ثقافة قرآنية :صحيفة الحقيقة العدد “336”: دروس من هدي القرآن للشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه

 

كلمات من نور
التفريط.. التفريط إنما هذا منبعه: يوم أن يسمع الناس الكلام، ويسمعون التوجيهات ويسمعون منطق الحق ثم لا يهتمون ولا يبالون، ولا يعطون كل قضية ما تستحقه من الأهمية.

أهل البيت عليهم السلام من عشّاق الحق لا السلطة

إن علياً (عليه السلام) ترك شاهداً حياً على أنه فعلاً لم يكن يعشق السلطة لهذا الاعتبار، لهذا الاعتبار الذي ذكرناه.. يوم أن رفض أن يبقي معاوية، واسأل أي زعيم من هؤلاء الزعماء, واسأل أي خليفة من أولئك الخلفاء.. أليس أي واحد منهم سيرى أن من مصلحته, ولا يرى في ذلك ضيراً، بل يراه من الحكمة, ويراه من السياسة، أن يبقي مثل معاوية, وأسوأ من معاوية، أن يبقيه والياً ولو إلى الأبد، من أجل أن يبقى له منصبه، ويحتفظ له كرسي سلطته.
الإمام علي (عليه السلام) ترك مثالاً حياً لنا، ونحن – أيها الإخوة – بحاجة إلى أن نعرف تاريخ أئمة أهل البيت لنستطيع أن نفضح كل من يقول أنهم كانوا يلهثون وراء السلطة, الكل يلهثون وراء أن يقوم حكم الله في أرضه على عباده، أن تقوم شريعته فتكون هي التي تحكم عباده، أن يسود هديه كل المعمورة التي يعيش عليها عباده. هذا مبدأ إسلامي: أن الدولة الإسلامية, أن الحكومة الإسلامية هي جزء لا يتجزأ من هذا الدين.
ولكنهم يرون أنه لا يجوز بحال أن يكون لدى حتى علي أو الحسن أو الحسين أو زيد أو الهادي أو أي شخص من تلك النوعية أن يكون لديه عشق للسلطة، عشق للمنصب.
ألسنا نرى أننا أصبحنا نُواجه وتُواجه الأمة بكلها بأن يضحى بها على يد زعمائها.. أليس هذا ما هو حاصل؟ وكل ما نسمعه لأجل الحفاظ على المصلحة وعناوين أخرى!. إن السر الحقيقي هو أن أولئك يعشقون السلطة. يجب أن نفهم هذا حتى نميز بين أساليب من يعشقون السلطة، وكيف ستكون العواقب الوخيمة حتى ولو انطلق باسم الإسلام، حتى ولو حكم تحت عنوان إسلامي، حتى ولو حمل لقب [خليفة أو أمير المؤمنين!] أو غير ذلك.
ألم ينهزم [أمير المؤمنين محمد بن عمر!] في أفغانستان وهو باسم خليفة المسلمين؟! هل أنهزم علي أو انهزم الحسن أو انهزم الحسين أو انهزم زيد؟ أو انهزم الهادي أو انهزم قبلهم محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)؟.
لا. لا يجوز لأمير المؤمنين أن ينهزم، إذا انهزم فإنه من يعشق السلطة، من يعشق الحياة، من يعشق المنصب، هو يريد أن يتمتع أياماً متتالية بلقب [أمير المؤمنين]، ونحوه من الألقاب.
عودوا – أيها الإخوة – إلى تاريخ أهل البيت، ادرسوه دراسة حقيقية واقعية حتى تجدوا أنه ليس هناك مكان لتلك المقولة: بأنهم كانوا إنما يثورون من أجل أن يصلوا إلى السلطة، وأنهم كانوا عشاق سلطة. هم عشاق حق، هم من قال لهم جدهم – وهو يوصي الحسن – ((وخض الغمرات للحق حيث كان)) خض غمرات الموت من أجل الحق حيث كان. هذه هي طريقتهم.

عدم اهتمامك بالتوجيهات عند سماعها منبع التفريط

ورأينا أيضاً – أيها الإخوة – كيف يكون الجانب الآخر – وهو ما كنا نقوله أكثر من مرة – : أن الجرائم ليست في العادة هي نتيجة عمل طرف واحد فقط, المجرمون من جهة, المضلون من جهة يجنون، والمفرِّطون والمقصرون والمتوانون واللائباليون هم أيضاً يجنون من طرف آخر.
فالجريمة مشتركة, الجريمة مشتركة من أول يوم حصل الإنحراف بمسيرة هذه الأمة عن هدي القرآن، وهدي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وكيف يمكن أن يسمع الناس منطق الحق ثم نراهم في يوم من الأيام يقفون في وجه الحق، في صف الباطل، هذا هو الذي حصل بالنسبة لأهل العراق.
معاوية أضل أهل الشام فكانوا قاعدة لإمارته وخلافته، وقاعدة لخلافة ابنه يزيد، وكانوا جيشاً قوياً يتحركون لتنفيذ أهدافه, وأهل العراق من جانب آخر. ما الذي حصل؟. ألم يعش علي (عليه السلام) بينهم سنين خلافته ماعدا الأيام الأولى منها كانت في العراق.. وعلي ببلاغته.. علي بمنطقه.. علي بحجـته.. علي بمعرفته وعلمه الواسع ((باب مدينة العلم)) هو من كان دائماً يتحدث مع أهل العراق، من كان دائماً يوجه ويتحدث ويرشد ويعلِّم ويحذِّر وينذر من عواقب الأمور.
فلماذا رأينا أهل العراق يقفون هم قبل أهل الشام في صف يزيد في مواجهة الحسين نفسه؟! إنه التفريط، ليس فقط التفريط أمام الحدث، بل التفريط يوم تسمع التوجيهات فلا تعطيها أهميتها. أن تحصل حادثة معينة، فتتقاعس، تقاعسك، قعودك، إنما هو نتيجة لتفريطك الأول يوم كنت تسمع توجيهات علي، يوم كنت تسمع إنذار علي، يوم كنت تسمع الحِكَمَ تتساقط من فم علي كالدرر، فتنظر إليها و كأنها بَعَر، لا تهتم بها.
التفريط.. التفريط إنما هذا منبعه: يوم أن يسمع الناس الكلام، ويسمعون التوجيهات ويسمعون منطق الحق ثم لا يهتمون ولا يبالون، ولا يعطون كل قضية ما تستحقه من الأهمية.

من حرّك الفلك لأهل الكهف يصنع المتغيرات لمن يتحركون في سبيله

كذلك رعاية أنه يحرك الشمس، يغير مجراها، كل يوم يغير مجراها في لحظة معينة عندما تطلع وعندما تغرب، كل يوم على مدى ثلاث مائة سنة، وتسع سنين.

فمن يحرك الفلك لمجموعة أشخاص راقدين في كهف من أوليائه ألا يستطيع يصنع كثيراً من التغيرات في هذا العالم ليهيئ أمام من يتحركون في سبيله، وعلى سبيل هديه؟ هذا مثل للناس.

{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت} (الكهف17) هنا بدأ يتحدث عن ما يهيئ لكم من أمركم مرفقا. كيف أنهم عندما كانوا راقدين في كهف، وهذا الكهف بحاجة إلى شمس، إما في لحظة معينة تنزوي عنه، وفي حالة معينة تعطي جزءاً من شعاعها إلى هذا الكهف، أو إلى محيطه؛ لحاجتهم إلى هذه؛ فليحرك الفلك من أجل صحتهم، من أجل الحفاظ على صحتهم هم يحرك الشمس عن مسيرها! {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت} كل يوم {تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ}.

وهكذا تجد في المقابل؛ لأنه في نفس الوقت: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَاً}، في المقابل أيضاً ماذا يعمل؟ يهيئ، ويدبر، ويعمل متغيرات كثيرة، تهيئ أمام من يتحركون في سبيله، لكن إذا كانوا على هذا النحو: فتية آمنوا بربهم، صادقين، متجهين بصدق، ومصدقين بما هم متجهين فيه، أن يكونوا مصدقين بالقرآن، وواثقين بالقرآن، القرآن فقط، لا يمكن أن نتقبل أي شيء آخر غيره، أو تهتز ثقتنا به بأنه لا يمكن أن يهدينا في كل مجال من مجالات الحياة، وفي كل موقف من مواقفنا أمام الآخرين.

{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} والتركيز على هذه بخصوصها: ذلك من آيات الله للناس؛ ليعلموا كيف يصنع هو سبحانه وتعالى لمن يتجهون في سبيله، وعلى هديه، كيف يعمل أشياء رهيبة، مجموعة فتية يحرك من أجلهم الشمس كل يوم مرتين عن مسارها الطبيعي! أليس هذا لتعظم ثقة الناس بالله، يعطيك الآيات التي تجعلك تثق بالله، وتعظم ثقتك به؛ فتتحرك في سبيله، وتلتزم بدينه.

قد يعجبك ايضا