هل بدأ مسار زوال الكيان الصهيوني؟

الحقيقة/شارل ابي نادر

هو ليس سؤالًا افتراضيًا إعلاميًا أو نفسيًا ظهر في ذهن الجميع اليوم بعد ما حدث ويحدث في فلسطين المحتلة من تطورات دراماتيكية، ولم يأت  تعبيرا مؤقتا عن واقع صادم وما يلبث أن يتلاشى وتخف ذيوله، وليس هو نتيجة تحليل أولي سريع وسوف ينحسر بالنهاية فور انتهاء الأحداث الصاخبة في القدس المحتلة وداخل المسجد الأقصى أو في غزة وعلى غلافها وصولًا إلى عسقلان وتل ابيب وغيرها: هل بدأ مسار زوال الكيان الصهيوني؟

إنه سؤال منطقي، لا يمكن لأي متابع موضوعي إلا أن يسأله وبشكل جدي، لأن جميع المعطيات المرتبطة بما يجري الآن بشكل خاص في ساحات القدس وأحيائها أو في كل مناطق وميادين فلسطين المحتلة، أو بما آلت إليه الأوضاع في الصراع مع الكيان الصهيوني بشكل عام، تؤسس لهكذا سؤال – استنتاج، وهذه المعطيات يمكن تحديدها بالتالي:

* لناحية الكيان

فشل ذريع في استيعاب واستدراك ما كان مقدرًا ومنتظرًا من مواجهات مع المرابطين على أبواب الأقصى وفي ساحاته، وفشل لدى قاداته في تدارك الخطوات الصاعقة التي قام بها أبناء القدس المحتلة وخاصة أبناء حي الشيخ جراح. وفي الوقت الذي كانت فيه مناورة المقاومين المصلين أبناء القدس وفلسطين واضحة ومنتظرة إزاء محاولات منعهم من دخول المسجد والصلاة عبر الأبواب المفترضة، والتي لا يمكن فصلها تاريخيًا ودينيًا عن باحات المسجد المقدس، كانت ردة فعل القيادة السياسية أو العسكرية أو الأمنية عاجزة عن اتخاذ قرار يمنع المقاومين الفلسطينيين من فرض إرادتهم تمامًا كما حددوا وتعودوا دائمًا وكما هم ملتزمون مستقبلًا، مهما كانت الاجراءات المعادية ومهما بلغت تضحياتهم.

 لقد أخطأ الصهاينة في اعتقادهم أن اجراءات التهويد والتي حاولوا فرضها بطريقة الخطوة خطوة سوف تنجح، ولم يستدركوا كل الخطوات التي فرضها أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، وبدت جميع مفاصل الكيان عاجزة عن فهم واستيعاب هذا الإصرار الفلسطيني الثابت في مواجهة أي اجراء تقوم به أجهزتهم العسكرية والأمنية مهما كان عنيفًا، ووصلت هذه الاجراءات الى ذروتها في العنف والإيذاء والاعتداء بالرصاص الحي أو المطاطي غير البعيد كثيرًا عن الرصاص الحي في فعاليته وتأثيره.
 
ظهرت قيادة العدو الاسرائيلي وكأنها فاقدة لقدرتها على اتخاذ القرار المناسب للتصرف ازاء مواجهة كانت مقدرة ومنتظرة، وتم تعليق أو الغاء نهائي لمناورة واسعة اطلقوا عليها اسم “مركبات النار” بعد أن كانت أساسية في استراتيجية المواجهة وكان محضرًا لها منذ فترة طويلة، بالاضافة الى ما كان يعول عليها من تخطيط ودراسات ميدانية وعملية لتكوين فكرة مناورة لأية مواجهة أو اعتداء يحضرون له ضد غزة أو ضد لبنان أو سوريا. حاول العدو بداية القفز فوق صفعة التراجع والغائها، لكنه أرغم على الغائها بهدف التفرغ للمستجدات الأمنية والعسكرية والميدانية التي فرضتها صورايخ المقاومة الفلسطينية ومناورتها الصادمة.

حتى الآن، وما خلا الاعتداءات المجرمة ضد المدنيين الآمنين في غزة وفي مدن الضفة المنتفضة بوجه الاحتلال، لا يترجم موقف العدو بحكومته وقاداته العسكرية والأمنية إلا عجزًا واسعًا. عجز في ساحات القدس وعلى بوابات المسجد الأقصى المبارك، عجز في حي الشيخ جراح ومحيطه وأمام اجراءات المواجهة الفلسطينية المضادة، وفي الميدان، وعجز أمام صواريخ مقاومي غزة وكل فلسطين، فوصلت حيث أراد هؤلاء الابطال المجاهدون، وحيث عجزت منظومات الدفاع الجوي والقبة الحديدية العدوة في مواجهتها بنسبة كبيرة، وبرهنت صورايخ غزة بالأمس وما قبله واليوم، انها ستكون نموذجاً بسيطاً مقارنة مع ما يمكن أن تطلقه المقاومة في المواجهات المنتظرة مستقبلًا.

* لناحية المقاومة الفلسطينية

كانت الوحدة الفلسطينية، فشكلت بالنسبة للعدو شبه بسلاح نوعي استراتيجي فاجأه، بعد أن كان يعتبر أنه سلاح محيّد، وأنه عمل ويعمل، مباشرة من قبل سياسييه أو بطريقة غير مباشرة من قبل المطبعين العرب، على إبعاد أية امكانية لأن يكون الفلسطينيون موحدين. لكن برهن الشعب الفلسطيني في هذه المواجهة أو المعركة المصيرية، أنه جسم واحد وفكر واحد وموقف واحد بمواجهة الاحتلال، وبهبة واحدة رمضانية غير محضرة، جاءت عفوية طارئة، ألغى الفلسطينيون مفعول مسار طويل من التطبيع والاتفاقات مع دول عربية، وجعلوا منه سياسة بلا أي معنى أو تأثير في الصراع.
 
اليوم، وفيما من غير الواضح ما ستؤول اليه المواجهة نحو التصعيد أو التهدئة، أصبح هناك الكثير من الثوابت التي لا يمكن لأحد تجاوزها، وخاصة العدو الاسرائيلي والمطبعين معه وداعميه في الغرب والشرق والاقليم، وأساس هذه الثوابت يقوم على معادلات جديدة نبتت من دماء شهداء الوحدات الصاروخية  الفلسطينية ومن دماء الشهداء المدنيين الآمنين، ومن قواعد اطلاق الصواريخ وأمكنة انفجاراتها الحساسة في عمق مواقع العدو ومدنه ومستوطناته، وهذه المعادلات يمكن اختصارها بعنوانين رئيسيين اساسيين وهما:

أولًا: فرض المقاومون الفلسطينيون معادلة ميدانية أمنية تقوم على استهداف المناطق المدنية الصهيوينة مقابل كل استهداف للمواقع المدنية الفلسطينية في غزة وغيرها.

ثانيًا: أثبت المقاومون الفلسطينيون أنهم وتحت عنوان عملية “سيف القدس”، مقاومة لكل فلسطين المحتلة ولكل أبنائها، وأنهم صمام الأمان الأقوى والأثبت للقضية الفلسطينية.

ثالثًا: يرسم المقاومون اليوم وبالخط الواضح الثابت الذي لم يعد يحمل أي لبس، أن وجود الكيان الصهيوني في المنطقة وخاصة في فلسطين المحتلة هو على طريق الزوال، ومنطق الأمور وطبيعة التاريخ والجغرافيا ومعادلات الحق والعدالة السماوية، لا توحي إلا بذلك. 

قد يعجبك ايضا