لا خطوط حمراء سعودية في اليمن: قراءة إستراتيجية لمعركة تحرير الجوف .. على أبواب مأرب

 

ـ الجوف بوابة مفتوحة وواسعة إلى كافة المناطق الشرقية والشمالية الغربية لليمن 

ـ أهمية الجوف الاقتصادية قابليتها لأن تصبح سلة غذائية لليمن إلى جانب ثرواتها النفطية والغازية
ـ ما تختزنه المحافظة من كنوز تاريخية يمثل الكشف عنها تحولاً في مسار تاريخ المنطقة والإنسانية عموماً
ـ الاستراتيجية العسكرية للقوات المسلحة كانت أكثر واقعية لاستنادها إلى الجوف الجغرافيا والمجتمع
ـ استراتيجية العدو في الجوف كانت خليطاً غير متجانس ولم يجده تفوقه الجوي فظل عاجزاً عن تحقيق أي اختراق
ـ السعودية دفعت بالمئات من المرتزقة إلى معركة لا يرغبون في خوضها
ـ الجوف استنزفت المزيد من الأموال السعودية.. وعجلت بالسقوط النهائي لمشروع العدوان
ـ مارب قادمة على صفيح ساخن.. والمهرول سريعاً من مرتفعات نهم في انتظار مهمة تحريرها

قراءة: عبدالله بن عامر

مرة أخرى تثبت القوات المسلحة قدرتها على مراكمة الانتصارات والبناء عليها انتصارات إضافية ذات قيمة إستراتيجية ضمن العمليات الواسعة والشاملة التي أكدت مستوى ما وصلت إليه مختلف الوحدات العسكرية من كفاءة قتالية وقدرة كبيرة على صناعة تحولات عميقة في مسارات المواجهة مع قوى الغزو والعدوان.
كنا بالأمس نتحدث عن نهم وأهميتها بالنسبة للعاصمة صنعاء وما مثلته البنيان المرصوص في مرحلتها الأولى واليوم سنسلط الضوء أكثر على المرحلة الثانية من البنيان المرصوص بنتائجها المدهشة في محافظة تعد من أبرز المحافظات اليمنية من الناحيتين الجغرافية والاقتصادية حيث كانت الجوف مسرحاً لعمليات هجومية نفذها أبطال الجيش واللجان الشعبية خلال الأسابيع الماضية وأدت الى دحر قوى الغزو والعدوان الى خارج المحافظة.

لا خطوط حمراء سعودية في اليمن:
قبل الدخول في قراءة تفاصيل العمليات العسكرية لقواتنا سنتطرق بشكل مختصر الى قضية لها علاقة بمسرح العمليات الأخيرة فمحافظة الجوف لها أهمية جغرافية من عدة نواحي :
تعتبر من المحافظات الحدودية مع المملكة السعودية وبما يعني سعودياً أنها ضمن المجال الحيوي للمال السعودي الذي كان يتدفق الى المحافظات والمحافظات المجاورة ضمن عمليات شراء الذمم وكسب الولاء وكانت الجوف تخضع لامتيازات خاصة نظراً لأهميتها الاقتصادية باعتبارها تعوم على ثروة نفطية وغازية أكدتها التقارير الإستخباراتية الأميركية والروسية على حد سواء.
كل ذلك دفع الجارة الشمالية الى تصنيف جوف اليمن ضمن المناطق الأكثر أهمية والتي ينبغي التعامل معها وفق سياسات معينه تضمن إبعادها عن أية توجهات يمنية للنهضة وفي ذات الوقت تجعل أبناء المحافظة مدينون للمكرمات الأميرية والهبات الملكية وبشكل يجعلهم بحاجة دائمة للمعونات السعودية وذلك قد لا يتحقق دون تفعيل مستمر للخلافات القبلية المرتبطة بالملف الأمني الأكثر تعقيداً في كافة المناطق الحدودية.
وبالتزامن مع إدارة صراع تناقضات الخارطة القبلية كان لابد من إشعار صنعاء بأن الاقتراب من الجوف يُعد من الخطوط الحمراء ولهذا كان يتم اللجوء إلى تنظيم كل حالات اقتراب الدولة من الجوف بالتنسيق المسبق مع مندوبي اللجنة الخاصة في نجران أو بالارتباط مباشرة بدوائر صناعة القرار في الرياض.
اليوم لم يُعد هناك خط أحمر فقد تجاوزه المجاهدون الأبطال وداسوا عليه كما فعلوا ذلك مراراً بتجاوزهم الكثير من الموانع السعودية فاليمن اليوم الحر المستقل تجاوز أكبر الخطوط طولاً وأعرضها سُمكاً ومتانة كما طوى بالأمس عقوداً من الوصاية والهيمنة.
وفي الحقيقة أن عملية تجاوز الخط الأحمر لم تكن سهلة كما سيتبادر الى ذهن الكثيرين بل كانت وما تزال أكثر تعقيداً وصعوبة غير أن العزم اليماني نجح في كسر الحاجز وبات على مشارف الترتيبات النهائية الضامنة لاستمرار حالة الإرادة اليمنية على كامل المساحة الجغرافية للجوف.
جغرافيا مفتوحة:
الجوف تشكل بوابة مفتوحة وواسعة الى كافة المناطق الشرقية ونقطة اتصال طبيعية مع كافة مناطق الربع الخالي الممتدة الى مارب وشبوة وحضرموت ونجران.
وفي الجغرافيا العسكرية نجد الجوف متصلة بمناطقها الغربية والغربية الجنوبية بالهضبة الجبلية الشمالية الغربية لليمن وبحيث لا يمكن الوصول الى مناطق العمق الجغرافي لليمن إلا من خلال هذه المحافظة المرتبطة بمحافظات صعدة وعمران وصنعاء.
أما النقطة الأكثر أهمية من الناحية العسكرية والجغرافية على حد سواء أن الجوف تهيمن على محافظة مارب الذي تبدو أكثر صغراً من حيث المساحة والحضور إذا ما قورنت بالجوف الممتدة على مساحة تصل الى 40الف كيلو متر مربع.
ولعل ما يميز الجوف من الناحية العسكرية تنوع تضاريسها المتدرجة في الانتقال من الغرب الجبلي الأقل ارتفاعا إلى الهضاب فالمناطق المفتوحة النافعة ثم الى الكثبان الرملية الواسعة ضمن الجزء الواعد من صحراء الربع الخالي.

التاريخ والاقتصاد:
أن تكون في الجوف فهذا يعني تعدد الخيارات للوصول الى وجهتك في المشرق اليمني مع إمكانية الاتصال المباشر بمناطق متعددة من حضرموت الى شبوة ومارب وغرباً الى عمران وصعدة ونهم.
اما إذا عدنا الى الناحية الاقتصادية فإن للجوف أهمية كبرى باعتبارها منطقة نفطية واعده إضافة الى قابليتها لأن تصبح سلة غذائية لليمن فلا يمكن الحديث عن الاكتفاء الذاتي لاسيما في الحبوب دون الإشارة الى الجوف وجودة منتجاتها الزراعية.
والى جانب ذلك فإن ثروات المحافظة النفطية والغازية والتي لم تستثمر بعد تُعد واحدة من أسباب التدخل الخارجي في اليمن وتحديداً السعودي الأمريكي وسبق وأن نشرت تقارير أجنبية عدة عن ثروة اليمن النفطية والغازية ويدور الحديث عن الجوف كأحد أبرز مناطق الثروة الى جانب محافظات أخرى.
تاريخياً .. إذا كان اليمن منبع العرب الأول ومركز رئيسي من مراكز الحضارة الإنسانية فإن الجوف هي أصل ذلك المنبع وهي ذات ذلك المركز بنسخته اليمانية الذي نما وأتسع ليشمل كل الجغرافيا اليمنية عندما كانت مملكة معين تمتد في نفوذها السياسي والتجاري من عدن جنوباً حتى غزة على ساحل البحر المتوسط لتربط بين قارات المشرق وقارات المغرب.
ولا غرابة في القول أن ما تحت الرمال من كنوز تاريخية ما قد يمثل الكشف عنه نقطة تحول في مسار تاريخ المنطقة تحديداً والإنسانية عموماً وهذا الكلام سبق وأن قيل ضمن دوائر سياسية ضيقة في صنعاء خلال العقود الماضية عندما كانت ملفات التاريخ اليمني مثلها مثل ملفات النفط والغاز والقبائل والأمن في أدراج السفارتين السعودية والأمريكية.

فكرة فاشلة ومقارنة لا تنتهي:
قبل أن نستكمل استعراض الأهمية الإستراتيجية للجوف نتطرق الى خطوات العدو السعودي لمواجهة تقدم الجيش واللجان الشعبية في محافظة الجوف والمتغيرات العسكرية المتسارعة:
1- كانت محافظة الجوف ضمن تقاسم المهام والنفوذ من المناطق المحسوبة على السعودية فهي من تتولى إدارة المعركة فيها لتضمن سيطرتها الكاملة على المحافظة وتحولها إلى نقطة انطلاق نحو كلاً من صعدة وعمران وداعمة بشكل أساسي لجبهة نهم مفتاح باب العاصمة.
2- في مرحلة سابقة قدمت لنا العقلية العسكرية السعودية خطة فصل شمال الشمال عن وسط الشمال عموماً من خلال اختراق خارطة الجيش واللجان الشعبية من المنتصف الأقرب الى الجهة الشمالية لتلتقي بعد أن تبدأ بالجوف شرقاً ومن خلال حرف سفيان وحجور بميدي غرباً.
3- أخفقت تلك الفكرة في أن تصبح نموذجاً جيداً للتطبيق كونها ركزت على العامل الجغرافي واستندت الى رؤية سطحية لواقع الجغرافيا اليمنية واهملت مرتكزات تلك الخارطة وتفاعلاتها المجتمعية المرتبطة بمتغيرات الموقف العام.
4- نجح العدو إلى حد ما ومن خلال تفوقه الجوي في الاحتفاظ بمناطق عدة تابعة لمحافظة الجوف من بينها المركز الرئيس للمحافظة فيما ظلت قوات الجيش واللجان الشعبية محتفظة بالمناطق الغربية من المحافظة.
5- كانت الإستراتيجية العسكرية للقوات المسلحة أكثر واقعية لاستنادها إلى الجوف الجغرافيا والمجتمع ولهذا ظلت الإستراتيجية العامة للقوات المسلحة في تلك المحافظة تمنح القادة المحليين مساحات غير عادية لصناعة متغيرات ميدانية تخدم الأهداف العامة وبما يتلاءم وطبيعة المتغيرات اليومية على كافة الأصعدة وكأننا أمام عملية حسابية واضحة وسهله لا تتطلب قدرات عقلية معينة لفك شفراتها ولهذا قليلة جداً هي الفرص المهدرة في الأجندة اليومية للوحدات العسكرية التي قد تكون أضعف من الناحية التنظيمية والتسليحية غير أن الروح المعنوية لأفرادها ظلت عند المستوى العالي بغض النظر عن طبيعة الموقف العسكري.
7- بالمقابل كانت إستراتيجية العدو في الجوف خليطا غير متجانس من الأفكار والرؤى المعتمدة على التفوق الجوي ونوعية الأسلحة من المدفعية حتى الدبابة والمدرعة غير أن ذلك أصبح عديم الجدوى في ظل تداخل المهام وتزاحم المشاريع وتعددها ضمن عمليات التنافس اليومية القادرة على التهام المزيد من الأموال وفي ذات الوقت الأسلحة والعاجزة عملياً عن تحقيق أي اختراق استراتيجي للسد المنيع الذي شكله الجيش واللجان الشعبية في مناطق غرب المحافظة.

مسارات المواجهة:
ذات يوم كان مراسل قناة المسيرة الملقب بـ”النوعه” لا يجد مادة خبرية مناسبة للاتصال مع إدارة القناة دون أن يتوصل الى طريقة مناسبة تلبي رغبته الملحة في الظهور اليومي على الشاشة الصغيرة ومبدياً خشيته من أن يطول غيابه عن الحد المعقول.
ما هي إلا فترة وجيزة حتى يصبح المراسل الأكثر ظهوراً على شاشة المسيرة بسبب هيمنة أحداث المحافظة على كل الملفات الإخبارية الأخرى.
كانت الوحدات العسكرية للقوات المسلحة في الجوف قد استكملت مراحل تأمين الخطوط الدفاعية النهائية التي كانت الإرادة العسكرية قد وضعتها كحد نهائي لا يمكن للعدو أن يتجاوزه مهما كانت التضحيات وفي ذات الوقت كان ذلك الحد هو نقطة البداية للبدء في خوض معارك هجومية محدودة.
نجحت مختلف الوحدات العسكرية في استنساخ الخطة المحلية وتعميمها بما يتلاءم مع ظروف كل منطقة على حدة لتبدأ عملية التحول في العمليات العسكرية بالتزامن مع تنامي متسارع للحس الإعلامي لكافة المجاهدين في تلك المناطق لدرجة أن مراسل قناة المسيرة لم يعد قادراً على تلبية الحاجة التوثيقية اليومية لكافة المتغيرات العسكرية التي انتقلت خلال 2018م الى مرحلة الهجمات الواسعة كمرحلة متقدمة من مراحل حرب الاستنزاف التي شهدتها المحافظة خلال السنوات الماضية.
بعد ذلك عمل أبطال القوات المسلحة على تعزيز وتثبيت تواجدهم من خلال التقدم والمرابطة بدلاً من حالات الكر والفر لتصبح المواقع المتقدمة نقاط انطلاق لتحرير المزيد من المواقع ضمن مسارات محددة تؤدي في نهاية المطاف إلى مكاسب إستراتيجية على الأرض ولهذا لم نعد نسمع عن عمليات تصدي خلال الـ 2019م بل عمليات هجومية أدت الى السيطرة على عدد من النقاط الحاكمة.

استماتة سعودية:
في كل المراحل التي تمكنت فيها قواتنا من تنفيذ هجمات واسعة كان طيران العدوان يتدخل فوراً لإعاقة أي تقدم لقواتنا فالمئات من الغارات تعرضت لها المحافظة خلال الأشهر القليلة الماضية فقط.
ومنذ بدء عملية البنيان المرصوص كان العدوان يكثف من غاراته الجوية محاولاً إفشال تحركات الجيش واللجان الشعبية قبل أن تلجأ السعودية وعلى ضوء الانهيارات الميدانية على الأرض الى الدفع بالمزيد من المرتزقة لتعزيز الجبهات بالمحافظة حتى أنها دفعت بالمئات من مرتزقتها بالمناطق الحدودية الى الجوف بعد أن فشلت في الدفع بالمزيد منهم عن طريق مارب ولهذا يمكن القول إن خطوط إمداد جبهات العدو لم تكن مارب بل مرتبطة بنجران مباشرة.
وأمام تقدم قواتنا ضاعف العدوان من هجماته الجوية ليصل باليوم الواحد الى أكثر من 50غارة جوية غير أن ذلك لم يثن قواتنا عن مواصلة تنفيذ الخطة الهجومية رغم أن الكثير من المناطق التي أصبحت تشهد مواجهات عنيفة مفتوحة أمام الطيران الحربي وهنا تحضر المعادلة العسكرية اليمنية لتعمل على التخفيف من وقع الغارات ومستوى تأثيرها وهذه المعادلة مستمرة من المرحلة الأولى من البينان المرصوص وتقوم على تسديد ضربات موجعه في العمق السعودي من خلال سلاح الجو المسير والقوة الصاروخية وكذلك من خلال تفعيل منظومات الدفاع الجوي.
كانت كل محاولات العدو تتجه نحو الفشل الذريع فالانهيار في نهم وما تبعه من انهيارات في بعض مديريات الجوف أستمر تأثيره النفسي على المرتزقة بشكل غير متوقع.
بدت السعودية كمن يدفع بالمئات من المرتزقة الى معركة لا يرغبون في خوضها بأي حال من الأحوال
تقييم الموقف العسكري للعدوان يتضح من خلال حالة الإرباك الناتجة عن انتصارات قواتنا في نهم وقد تمخضت تلك الحالة على شكل قرارات ارتجالية وعشوائية من باب الاجتهاد المستميت للحفاظ على الجبهة من ناحية وإثبات فاعلية التحرك تطلعاً لاستنزاف المزيد من الأموال السعودية واستغلال مرحلة ما قبل السقوط النهائي لابتزاز الحاجة السعودية للانتصار بعد هزائم نصر من الله والبنيان المرصوص بمرحلتها الأولى إضافة الى ضربات توازن الردع بنسخها الثلاث.
لقد وجدت السعودية نفسها مرة أخرى أمام معادلة لا تستطيع مواجهتها فقد تتعرض لضربات موجعه في عمقها ما يعزز من تأثيرات توجهها الاقتصادي ويجعلها أمام اختبار صعب لاستعادة مكانتها وسمعتها التي ما تزال تعيش مرحلة ما بعد ضربات بقيق وخريص وقد تلجأ الى خيارات أكثر قسوة من خلال الدفع بقوات عسكرية تابعه لها الى المواجهة المباشرة مع قوات الجيش واللجان الشعبية لا سيما بعد أن استخدمت الكثير من أوراقها لتجنيد المرتزقة ونقلهم من معسكراتها الجنوبية إلى الجوف أو الاستعانة بالمزيد من متعهدي التجنيد المحليين الطامحين الى عقد آخر الصفقات في تاريخهم الارتزاقي.

تخبط وارتباك:
كانت مؤشرات التخبط والارتباك واضحة للجميع فالسعودية توبخ الجنرال الأحمر الذي يتعهد لها بتغيير المعادلة ومن خلفه الإصلاح المكتوي بنار أشعلها بنفسه فأصبحت تدور حوله وتقترب أكثر لتلتهم معقله الرئيسي في معادلة الصراع والحرب.
يطل على قبائل مارب متعهد محلي آخر حظى بدعم الوكيل الإماراتي وكلف بمهمة مزاحمة الإصلاح في مركزه قبل أن يحاول توظيف المتغيرات الميدانية للظهور أكثر على الشاشات وبصفة رسمية.
بينما كان الإصلاح يحاول ترتيب صفوفه واستيعاب درس نهم القاسي جداً كان جناح مؤتمر الإمارات كعادته يحاول اقتناص الفرصة لتوسيع مساحة حضوره وفي المستوى الأعلى كانت السعودية تلملم أوراقها المبعثرة بين مارب والجوف وبالمقابل كانت الإمارات تتحين الفرصة لإحراق كل ما بأيدي السعودية من أوراق.
بن عزيز سيصبح أحمر اللون عما قريب وبقرار رسمي سيقترب أكثر باتجاه الإطاحة بالجنرال العجوز ضمن ترتيبات عميقة تنتجها مطابخ فنادق القاهرة وأبوظبي لكنها ببساطة غير مضمونة كونها في حقيقة الأمر ليست إلا مجرد مقترحات ورؤى عبثية تطرح على طاولة الفاعل الحقيقي وهو بدوره من يقلب الأوراق ويختار ما شاء منها.
حزبياً .. هناك تسابق على تقاسم تركة الحزب المريض على غرار تجربة الرجل المريض الذي أحتاج لأكثر من ثلاثة عقود وأكثر حتى يتقزم أكثر بعد حرب عالمية يمكن إسقاطها على واقعنا المحلي ضمن فانتازيا السياسة اليمنية المثيرة فالإصلاح ما زال يمتلك فرص التعافي وهي الفرص التي تحاول بعض الأطراف القضاء عليها دون أن تفترض معادلة الخروج الآمن للجميع من دوامة التنافس بين الرياض وأبوظبي.
وإذا عدنا الى مارب … القادمة على صيف ساخن ومميز في نفس الوقت فإن الجميع بات يترقب القادم المهرول سريعاً من مرتفعات نهم نحو عرش بلقيس وهدهد سليمان يحلق في الأجواء بانتظار مهمة حمل الرسالة والعبور الأخير من مارب حتى القدس.

مقيل لم يكتمل:
في الوقت الذي كان فيه بن عزيز يضبط ساعته على موعد منحه اللقب الجديد مع الأخذ بالاعتبار دوماً فارق التوقيت بين أبوظبي والرياض كان المقدشي يحاول جاهداً استنطاق ذاته البديلة لإثبات حسن سيرة وسلوك لدى أصغر ضابط سعودي وصل الى المدينة صباح يوم الانفجار الذي كاد أن يودي به.
لقد كانت رسالة مجهولة المصدر بالنسبة للبعض غير أنها واضحة لشخص أصبح يرى الى وزنه الزائد كحل مناسب لمواجهة المزيد من محاولات الاغتيال لاسيما بعد التذمر السعودي الكبير من مستوى الأداء وحجم الجهد المبذول بالنظر الى معركة تبدو مصيرية لإعلامي مغامر كمحمد العرب .
ومع اقتراب قوات الجيش واللجان الشعبية سارع بن عزيز الى التساؤل عن مستوى التقارب الجغرافي بين مارب والمخا وماذا لو كان هناك طريق مباشربين المدينتين فيما الأحمر وبجواره المقدشي يتحدثان عن المسافة بين موقع الاجتماع ومكان هبوط المروحية السعودية وفيما لو كانت قد غادرت أم لا؟
ومع سماع دوي انفجار قريب يبادر علي محسن الى التأكيد أن هناك ملفات مهمة ينبغي حلها مع السعودي وذلك لن يكون إلا بانتقاله الفوري الى الرياض فيشعر الجميع بالإحباط مع إبداعات عقلية في رسم مخطط اللجوء الأخير.
ولى الأجانب أدبارهم وتفرق جمع الكهولة السياسية مع اقتراب فتية الموعد المنتظر من عتبات المدينة المقدسة ليصبح الجميع ما بين لحظة وأخرى أمام حقيقة التسليم بواقع شاء الله أن يكون وسيكون.
في الإعلام سيحاول الإصلاح إثبات ولاءه للسعودية بشن هجوم كبير على موقع إخباري نشر خبراً عن لقاء جمع أحد قياداته بمسؤول في أنصار الله وهو ما حدث فعلاً قبل أيام مع المساء برس وسيتجه إعلام مؤتمر العدوان نحو دعم بن عزيز والحديث عن إخفاقات الإصلاح بإبراز جوانب من كاريزما بن عزيز كتحليل طريقته في مسك الجزء الأيمن من شاربه مع نظرات هي في الحقيقة لا توحي بشيء لكنها لدى الصوفي تعني الكثير.
صنعاء بدورها ستستدعي أحد أفراد العائلة الملكية في زمن الجمهورية بمشهد تفجير صواريخ الدفاعات الجوية عندما كانت البلاد تباع بمزاد علني من قبل هواة التدخين بجوار فاتنات الإستخبارات الأميركية.
صنعاء تحسن توظيف كل ما لديها من أوراق وترى الى الواقع اليمني برؤية أشمل تتجاوز طموحات الزمن السعودي ومشاريع ما بعد المبادرة عندما تحولت السفارة الى قصر جمهوري بموافقة أطراف التقاسم وبرضى أجنحة التوافق.
اليوم تتوسع صنعاء ضمن إستراتيجية واقعية سلماً أو حرباً بالمصالحة أو بالمواجهة .. بعد أن أثبتت للجميع أنها الأكثر استيعابا للمتغيرات والأكثر قدرة على حمل المسؤولية وقبل ذلك الأكثر إدراكاً لواقع يمن ما بعد الوصاية.
نعم .. هناك من يصنع بجد واجتهاد زمن اليمن الحر المستقل القادر المتمكن النافع الجيد وهناك بالمقابل من يتشبث بماضي كان.. ويحاول بكل ما تبقى لديه من قوة معاكسة الزمن الذي قدر له أن يكون

قد يعجبك ايضا