وثائق وأرقام تكشف تلاعبَ المنظّمات الدولية بمساعدات اليمنيين

 

كثيراً ما نسمع بمصطلح تجار الحروب، حيث إنَّ الغالبيةَ الساحقةَ من البسطاء تربط هذا المصطلح بالعسكريين والتيارات السياسية على اختلافها، بناءً على الصورة النمطية السابقة لدى الغالبية، غير أنَّ فترةَ العدوان على اليمن التي تمتدُّ لخمس سنوات وما تزال، أظهرت تجار حروب كُثُر لم نكن نألف حضورهم قبل العدوان بشكلٍ مباشرٍ، حيثُ جاء ظهورُهم تحت يافطة العمل الإنساني وَالذي يعدُّ أحدَ أهم حقول هذا النوع من التجارة.

وعليه كان لا بُدَّ أن نضعَ الرأي العام أمام حقيقة تجارة المنظّمات الدولية بمعاناة اليمنيين والتي ستتوضح من خلال التقرير التالي:

 

بالوثائق والأرقام.. نفقات تشغيلية تفوق قيمةَ المساعدات:

من خلال بعض المشاريع التي تدعمها هذه المنظّماتُ، ومن وثائق حصلت عليها صحيفةُ المسيرة، تُبين أنَّ الميزانيات التشغيلية أكبرُ بكثيرٍ من حجم الفائدة التي سيحصل عليها المستفيدون، منها مشروع مجتمعات يمنية “معاً أقوى” التابع لمنظّمة “مجتمعات عالمية”، حيثُ إنَّ ميزانية المشروع بشكل عام 11,681,601 (أحد عشر مليوناً، وستمئة وواحد وثمانون ألفاً، وستمئة وواحد دولار)، في حين كانت ميزانية النفقات التشغيلية 9,157,642 (تسعة ملايين، ومئة وسبعة وخمسين ألفاً، وستمئة واثنين وأربعين دولاراً)، أي بنسبة 78% من ميزانية المشروع، بينما لم تكن النفقات المباشرة التي سيستفيد منها المجتمعُ والذي خصص المبلغ من أجله سوى 2,523,959 (مليونين، وخمسمئة وثلاثة وعشرين ألفاً، وتسعمئة وتسعة وخمسين دولاراً) أي بنسبة 22% فقط، بالإضافة إلى تأخيرِ المشروع.

أمّا مشروع تقديم مساعدة متكاملة للحدِّ من الأمراض ووفيات السكان المتضررين من النزاعات في اليمن التابع للهيئة الطبية الدولية، فقد كانت ميزانية المشروع الكلية 11,794,857 (أحد عشر مليوناً، وسبعمئة وأربعة وتسعون ألفاً، وثمانمِئة وسبعة وخمسين دولاراً)، الميزانية التشغيلية فيه 9,193,885 (تسعة ملايين، ومئة وثلاثة وتسعون ألفاً، وثمانمئة وخمسة وثمانون دولاراً) أي بنسبة 78%، بينما النفقات المباشرة للمجتمع 2,600,972 (مليونين، وستمئة ألف، وتسعمئة واثنين وسبعين دولاراً) أي بنسبة 22% فقط، ولم تكن هذه حالات تخصُّ هذه المنظّمات فقط، حيث إنَّ مشروعَ تحسّن الظروف المعيشية في مخيمات النازحين لمنظمة المجلس النرويجي كانت الميزانية الكلية له 1,354,807 (مليون وثلاثمئة وأربعة وخمسين ألفاً، وثمانمئة وسبعة دولارات)، نسبة النفقات التشغيلية بلغت 71%، والنفقات المباشرة للاستفادة المجتمعية كانت 29% فقط، وضمن مشروع حماية الأطفال الأكثر حرماناً وتهميشاً من الحرب الدائرة في اليمن كان إجمالي موازنته 2,195,390 (مليونين، ومئة وخمسة وتسعين ألفاً، وثلاثمئة وتسعين دولاراً) نسبة الميزانية التشغيلية 66%، وما تبقّى للنفقات المباشرة، مؤسّسةُ بنات الحديدة هي الأُخرى قدّمت مشروعاً في مجال المياه والإصحاح البيئي بميزانية بلغت 230,510 (مئتين وثلاثين ألفاً، وخمسمئة وعشرة دولارات)، النفقات التشغيلية كانت نسبتها 65% والنفقات المباشرة 35% فقط.

أما منظّمة ادرا قدّمت مشروعاً في مجال الخدمة المجتمعية للنازحين والمجتمع المضيف، بلغت ميزانيته 757,154 (سبعمئة وسبعة وخمسين ألفاً، ومئة وأربعة وخمسين دولاراً) نسبة الميزانية التشغيلية 58%، وحجم الفائدة المجتمعية 42% فقط، وعلى نفس الخطى صارت منظمةُ اوكسفام في مشروعها في مجال المياه والإصحاح البيئي كانت الميزانية الإجمالية له 922,055 (تسعمئة واثنين وعشرين ألفاً، وخمسة وخمسين دولاراً) النفقات التشغيلية نسبتها فيه 56%، وما تبقّى للمجتمع، ولم تذهب بعيداً عن ذلك منظّمة مرسي كوربس، حيثُ قدّمت مشروعَ اليمن للطوارئ ميزانيته 11,900,000 (أحد عشر مليوناً، وتسعمئة ألف دولار) نسبة النفقات التشغيلية فيه 55%، وَ45% للمستفيدين، بينما قدّمت لجنةُ الإنقاذ الدولية مشروعاً لتحسين الوصول إلى التعليم الجيد في اليمن ميزانيته 3,595,742 (ثلاثة ملايين، وخمسمئة وخمسة وتسعون ألفاً، وسبعمئة واثنان وأربعون دولاراً) نسبة النفقات التشغيلية 49%، وما تبقّى من النسبة حجمُ الفائدة المجتمعية.

 

إهدار أموال المانحين في مشاريع بعيدة عن احتياجات اليمنيين:

في ظلِّ العدوان والحرب المفروضة على اليمنيين، برزت تحدّياتٌ كبيرةٌ جعلت حياتهم تتغيّر، بحيث تخلو عن الكثير من الأشياء الثانوية لحساب أولويات البقاء، من خلال توفير الاحتياجات الأَسَاسية للعيش لا سيما في ظلِّ الحصار الخانق الذي فاقم من معاناتهم، فازداد عددُ المحتاجين إلى نسبة كبيرة، تقول إحصائيات الأمم المتحدة إنهم تجاوزوا 85% من عدد السكان، واحتلت المأساة الإنسانية في اليمن الكارثة الأسوأ في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من ذلك ذهبت بعضُ المنظّمات الدولية لتقديم مشاريع ليست ذات أولوية أَو تنفذ الحرب الناعمة على اليمنيين، فعلى سبيل المثال لا الحصر قدّمت منظمةُ البحث عن أرضية مشتركة مشروعَ إشراك النساء والشباب في تقوية النسيج المجتمعي، كانت تكلفته 421,921 (أربعَمئة وواحداً وعشرين ألفاً، وتسعمئة وواحد وعشرين دولاراً) في أنشطة تندرج تحت أجندة الحرب الناعمة، وكلُّ أنشطة المشروع تشغيلية وداعمة (ورش – تدريبات – اجتماعات)، وبنفس الأهداف كان مشروعُ المهارات الحياتية وثقافة المواطنة التي قدّمته مؤسّسةُ “لأجل الجميع” للتنمية بميزانية 677,000 (ستمئة وسبعة وسبعين ألفَ دولار)، منظمة أوكسفام هي الأُخرى قدّمت مشروعَ بناء قدرات النساء؛ من أجل التعايش المجتمعي بميزانية 671,990 (ستمئة وواحد وسبعين ألفاً، وتسعمئة وتسعين دولاراً)، حيثُ كانت أنشطة المشروع عبارة عن تدريب وتوعية لتعزيز دور المرأة ومبادئ سيداو، وفي الحالة اليمنية التي نعيشها يبتعد هذا المشروع عن احتياجات اليمنيين نساءً ورجالاً، حيث يندرج هذا المشروع ضمن العبث بالأموال، أيضاً المنظمة ذاتها لديها مشروع عن تحسين وصول الأولاد والبنات المراهقين المتأثرين من الصراع للتعليم بمحافظة عمران، ميزانيته 2,329,748 (مليونان وثلاثمئة وتسعةٌ وعشرون ألفاً، وسبعمئة وثمانية وأربعون دولاراً) تنفق في أنشطة مبادرات وورش وحقائب، حيثُ إن هذا المبلغَ الكبيرَ يُصرف في أشياءَ بعيدةٍ عن احتياجات اليمنيين في ظلِّ ما يشهد البلد من كارثة إنسانية.

 

مشاريع قدمت للهيئة بعد فترات طويلة من تاريخ بدئها:

إحدى طرق التهرب من المساءلة التي سلكتها بعضُ المنظّمات الدولية، تمثّلت في أنها بعد الموافقة على المشروع تبدأ بالتنفيذ، ومن ثم تأخرت في تقديمه للهيئة الوطنية للشؤون الإنسانية سابقاً، المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية حالياً، أي أنها تنفّذ المشروعَ بعيداً عن الرقابة قبل السلطات، حيثُ تخالف نصَّ اتّفاقيات العمل الإنساني الذي يخضع لقوانين البلد والتي وقّعت عليها أَيْـضاً، من ضمن هذه المنظّمات منظمةُ أوكسفام في مشروع الاستجابة الطارئة للصراع والنزوح في محافظة عمران، حيث تم التوقيعُ مع المنظمة المانحة بتاريخ 23 / 12 / 2018م، ولم يتم تقديمه إلى الهيئة إلّا بتاريخ 3 / 8 / 2019م، أي بعد سبعة أشهر من تاريخ بدء التنفيذ، وبنفس السلوك انتهجت منظمةُ رعاية الأطفال الدولية في مشروعها المياه والإصحاح البيئي والتغذية والصحة المتكامل الطارئ للسكان المتضررين، حيثُ تم الموافقةُ عليه من المانح بتاريخ 28 / 3 / 2019م، وتم تقديمُه إلى الهيئة بتاريخ 28 / 7 / 2019م، أي بعد أربعة أشهر، وفي ذلك تأخير في تقديم المساعدات الإنسانية التي تنعكس على الحالة الإنسانية لا سيما مع حجم الاحتياج المرتفع لدى المواطنين.

 

ميزانيات غير دقيقة:

إنَّ استهتارَ بعض المنظّمات بالعمل الإنساني جعلها تسلك مسارات فساد مختلفة تنمُّ عن وجهها القبيح وتعاملها مع المنح المالية باسم مساعدة الشعب اليمني على أنها تجارة تخضع للربح والربح فقط -وبالطبع غير المشروع-، هذا ما تبين من خلال المشروع الذي قدّمه المجلس الدنماركي -آلية الاستجابة الطارئة– حيثُ بيّنت الوثائقُ اختلافاً في إجمالي الميزانية المقدّمة والتي بلغت 1,078,550 (مليوناً، وثمانية وسبعين ألفاً، وخمسمئة وخمسين دولاراً) عن الميزانية المقدّمة من المانح صندوق الأمم المتحدة اليونيسف، حيثُ كانت الميزانية 1,941,761 (مليوناً وتسعَمئةٍ وواحداً وأربعين ألفاً، وسبعمئة وواحداً وستين دولاراً)، منها 1,897,716 (مليونٌ وثمانمئة وسبعة وتسعون ألفاً، وسبعمئة وستةَ عشَرَ دولاراً) نقداً من اليونيسف، وَ12,000 (اثنا عشر ألفَ دولار) مواد عينية، بالإضافة إلى 31,900 (واحد وثلاثين ألفاً، وتسعمئة دولار) من المنظّمة نفسها، وإلى الآن لم يتم موافاة المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية، ما يعني أنها اختلست بقيّةَ المبلغ بطريقة مباشرة.

المسيرة

قد يعجبك ايضا