرضها، تتفوق على بعض الدول الصناعية، تتفوق، المشكلة تعود إلى ماذا؟ المشكلة تعود إلى حسن استثمار النعم، إلى الحركة، والتفاعل، والعمل لإنتاج هذه النعم، وتطوير عملية الإنتاج لها، أمَّا الله فقد وفر هذه النعم، بلد هنا صالح للزراعة، وبلد هناك صالح للزراعة، الفارق يعود إلى أنَّ أهل ذلك البلد اهتموا بشكلٍ كبير بالزراعة، اهتموا بإنتاجها بشكل جيد، عالجوا مسألة الإنتاج، وطوَّروا مسألة الإنتاج حتى أصبحت بمداخيل ضخمة، وبكلفة أقل… وهكذا، فالمسألة تعود إلى هذه النقطة: إلى مسألة الإنتاج، والاستثمار للنعم، كيفية استثمار النعم، أمَّا الله سبحانه وتعالى فقد وفر النعم هنا وهنا وهنا وهنا، كيف تستثمر، كيف يتجه الناس لاستخراجها، واستثمارها، وحسن انتاجها، فالمسألة الرئيسية هي هنا: في عملية الإنتاج، وتطوير عملية الإنتاج، وتحسين عملية الإنتاج، والاستثمار للنعم على أفضل نحوٍ وبأحسن كيفية.

 

وهذه مسألة مهمة جداً لنا نحن في هذه البلدان؛ لأننا في العالم العربي الله سبحانه وتعالى هيَّأ لنا نعماً عظيمةً، والثروات الهائلة الموجودة في البلدان العربية تتفوق على كثيرٍ حتى من الدول، حتى من الدول الصناعية الكبرى، والمشكلة مع هذا الفقر المدقع، والمعاناة الشديدة، والتسول لدى تلك الدول، والاستجداء لها للحصول على شيءٍ منها يقابله التضحية بالاستقلال والكرامة، هذه كارثة، طامة، كارثة، طامة.

 

فلذلك يجب أن نلحظ أنَّ المسألة المهمة هي: مسألة الإنتاج الداخلي، وإلَّا إذا جئنا لنقارن- كما قلنا- ما بين تلك الدول البلدان، وهذه البلدان، لا تعود المسألة إلى أنَّ هذه البلدان غير صالحة للزراعة، أو لا يمكن فيها تربية الثروة الحيوانية، بحيث نقول مثلاً: [لا يمكن أن نربي البقرالأبقار إلا في أمريكا، أما في اليمن فغير ممكن أن نربي أبقاراً، أو نربي دجاجاً، أو نربي إبلاً، أو نربي ونستثمر في نعمة الغنم، فقط حصرياً على أمريكا، أو استراليا، أو أوروبا] ليس الأمر كذلك.

 

إذا جئنا إلى مقوِّم آخر مثلاً، وهو عامل أو رؤوس الأموال، توفر رؤوس الأموال، رؤوس الأموال متوفرة، الناس على المستوى العام، أو التجار ورجال المال والأعمال على وجه الخصوص، لديهم نشاط كبير جداً، وحركة في رأس المال متوفرة، ولذلك عندما نأتي إلى هذه المسألة، سواءً على مستوى الموارد وسعة الأرض، أو على مستوى رؤوس الأموال، أو على مستوى الاستهلاك والسوق والحركة التجارية، فكل هذه المقومات في أصلها موجودة، لكنها لا تستثمر على نحوٍ صحيح في البلدان الفقيرة.

 

فلذلك علينا أن نعي ضرورة التوجه نحو الإنتاج الداخلي، مثلاً: نحن في اليمن أصبحنا نستورد مختلف احتياجاتنا من الخارج، من أبسط الأشياء، في كل مختلف احتياجاتنا ومتطلباتنا الأساسية، في كل أنواعها، نستوردها من الخارج، وبأموال كبيرة جداً، يعني: بمليارات الدولارات سنوياً، نشتري المواد الغذائية بكل أصنافها، ومعاناة كبيرة جداً في جلبها، وتوفيرها، وإيصالها إلى البلد مع الحصار والعدوان، الملبوسات بكل أنواعها، الأدوية بكل أنواعها، الاحتياجات الأساسية للعمران، للبناء بمختلف أنواعها، حتى البلاط يوفر أو يجلب من الخارج، مختلف الأشياء، مختلف أنواع الأثاث في المنازل، مختلف الأغراض تجلب من الخارج، بملايين أو بمليارات الدولارات، بأموال كبيرة جداً، وبعناء كبير لإيصالها إلى البلد.

 

لو نتجه إلى إنتاج هذه الأشياء في بلدنا، ونتجه على مستوى رؤوس الأموال لدى التجار، ولدى المواطنين، يقدر المواطنون حتى من غير التجار، من الطبقة المتوسطة في امكانياتها وثرواتها، وحتى من الفقراء، من خلال تعاونيات، وشركات، ومؤسسات، إلى تجميع رؤوس أموال، وتسخَّر في عملية الإنتاج، في النشاط الإنتاجي، هذه مسألة مهمة لنا بكل الاعتبارات:

 

أولاً: على مستوى الحرية والكرامة والاستقلال، من أهم المتطلبات اللازمة لذلك: أن نسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وأن نهتم بالإنتاج الداخلي؛ لأن اعتمادنا على توفير كل احتياجاتنا من الخارج، بما فيها الاحتياجات الأساسية والضرورية، يمثِّل ورقة ضغطٍ لدى أعدائنا علينا، وهذا شيءٌ معروف، وكما شرحنا سابقاً: أنَّ الدول الأخرى تهتم وتعتبر هذا من ضمن أمنها القومي: توفير احتياجاتها الأساسية. فلكي ندعم توجهنا في تحقيق الاستقلال، والحرية، والكرامة، والتحمل لمواجهة الحصار، والأعباء، ومؤامرات الأعداء، لا بدَّ أن نهتم بالإنتاج الداخلي، وأن نسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وأن نسعى لتوفير الاحتياجات الضرورية، وهذه مسألة معروفة عند الدول.

 

بل إنَّ حافز الاستقلال، والقوة، والكرامة، وعنصر القوة في الجانب الاقتصادي، دفع بالكثير من الدول، ووجود تحديات ومخاطر، دفع بها وأصبح حافزاً رئيسياً لديها للإنتاج الداخلي، فأنتجت، ونمت في انتاجها، وطوَّرت انتاجها، حتى وصلت إلى مراحل متقدمة، وبدأت من نقطة الصفر، وتدرجت في ذلك، حتى وصلت إلى مستويات متقدمة، فالمسألة ذات أهمية بالنسبة لنا بالاعتبار الديني، وبالاعتبار الإيماني، وبالاعتبار الاستراتيجي، وباعتبار المصلحة الوطنية… بكل الاعتبارات؛ لتحقيق الاستقلال، والكرامة، ولمواجهة مؤامرات الأعداء، ولتحمل الحصار.

 

وثانياً: لمكافحة الفقر، ولمكافحة البطالة، ولمكافحة اضطرار الناس للنزوح والغربة من البلد، البعض من الناس في الأخير يعتبر أنَّ بلده أصبح ليس لديه فيه أي فرصة للمعيشة، وأنه بحاجة إلى أن يغترب؛ ليوفر لأسرته معيشتهم، واحتياجاتهم الأساسية، ثم يواجه مشاكل الغربة ومعاناتها، وتواجه أسرته في البلد كذلك مشكلة كبيرة في غربة معيلها والقائم على الأسرة، لمكافحة كل ذلك، نحتاج إلى أن نتجه للإنتاج الداخلي؛ لأنه هو الذي سيمثل حلاً كبيراً في مشكلة الفقر والبطالة؛ لأنه سيشغِّل اليد العاملة، سينمِّي لدى الناس توفر المداخيل، والمعايش، والاحتياجات، ويحل مشكلة الفقر إلى حد كبير جداً، ونتحدث على نحوٍ من التفصيل إن شاء الله.

 

كذلك مسألة النزوح، الهجرة، الغربة.

 

أهمية ذلك لمكافحة الجريمة، للتقليص منها، كثيرٌ من الجرائم تكثر مع الفقر الشديد، تنتشر الكثير من الجرائم المتنوعة: جرائم السرقة تكثر، جرائم النهب والسطو، جرائم الفساد… جرائم كثيرة ومتنوعة تحصل مع شدة الفقر.

 

مقومات الإنتاج الداخلي موجودة، بلدنا بلدٌ زراعي، مساحات شاسعة جداً صالحة للزراعة، وهناك محافظات كذلك صالحة للزراعة، ولا تزال في أكثر مساحتها غير مستثمرة للزراعة، لا تزال متروكة، مهملة، وتحتاج إلى نشاط زراعي باهتمام كبير جداً، وعندما تتجه رؤوس الأموال إلى الاستثمار في القطاع الزراعي، يمكن انتاج الكثير جداً من المحاصيل التي تُشتَرى من الخارج، المليارات تذهب إلى الخارج لتوفير القمح، لتوفير مختلف المحاصيل الزراعية، وبلدنا بلد زراعي، إذا اتجهت رؤوس الأموال إلى الداخل؛ فستحرك عملية الإنتاج في الداخل؛ وبالتالي يمكن إصلاح الكثير من الأراضي الزراعية، وتصبح منتجة بمختلف المحاصيل الزراعية، وبجودة ممتازة جداً.

 

المقومات للإنتاج الداخلي موجودة بكلها، ولها أهمية كبيرة جداً، ولاحظوا، لاحظوا، هذه الأموال الكبيرة: مليارات الدولارات التي تذهب سنوياً إلى الخارج، إذا اتجهت إلى الداخل، إذا اتجهت الى الداخل؛ تلقائياً ستعالج إلى حدٍ كبير مشكلة الفقر، إذا صرفت هذه الخمسة مليار دولار، أو الأربعة عشر مليار دولار في بعض السنوات، إذا اتجهت نحو الداخل؛ فهي ستحرك عملية الإنتاج في الداخل، ستصلح الكثير من الأراضي الزراعية، ستشغِّل الكثير من الأيدي العاملة، والأموال التي كانت تذهب إلى جيوب الصينيين، أو إلى جيوب الأوروبيين، إلى متاجرهم، إلى بنوكهم، ستذهب إلى جيوب اليمنيين، ستذهب إلى جيوب اليمنيين مع امتيازات مهمة جداً، وأمور ذات أهمية استراتيجية، كما شرحنا عن أهمية الاستقلال، والكرامة، والقوة، وأن نكون أمةً قوية، فهذا بحد ذاته، ومن أول يوم، سيعالج مشكلة الفقر إلى حدٍ كبير، القطاع الزراعي سينتعش جداً، قطاع الثروة الحيوانية سينتعش جداً، قطاع المعادن، قطاع العمران… كل القطاعات، كل المجالات ستنتعش عندما تتحرك رؤوس الأموال في الداخل.

 

اليد العاملة كذلك، مع الاهتمام بالنسبة لليد للعاملة فيما يتعلق بتحسين أدائها، من خلال التعليم، من خلال المعاهد الفنية والمهنية، من خلال الورش التي تحسن أداء اليد العاملة.

 

ثم مع أهمية امتلاك الروح العملية؛ لأنه من المقومات الأساسية للإنتاج الداخلي: الروح العملية، لا يجوز أن نتحول إلى شعبٍ يعاني من الكسل، ويعاني شبابه من الكسل، ويتهرَّبون من الأعمال الزراعية، والأعمال الصناعية، والأعمال الإنتاجية، ويرغب الكثير بأن يتحول إلى أعمال إدارية في مكاتب، وخلف طاولات، وعلى كراسي، دون أي عمل مهم، أي عمل مجدي، أي عمل منتج، أي عمل مثمر.

 

الروح العملية هي من الإيمان، وعندما ننطلق من المنطلقات الإيمانية، ونسعى إلى أن نكون أمةً تعدُّ ما تستطيع من قوة، بما في ذلك القوة الاقتصادية، هي في مقدِّمة هذه القوة، ونسعى إلى أن نكون شعباً قوياً، يحظى بالكرامة في معيشته، يعيش بكرامة، لا يعيش على استجداء هبات الدول الأجنبية، ولا يخضع لأعدائه بسبب ظروفه المعيشية، حينها بهذا الحافز الإيماني والديني نتجه إلى عملية الإنتاج في مختلف الأعمال الإنتاجية، في الأعمال الزراعية تبقى عند الناس الدافع والحافز، والروحية التي تساعدهم إلى أن يشتغلوا في هذا القطاع بشكلٍ كبير، في تربية الثروة الحيوانية، والعناية بها، في مختلف الأعمال والإنتاج، هذا شيءٌ مهمٌ جداً، فمقومات الإنتاج الداخلي متوفرة، مع ميزة المنطلقات الإيمانية، والقيم الإيمانية والدينية، والتشريعات الإلهية، التي تجعل عملنا عملاً صالحاً، وبجودةٍ عالية، وبإتقانٍ كبير، وبأمانةٍ عالية، فنحظى مع ذلك بالبركات من الله “سبحانه وتعالى”، وهذه ميزة لا تتوفر حتى عند أعدائنا، هم يشتغلون بدافع الطمع والغريزة، والاحتياج.

 

عندما نأتي إلى معوقات الإنتاج، يمكن أن نستعرض بعضاً منها، للحديث أيضاً عن معالجاتها، من أكبر ما يهدد عملية الإنتاج الداخلي، سواءً على مستوى القطاع الزراعي، أو الثروة الحيوانية، هو النزوح والهجرة الكبيرة من الأرياف إلى المدن، وهذه مشكلة خطيرة جداً، وكثيرٌ من الأسر التي تنزح وتهاجر من الريف إلى المدينة ليست بحاجة إلى ذلك، هناك البعض لهم ظروف استثنائية، مثلاً: في ظل العدوان هناك أسر اضطرت بسبب ما يحصل في مناطقها، أو سيطرة الأعداء على مناطقها، أو مشاكل وخطر يهدد حياتها، أو نحواً من ذلك، أو بعضهم لهم ظروف عملية، أو ظروف صحية فرضت عليهم ذلك، لكن الكثير من الأسر نزحت من غير ضرورة؛ إنما بهدف الراحة في المدينة، والحصول على فرصة التعليم والخدمات؛ لأنها متوفرة بأكثر من الريف، طبعاً نحن نسعى، وسنحرص بشكلٍ مستمر، أن تتجه الجهات المعنية بالاهتمام بالأرياف بشكلٍ أكبر، على مستوى الخدمات في مسألة الطرق، في مختلف بقية الخدمات: الخدمات الصحية، الخدمات التعليمية، خدمات المياه… إلى غير ذلك، وهذا- إن شاء الله- سيستمر العمل عليه، إضافةً إلى أملنا أن يركز المستثمرون، الأهالي في المبادرات المجتمعية التي يتعاونون فيها مع الجهات الرسمية، الكثير من الجهود تصب نحو العناية بالأرياف.

 

من الخطأ الفاحش الاستراتيجي التوجه نحو التكدس في المدن، هذا يسبب الكثير من المشاكل الاقتصادية، والمشاكل الصحية، والمشاكل الاجتماعية، والمشاكل الأخلاقية، ويترتب عليه مفاسد كبيرة جداً، هذا التكدس الهائل في صنعاء وفي مختلف المدن أمر سلبي جداً، يعطل- إلى حدٍ كبير- عملية الإنتاج الزراعي، الكثير يتكدسون في شقق، لم يعد باستطاعتهم أن ينتجوا على المستوى الزراعي، تركوا مزارعهم، وتركوا أيضاً ما كان لديهم سابقاً من المواشي، كان بإمكان الإنسان في الريف أن يزرع، بإمكانه أن يربي الثروة الحيوانية، بإمكانه أن ينتج، وهذا يفيده، ولاحظوا بمجرد أن تصل أسرة إلى المدينة وتستأجر في شقة تواجه أعباء كبيرة اقتصادية: كلفة الإيجار، متطلبات المعيشة اليومية التي تضغط بشكلٍ كبير، حق الماء، حق الكهرباء، أشياء وتكاليف إضافية تمثل عبءً عليها، وفي مقابل موارد للدخل محدودة، موارد محدودة للدخل.

 

بينما يمكن حتى في بعض المناطق التي لها ظروف تستدعي الهجرة منها، ممكن أيضاً تفعيل الهجرة من الريف إلى الريف، إلى مناطق أفضل على المستوى الزراعي مثلاً، قد يكون البعض مثلاً في قرية معلقة في رأس جبل، لديهم ظروف صعبة جداً، وبحاجة إلى أسباب للمعيشة، ولكن يمكنهم بدلاً من الهجرة إلى المدينة، الهجرة إلى الريف، إلى منطقة زراعية، يشتري له مزرعة، أرض يستصلحها كمزرعة، وفي مناطق لا تزال الأراضي فيها، الأراضي الزراعية رخيصة، يستطيع البعض أن يشتري أرضاً صالحة للزراعة، وأن يزرعها، وأن يكون منتجاً، وأن يربي الثروة الحيوانية، إلى جانب المزرعة يقتني أبقار، أو أغنام، أو ماعز، أو غير ذلك، البعض إبل، ويصبح لديه ثروة زراعية، وثروة حيوانية، ودخل مريح، فيواجه مشكلة الفقر بهذه الطريقة الصحيحة، بطريقة عملية.

 

فالهجرة من الريف إلى المدن من أكبر الأخطاء، مسألة سلبية جداً، لها آثار سلبية جداً، حتى على المستوى الأخلاقي والديني الفساد ينتشر في المدن، وكثيرٌ من الظواهر السلبية، وكثيرٌ من القيم تتضاءل وتتلاشى في المدن، فالبقاء في الأرياف، وحتى عند الضرورة الهجرة من الريف إلى ريفٍ أحسن، هذه مسألة مهمة جداً، مع الاتجاه بالعناية بالخدمات في الأرياف لمساعدة الناس على البقاء فيها.

 

هذه مسألة يجب أن تستمر فيها التوعية، أن تأخذ الاهتمام اللازم في المناهج التعليمية، في الأنشطة الإعلامية، وأن يكون هناك اهتمام بها من الجميع.

 

من العوامل التي تضعف الإنتاج: غياب الإرادة، والقرارات، والتسهيلات على المستوى الرسمي سابقاً، يعني: في المراحل الماضية الدولة لم يكن عندها اهتمام بهذه المسألة، لم يكن عندها حرص على أن تساعد الناس على البقاء في الأرياف، فكانت لا تهتم بالأرياف في أي شيء، اهتمام ضعيف جداً بالأرياف، والناس في الريف بحاجة إلى اهتمام رسمي، وتعاون من المستثمرين في ذلك أيضاً.

 

أيضاً من الأسباب المعوقة للإنتاج الداخلي: ضعف الحوافز والدوافع والوعي، إضافةً إلى التثقيف الخاطئ، لم يكن هناك امتلاك لهذا التوجه الديني الإيماني، الذي يجعل من إعداد القوة الاقتصادية ضمن التزاماتنا الدينية والإيمانية، ولا إدراك لأهمية المسألة على مستوى الاستقلال والكرامة والحرية، والعيش بكرامة، ولم يكن هناك ترسيخ لهذه المسألة، ونشر الوعي عنها، ولذلك حتى على مستوى المرحلة الحالية، يجب أن يكون هناك نشاط توعوي واسع لأهمية هذه المسألة على المستوى الإيماني والديني، وعلى مستوى الاستقلال والكرامة، والعيش بكرامة، والعيش بكرامة، يكون هناك نشاط، وتدخل هذه المسألة ضمن الاهتمامات التعليمية، والتوعوية، والإعلامية، والأنشطة المتنوعة، وتصاحب الأنشطة الاقتصادية، إضافة إلى معالجة التثقيف الخاطئ الذي يصور المسألة إلى أنه: ليس بإمكاننا أن ننتج شيئاً، وأننا بلد ليس له موارد، وبلد فقير، وكتب عليه الفقر المدقع، وليس بإمكاننا أن ننتج، وليس بإمكاننا إلا أن نستجدي الآخرين وأن نشحت لدى الدول من أعدائنا، وهكذا، ما كان يأتي من تثقيف خاطئ.

 

أيضاً من الأشياء الخطيرة جداً في المرحلة الراهنة: طريقة التعامل مع المنظمات بالاكتفاء على ما تقدمه، من المهم الضغط على المنظمات أن يكون ما تقدمه مما يساعد على الإنتاج، وليس فقط يكتفي الإنسان بأنه يحصل على سلة غذائية، فيترك العمل، ولم يعد يقوم بأي نشاط ولا عمل، ويبقى في حالة من البطالة والفراغ، هذه مسألة خطيرة جداً.

 

من أكبر معوقات الإنتاج مشكلتان: مشكلة الجودة، في كثيرٍ من الأحيان، عملية الإنتاج في البلد، كما هي ربما لدى كثيرٍ من البلدان، في كثيرٍ من الأحيان تحتاج إلى تحسين مستوى الجودة؛ لأن هناك مشاكل في عملية الإنتاج نفسها، مثلاً: الله “سبحانه وتعالى” هيأ لنا أن تكون المحاصيل الزراعية في أصلها ذات جودة ممتازة في بلدنا، يعني: البن اليمني من أحسن أنواع البن، الفواكه في البلد من أحسن أنواع الفواكه، في مذاقها، في أصنافها، في قيمتها الغذائية، في… فالله “سبحانه وتعالى” قد خلق لنا الأشياء على أحسن ما يكون، وبجودة عالية، ولكن عندما نأتي إلى مرحلة الإنتاج، ما بعد ذلك مرحلة التسويق، عندما نجني الفواكه، عندما نعلبها، عندما نسوقها… كل هذه المراحل في عملية الإنتاج تأتي فيها سلبيات كثيرة، تجعل هذا المنتج يواجه مشاكل في جودته، وفي إمكانية تسويقه لفترات طويلة، ونقله، وهذا يؤثر على مستوى القيمة، على مستوى الاستهلاك، على مستوى القابلية والتسويق.

 

فهذه مشكلة الجودة من المشاكل الكبيرة جداً، التي جودة الإنتاج؛ أما الجودة في أصل المحاصيل مثلاً فهي متوفرة، لكن جودة الإنتاج.

 

أيضاً ارتفاع الكلفة، الإنتاج الداخلي يأتي أحياناً بوسائل بدائية، وبوسائل مكلفة، وتصبح الكلفة كبيرة جداً، المزارع- في نهاية المطاف- يكون قد تحمل غرامات كبيرة، حتى وصل إلى إنتاج محاصيله الزراعية، وهذه الكلفة لا يحصل عليها عندما يسوق محاصيله الزراعية، لا يحصل عليها، هذا يجعله يعزف عن الزراعة، ويرى المسألة مكلفة، ويرى أنه خسر وخرج بغرامة.

 

هناك وسائل مساعدة تجعل عملية الإنتاج بكلفةٍ أقل، مع الترشيد، مع الترشيد، المسألة تحتاج إلى رشد ووسائل مساعدة، وهذه مسألة اشتغل عليها الخارج، اشتغلت عليها الدول الصناعية، الدول النامية، اشتغلت؛ حتى تقلل من مستوى الكلفة وترفع مستوى الإنتاج، وهذا جعلها تربح أرباحاً كبيرة، وتكون مداخلها ضخمة؛ لأن كلفة الإنتاج تكون أقل، ومع ذلك مستوى الإنتاج يكون أكبر.

 

فالكلفة والجودة من المشاكل القائمة، ولكنها مشاكل قابلة للحلول، قابلة للحلول، عندما تقوم الدولة بمختلف مؤسساتها بمسؤولياتها، ويأتي أيضاً النشاط الإرشادي، وتأتي التعاونيات الزراعية والجهات المعنية، فتسعى إلى تحسين مستوى الجودة، ومعالجة المشاكل المتصلة بهذا الجانب مشكلةً مشكلة، تدرسها مشكلة مشكلة وتعمل على معالجتها، إضافةً إلى مسألة التكاليف، التكاليف التي يتحملها المزارع، أو المنتج في أي مجال من المجالات، وكيف تتخفف هذه الكلفة ببعضٍ من الوسائل المعينة، بترشيد للإنفاق والعمل بطريقة صحيحة، هذا أيضاً بحد ذاته يساعد على تخفيف التكاليف، ورفع مستوى الإنتاج، وبالتالي زيادة الدخل والربح.

 

مشكلة التسويق ووعي المستهلك، هذه من المشاكل التي تعيق الإنتاج، حتى أحياناً وهو بجودة جيدة، كيف يتم تسويقه إلى الأسواق، وإيصاله على المستهلكين، يواجه الكثير من المزارعين هذه المشكلة بشكل كبير جداً، وفي مختلف القطاعات، يعاني المنتج من هذه المسألة مسألة التسويق، أضف إلى ذلك الوعي لدى المستهلكين البعض، والكثير من المستهلكين، أصبح عنده فهم خاطئ، وعدم اهتمام بالمنتج المحلي، ويتجه تلقائياً، ويفضل تلقائياً أن يشتري المنتج الخارجي بدلاً من المنتج المحلي، يجب أن يكون هناك وعي عام لدينا بأهمية الإقبال على المنتجات المحلية، ويواكب ذلك عناية برفع مستوى الجودة فيها، حتى تنافس المنتج الخارج في جودتها، ولكن يكون عندنا اهتمام بالإقبال عليها، بالإقبال عليها.

 

مشكلة التسويق، إذا اتجهت الجهات الرسمية إلى الموازنة بين الوارد من خارج البلاد، والمنتج المحلي، وفرضت للمنتج المحلي أن يأخذ حيزه، وأن يبقى له الفرصة الكافية له، فهذا سيعالج هذه المشكلة، لكنه لا بدَّ من أن يكون لدينا وعي كمستهلكين، المستهلك نفسه، أن يكون لديه وعي بأهمية الإقبال على المنتجات المحلية، وشرائها، وإعطائها أولوية في الشراء، بدلاً من المنتج الخارجي، والموازنة بين الاستيراد والإنتاج ستحل هذه المشكلة أيضاً، وتعطي فرصة للمنتج المحلي ليأخذ مكانته في السوق، بدلاً من أن يغطي المنتج الخارجي كل الأسواق، ويغلق الفرصة على المنتج المحلي.

 

من أهم الأمور العناية بوسائل الإنتاج، وسائل الإنتاج في هذا الزمن تطورت وتوفرت، وسهلَّت عملية الإنتاج، ووفرت مستوى الإنتاج، يعني: ماكينة معينة أحياناً تساعدك على إنتاج كبير، وسائل معينة ترشد لك الكلفة في عملية الإنتاج، فتسهل لك مسألة الإنتاج بشكلٍ كبير، وهذه من الأمور التي يجب العمل عليها بشكلٍ واسع، سواءً من الجهات الرسمية، من المستثمرين، وغير ذلك.

 

من أهم المتطلبات الأساسية التي تعالج مشكلة الإنتاج، هي تجميع رؤوس الأموال، هذه مسألة مهمة جداً، تجميع رؤوس الأموال، الكثير من أبناء بلدنا فقراء برأس ماله الشخصي لا يستطيع أن يمتلك وسائل معينة، قدرة معينة على الإنتاج، إمكانيات معينة للإنتاج، ولكن عندما تتجمع مجموعة رؤوس أموال في إطار شركة، أو في إطار مؤسسة، أو في إطار تعاونية، أو جمعية استثمارية، تجميع رؤوس الأموال هذه يمكن أن يؤسس من خلالها شركة تنتج، أو مؤسسة تنتج، أو تعاونية تنتج، أو تسوِّق، وهكذا، هذه مسألة من أهم المسائل، التي نهضت بها بقيت البلدان، عملوا هكذا، اتجهوا، كل البلدان التي نمت، والتي أصبحت بعضها في مستوى ومصاف الدول الصناعية الكبرى، هي نمت تدريجياً، واتجه أبناؤها للعمل، وطوروا عملية الإنتاج، وكانت عملية الإنتاج متدرجة، متدرجة مرحلة بعد مرحلة، لكنها كانت تتطور باستمرار، مسارها مسار متطور، فتجميع رؤوس أموال، مع الحذر من النصابين والمستغلين الذين يخدعون الناس تحت عناوين استثمارية وينصبون عليهم، يجب أن تكون المسألة وفق إجراءات مضمونة وموثوقة، وإذا ظهرت نماذج ناجحة فهذا سيكون من أهم العوامل التي تشجع الناس، فلدينا سوق استهلاكية ضخمة جداً، يمكن لأي منتج، كل المنتجات مطلوبة في هذه الأسواق، في أسواقنا، المنتجات الغذائية، المنتجات الطبية، مختلف المنتجات، ولكنها تذهب إلى جيوب الخارج.

 

من أهم الأشياء التي تساعد أيضاً على كل هذا: العناية بالتعليم بشكلٍ صحيح، وأن يتجه التعليم للملائمة والمواكبة للتوجه النهضوي في البلد، فعندما نتجه إلى الإنتاج الداخلي، أن تكون العملية التعليمة مرتبطة بهذا بشكلٍ تام: في مضمونها، وفي مخرجاتها، وفي استيعاب مخرجاتها، سواءً على مستوى المدارس أو المعاهد الفنية والمهنية، أو الجامعات، هذه مسألة مهمة جداً، وأن ترتبط الجامعات بنفسها، ترتبط الجامعات بالعملية الإنتاجية، والعملية النهضوية، وهذا مهمٌ جداً، سيصحح المسار التعليمي، ويجعله على نحوٍ صحيحٍ ومفيد، وسيدعم العملية الإنتاجية بنفسها، هذه مسألة مهمة جداً.

 

نصل إلى نقطة تتعلق بالإنتاج المنزلي: الإنتاج المنزلي، هذا حاصل في كثير من الدول، يعني تسعى الكثير من الأسر إلى أن تنتج في المنزل الكثير من الأشياء، تنتج الكثير من المواد الغذائية، تنتج الكثير أيضاً من مواد التنظيف، تنتج أشياء كثيرة من احتياجاتها الأساسية، وبالتالي تكون في عملية إنتاجها محققةً للاكتفاء الذاتي في توفير أكثر الأشياء، يعني: يمكن أن يكون لديك بقرة، وأن تنتج من حليبها الزبادي، وأن تنتج من حليبها الزبدة، وأن تنتج من حليبها الجبنة، وأن تنتج مختلف المنتجات، يعني: حتى الحلويات ممكن أن يكون لديك مزرعة، وتنتج منها أشياء كثيرة، بل يمكن أن تشتري بعض المحاصيل الزراعية، وتنتج منها في المنزل المربيات، ومختلف الأشياء، أشياء كثيرة، عملية الإنتاج يجب أن تدخل حتى إلى الاهتمامات المنزلية، وهذا سيوفر الكثير للأسر، يوفر للكثير من الأسر.

 

الأعمال المتنوعة، البعض من الأسر مثلاً: تنتج أغراض أخرى غير المواد الغذائية، أغراض أخرى، وتمثل مصدر دخل لها، نحتاج إلى أن يتوفر التوجه، ومع التوجه تأتي الرؤى، الأفكار، المبادرات، الورش، هناك في بلدنا- إن شاء الله- على المستوى الرسمي سنشهد المزيد من الاهتمام بهذه الأمور، على مستوى أيضاً مؤسسات، مثل: مؤسسة بنيان وغيرها، تساعد الناس، مؤسسات رسمية- إن شاء الله- تنشأ وتساعد الناس في ذلك، نحن ندفع مع الجانب الرسمي إلى أن يكون هناك اهتمام بهذه المسألة، ولكن يجب أن يكون هناك اهتمام من الناس أنفسهم أيضاً بهذه المسألة، وأن يشهد العام القادم بإذن الله، ما بعد شهر رمضان المبارك، اهتماماً بعملية الإنتاج الداخلي على كل المستويات، مع اهتمام الناس بالتخلص من الربا، بالتخلص من المعاصي الكبيرة جداً، المعاصي في الجانب الاقتصادي، وسعي الناس للاعتماد على الله، والتوكل على الله، والثقة بالله “سبحانه وتعالى”، والرجوع إليه وإلى فضله الواسع الكريم.

 

نكتفي بهذا المقدار.

 ونسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفقنا وإياكم لما يرضه عنا، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

 والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

قد يعجبك ايضا