محلل سياسي مختصّ بالشأن الإسرائيلي يكتب عن : الكيان الصهيوني واليمن.. بين التصريح بالحياد والتدخل العميق

 

لفهم المقصود بكلمتي “الحذر” و”الحكمة”، فإنهما توصيتان بالحذر من انكشاف المستور.

 

لا يَخفى على أحد أن “إسرائيل” شنّت حرب حزيران/يونيو 1967 بذريعة إغلاق مضائق تيران في وجه ملاحتها البحرية. وهي ترى البحر الأحمر، بما في ذلك مضيق باب المندب، ممراً بحرياً لتجارتها مع الهند والصين وجنوب أفريقيا ودول متعددة أخرى، ازدادت مع الوقت. 

البحر الأحمر هو أحد أهم المعابر التجارية الدولية، تمرّ فيه 25 ألف سفينة سنوياً، و4 ملايين برميل نفط يومياً من الشرق الأوسط إلى أوروبا. وتبلغ قيمة مجموع التجارة الدولية، التي تمر فيه، أكثر من 700 مليار دولار سنوياً. وبالتالي، مَن يسيطر على هذا الممر التجاري، فإنه يسيطر، أو على الأقل، يراقب كل ما يمر فيه من المسموحات والممنوعات، في أزمنة الحرب أو السلم. 

في الحرب، تمر فيه الغواصات النووية وحاملات الطائرات والسفن العسكرية بين البحر المتوسط والمحيط الهندي. وكان إغلاق باب المندب، أو تفخيخه بالألغام البحرية، خلال الحرب العالمية الثانية، من جانب بريطانيا، عملاً في غاية الأهمية في مسار الحرب.

في الأعوام الأخيرة، اكتسب البحر الأحمر أهمية مضاعَفة في نظر “إسرائيل” بسبب صراعها مع إيران، وشن الحرب السعودية – الإماراتية على اليمن، وتنافُس كل القوى المتصارعة في السيطرة على الموانئ اليمنية ومضيق باب المندب اليمني. كما يكتسب البحر الأحمر أهمية في نظر أميركا، في صراعها مع الصين وإيران، وطموحها إلى الهيمنة، دولياً وإقليمياً، لأن السيطرة على منابع الطاقة العالمية في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى السيطرة على خطوط التجارة الدولية، من أهم أسس ضمان الأمن القومي الأميركي، كما قالت هيلاري كلينتون أمام الكونغرس، وكما يقول معظم الاستراتيجيين الأميركيين.

ازدياد منسوب القلق بعد قصف أنصار الله مواقع أرامكو في أيلول/سبتمبر 2019

منذ أن بدأت الصراعات اليمنية الداخلية، ولاسيما بعد أن سيطرت حركة أنصار الله والجيش اليمني على صنعاء وميناء الحديدة عام 2014، وما تبع ذلك من تحشيد عسكري سعودي – إماراتي، بالتعاون مع القوى اليمنية الموالية لهما، والمتمثلة بعبد ربه منصور هادي، ودول عربية أخرى، وشن الحرب، المسماة حملة “عاصفة الحزم”، على أنصار الله والجيش اليمني، المدعومَين من إيران، ازداد الاهتمام الإسرائيلي بالبحر الأحمر وموانئه ومضيق باب المندب بهدف السيطرة، أو على الأقل منع إيران من أن يكون لها أي سيطرة في اليمن، ولاسيما على الموانئ وباب المندب، بصورة خاصة.

من أجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية هذه، بنت “إسرائيل” تحالفات سرية مع السعودية، وأخرى علنية ورسمية مع الإمارات العربية المتحدة، أكثر الدول التي تستثمر في الموانئ في العالم، وفي الشرق الأوسط والبحر الأحمر، بصورة خاصة. ضمن ذلك، تم توقيع اتفاق التطبيع في أوائل آب/أغسطس 2020 مع الإمارات والبحرين، ولاحقاً مع السودان والمغرب، التي تسيطر، من جهة واحدة، على مضيق جبل طارق الاستراتيجي أيضاً.

تدّعي “إسرائيل”، رسمياً، أنها “تراقب” الحرب على اليمن بحذر، ضمن سياسة البحث عن مصالحها في هذا الصراع. لكن، منذ أن هاجم أنصار الله محطات أرامكو في السعودية في أيلول/سبتمبر 2019، ازداد منسوب القلق الإسرائيلي من الصواريخ اليمنية، وصرح بذلك عدد كبير من المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو (رئيس حكومة الاحتلال آنذاك)، وحتى تبادل الطرفان تحذيرات أو تهديدات علنية. وكان سبق هذا الهجوم الناجح انسحابُ القوات الإماراتية من الحديدة ومينائها الاستراتيجي، في حزيران/يونيو 2019، وتركت السعودية تقاتل وحدها مع قوات مرتزقة، من أفريقيا بصورة خاصة.

مركز أبحاث الأمن القومي (INSS)

في الرابع من أيلول/سبتمبر 2019، نشر مركز أبحاث الأمن القومي في هرتسليا مقالاً بقلم الباحث يوئيل غوجانسي، تقييما للانسحاب الإماراتي من الحديدة، قال فيه: “أميركا وإسرائيل يجب أن تكونا قلقتين من نتائج الصراع في اليمن، ولاسيما أن انسحاب الإمارات قد يعزز الروح القتالية للحوثيين المتحالفين مع إيران، وبالتالي سيطرتهم على شمالي اليمن، ثمّ يستمرّون في استهداف مواقع استراتيجية في السعودية، وتهديد حرية الملاحة في البحر الأحمر. وهذا يتناقض مع هدف “إسرائيل” وأميركا المتمثّل بزيادة الضغط على إيران وحلفائها في المنطقة”. 

لاحقاً، في نيسان/أبريل 2020، أصدر مركز أبحاث الأمن القومي تقريراً تحت عنوان: “الحرب الأهلية في اليمن تغيّر مسارها.. إلى أين تتّجه؟”، يقول فيه: “على الرغم من أن إسرائيل ليست لاعباً نَشِطاً في الساحة اليمنية، فإن لها مصالح استراتيجية تتأثر بالتطورات الجارية هناك: التهديد الحوثي المدعوم من إيران؛ إنقاذ السعودية من المستنقع اليمني؛ منع انتشار جماعات سنية جهادية متطرفة”. وبناءً عليه، يوصي التقرير “إسرائيل” بأن تحافظ على ثلاثة مبادئ، وإدراجها هنا، بحسب أهميتها:

أولاً، منع أنصار الله من امتلاك القدرة الهجومية ضد “إسرائيل”، بواسطة أسلحة متطورة.

ثانياً، إنهاء التدخل السعودي في اليمن، حتى تستطيع السعودية توجيه مقدِّراتها المادية، من أجل المشاركة في الجبهة المناهضة لإيران.

ثالثاً، منع انتشار جماعات سلفية قاعدية في شبه الجزيرة العربية، يمكن أن تهاجم حلفاء “إسرائيل” وأميركا، وحتى قد تهاجم “إسرائيل” مباشرة.

كما يوصي التقرير بإنهاء الصراع في اليمن على قاعدة أن يكون اليمن منزوع السلاح، إلى حدّ كبير، وأن تقدِّم السعودية مبلغاً كبيراً من المال، يُوَزَّع على القوى السياسية القبلية المسلَّحة من أجل شراء موالاتها، وفك الحصار على اليمن.

ملخَّص المصلحة الإسرائيلية، وفق التقرير المذكور، “أن تستمرّ السعودية في ضرب حلفاء إيران في اليمن. لكنّ الواقع يقول إن حلفاء إيران هم الذين يتقدمون في المعارك. لذلك، من مصلحة إسرائيل أن تنتهي الحرب بموجب اتفاق، وإبعاد إيران عن اليمن”.

مركز أبحاث “ميتفيم” (MITVIM)

يقول السفير السابق ميخائيل هراري (موقع “ميتافيم”، 21/2/21) “صحيح أن ساحة الحرب بعيدة عن إسرائيل، كما الساحة الليبية، لكنها مهمة لها، نتيجة عدة أسباب:

أولاً، مشاركة حليفتي “إسرائيل” الأساسيتين ضد إيران، في هذه الحرب.

ثانياً، تنامي التأثير الإيراني في اليمن، وتحويله إلى ساحة تضاف إلى ساحات لبنان وسوريا والعراق. وهذا سينعكس سلباً على المفاوضات الأميركية الإيرانية في الملف النووي.

ثالثاً، ستُضطر إسرائيل إلى أن تترك موقف “المراقب”، وتنشّطَ دورها في واشنطن لمصلحة السعودية والإمارات، ولاسيما في ملف بيع طائرات F35 للإمارات”.

هنا، يوصي الباحث هراري حكومةَ الاحتلال الإسرائيلي بأن “تقف مع حلفائها في السعودية والإمارات، في مقابل الإدارة الأميركية الديموقراطية التي توجه انتقادات شديدة إلى محمد بن سلمان”. ويضيف أن “على إسرائيل أن تستخدم نفوذها في واشنطن بحكمة، ولاسيما أنها على خلاف مع واشنطن بشأن الملف النووي الإيراني”. وعمّا يعنيه بـ”الحكمة”، يقول إن “إسرائيل أصبحت لاعباً إقليمياً من خلال علاقاتها الجديدة، لكن لا يجوز لها أن تقترب من الخطوط الأمامية في هذه الصراعات”. هل حقاً لم تقترب؟ ام أن هذا ما يتوجب إعلانه رسمياً؟

معهد القدس للاستراتيجيا والأمن (JISS)

مع التقدم العسكري لأنصار الله في محافظة مأرب، ازداد القلق الإسرائيلي أكثر فأكثر. ويوم 26/4/2021، نشر موقع معهد القدس مقالاً بقلم د. عوزي روبين، وهو مدير سابق لطاقم تطوير الصواريخ، بما فيها صاروخ “حيتس”، تناول فيه تداعيات المتغيّرات في الحرب اليمنية على “إسرائيل”، فقال “إن السيطرة على مأرب تعني السيطرة على أغنى منطقة يمنية بالنفط، وهذا يعني وقف توريد النفط إلى المناطق التي يسيطر عليها الآخرون”. وأضاف “أن نتائج الحرب في اليمن ستكون مصيرية لمستقبل الشرق الأوسط. فإذا انتصر الحوثيون وإيران، فإنهم سيسيطرون على الممر البحري، بما فيه باب المندب، الذي هو أحد أهم الممرات البحرية في العالم. ومن يسيطر عليه يسيطر على الخط التجاري الحيوي للعالم. ومن الأبعاد الاستراتيجية للحرب في اليمن أن الغرب سيجد أمنه في خطر”. ليس هذا فقط، ف”إسرائيل” “تراقب سير المعارك، وتتعلم من أسلوب إيران في إدارة المعارك العسكرية”.

في هذا المقال، لم يتباين الكاتب جوهرياً عمّا سبقه من توصيات صدرت عن مراكز أبحاث أخرى، لكنه أضاف إليها عناصر أخرى ترفع مستوى القلق.

مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا (dayan.org)

تحت عنوان “حرب الشمال والجنوب في اليمن”، كتبت الباحثة عنبال نيسيم لوفطون، في 5/7/2021، مقالاً لم تتباين فيه عن سابقيها من الباحثين بشأن التخبّط الإسرائيلي في المواقف والقلق من سيطرة أنصار الله على اليمن. ورأت، كغيرها، أنه لا بدّ من إنهاء الحرب هناك على قاعدة منع انتصار حلفاء إيران، وإبعاد الإيرانيين عن التأثير المستقبلي. وفي نهاية مقالها، ترى أن الحل يكمن في تقسيم اليمن وإعادة بنائه، وفق نظام فدرالي، بحيث لا يكون لأي طرف سيطرة كاملة عليه. وبنت رؤيتها هذه على ما قاله سابقاً عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي في الجنوب، خلال مقابلة مع صحيفة “الغارديان” البريطانية، في آذار/مارس 2019، ودعا فيها دول العالم إلى أن تستعدّ للاعتراف بدولة الجنوب كمقدمة لإنهاء الحرب. وفي نظر الكاتبة، فإن هذا التقسيم هو الذي يمكّن الإمارات من الاحتفاظ بباب المندب وميناء عدن، من أجل منع سيطرة إيران والحوثيين عليهما.

معهد القدس لقضايا الجمهور والدولة (JCPA)

في مقال في موقع المعهد، تحت عنوان “الحرب في اليمن -نظرة من بعيد”، نُشر يوم 3/2/2022، أي بعد الهجوم الصاروخي اليمني على مواقع حساسة في الإمارات، لم يتباين باحثو المعهد عن سابقيهم بشأن التحذير من انتصار حركة أنصار الله وحليفتها ايران، ومن أن استمرار استهداف الإمارات قد يؤدي إلى تحطيم اقتصادها. فيقول الكاتب: “على الرغم من اتفاق التطبيع مع الإمارات، فإنه يتوجّب على إسرائيل أن تتصرف بحذر شديد كي لا تفتح ضدها جبهة جديدة من اليمن”. ويضيف أن قادة “أنصار الله يملكون قدرات صاروخية من الصعب مواجهتها، وتهديداتهم لإسرائيل ليست كلاماً في الهواء”. وهذا ما أكده الجنرال ماكنزي لمراسل “القناة الـ12” الإسرائيلية، يوم 30/12/2021، قائلاً: “إن الصواريخ اليمنية الدقيقة تشكّل خطراً استراتيجياً أكثر من السلاح النووي”. من هنا، “يتوجب على إسرائيل التصرف بحذر في ظل عدم التوافق بينها وبين الإدارة الجديدة في البيت الأبيض في الملف النووي الإيراني. فالمحادثات في فيينا قد تؤدي فعلاً إلى التوقيع من جديد على الاتفاق النووي مع إيران، وهذا قد يقوي إيران. ولا مانع من أن يحاول السعوديون والإماراتيون إنهاء الحرب، من خلال الوصول إلى اتفاق بموجب الشروط اليمنية والإيرانية، تضمن حرية الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب”.

الاستنتاج الاولي

 من هنا، يتَّضح، وفق كل التقييمات والمواقف الإسرائيلية، أن المستهدَف من كل ما يصدر من مواقف وممارسات هو باب المندب والموانئ القائمة على شواطئ البحر الأحمر، والبحر الأحمر ذاته، باعتباره أحد أهم الممرات البحرية في العالم، وبالنسبة إلى “إسرائيل”، على نحو خاص. وإن جلّ اهتمام الطرف الإسرائيلي هو ألا تسيطر إيران وحلفاؤها اليمنيون على هذه المواقع. وهذا كله يأتي في سياق خلق نظام إقليمي يخدم “إسرائيل” وطموحاتها الإقليمية، ويعزز تحالفاتها الجديدة، والمتمثّلة بـ”اتفاقيات أبرهام” وما ينبثق منها. والأهم هو صياغة جبهات، عسكرية واقتصادية وسياسية، من أجل محاصرة إيران إلى أمد بعيد.  لكن، ما الذي يحدث في أرض الواقع، ولا يتلاءم مع التوصيات والتصريحات المعلنة؟

ما بين المواقف المعلَنة والنشاط الميداني السري

كعادتها، قد تُصدر “إسرائيل” مواقف رسمية ناعمة، وتعبّر مراكز الأبحاث المقرّبة من حكومتها عن مواقف وتقديرات تبدو حيادية، أو توصيات تطالب الحكومة بالتصرف بـ”حكمة” و”حذر”. لكن فحصاً للواقع الميداني يبيّن ممارسات مغايرة للتوصيات والمواقف المصرَّح بها علناً. لذلك، لا بدّ من قراءة دقيقة لكل موقف رسمي أو توصية بحثية، ضمن مقارنتها بالممارسة الميدانية. ولفهم المقصود بكلمتي “الحذر” و”الحكمة”، فإنهما توصيتان بالحذر من انكشاف المستور.

في الممارسة، لا بد للعسكريين من أن يكشفوا عن ممارسات أمنية تعزّز ثقة “الجمهور الإسرائيلي” بقدرات جيش الاحتلال والقوى الأمنية، وتعكس نفسية المتغطرس القادر على كل شيء. وفي هذا السياق، كشف المراسل العسكري، نير دفوري، خلال تقرير خاص لـ”القناة الـ12″ الإسرائيلية، في 30/12/2021، عن نشاطات أمنية إسرائيلية بعيدة جداً عن التوصيات بالحياد والحذر، لكنها مرتبطة، إلى حد كبير، بحقيقة الموقف الإسرائيلي، لأن الممارسة هي مقياس الحقيقة وليس التصريح. يقول دفوري: “في الأعوام الأخيرة، تحول اليمن، وخصوصاً شواطئه، إلى هدف استخباري إسرائيلي. فقبل نصف عام، حظي أربعة ضباط كوماندوس بحريين بميداليات تقدير، بسبب قيامهم بعملية وضع متفجرات في أسفل سفينة مراقبة إيرانية، في البحر الأحمر، وتفجيرها. وهذه العملية هي واحدة من سلسلة عمليات قام بها الكوماندوس ضد إيران في البحر الأحمر والبحر المتوسط”. وأشار دفوري إلى نشاط مكثف للغواصات النووية الإسرائيلية والسفن الحاملة  للصواريخ في البحر الأحمر والمحيط الهندي، على نحو دائم، كجزء من المعركة المستمرة ضد ايران. لذلك، “حظي اليمن باهتمام كبير من جانب المخابرات الإسرائيلية”. وأشار دفوري، في التقرير نفسه، إلى قيام قوات بريطانية، وخصوصاً من وحدة SAS ، مكونة من 40 عنصراً، بالتعاون مع عملاء محليين، بالهبوط شرقي اليمن في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021، من أجل ملاحقة مَن اتُّهِموا بقصف السفينة البريطانية، “مرسير ستريت”، المؤجرة لرجل الأعمال الإسرائيلي أيال عوفر، وبالاعتماد على معلومات استخبارية من دولة صديقة”، في إشارة إلى الاستخبارات الإسرائيلية. يُذكَر أن الوحدة الخاصة البريطانية،SAS ، كانت شاركت سلاحَ جو الاحتلال الإسرائيلي في الحرب اليمينة بين عامي 1964 و1966، ضد القوات اليمنية الحليفة للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، كما يقول الجنرال أريه عوز، في مذكِّراته. من هنا، يتضح أن “إسرائيل” ليست محايدة في الصراع، ولا تكتفي بموقف المراقب، وإنما فاعلة ميدانياً، لكن بـ”حذر” وسرية! 

يُذكَر، أيضاً، أنه في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021، قام سلاح الجو الأميركي، بمشاركة سلاحي الجو الإماراتي والإسرائيلي، بمناورات كبيرة في البحر الأحمر. وقد تكون العملية البريطانية جرت في ظل هذه المناورات. وحاكت المناورات إمكان صِدام بحري ضد إيران في سياق الصراع القائم بينها وبين “إسرائيل”.

جزيرة سقطرة وأهميتها الاستراتيجية

على الرغم من التعتيم الإعلامي الرسمي لما يجرى في الأرض اليمنية في جزيرة سقطرة، فإن مفاخرة بعض المواقع اليهودية بالقدرات الإسرائيلية تكشف ما يبدو مخفياً. وفي 31/8/2020، كشف مراسلون أميركيون وفرنسيون، نقلاً عن موقع المنتدى اليهودي في فرنسا (JFORUM) أن “إسرائيل” والإمارات تستعدّان لإقامة موقع أمني تجسسي في جزيرة سُقُطرة، التي يسيطر عليها الإماراتيون والزعيم اليمني الانفصالي هاني بن بريك. هدف هذا الموقع هو التجسس على الحركة البحرية الإيرانية بالقرب من الشواطئ اليمنية.

بشأن الموقع التجسسي نفسه، تحدث موقع “مكور ريشون” الإسرائيلي، في 3/9/2020، وموقع “نتسيف نت” في 26/8/2020، وعاد “نتسيف نت” وتحدث عن إقامة الموقع التجسسي في جزيرة سقطرة، يوم 18/1/2022. ونشرت شبكة “تياريم”، أي “سياح”، صوراً لسائح إسرائيلي يلفّ نفسه بالعلم الإسرائيلي في الجزيرة، وقالت إن الفيزا يتم الحصول عليها من السفارة الإماراتية.

في الخلاصة

يتّضح من كل ما تقدم، أن الواقع الميداني يتناقض مع التصريحات والتقييمات والتوصيات الإسرائيلية. وهذا الكشف هو جزء من الحقيقة الميدانية، ويعترف بذلك الصحافيون أيضاً. ويبقى السؤال الأهم: علامَ الصراع على اليمن؟ الجواب: إذا كان الصراع الداخلي، في اليمن، قبلياً وسياسياً واجتماعياً، تراكمت أسبابه خلال عقود من حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وما رافق هذه الفترة الطويلة من فساد في الحكم وقمع وتهميش وإفقار للفئات الاجتماعية البعيدة عن الحاكم، فإن التدخل الخارجي، المتمثّل بالصراع على اليمن، يهتم بسؤال آخر: من سيسيطر على الموانئ اليمينة وباب المندب؟ وهذا ما ستفرزه نتائج الصراع المحتدم حالياً. 

“إسرائيل” تريد إبعاد إيران عن اليمن، والاحتفاظ بجزيرة سُقُطرة موقعاً تجسسياً استراتيجياً، وتأمين ملاحة بحرية في البحر الأحمر، عبر نشاط سفن تجارية وعسكرية وغواصات نووية، في صراعها مع إيران. كما تريد تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية والأمنية بالسعودية والإمارت والدول المحيطة بالبحر الأحمر، من أجل تشكيل محور إقليمي تكون لها فيه اليد الطولى. وإذا عبّرت عن موقف “محايد” ويتمنى وقف الحرب في اليمن، فإنها، في الحقيقة، تخشى من الصورايخ اليمنية الدقيقة، التي أثبتت نجاحها في قصف المواقع السعودية والإماراتية، كما تخشى من فتح جبهة إضافية من جبهات المواجهة، عندما تأتي الساعة للمواجهة الكبرى. 

الإمارات، من جهتها، تريد السيطرة على الموانئ اليمنية ومضيق باب المندب، بالتعاون مع أميركا و”إسرائيل”، ضمن استراتيجيتها العليا للاستثمار والسيطرة على الموانئ في أماكن متعددة من العالم، وخصوصاً الشرق الأوسط. 

أمّا السعودية فهي غارقة في همومها المتمثلة بمَن يحكم داخل اليمن؟ المتحالفون مع إيران أم الموالون للسعودية؟ ومن يتحكم في النفط اليمني ولمصلحة من؟ بالإضافة إلى همّ ابن سلمان بأن يحظى باعتراف أميركي به ولياً للعهد، وملكاً لاحقاً. 

إنها فرصة لـ”إسرائيل” في اللَّعب على التناقضات والصراعات. وهي لا تفوِّت فرصة من دون استغلالها من أجل تحقيق مصالحها

 

 

محلل سياسي مختصّ بالشأن الإسرائيلي

قد يعجبك ايضا