الكيان الصهيوني.. اقتصاد من قش

 

يتلقى الكيان الصهيوني، المزروع شيطانيًا في الأرض العربية، بالتضاد مع التاريخ والجغرافيا وسكان الأرض العربية أكبر دعم له من الأنظمة العربية، التي تنفخ في “البالونة الصهيونية” لتضخيمها، وتحويل العدو الصغير معدوم إمكانات البقاء إلى مارد جبار، لا يفكر أحد من مواطني الدول المنكوبة بأنظمة حكم تابعة في مجرد مواجهته، ناهيك عن إزالته أو الانتصار عليه.

لكن الجملة الاعتراضية في حديث العجز والسقوط، كانت الإنجاز المذهل لحزب الله في كسر وإذلال العدو الصهيوني، المرة تلو المرة، حتى بات من المسلم به أن أي عدوان صهيوني جديد على لبنان ـ أو على محور المقاومة الآن ـ صار فخًا منصوبًا للكيان الصهيوني، يسعى لتجنبه بكل شكل، وليس نزهة عسكرية، كما سارت المواجهات العربية – الصهيونية في مراحل عديدة سابقة، بدءاً من حرب 48، ثم عدوان 56، والنكسة، وحرب تشرين الأول/ أكتوبر 73، وأخيرًا اجتياح لبنان في 82.

حزب الله واجه الكيان الصهيوني في حرب نفسية طويلة، وانتصر، بمقابل إرث طويل من الهزائم النفسية للعرب، لأنه قرأ عدوه جيدًا. الكيان الصهيوني دولة “مصنوعة بالكامل”، وتقدمها التقني وإنجازها الاقتصادي الأهم ـ الذي بدأ مطلع التسعينات تحديدًا ـ كان إرادة غربية لمنح الكيان، ليس فرص الاستمرار فحسب، لكن السيطرة والتمدد على رقعة جغرافية تمتلئ بالأنظمة الفاشلة، والشعوب الفاقدة للثقة والقدرة، في آن.

الاقتصاد الصهيوني عرف النهضة مبكرًا جدًا عقب اغتصابه لأرض فلسطين

وفي ظل الفشل الاقتصادي المريع للدول العربية الكبرى، من مصر التي تعاني عمليات إصلاح اقتصادي متعثر، إلى السعودية صاحبة أكبر اقتصاد عربي، وصاحبة العجز المزمن في موازنتها كذلك، إلى الجزائر وغيرها، يبدو الأداء الاقتصادي الصهيوني مذهلًا، فالكيان المحتل لرقعة صغيرة من الأرض، بلا موارد طبيعية، ينجح سنويًا في زيادة صادراته وخصوصًا التكنولوجية، وصار وادي السليكون بالكيان يلي نظيره الأميركي في كاليفورنيا، من حيث الأهمية عالميًا.

الاقتصاد الصهيوني عرف النهضة مبكرًا جدًا، عقب اغتصابه لأرض فلسطين، وفرض الحلفاء على ألمانيا الغربية دفع تعويضات هائلة، بين أعوام 1953 إلى 1965، قدرت بـ3 مليارات مارك ألماني غربي، إضافة إلى رواتب شهرية لليهود الأوروبيين، مثلت الجانب الأهم من الموازنة الصهيونية لمدة 12 عامًا، ما سمح برفع معدل نمو الناتج القومي من 2% إلى 17%.

وبعد انتهاء مفعول الاتفاقية، دخلت الولايات المتحدة مباشرة، لتمنح الكيان مساعدات اقتصادية وعسكرية، واستمر تدفق المستوطنين في تشكيل رافد مهم للاقتصاد، ومن أبرز أشكال التدخل ما حدث عام 1989، حيث منحت أميركا فورًا مبلغ 1.5 مليار دولار، لمواجهة انهيار كان وشيكًا بالاقتصاد.

مسلسل المساعدات الأميركية للكيان لا يتوقف

ومسلسل المساعدات الأميركية للكيان لا يتوقف، بل يتجدد كل عقد تقريبًا، فحسب اتفاق الطرفين في 1997، بلغت المساعدات العسكرية المباشرة 2.4 مليار دولار، ثم تقرر زيادة المساعدات العسكرية 60 مليون دولار سنويًا، وفي 16 آب/ أغسطس 2007 وقعت اتفاقية مساعدات عسكرية أميركية هائلة، بإجمالي 30 مليار دولار، لمدة عشر سنوات، أي بزيادة 6 مليارات عن الاتفاقية السابقة، هذا كله علاوة على تخزين الولايات المتحدة لأطنان من السلاح في مخازن بالكيان، يُسمح حسب الاتفاقات باستخدامها في حالات الطوارئ.

الطفرة الصهيونية المتحققة خلال العقود الثلاث الأخيرة، التي تلت انهيار الاتحاد السوفيتي، وانتقال عدد كبير من العلماء والفنيين إلى الكيان، والتي بلغت ما يزيد عن مليون مهاجر، أدت إلى تراكم مالي بفائدة منخفضة جدًا، مكنّت الكيان من استيعاب المهاجرين، كذلك اختلاف الهجرة نوعًا وكمًا، حيث كانوا من ذوي الثقافة والمستوى العلمي المتقدم، ما رفع حجم الرأسمال البشري.

وصاحبت موجة الهجرة السوفيتية رغبة أميركية محمومة في استثمار الكيان “تكنولوجيًا”، وبدأت أهم الشركات الأميركية العاملة في مجال الاتصالات والتقنية في افتتاح فروع لها بالكيان، وتهافت عدد من أهم رجال الأعمال على الاستثمار هناك، مثل وارين بافيت وبيل جيتس، وغيرهما من رجال المال الغربيين.

اللافت في الاقتصاد الصهيوني هو مخاصمة متخذ القرار لكل “روشتات” مؤسسات السيطرة المالية العالمية، التي تفرض فرضًا على الدول العربية، مصر على سبيل المثال، الخاضعة لبرنامج إصلاح مالي من صندوق النقد الدولي، على تحرير سعر صرف عملتها ـ الجنيه ـ وعلى بدء خطوات بيع عدد من شركاتها العامة الكبرى، وعلى تقليل المبالغ الموجهة للأجور بالنسبة للموازنة، وتدور رحى مفاوضات لإخراج الجيش المصري من هيكل النشاط الاقتصادي، بدعوى تأثيره على الشركات الخاصة ورأس المال الأجنبي، ومزاحمته لهما.

إحدى النقاط التي لا يمكن تفويتها خلال الحديث عن الاقتصاد الصهيوني هي الصناعات العسكرية المتطورة

وعلى العكس في الكيان الصهيوني، فإن للدولة اليد الطولى في اقتصادها، واتحاد نقابات العمال الصهيوني “الهستدروت” كان يمتلك حتى أواخر الثمانينات 35% من أكبر 100 شركة صهيونية، والدولة بشكل عام تسيطر على ملكية 12% من أكبر الشركات، كما أن برنامج يوزما الحكومي “المبادرة” يقوم على استثمار الحكومة لنحو 100 مليون دولار لإنشاء 10 صناديق استثمارية تختص بتمويل الشركات الناشئة، أو رأس المال المخاطر، بالتعاون مع البنوك الحكومية، ما يمنحها ملكية أوسع في الاقتصاد.

وبالنسبة لتدخل الجيش في الاقتصاد، فهناك فرقة خاصة في الجيش الإسرائيلي هي فرقة تالبيوت، التي يتم تدريب أفرادها عسكريًا لمدة سنتين، وخلال هذه الفترة يتم إدراجهم في برنامج جامعي مكثف في الفيزياء أو الرياضيات، وتدربيهم على أحدث التقنيات الحديثة وكيفية استخدامها في جميع أقسام الجيش الصهيوني، وأعضاء الفرقة يتم تعريفهم بجميع أقسام الجيش لكي يستطيعوا التعامل مع العمليات العسكرية المختلفة بسهولة، كما يتم توكيلهم بإدارة مهمات مختلفة، والعديد من خريجي هذه الفرقة يتحولوا إلى رواد أعمال، وأصحاب شركات، مثل MetaCafe ، Compugen والعديد من الشركات الأخرى التي تتداول في أسواق الأسهم الأميركية.

إحدى النقاط التي لا يمكن تفويتها، خلال الحديث عن الاقتصاد الصهيوني، هي الصناعات العسكرية المتطورة، والمعلوم أن التصنيع المحلي جاء ـ كما جاء الكيان ذاته ـ بإرادة غربية، تكفل له التفوق وامتلاك وسائل البقاء لأطول فترة ممكنة، والتكنولوجيا النووية كمثال، وهي قمة هرم السلاح، جاءت بالكامل من فرنسا، في سياق عدائها خلال الخمسينات ومطلع الستينات مع أنظمة التحرر العربية، التي مثلتها مصر-عبد الناصر.

وبعد نكسة حزيران/ يونيو 1967، ووقف فرنسا بيع السلاح للكيان، وفرّت إدارة الرئيس الأميركي ليندون جونسون، المعروف بعدائه المعلن للعرب، كل وسائل إقامة صناعات سلاح حديثة، وبدأ الكيان وقتها في صناعة طائرة “كافيير” ودبابة “ميركافا”، ووصل حجم صادراته من السلاح في 1977 إلى 19 مليون دولار، وارتفع تدريجيا ليصل في نهاية التسعينات، بالتزامن مع طفرة استجلاب العلماء الروس، إلى 3 مليارات دولار، وفي نهاية العقد الأول من القرن الجديد بلغت 5.3 مليار دولار.

المبكي في قصة التفوق الصهيوني، المصنوع غربيًا، أن العلماء العرب كانوا أصحاب أدوار مهمة في تسطير هذا النجاح  ـ أو الإنجاح ـ فالعالم المصري الحائز على نوبل، أحمد زويل، قام بمجهود ضخم في تطوير صناعة الصواريخ الصهيونية، ومنظومة القبة الحديدية، وألقى محاضرات في جامعاتها، وأعد أبحاثًا مشتركة مع خبراء في الجيش الصهيوني لتطوير منظمة صواريخ باستخدام الليزر، الأمر الذي أهله للفوز بجائزة “وولف برايز” الصهيونية في 1993، وسلمها له المجرم الصهيوني حاييم وايزمان ـ رئيس الكيان وقتها ـ في الكنيست، ومن جانبه، فقد سوّق له نظام “مبارك” لطمس جريمته تجاه وطنه وأمته، وكافأه بأعلى وسام مصري وهو “قلادة النيل العظمى”، التي تمنح لأشخاص قدموا خدمات فائقة التميز لوطنهم!

ومع علامة التعجب ينتهي السرد، لكيان “أوهن من بيت العنكبوت”، كما وصفه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، وليس كما يروّج له أبناء العجز والتراجع والخيبات.

قد يعجبك ايضا