الصرخة بمواجهة الجلادين.. وحشية نظام صالح تجاه المكبرين الأوائل

على الرغمِ من أن الأنشطة المعادية لأمريكا والمناهضة للأنظمة، كانت واسعةً في أوساط العالم العربي والإسلامي خلال الفترة 2001 – 2004م، إلا أن سلطات نظام صالح رأت نشاط السيد القائد الشهيد حسين بدرالدين الحوثي الثقافي التوعوي بعين أُخرى، فقامت بشنِّ حرب باردة في مرحلة أولى بدأت بسجن المصلين في الجامع الكبير وكذا الصارخين بالشعار المناهض لأمريكا وإسرائيل، ووضعت حضراً على رفع هذا الشعار، كما بدأت بإيقاف مرتبات أكثر من 60 مدرساً في منطقة حيدان لاتّهامهم بالانتماء للسيد حسين بدرالدين أَو لحملهم الشعار.

ويقول الأُستاذ يوسف العياني أحد المدرسين في مدرسة “الإمام زيد بن علي”: إنه تم توقيف مرتباتهم وعندما ذهبوا إلى المعنيين في المحافظة طلبوا منهم التعهد وترك ترديد الشعار ونشر الثقافة التي يتبناها السيد حسين بدر الدين الحوثي بترديد الشعار ومقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية كشرط لإعادة رواتبهم.

ولم تكتفِ السلطات بذلك، بل تعمدت نقل ما يقارب 400 مدرس إلى محافظات نائية عن هذا النشاط الذي يتزعمه السيد حسين بدرالدين الحوثي، حيث رأت في نشاط السيد حسين إحراجاً لها مع أمريكا التي تتمتع بعلاقة جيدة معها، لا سِـيَّـما بعد توقيع الاتّفاقيات التي تنصُّ على زيادة المساعدات الأمريكية لليمن، والاتّفاق على التعاون الأمني والعسكري بين الدولتين، وأن مثل هذا النشاط سيمثّل تهديداً لمصالحها لا سِـيَّـما في مجال ما يسمى بمكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر.

وفي تلك الفترة كان أبرز القيادات في السلطات العسكرية تقف في وجه نشاط السيد حسين بدر الدين وأتباعه وتعمل على الحد من اتساعه، فمحافظ محافظة صعدة آنذاك العميد يحيى العمري، وبالتعاون مع مدير الأمن السياسي يحيى المراني، مارسا حرباً ضروساً ضد أتباع السيد حسين بدرالدين ابتداءً بإقصاء المدرسين من أعمالهم، ومنع صرف مرتبات البعض الآخر غير مكترثين لما سينتج عن ذلك من مآسٍ إنسانية أليمة.

وهكذا أصبح المواطنون محصورين بين مطرقة العمري وسندان زنزانة المراني المصحوبة بالإهانات، في ظل يأس المواطنين من الشكوى، فالمؤسّسات المعنية لم تحَرّك ساكناً، فضلاً عن أن القضاء والأمن والقانون مسخر بيد المحافظ وتحت تصرفه.

ونشرت صحيفة الشورى في ذلك الوقت، مناشدة من أحد المدرسين إلى رئيس الجمهورية تحت عنوان (هل يستطيع رئيس الجمهورية إلزام العمري محافظ محافظة صعدة باحترام القانون وعدم تجاوزه).

وفي ظل الإجراءات التعسفية التي مارستها السلطات الحكومية في محافظة صعدة خلال تلك الفترة، لم ترصد حالة واحدة من أتباع السيد حسين بدرالدين واجهوا تلك الممارسات باستخدام السلاح، وإنما لجأوا إلى الطرق السلمية عن طريق المناشدات والتظلمات التي حاولوا إيصالَها عبر الصحف أَو الشخصيات المعروفة بالمحافظة.

طلاب المدارس لم يكونوا بمنأىً عن تلك التعسفات

لم تكتف السلطات بتوزيع المدرسين إلى محافظات نائية وفصل البعض منهم، حتى عمدت إلى إغلاق بعض المدارس في عزلة جمعة آل فاضل وطرد طلاب من مدارس مختلفة.

فقد طردت 160 طالباً من مدرسة عمار بن ياسر في منطقة الطلح بصعدة، كما قامت مدرسة الفلاح في ضحيان بطرد 41 طالباً، فيما وصل عدد المطرودين من مدرسة المناضل في مديرية الطلح إلى 100 طالب، وذلك عقاباً على ترديدهم شعار (الله أكبر – الموت لأمريكا – الموت لإسرائيل – اللعنة على اليهود – النصر للإسلام) الذي كان قد تفشّى في أوساط تلاميذ وطلاب المدارس، هذا فضلاً عن تعرض أقرانهم من المردّدين للشعار في صنعاء ومدينة صعدة لعقاب أقسى من ذلك، حيث تم اعتقال ما يزيد على 800 شخص أدّوا صلاة الجمعة، في جامع الإمام الهادي بصعدة والجامع الكبير بصنعاء، وصرخوا بالشعار المناهض لأمريكا وإسرائيل.

وأغلقت السلطة بمحافظة صعدة 6 مدارس حكومية، ووردت مرتبات 15 مدرساً إلى البنك؛ بسَببِ رفعهم شعارات مندّدة بأمريكا وإسرائيل، ومن تلك المدارس مدرسة الإمام علي بمنطقة نشور، وعسير بال شافعة الصفراء، ومدرسة النور بالرحيب، ومدرسة أبي ذر بالقلة، ومدرسة الحسين بن علي، بجمعة آل فاضل، ومدرسة غولة ولد نوار في حيدان، بالإضافة إلى ذلك قامت السلطةُ بالاستغناء عن عدد من المدرسين في مدرسة أحمد بن حنبل، وتصفير مرتباتهم، وهم علي حسين النمري ويحيى محمد صالح عرفج، وأحمد هادي الوادي، وصالح عامر حسين النمري، بعد أن تم التحقيق معهم ومحاولة إجبارهم على إنزال الشعارات من أغلفة جنابيهم.

كما تم فصل طالبتين من إحدى المدارس بمديرية صعفان لمُجَـرّد أنهما قامتا بإلصاق الشعار فحسب، وعلى خلفية هذه القضية قامت الطالبتان برفع دعوى إلى المحكمة الابتدائية المختصة والمعروفة بمحكمة حراز الابتدائية، وقد تولى القضية القاضي محمد لقمان، الذي حكم ببطلان قرار الفصل وإعادة الطالبتين إلى المدرسة، إلا أنه سرعان ما دفع ثمن هذا القرار لاحقاً، حيثُ زج به في غياهب السجون وحوكم باتّهامات كيدية وأُقيل من القضاء وسُحبت منه حصانته القضائية حتى صارت قضيته أشهر من نار على علم لتتحولَ إلى قضية مشهورة.

الاعتقالاتُ في مقابل السلمية

لقد كان المجتمع الذي يعيش فيه السيد حسين بدرالدين في مران، يعرف منزلة السيد العلامة بدرالدين الحوثي ويقدر منزلته العلمية، وأي شيء يصدر منه كان يلقى قبولاً بين الناس.

وبناء على فتواه الداعية إلى ترديد الشعار، كان الشباب في مران يذهبون لأعمالهم وأينما أدركتهم صلاة الجمعة، قاموا بتأديتها وفور تسليم الإمام يقومون ويهتفون بالشعار المناهض لأمريكا وإسرائيل، معتبرين هذا الشعار أبسط شيء يقدمونه تجاه إخوانهم في فلسطين والعراق وغيرهما ممن يرزحون تحت وطأة الاحتلال.

وذات جمعة، توجّـه بعض الشباب من منطقة مران إلى أعمالهم في محافظة صعدة وعندما حانت الجمعة، اتجهوا إلى مسجد الإمام الهادي ليؤدوا الصلاة ويهتفون بالشعار، وقد صادق ذلك اليوم حضور رئيس الجمهورية آنذاك علي صالح بمرافقة العديد من المسؤولين والشخصيات المعروفة في الدولة، بالإضافة إلى الموكب الأمني المرافق للرئيس صلاة الجمعة، في هذا المسجد.

وبمُجَـرّد تسليم الإمام قام الشباب المكبرون بترديد شعارهم المعروف، دون أن يردعهم الخوف من وجود رئيس الجمهورية أَو حراسته الأمنية، أَو الالتفات حتى إلى العواقب التي ستلحق بهم جراء ترديدهم لهذا الشعار، حينها استدعت الحراسة الأمنية المرافقة للرئيس بإلقاء القبض على الشباب المكبرين، لكن الرئيس صالح أوقف المرافقين عن ذلك وسارت الأمور على طبيعتها في ذلك اليوم.

لكن بالموازاة لتلك الفترة، كانت الاعتقالات متواصلة لمردّدي الشعار في الجامع الكبير بصنعاء، حيث كانت تقوم قوات الأمن باعتقال كُـلّ من يصرخ ويردّد الشعار، وكانت السلطة تستخدم في بعض المرات الأطفال لمراقبة الشباب الذين يردّدون الشعار، ومن ثم تلقي القبض عليهم فيما بعد.

وبعد أن سمع شباب مران والمجتمع هناك بأن السلطات تقوم باعتقال كُـلّ من يردّد الشعار، زادهم هذا التصرف إصراراً ومصداقية لتوافق ذلك مع ما حدثهم به السيد حسين بدر الدين الحوثي، وأنبأهم بحدوثه.

فكان الشاب والشابان والثلاثة يجمعون لهم مصروفاً “صرفة للسفر إلى صنعاء” من خلال العمل في المزارع المنتشرة في منطقة خولان بني عامر، ويتوجّـهون إلى صنعاء وبالتحديد الجامع الكبير ليردّدوا الشعار، غير مكترثين بالعواقب وما سيحدث لهم من قبل السلطة في صنعاء آنذاك.

فكان كُـلُّ من يذهب لترديد الشعار يعتقل من قبل أفراد من الأمن السياسي، الذين كانوا يتخفون في أوساط المواطنين، ويلبسون الزي المدني، حتى أن عدد المعتقلين من المكبرين تجاوز الـ800 معتقل، تعرضوا جميعهم للضرب المبرح والشتم والسب من قبل أفراد وعناصر السلطة أثناء القبض عليهم، فضلاً عما مورس بحقهم في المعتقلات من تعذيب وتجويع وإهانة، والتي وصلت إلى أن منعت السلطة عليهم حتى الزيارة والصحف والأكل الكريم، وعندما طلبت السلطات منهم التعهد بعدم ترديد الشعار رفض الجميع فمارست السلطة في تلك المرحلة المزيدَ من التجويع لإجبارهم على التعهد حتى وصل الأمر بهم إلى أكل الكراتين والقراطيس على خلاف من كانوا بجانبهم من السجناء الآخرين الذين كانوا يتمتعون بكلِّ المزايا من زيارة وأكل جيد وإدخَال قات ومضغه داخل السجن، حتى أن بقايا أكلة واحدة من بقايا أكلات هؤلاء، كانت تكفي لأكثر من خمسة عشر فرداً ممن سواهم.

لم يكن يتوقع أحد من هؤلاء المكبرين (مردّدي الشعار المناهض لأمريكا وإسرائيل) أن يقضيَ في السجن لأكثر من أسبوع واحد، حتى قال أحدهم متهكماً: (لو أني شغلت في المسجد أيوب طارش أَو شيئاً آخر لم أكن لأُسجن).

واصل الشباب المكبرون ترديدَ الشعار المناهض لأمريكا وإسرائيل في سجون السلطة بعد كُـلّ صلاة، سواء أكانوا في زنزانة انفرادية أَو في غرفة جماعية، ما جعل السلطات تعمل على ضربهم وتعذيبهم أملاً في الحد من هذا الشعار، لكن موقفهم ظل ثابتاً فظلوا يردّدون الشعار إلى أن خرجوا من السجون وأثناء ركوبهم عربات النقل حتى عادوا إلى بيوتهم وهم يكبرون ويردّدون شعارهم.

المكبرون وتحقيقات السلطات

عُرض هؤلاء الشباب على غرف التحقيقات، وحتى كانت توجّـه لهم العديد من الأسئلة مثل (كم هي المبالغ التي تدفع إليك؟، وكيف يتم ترتيب المجاميع وإرسالها؟، ولماذا تصرخ بهذا الشعار؟، وهل سافرت إلى الخارج؟، وما هي الحوزات التي درستم فيها؟ وغيرها من الأسئلة).

وكان يجيب عليهم الشباب المكبرون: “دوافعنا دينية وليس لنا دوافع أُخرى، وقد يصادف أن لدى بعض الشباب غرض في صنعاء، فيقضي غرضه ويصلي في الجامع الكبير ويصرخ بالشعار”.

الأساليب المستخدمة ضد المكبرين المعتقلين

استخدمت السلطة العديد من الأساليب في سبيل ردع هؤلاء الشباب المردّدين للشعار المناهض لأمريكا وإسرائيل وإجبارهم للكف عن ترديده، ومن تلك الأساليب:

التعذيب

كانت معاملة السلطة للمعتقلين على ذمة ترديدهم للشعار المناهض لأمريكا وإسرائيل، سيئة جِـدًّا، فقد استخدمت التجويع والحرب النفسية إلى جانب التعذيب البدني، حتى أن السجان كان يضع الخمسة من هؤلاء الشباب في زنزانة واحدة تبلغ مساحتها متران في متر واحد، لا يتسنى لهم النوم فيها جميعاً ليقوم منهم اثنان وثلاثة يناموا، ثم يكرّرون ذلك بالتناوب، كما لم يكن يسمح لهم بالخروج إلى الحمام إلا مرات قليلة جِـدًّا في اليوم الواحد، بعد أن كانت خلال الحرب الأولى على مران تتقلّص إلى مرة واحدة فقط.

سوءُ المعاملة

كان يصرف لكلِّ معتقل خلال سنة وستة أشهر في اليوم الواحد كدمة ونصف، ويتم إضافة نصف كدمة وروتي على وجبة الغداء، وكانت وجبة الأكل عبارة عن قليل من السلتة في الغداء وقليل من الفول أَو الفاصوليا، المعدومة النافة في وجبة الإفطار والعشاء، فضلاً عن تعمّد السجان يوم الجمعة، أن يأتي بقليل من الصراصير على السلتة مطبوخة أَو لا تزال حية، كان المعتقلون يجدون أنفسهم بين خيارين، إما الأكل أَو الموت جوعاً، لتصل بذلك أُمنيات المعتقلين أن يأكلوا وجبة يُشبِعون فيها بطونَهم.

كما أن إدارة السجن لم تكن تسمح لأهالي المعتقلين بزيارتهم إلا بعدَ مرور سنتين، فقد سمحوا بزيارة يتم فيها الكلام ولا يسمح لأحد بالالتقاء بأقاربه مباشرة، إذ أن هناك شبكين فاصلين، أحدهما من جهة الأهالي، والآخر من جهة المعتقل، ويفصل بينهما حوالي متر تقريبًا.

لم يكن يسمح للمعتقلين بالتعرض للشمس إلى ربع ساعة خلال الأربعة الأشهر، وهو ما أَدَّى إلى تعرض العديد من السجناء للمرض.

لم يكن يسمح للمعتقلين بالتعرض للشمس إلى ربع ساعة خلال الأربعة الأشهر، وهو ما أَدَّى إلى تعرض العديد منهم “السجناء” لأمراض في العظام وأجهزة الجسم الأُخرى.

كان المعتقلون يتساءلون أمام السجان لماذا هذا التعذيب الذي يطالهم؟! هل ارتكبوا جرماً؟! هل مارسوا جريمة في تعبيرهم عن رأيهم؟ إلا أن السجان يرد عليهم بأن هناك توجيهات عليا بذلك.

وليس من الخافي أن أتباع السيد حسين بدر الدين المكبرين قد تعرضوا لانتهاكات شديدة في السجون، أوصلت البعض منهم إلى حالات مرضية شديدة كـالتي حصلت للعلامة أحمد حجر خطيب جامع فليته المجاور للمجمع الحكومي بصعدة، والذي أُصيب بمرض ذهني نتيجة للتعذيب الشديد في السجون، وقد نشرت الصحف هذا الخبر في حينه.

القيود كانت تبقى على أقدام السجناء فترات طويلة، حتى وصل الحال بأحدهم نتيجة لذلك إلى إصابته بمرض في خاصرته “تخيس”، مما اضطر الأطباء إلى بترها، كما أن العديد من المعتقلين قد أُصيبوا بأمراض عديدة أُخرى، نظراً لتلك المعاملة الوحشية والغذاء السيء، وعدم تعرضهم للشمس لفترات طويلة، هذا فضلاً عن بقائهم في السجون لسنوات عديدة دون عرضهم على القضاء، وعدم السماح لهم بالتواصل مع أهاليهم، سواءً بالاتصال أَو من خلال الزيارات، كُـلُّ هذا مِن أجلِ الضغط عليهم لأخذ التعهدات بعدم رفع وترديد الشعار المناهض لأمريكا وإسرائيل.

لجانُ الحوار والمعتقلين

من الخطوات التي اتخذتها السلطة للحد من ترديد الشعار، أن قامت بتشكيل “لجان للحوار” والتي تتكون من العديد من العلماء لمناقشة أفكار هؤلاء الشباب، وإقناعهم في ترك ترديدهم للشعار.

كان العلماء يواجهون إحراجاً كَبيراً عندما يلتقون بهؤلاء الشباب؛ كون القرآن الكريم مليئاً بالتوجيهات التي تدعو المسلمين إلى معاداة اليهود والنصارى وتحذرهم من مكرهم وخداعهم ومحاربتهم للإسلام والمسلمين.

وحين كان يحاول هؤلاء المحاورون إقناعَ المعتقلين بما يطرحونه، كان يجيب عليهم الشباب المعتقلون أنهم ليسوا سوى متبعين للسيد حسين، وأن عليهم إذَا إقناعهم أن يذهبوا إلى السيد حسين في مران وإقناعه.

في إحدى الجلسات طالت مدة الحوار إلى أربع ساعات دون فائدة تذكر، وبعد خروج هؤلاء العلماء من قاعة النقاش دخل عليهم العميد يحيى العمري وقال عنهم وهو رافع لحذائه: (والله إن حذائي أفضل منهم)، في إشارة إلى العلماء كوكبة اليمن الذين لا يستطيعون أن يقنعوا مجموعة شبان من المراهقين.

المسيرة

قد يعجبك ايضا