عن القنبلة.. التي فجرتها جماعة انصار الله في وجه التحالف

الحقيقة/منى صفوان

قنبلة.. فجرتها جماعة انصار الله في وجه التحالف العربي، وحلفائه في حكومة هادي، حين نظمت حشدا جماهيريا في سبع محافظات يمنية احتفالا بالمولد الشريف.

جاءت مناسبة المولد هذا العام، في وسط منعطف جديد للصراع الدائر في اليمن منذ سنوات، حيث يأتي تحت سحابة تصريحات وقف الحرب، وبذات الوقت صواعق التصعيد الحربي تجاه الحديدة والساحل الغربي .

محاولة سيطرة التحالف على الحديدة تتكرر منذ اكثر من عامين ونصف، وتعتمد هذه المرة على زحف بشري كبير، تجتاح مدينة الحديدة ، وقصف جوي هستيري، وسط تصاعد النبرة الدولية الساعية لإيقاف الحرب ، والذهاب بأطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات.

ووسط التحشيد، والتصعيد ، التفت الحوثيون إلى قواعدهم الشعبية باعتبارها واحد من جدران الحماية التي يستندون عليها، لإرسال رسالة لتنامي شعبيتهم، وبذات الوقت حجم سيطرتهم، لإظهار مدى سيطرتهم الأمنية.

الاتفاق الصامت

المفاجأة .. ان الحشود الضخمة ، فاجأت الحوثيين انفسهم قبل خصومهم، ولا يمكن القول ان كل من خرج كان حوثيا ، بل هم يمنيون من مختلف المحافظات والتيارات، تقاطعت مصالحهم ، وحدث بينهم اتفاق غير مرئي كما يسمى في علوم الاجتماع ، الاتفاق الصامت الذي يحدث بين الناس ، فيخرجون جميعا للتعبير عن فكرة او إيصال رسالة ،وهذا بالضبط ما حدث.

لقد كانت الرسالة موجهه لدول التحالف العربي /السعودي ، دول العدوان التي تشن منذ سنوات حربها الظالمة على جموع الشعب اليمني وليس فقط على جماعة الحوثي.

هذا هو سر المفاجأة التي قلبت الموازين واعادت تعريف القوة الشعبية ، ولم تجد لها تفسيرا منطقيا.

فلأول مرة يأتي هذا الحشد الكبير في اكثر من 7 محافظات يمنية لتيار سياسي واحد، وليس حكومة او دولة.

دقة التنظيم، ومستوى الجاهزية والاستعداد الامني ، كلها امور احترافية تعمل عليها دول وحكومات، لجان تنظيم، وتنسيق عالي المستوى ، وهو امر يشي بقدرة الجماعة الأمنية وسيطرتها الحقيقية على كل المفاصل الحساسة في مناطق سيطرتها.

الكتلة الصماء، التي يصعب اختراقها اليوم ، هي هذا الزخم الشعبي ، الذي يعمل كجدار صد، للمجتمع اليمني ضد حروب التدمير وتزييف الوعي

ويأتي هذا التنظيم عالي المستوى في أسوأ ظرف حربي وامني تمر به جماعة انصار الله الحوثية وهي تواجه تصعيدا حربيا غير مسبوق، اي انها ليست في مرحلة استقرار واسترخاء، بل في حالة شد واستنفار.

الاستنفار الأمني بدا واضحا من تعاملها مع منظمات المجتمع المدني في المدن الكبرى التي تقع تحت سيطرتها خاصة العاصمة صنعاء ، حيث حجم ومنع نشاط كثير من هذه المنظمات.

ومنع عمل الكثير من الناشطين والاعلاميين ووقف الصحف ووسائل الاعلام، واعتقالات لأي مشتبه به بتهم التعامل مع العدوان ، كلها امور حدت بل ومنعت من حرية الرأي والتعبير ، وزادت حالات الانتهاك على الصحفيين . وكرست مفهوم القبضة الأمنية التي تقمع اي أصوات معارضة.

افشال المظاهرات المضادة

القبضة الأمنية ليست وحدها من افشلت خطة خروج مظاهرات مناوئة للحوثيين في صنعاء وأخواتها ، فبرغم فشل خروج اي مظاهرات ضد الحوثيين ، فقد خرجت مظاهرات ضد التحالف وحكومة هادي في مناطق سيطرتها ، في عدن وتعز والمهرة وحضرموت.

سبب خروج المظاهرات كان الفشل الأمني والاقتصادي ، وهي أيضا دليل وعي الشارع الذي يتنامى مع الوقت ، ضد دول التحالف السعودي ، التي أصبحت أجندتها مكشوفة وواضحة ، بأنها لا تعمل لاستقرار اليمن او إعادة هيبة الدولة ، وأنها تدخل خارجي محتل ، ويحل الفوضى ليستمر.

مليشيات تعز

فالقرب من نموذج التحالف في مناطق سيطرته، سيجعل الرؤية للناس اوضح ..وهذا ماحدث.ففي المقابل ، تبدو المدن والمحافظات الأخرى التي تقع تحت سيطرة التحالف وحلفائه من حكومة هادي، في حالة اضطراب امني، وفوضى ، بسبب تعدد الرؤوس ، وسيطرة المليشيات المتصارعة على محافظات ومدن كبرى كتعز الأكبر من حيث السكان.

والمفارقة ان استعراض الحوثيين لسيطرتهم الأمنية على 7 محافظات يأتي بالتزامن مع زيادة وتيرة العنف والفوضى في تعز وعدن على وجه الخصوص ، حيث زادت جرائم الاغتيال المنظم للناشطين والصحفيين والاكاديميين، وكذلك جرائم استهداف المدنيين العزل من نساء وأطفال.

وتبقى ميزة المناطق التي يسيطر عليها انصار الله الحوثيين ، انها برأس واحد، وتحت سيطرة قبضة أمنية واحدة، مما يمكنها من فرض الأمن ، وهو السر في معادلة الاستقرار.

ان تنظيم مناسبات كبيرة من هذا النوع ، يمكنه ان يكون سببا لاختراق سهل ، كما يحدث في كبرى عواصم العالم ، حيث شهدت باريس حوادث إرهابية مع احتفالات الكرسمس ، ولكن هذا لم يحدث في صنعاء في احتفال المولد ، لماذا ؟

جهاز المخابرات لجماعة سياسية ناشئة، تبسط سيطرتها الأمنية قبل العسكرية ، واحد من اهم نقاط القوة ، وهذه القوة تعد سببا مباشرا لتنامي شعبية الجماعة في الأوساط الشعبية ، حيث أصبح لها مناصرون من كل المحافظات اليمنية وليس فقط الشمالية

فقد اصبحت المقارنة واضحة وفجة، بين محافظات ومدن كبيرة تسيطر عليها حكومة هادي والتحالف ، وبين مدن ومحافظات تسيطر عليها جماعة انصار الله.

ان الدولة تحولت إلى مليشيات متصارعة، في حين عززت مليشيا الحوثيين تواجدها العسكري والأمني لتبدأ التحول إلى دولة. دولة انصار الله

ان مفهوم الدولة في اليمن بأبسط تعريف له يعني الالتفاف حول القائد، فليس هناك تواجد حقيقي لمؤسسات الدولة ، فالدولة دائما كانت تعني بمفهومها البدائي الزعيم او القائد

لذلك كانت هناك دولة علي عبد الله صالح ، الذي كان حريصا دائما على التواجد وسط الحشود ، ويعد هو بطل الجماهير الشعبية بدون منافس لحد الان برغم مقتله.

فهو اكثر من استفاد من الزخم الشعبي لإثبات شعبيته وتواجده وشرعيته، وكان دائما حاضرا في كل المهرجانات الجماهيرية التي ينظمها حزبه خلال سنوات الحرب ، دون خوف من استهداف او قصف.

في حين لم يسجل لعبد ربه هادي اي حضور من اي نوع طوال سنوات رئاسته ، وحتى خلال هذه الحرب ، والتي هي ايضا حرب شرعيات

اما زعيم جماعة الحوثيين ، فقد بقي لدواعي أمنية بعيدا دائما عن التواجد بشخصه وسط الجماهير ، برغم ذلك تعمل الجماعة على تحويل زعيمها من زعيم جماعة إلى زعيم جماهيري ، وهذا كان واضحا في المهرجان الاخير بمناسبة المولد، حيث ألتفت جماهير 7 محافظات لسماع كلمة عبد الملك الحوثي .

ليبقى السؤال لماذا لم تستطع حكومة هادي اخراج وتنظيم حشود مماثلة طيلة 5 سنوات.

بينما يتمكن الحوثيون دائما من الفوز بلقب محرك الجماهير ، ويأخذون مكان الأحزاب الكبرى في تنظيم اكبر المسيرات المهرجانات الشعبية ، حيث يبهت حضور كل التيارات والأحزاب السياسية حاليا، ويبرز دور الحوثيين في القدرة على تحريك الشارع.

لكن السؤال ماهي اهمية ذلك ، هل هناك اهمية لإخراج الناس للشارع، ولماذا تخرج كل هذه الحشود ، وهل ينعكس هذا على الصعيد السياسي ويعكس نفسه عسكريا.

هل تحتاج حكومة وسلطة هادي إثبات جماهيريتها وشعبيتها باخراج الحشود.

إجابة هذا السؤال ستجيب على قدرة كل سلطة بالسيطرة على منطقتها، وهي الرسالة التي أرسلها الحوثيون للتحالف، ولكن حكومة هادي لم تتمكن حتى الان من إثبات قدرتها على السيطرة

بل انها أكدت نموذج الدولة الفاشلة ، التي فشلت اداريا وامنيا، ‘حتى سياسيا، في مناطقها التي تقع تحت سيطرتها بدعم من التحالف السعودي.

حيث يبدو أن هذا المشروع الادراي والأمني الفاشل، هو ما يود التحالف السعودي تطبيقه، في بقية المحافظات التي تقع تحت سيطرة انصار الله

هذا بدوره عزز موقف الأنصار ،ولن نندهش ان عرفنا ان شعبيتهم زادت بعد عرضهم واحتفالهم الجماهيري ، وان مدى القبول والارتياح لهم في ازدياد ، فقط لان المواطن اصبح يضع مقارنة بين النموذجين.

فقد لا يكون نموذج الأنصار هو الانجع والانجح، لكنه يبقى الأفضل برغم كل الملاحظات عليه، فقط ان قارنته مع نمو ج حكومة هادي والتحالف.

ان المواطن يبحث عن الامن، لان الامن هو الاستقرار ، وهو الاستثمار وازدهار الاعمال، ان الدولة اولا وأخيرا تعني الامن.. وهذه المعادلة التي فشلت فيها حكومة هادي ، التي لم تقدر على فرض الاستقرار وسط حربها الدعائية التي تبرر هذه الحرب بانها حرب استعادة الدولة. فأي دولة تريد الحرب السعودية استعادتها، وهي لم تفرض ابسط شروط الاستقرار.

اهمية الحشود

ماهي اهمية تحشيد الناس، وتنظيم مثل هذه الاحتفالات العامة، خاصة في وقت مشحون كهذا، هل هي فعلا دليل شعبية وشرعية؟

لعل خروج هذا العدد الكبير من الناس وفي هذا التوقيت بالذات، مع الضغوط الدولية وزيادة وتيرة الحرب الإعلامية والتصعيد العسكري، يأتي كرسالة شعبية من عموم الشعب اليمني في مختلف المحافظات ، ليؤكد تواجده وتلاحمه، والتفافه الشعبي حول الأهداف الوطنية التي ترفض الحرب الظالمة عليه وترفض الاحتلال والسيطرة الخارجية.

ان الالتفاف كان حول اليمن، وليس حول فصيل يمني كالحوثيين، وان كان الحوثيون او بالأحرى جماعة انصار الله التي تمثل كل المحافظات اليمنية هي الوحيدة التي تقاوم وتحارب السيطرة والاحتلال والنفوذ الخارجي ، فإن الالتفاف حولها ليس الا التفافا ضد العدوان أكثر منه اتباعا لجماعة معينة. ومن هنا تأتي شرعية اي جماعة او سلطة.

ان الذهاب بتفسيرات تقلل من قيمة الشعب اليمني ، كفاعل في كل حلقات التاريخ السياسي ، كالقول ان مئات الآلاف ان لم يكن الملايين قد أخرجت بالإكراه ، انما هي تؤكد ان هناك استخفاف بالناس وعدم فهم لطبيعة اليمن، فهذا ليس تقليلا من شأن الحوثيين بل تقليل من شأن اليمن .

فان كان لجماعة اي جماعة القدرة على اخراج كل هذا الحشود ولو بالقوة،فهذا يعني انها جماعة مؤثرة وقوية ، ان تفسيرات كهذه تقلل من شأن الشعب اليمني وترفع من شأن جماعة الحوثي ، كما انها تجانب الصواب والمنطق.

عدم الاعتراف بالحقيقة مشكلة ، ودليل عدم القدرة على فهم طبيعية الشعب اليمني الذي يرفض الوصاية

ان حالة الوعي الشعبي في ازدياد، ومعادلة القوة تتغير ، ولن نندهش ان عرفنا ان الشباب اليمني يتطوع بالآلاف في جبهات القتال ضد العدوان، وهو لايهتم ان كانت الراية للحوثيين او سواهم، انه يبحث عمن يدافع عن ارضه ومستعد للتحالف معه ، وانصار الله اثبتوا انهم دون سواهم من يتصدون للمشروع الخارجي بالكفاح المسلح، وهنا يبدو ان الخلافات الأيديولوجية والسياسة ذابت في مرحلة التصدي للعدوان.

اننا لا نفهم خروج مئات الالاف الا كرسالة يمنية واضحة ، بان الشعب اليمني حي، ويقض، ومدرك لكل أبعاد الحرب ، وانه متلاحم برغم كل حملات التحريض ، فقد فشلت الدعاية الإعلامية في تزييف الوعي ، وعلى القوى اليمنية وفي مقدمتها الحوثيين ، ان تضع الشعب في حساباتها ، لان يقظته تدفع بالجميع لمراجعة مواقفه ، وسياساته.

 

 

قد يعجبك ايضا