يعُّد من كمال الإيمان – القدرة على مواجهة الأعداء -الغذاء أهم من السلاح: أهمية تحقيق الأمة للاكتفاء الذاتي –

مما لا شك فيه أن تحقيق الاكتفاء الذاتي سوف ينعكس بوضوح على رفاهية الشعب وتلبية جميع احتياجاته الأساسية والثانوية، وبالطبع يظهر ذلك جليّاً في ارتفاع متوسط دخل الفرد، وتوفير الكثير من فرص العمل للشباب المؤهَّل وكذلك العاطل عن العمل.

    وفي هذا الصدد، لم يكن حديث الشهيد القائد/ السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” عن قضية حصول الامة على الاكتفاء الذاتي مجرد حديث عابر مبني على تقارير اقتصادية من هنا أو هناك، وإنّما كان حديث نابع من رؤية قرانيه لهذه القضية، فقد تحدث عن أهمية حصول الامة على الاكتفاء الذاتي في قوتها الضروري مؤّكداً أن حصولها على الاكتفاء الذاتي يعُّد من كمال الإيمان في مواجهة أعدائها، وأن تحقيقها للاكتفاء الذاتي في قوتها الضروري سيجعلها قادرة على مواجهة اعدائها، وفيما يلي بيان ذلك كالتالي:

تحقيق الاكتفاء الذاتي للأمة يعُّد من كمال الإيمان:

   إن كمال الإيمان في مجال مواجهة أعداء الله مرتبط ارتباطاً كبيراً بالاهتمام بالجانب الاقتصادي، وهذا ما يؤكد عليه الشهيد القائد، حيث يقدم قضية حصول الامة على الاكتفاء الذاتي في قوتها الضروري بأنها من كمال الايمان في مواجهة اعدائها، يقول: “أليس من كمال إيماننا في مواجهة تهديد أعدائنا هو أن نكون أمة مجاهدة؟ أليس من كمال أن نكون أمة مجاهدة أن نكون أمة مكتفية معتمدة على نفسها في قوتها الضروري؟.. إذا فيصبح القوت الضروري، يصبح الاكتفاء الذاتي للأمة من كمال الإيمان، من كمال الإيمان”.

     ويُبين الشهيد القائد أن كمال الإيمان في مجال مواجهة أعداء الله مرتبط ارتباطاً كبيراً بالاهتمام بالجانب الاقتصادي، بحيث تكون الأمة التي تريد أن تنطلق في مواجهة أعدائها قادرة أن تقف مواقف مشرفة في مواجهة أعدائها؛ لأنها مكتفية على ذاتها في قوتها الضروري، في حاجاتها الضرورية، ويؤكد ذلك قائلاً: “كمال الإيمان في مجال مواجهة أعداء الله مرتبط به تماماً ارتباطا كبيراً، الاهتمام بالجانب الاقتصادي ستكون الأمة التي تريد أن تنطلق في مواجهة أعدائها، وأن تقف مواقف مشرفة في مواجهة أعدائها قادرة على ذلك؛ لأنها مكتفية بنفسها في قوتها الضروري، في حاجاتها الضرورية”.

   وفي إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمعناه العام، يجزم الشهيد القائد بالقول: “إن من المعروف أن نقول للآخرين: إن عليكم أن تهتموا بالجانب الاقتصادي فتجعلوا الشعوب قادرة على أن تقف على أقدامها مكتفية بذاتها فيما يتعلق بقوتها الضروري؛ لتستطيع أن تقف في مواجهة أهل الكتاب، أليس هذا من المعروف؟”.

ويضيف بالقول: “…لأن الجانب الاقتصادي بالنسبة للمسلمين مهم في أن يستطيعوا أن يقفوا في مواجهة أعدائهم، في أن يستطيعوا أن يقوموا بواجبهم وبمسئوليتهم أمام الله من العمل على إعلاء كلمته ونصر دينه، ونشر دينه في الأرض كلها”.

تحقيق الامة للاكتفاء الذاتي سيجعلها قادرة على مواجهة اعدائها:

     يّعد تحقيق الاكتفاء الذاتي مطلباً جوهرياً وملحاً في العديد من دول العالم، وتكمن أهميته في توفير الأمن الغذائي للسكان، وتحصينهم من الأزمات والمجاعات التي تحدث أحيانا بسبب نقص الإمدادات في السوق الدولية، أو غلاء الأسعار.

      كما يعد الاكتفاء الذاتي سبيلاً إلى الاعتماد على النفس وتطوير الإمكانات الذاتية، والتقليل في المقابل من الاعتماد على الخارج، وذلك مما يدعم استقلالية القرار السياسي والسيادي الوطني أمام تدخلات الدول الأجنبية، ويحّد من التأثيرات وبعض السلوكيات الابتزازية التي قد تمارسها الدول المصدرة لبعض الأغذية الاستراتيجية “القمح نموذجاً” في إطار التفاوض حول مصالحها، أو مصالح حلفائها.

    وتكّمن أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي في أوقات الحروب، حيث يتعذر استيراد السلع من الخارج، وفي مجال المواجهة مع اعداء الامة، وهنا يعطي الشهيد القائد قضية حصول الامة على الاكتفاء الذاتي في قوتها الضروري الاولوية القصوى وأهمية خاصة على سائر الخدمات الاخرى كالكهرباء والمدارس والجوامع، وذلك من منطلق أن تحقيق الامة على الاكتفاء الذاتي في قوتها الضروري سيجعلها قادرة على مواجهة اعدائها باعتبار أن القوت الضروري لا بديل عنه في حال المواجهة إلا الخضوع للعدو والاستسلام له وتلقي ضرباته، أما مشاريع الخدمات الاخرى كالكهرباء والمدارس والجوامع…الخ، فهناك بدائل عنها في حال المواجهة مع العدو، مع التأكيد أن تلك الخدمات هي ضرورية، ولكن ليس الى درجة ضرورة تحقيق على الاكتفاء الذاتي،

ويؤكد الشهيد القائد ذلك قائلاً: “هذه التي توفر هي ضرورية لكنها ليست إلى الدرجة من الضرورة التي يكون عليها قوت الناس…”، ويضيف: “هذه المدارس نفسها في حالة المواجهة هل ستصبح ضرورية؟ بإمكان الناس في حالة الخطورة فيما لو ضربت مدرسة أن يدرسوا أبناءهم تحت ظل أي شجرة، أو في أي مكان آخر. المساجد أنفسها لو ضربت بإمكانهم أن يصلوا في أي مكان.. لكن قوتهم هو الشيء الذي لا بديل عنه، لا بديل عنه إلا الخضوع للعدو، والاستسلام للعدو، وتلقي الضربة بدون أي حركة في مواجهة العدو”.

ويردف بالقول: “.. الكهرباء مهم لكن لو نفترض أن بالإمكان أن نظل بدون كهرباء، بل أليس الكهرباء يطفأ في حالات الخطورة؟ الكهرباء يطفأ، أليست المدن تطفأ في حالات التهديد؟ تطفأ المدن أي أن الكهرباء ليس ضروري بل من الضروري أن يطفأ فيما لو حصل تهديد مباشر”.

ويُشير الشهيد القائد إلى أنه متى ما زرعت الامة ملكت قوتنا، ستسطع أن نتخذ القرار الذي يليق بها أمام اعدائها، يقول:

“لا يريدون أن نزرع؛ لأنهم يعرفون ماذا يعني أن نزرع، متى ما زرعنا ملكنا قوتنا، متى ملكنا قوتنا استطعنا أن نقول: لا، استطعنا أن نصرخ في وجوههم، استطعنا أن نتخذ القرار الذي يليق بنا أمامهم، فما دمنا لا نملك شيئاً لا نستطيع أن نقول شيئاً…. “.

    وتعتبر قضية تحقيق الاكتفاء الذاتي والامن الغذائي من القضايا الاساسية التي لها الاثر الحاسم في تحديد موقع الدول العربية والاسلامية على خارطة التقدم والنمو بين مجتمعات العالم المتقدمة، بل يمكن القول أن تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي يعادل الأمن الوطني والقومي في اهميته إن لم يكن يتخطاه بمراحل، ذلك أن أي ثغرة، أو ضعف في هيكل الأمن الغذائي يشكل خطراً كبيراً على بنيان الأمن الوطني والقومي بشكل عام لانعكاساته الخطيرة على كل نواحي المجتمع، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يمُكن الحديث عن الامن الوطني والقومي دون الحديث عن الاكتفاء الغذائي لأّنه المعبر الاجباري للولوج الى الامن الوطني والقومي، ومن خلال تحقيق الاكتفاء الغذائي يُمّكن الاطمئنان الى قدرة الاقتصاد الوطني على سد الاحتياجات الغذائية للسكان حاضراً ومستقبلاً من خلال الانتاج المحلي.

الغذاء أهم من السلاح:

     يؤدي الاكتفاء الذاتي إلى التخلص من التبعية السياسية والاستقلال بالقرار الوطني للبلد دون وضع اعتبار لمعونات اقتصادية خارجية مشروطة بانتهاج سياسة خارجية معينة، واكتساب المزيد من الحرية فيما يخص اتخاذ مواقف دولية وفقاً لإرادة الدولة الحرة وطبقًا لمصالحها، وبالتالي تستطيع الدولة المكتفية ذاتياً الاستغناء عن المساعدات الخارجي، مما يؤدي إلى التخلص من التبعّية، فمن ملك غذاءه ملك حريته، ومن ملك غذائه سَلِمَ أمن قراره من الوصاية والتدخلات في الشأن الداخلي للبلاد.

         ويُعَد الاكتفاء الذاتي شرطاً أساسياً لأي دولة تريد أنّ تتخلص من التبعّية والهيمنة عليها، وربما تواجه في ذلك الكثير من الصعوبات عند تطبيقها للاكتفاء الذاتي، إلا أن النتائج الملموسة تستحق الصبر على المعاناة المتوقعة، حيث تتمثل أهم النتائج الاقتصادية المترتبة على عملية الاكتفاء الذاتي في تقليص حركة الاستيراد، والتقليل من الاعتماد على المنتجات الأجنبية، والبدء في الاعتماد على المنتجات المحلية وتحسين جودتها بهدف تحقيق عملية الإشباع المحلي بشكل تام، ثم التحول التدريجي إلى تصدير المنتج المحلي إلى الخارج؛ حيث يساعد ذلك على تعزيز حركة التصدير، وبالتالي ينتج عن ذلك زيادة الطلب على العملة المحلية للدولة وارتفاع قيمتها، وبطبيعة الحال تحقق كل هذه العوامل تنمية اقتصادية نتيجةً لارتفاع الدخل القومي للدولة.

وتُعزَى أهمية الاكتفاء الذاتي إلى إمكانية الاستغناء عن الاستيراد لاسيمّا في الظروف الحرجة التي قد تمر بها الدولة مثل حالة الحرب؛ حيث يتعذر إقامة علاقات اقتصادية مع دول أخرى، ومن ناحية أخرى يتم توجيه جميع القوى الاقتصادية والمالية في اتجاه المجهود الحربي، ما يعطي للقيادة ارتياح نسبي في تعاملها مع تلك الأمور لاطمئنانها إلى عدم حاجتها إلى الاستيراد من الخارج.

وفي صورة بلاغية رائعة؛ يُقدم الشهيد القائد حاجة الامة للاكتفاء الذاتي في قوتها الضروري كحاجة المصلي للوضوء، وأنّ الأمة أصبحت بحاجة الى الغذاء أشد من حاجتها الى السلاح، حيث يقول:

“أصبح شرطا، أصبح أساساً، أصبح ضروريا الاهتمام بجانب الزراعة في مجال نصر الإسلام أشد من حاجة المصلي إلى الماء ليتوضأ به.. هل تصح الصلاة بدون طهارة؟ إذا لم يجد الماء يمكن أن يتيمم فيصلي. إذا كانت الصلاة لا بد لها من طهور بالماء أو بالتراب، فلا بد للإسلام، ولهذه الأمة التي تهدد كل يوم الآن تهدد، وتهدد من قبل من؟ تهدد من قبل من قوتها من تحت أقدامهم، من فتات موائدهم “.

ويقول في درس (معرفة الله ـ نعم الله ـ الدرس الخامس:) ” ما دمنا مفتقدين إلى تأمين غذائنا فلا نستطيع أن نعمل شيئًا، ….، لا نستطيع أن نقف موقفًا واحدًا ضد أعداء الله، أصبحت حاجتنا إلى الغذاء أشد من حاجة المسلمين إلى السلاح، هل تفهمون هذا؟ حاجتنا إلى الغذاء أشد من حاجتنا إلى السلاح في ميدان وقفتنا ضد أعداء الله”.

ويضيف: “الغذاء، القوت الضروري لا تستطيع أن تقف على قدميك وتصرخ في وجه أعدائك وأنت لا تملك قوتك، وإنما قوتك كله من عندهم”.

الهوامش:

  • السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدى القرآن الكريم، في ضلال دعاء مكارم الاخلاق، الدرس الثاني.
  • السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدى القرآن الكريم، سورة آل عمران، الدرس الثالث.
  • السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، معرفة الله ـ وعده ووعيده، الدرس الرابع عشر، 2002م.
  • السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، من نحن ومن هم ،1422هـ.

 

قد يعجبك ايضا