هذا ما اقترفه تحالف العدوان في عدن !

السؤال الذي يحضر بقوة مع تفاقم الوضع المعيشي في المحافظات المحتلة أو التي يصفها العدوان بأنها مناطق “محررة”: أين ذهبت عائدات النفط والغاز

لم تهنأ مدينة عدن بلحظة استقرار واحدة منذ أن وطئتها أقدام المحتلّين الجدد في العام 2016م، بل دخلت في دوامة من الصراعات والأزمات اللامتناهية أمنياً وسياسياً وعسكرياً واقتصادياً ومعيشياً، وصولاً إلى أزمة الخبز. تلك هي النتيجة الطبيعية في ظلِّ استحكام قبضة تحالف العدوان السعودي الأميركي الإماراتي البريطاني، وسماسرة وتجار الحرب والنفط، وهوامير وحيتان المال، وغياب الدولة واختطاف مؤسسات الدولة، بما فيها فرع البنك المركزي في عدن، الذي بات يفتقر إلى أدنى مقومات السياسة المالية والاقتصادية، وبات أشبه بملهى للقمار والمقامرين على حساب العملة الوطنية وقوت المواطن المغلوب على أمره، حتى وصل الأمر إلى حد لا يطاق.

لا يقتصر الأمر على مدينة عدن، بل يمتدّ إلى كلّ المحافظات المحتلة والمرتهنة لدول العدوان، بما فيها المديريات المحتلة في تعز ومأرب، التي تعاني أسوأ أزمة نقدية في تاريخ اليمن على الإطلاق، إذ شهدت العملة خلال الأيام القليلة الماضية انهياراً حاداً في مقابل العملات الصعبة، بسبب التضخم النقدي الكبير للعملة غير القانونية التي طبعتها حكومة الفنادق.

ونقلت وكالة “رويترز” عن مصادر مصرفية في عدن قولها إنَّ العملة تشهد انهياراً حاداً وصل إلى أدنى مستوياته على الإطلاق أمام الدولار والعملات الصعبة في تعاملات سوق الصرف، مسجّلة 1700 ريال للدولار الواحد للمرة الأولى في تاريخ البلاد، ما دفع محال وشركات الصرافة وشبكات التحويل المالي إلى إعلان حالة الإضراب، وإغلاق أبوابها بشكل كامل أمام عملائها، احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وانهيار سعر العملة.

وتشير المصادر إلى أنَّ هذا “الانهيار تسبَّب بموجة غلاء غير مسبوقة، وزيادة حادة في أسعار كلّ السلع الغذائية الأساسية وغير الأساسية”. ومن شأن هذه الموجة أن تثقل كاهل المواطنين من سكان عدن، وتحديداً في تفاقم البطالة، وانقطاع المرتبات، وغياب الحلول والمعالجات، وذلك سينعكس بالتأكيد على الأسواق، ويدفع عجلة الاقتصاد إلى الوراء، مع انخفاض القدرة الشرائية للنقد المحلي، وتراجع معدلات الطلب والاستهلاك في ظل ثبات الدخل، وسينعكس سلباً على مراكز التسوق وأسواق الذهب والكماليات، مسبباً انخفاضاً أكبر في معدل الناتج المحلي.

الصادم والمؤلم في هذه الكارثة أنّ سكّان عدن الفقراء باتوا يقضون جلّ يومهم أمام ما تبقى من أفران ومخابز، للحصول على كسرة الخبز بثمن يفوق قدرتهم الشرائية، بعد أن قرّرت ما تُسمى “جمعية المخابز والأفران رفع أسعار رغيف الخبز 50%”، بمعنى أنَّ رغيف الخبز الَّذي كان بـ50 ريالاً، أصبح اليوم بـ75 ريالاً.

المفارقة أنَّ هذه الأزمات المركّبة مالياً واقتصادياً ومعيشياً تتزامن مع استمرار النهب المنظم والسرقة الممنهجة لثروات البلاد من النفط والغاز، من حضرموت وشبوة ومأرب، وتوريد عائداتها إلى جيوب وأرصدة حيتان النفط والمال من المرتزقة، وإلى البنك الأهلي السعودي. ومع ذلك، تغرق عدن والمحافظات المحتلة في الظلام، وتعيش أزمة وقود وأزمة صحة وتعليم، وأزمات لها أول وليس لها آخر.

صحيح أن المحافظات الواقعة تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى في صنعاء ليست بخير، بسبب العدوان والحصار وتراجع الإيرادات العامة للدولة، لكن صنعاء نجحت نجاحاً لافتاً في تثبيت سعر الصرف عند معدل 600 ريال للدولار، أي أقل من ثلث سعره في المناطق المحتلة. وبالتالي، إنَّ الوضع في صنعاء لا يمكن مقارنته بالمحافظات الخاضعة لسيطرة التحالف، رغم أنَّ الحصار الخانق والحرب العدوانية العبثية والغبية طحنت جميع اليمنيين على طول البلاد وعرضها.

اليمنيون لا يحتاجون إلى “حنان أميركا” ولا “عطف السعودية”، ولا أن تتسوّل الأممُ المتحدة باسمهم. هم يحتاجون فقط إلى أن يرفع التحالف حصاره، ويكفّ شرّه عن اليمنيين، ويغادر ويتركهم يتدبّرون شأنهم وأمورهم، ويعالجون مشاكلهم بأيديهم، ويستفيدون من ثروتهم من النفط والغاز والمعادن والثروة السمكيّة، فاليمن لا يزال بكراً بثرواته، وهو يمتلك احتياطياً هائلاً من النفط يُقدّر بـ11.950 مليار برميل، بحسب بعض المصادر.

السؤال الذي يحضر بقوة مع تفاقم الوضع المعيشي في المحافظات المحتلة أو التي يصفها العدوان بأنها مناطق “محررة”: أين ذهبت عائدات النفط والغاز التي نهبتها دول التحالف و”حكومة الفنادق” وتجاوزت 20 مليار دولار خلال السنوات الماضية، بحسب تقديرات مسؤولين في وزارة النفط؟ لماذا لم تقبل دول التحالف وسماسرتها اليمنيون بمطالبات صنعاء بـ”تحييد الاقتصاد، وسحب الكمية النقدية الزائدة عن الحاجة، والتوقف عن إغراق السوق بمئات المليارات من دون غطاء بالنقد الأجنبي”؟ لماذا لا تتوقف دول التحالف ومرتزقتها عن تدمير العملة المحلية؟ لماذا لا تتوقف أميركا وبريطانيا عن الدفع بما تبقى من اقتصادي يمني نحو الانهيار؟

 الجواب بكلّ بساطة: لأنهم لا يودّون لليمنيين أيّ خير! بخلاف شعاراتهم الزائفة والمزايدة باسم الإنسانيّة. أما المرتزقة، فلا همّ لهم إلا تنمية أرصدتهم على حساب أبناء شعبهم، بدليل أنهم رفعوا رسوم “التعرفة الجمركية” عبر ميناء عدن ورسوم النقل، بضوء أخضر أميركي، رغم تبعاتها الكارثية على معيشة المواطن. ولو رفع التحالف الحصار عن موانئ الحديدة، لانخفضت أسعار السلع إلى 40%، ولأسهم ذلك في تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين شمالاً وجنوباً، بحسب مصادر مطلعة في وزارة المالية في صنعاء.

في الخلاصة، إنّ تمسّك تحالف العدوان بسياسة التجويع ورفضه تحييد الاقتصاد يؤكّد أن لا حلول تلوح في أفق الأزمة الخانقة، ولا سبيل لتجاوزها قبل وقوع كارثة في الجنوب تحديداً، وذلك “مظهر واضح من مظاهر فشل دول العدوان، وبرهانٌ على عدوانيتها تجاه كل اليمنيين”، بحسب توصيف رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبد السلام، لأنَّ رباعية العدوان (أميركا وبريطانيا والسعودية والإمارات) لم تأتِ بمشروع إنقاذي لليمنيين، بل جاءت لخدمة مشروع إمبريالي استعماري مقيت، وآخر همها واهتماماتها المواطنون ومعاناتهم، ومن يقتل المواطنين بمختلف أنواع القنابل وبالحصار والتجويع لن يقدّم لهم حلاً، وعلى سكان المحافظات الجنوبية أن يفجّروا ثورة الجياع، ويطردوا المحتلين الجدد وأدواتهم المحلية، كما طرد أجدادهم المستعمر البريطاني في ستينيات القرن الماضي

 

كاتب يمني

الميادين نت

قد يعجبك ايضا