ما هو مصير الحرب اليمنية وانعكاساتها في الـ2020

 

كانت تتجه الأمور في نهاية العام 2019 نحو التهدئة بين السعودية و جماعة “أنصار الله” إلا أن المملكة على ما يبدو لم تنزل عند رغبات “أنصار الله” الذي باتوا يملكون اليد العليا في الحرب، ولا تزال القوات التابعة للسعودية تسيطر على “الحديدة” على عكس رغبات “انصار الله” ما يدفع الأمور نحو المواجهة من جديد وهذا الأمر لا تريده السعودية على الاطلاق لأنها تعلم أن نتائجه كارثية على الداخل السعودي وهناك تهديدات من “انصار الله” بأن توجه بنك أهدافها نحو الامارات ايضا بحسب ما قاله العميد يحيى سريع، المُتحدّث العسكريّ باسم قوّات حركة “أنصار الله” قبل أيام، ما يوحي بأن الأمور لا تتجه نحو التهدئة وأن التصعيد مفتوح بين جميع الأطراف وأن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود بعد أن قطعت أشواط جيدة في أواخر العام المنصرم.

بعد أشهر قليلة ستدخل الحرب اليمنية عامها السادس. ومع دخول اليمن عاماً جديداً، لا تلوح في الأفق أي تحوّلات حاسمة يمكن أن تدفع باتجاه إنهاء الصراع فيه قريباً، على الرغم من أحداثٍ مهمة طبعت مشهده في العام 2019، كانت الشرعية اليمنية الخاسر الأكبر فيها. ويدخل اليمن عام 2020 وسط تحديين أساسيين، يُرتقب أن ينجلي مصيرهما خلال الشهور المقبلة، الأول يتعلق باتفاق الرياض الذي وُقّع بين الحكومة اليمنية والانفصاليين جنوبي البلاد، بعد الانقلاب الذي نفذوه في أغسطس/آب الماضي، وبإمكانية المضي فيه لتشكيل حكومة والانسحابات الأمنية والعسكرية المنصوص عليها ضمن بنوده، أما التحدي الآخر فيتمثّل بالتهدئة السعودية مع أنصار الله، وإمكانية صمودها أو تطورها إلى هدنة طويلة الأمد، من عدمها، لتبقى التسوية السياسية الشاملة بعيدة، على الأقل في المدى المنظور.

وقبل العودة إلى أبرز الأحداث التي حصلت في العام الماضي دعونا نتحدث عن آخر تهديد أطلقه العميد يحيى سريع، المُتحدّث العسكريّ باسم قوّات حركة “أنصار الله” وحُلفائها، بتوسيع رُقعة أهدافها العسكريّة ليشمَل مراكز حيويّة، وحسّاسة، على طُول وعَرض جُغرافيا دول العُدوان، من ضِمنها ستّة أهداف بالغة الأهميّة في السعوديّة وثلاثة أُخرى في الإمارات، هذا التّهديد يعني للوهلةِ الأولى أنّ المُفاوضات السريّة التي بدأت في أيلول (سبتمبر)  الماضي ربّما وصلت إلى طريقٍ مسدود، وأنّ التوتّر عاد إلى المُربّع الأوّل.

مِن الطّبيعي أن لا يُفصِح العميد سريع عن هذهِ الأهداف، وكيفيّة ضربها في البَلدين المذكورين، لأنّ هذا الأمر مِن الأسرار العسكريّة، ولكن ما يُمكِن استنتاجه بالقِياس إلى الهجَمات العسكريّة السّابقة لحركة “أنصار الله” وقوّاتها مِن المُتوقّع أن تكون مطارات ومُنشآت نفطيّة.

والشّيء نفسه يُمكن قوله أيضًا عن الأهداف الإماراتيّة الثّلاثة، عُنصر المُفاجأة هُنا ربّما يكون أكبر، لسببٍ بسيط وهو أنّ “انصار الله” لم يستَهدِفوا العُمق الإماراتيّ، ومُنشآته الحيويّة بأيّ هُجومٍ في السّابق، ومن غير المُستبعد أن تكون مصافي النّفط، وربّما محطّات الماء والكهرباء والمطارات من بين الأهداف.

استهداف الامارات أمر غير مستبعد خاصة وان الجميع يتحدث عن الامكانيات العسكرية المذهلة التي أصبحت بحوزة “أنصار الله”، ناهيك عن قدراتهم المذهلة في تطوير اسلحتهم الخاصة والتي تستهدف أي دولة تريد العبث بأمن اليمن.

في الآونة الأخيرة لم يَصدُر أيّ نفي أو تأكيدات رسميّة من السّلطات السعوديّة حول التّقارير الصحافيّة التي تتحدّث عن مُفاوضات سريّة بينها ومُمثّلين عن حركة “أنصار الله” في سلطنة عُمان، وبغض النّظر عن صُدور هذه التّأكيدات من عدَمِها، فإنّه يُمكن القول بأنّ هذه الحركة، وبعد إسقاطها طائرتين، الأُولى من نوع أباتشي قُبالة عسير الحدوديّة، والثّانية مُسيَرة صينيّة الصّنع فوق مُحافظة حجة، باتَت تتفاوض، أو تُقاتل، من موقعٍ قويٍّ يتعزّز يومًا بعد يوم، بما يُغيِّر قواعِد الاشتباك بشكلٍ جذريّ.

من المُفارقة أن طائرة الأباتشي العموديّة التي تُعتَبر الأفضل في العالم، وتصِل تكلفة النّوع المُتقدّم منها حواليّ 20 مِليون دولار جرى إسقاطها بصاروخٍ لا تزيد تكلِفته عن بِضعَةِ آلافٍ من الدّولارات، وجرى تطويره في معامل يمنيّة محميّة بجِبال اليمن العِملاقة.

وبمرورٍ سريع على أبرز الأحداث والتحوّلات التي شهدها العام الماضي، يبدو جلياً كيف أن “انصار الله” حققوا مكاسب على الصعيدين العسكري والسياسي، إذ إن جماعة “أنصار الله” ظلّت على مدى شهور طويلة، في موقف المهاجم لا المدافع، مثلما أنها أنهت التصعيد غير المسبوق ضد السعودية بانتزاع تهدئة، لاقت ترحيباً من الأخيرة، بعد هجوم منشآت “أرامكو” النفطية في سبتمبر/أيلول الماضي على وجه التحديد. كما حقق “انصار الله” مكاسب سياسية داخلية، عبر اعتراف الأمم المتحدة بالخطوات الأحادية التي قاموا بها في الحديدة، والتي اعتبرتها الحكومة “مسرحية”، أي تسليم “انصار الله” الموانئ لأنفسهم.

جنوباً، فإن الحصيلة الإجمالية كانت ثقيلة على الشرعية. فبعد فقدانها السيطرة على العاصمة صنعاء، حاضنة البلاد المركزية، باتت الشرعية اليمنية في نهاية العام 2019 فاقدة للسيطرة على مدينة عدن، التي تصفها بـ”العاصمة المؤقتة”، في حين حقق الانفصاليون الجنوبيون مكاسب ميدانية باستكمال السيطرة على المدينة، وسياسية بانتزاع اعتراف حكومي بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” الانفصالي كشريكٍ في حكومة مقبلة.

وكان للطائرات المسيّرة دورٌ مهم في المعادلة بين انصار الله والسعودية. ونفذت جماعة “أنصار الله”، اعتباراً من مطلع يناير/كانون الثاني 2019، ضربات نوعية ضد أهداف للشرعية وللسعودية باستخدام هذه الطائرات، إذ هاجموا حفلاً كان يحضره كبار قادة الجيش في قاعدة العند الاستراتيجية (محافظة لحج)، كبرى القواعد الاستراتيجية، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، بينهم رئيس الاستخبارات العسكرية في القوات الموالية للشرعية محمد صالح طماح، ونائب رئيس الأركان صالح الزنداني. وكان الهجوم الذي استهدف قاعدة العند، بمثابة مؤشر على تطور نوعي بالنسبة لسلاح الجماعة، إذ وقع على الرغم من انتشار مفترض للدفاعات الجوية التابعة لـ”التحالف” السعودي – الإماراتي.

وعلى مدى أشهر طويلة، استمر “انصار الله” بتنفيذ هجمات بالطائرات من دون طيار، على هيئة ما تصفه الجماعة بـ”العمليات النوعية”، في اتجاهين، محلياً، صوب مناطق سيطرة الشرعية، في مأرب والساحل الغربي، وحتى في عدن وحضرموت، وحدودياً، في اتجاه السعودية.

في 14 سبتمبر/أيلول الماضي، كانت السعودية على موعد مع أحد أكبر الهجمات التي تستهدف عمقها، والنفطي خصوصاً، عندما استهدفت منشآت نفطية لشركة “أرامكو” في كلٍ من منطقتي بقيق وخريص، ما خلّف حرائق هائلة، نتج عنها توقف لصادرات النفط السعودي، وأصداء عربية ودولية وتأثيرات اقتصادية، على مستويات متعددة.

وفيما أعلن “انصار الله” مسؤوليتهم عن الهجوم تحت مسمى “عملية توازن الردع الثانية”، باستخدام 10 طائرات مسيّرة، وسعوا إلى سرد التفاصيل والمبررات التي تعزز وقوفهم وراءه، توجّهت أصابع الاتهام السعودية والدولية، نحو إيران، ليس بوصفها الداعم للحوثيين بتنفيذ الهجوم، بل المنفذ المباشر. ولتعزيز هذه الخلاصة، قدمت الرياض العديد من القرائن، بما فيها الإعلان عن أن الهجوم جرى باستخدام نحو 18 طائرة مسيّرة وسبعة صواريخ مجنحة، جرى اعتراض بعضها، كما أن مختلف التقارير الأميركية والتصريحات السعودية استبعدت أن تكون جماعة “انصار الله” هي المنفذة للهجوم.

تهدئة بعد التصعيد

وعلى الرغم من عدم إعلان الرياض الموافقة نصاً على إعلان “انصار الله”، إلا أنه بدا واضحاً، أنها كانت بحاجة إلى هذا الاعلان لترتيب أوراقها بعد هجوم “أرامكو”، إذ وصف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خطوة “أنصار الله” بأنها إيجابية، لتتراجع عمليات “التحالف” إلى حد كبير في العديد من المحافظات اليمنية، في أعقابه.

سعت الرياض التي أعلنت رفضها لمحاولة فرض “الأمر الواقع” في عدن، إلى احتواء التصعيد جنوباً، من خلال دعم الشرعية في شبوة، والدعوة إلى حوار جدة بين الحكومة اليمنية والانفصاليين، الأمر الذي استمر لما يقرب من شهرين، وانتهى بتوقيع “اتفاق الرياض” في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. الاتفاق تضمن جملةً من البنود العسكرية والأمنية والسياسية المزمنة، التي كان من المفترض أن تؤدي إلى نزع فتيل الأزمة وإعادة ترتيب القوات الأمنية والعسكرية جنوباً، في مقابل إشراك “الانتقالي” بحكومة جديدة، يتم تشكيلها على ضوء الاتفاق.

وفي حين لا تزال أغلب بنود “اتفاق الرياض” خارج التنفيذ على أرض الواقع، تعد أبرز خطوة سبقته، هي انسحاب الإمارات بصورة رسمية من عدن، وتسليم قيادة التحالف فيها للقوات السعودية. ومن الواضح، بعد ما يقرب من شهرين على توقيع الاتفاق، أن العقبات أمامه لا تزال كبيرة، وتنتظر اختراقاً جديداً، على ضوء جهود المفاوضات المتواصلة بين اللجان المشكلة من الطرفين، أو إعلان فشل الاتفاق بصورة رسمية.

قد يعجبك ايضا