المنشق.. فيلم عن خاشقجي يضع واشنطن والرياض بقلب العاصفة

 

عرض المخرج الحائز على جائزة الأوسكار؛ “برايان فوجل”، فيلمه الوثائقي عن الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”، بعنوان “المنشق”، في مهرجان صندانس السينمائي، الجمعة، منذرا بعاصفة تطال الرياض وواشنطن، بشأن جريمة مقتل “خاشقجي”.

وقتل الكاتب الصحفي المعروف، بقنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2018، ما أثار اتهامات أممية ودولية حول تورط ولي العهد السعودي؛ “محمد بن سلمان” في الجريمة التي هزت العالم.

والخميس، نشرت “واشنطن بوست” تقريرا عن “المنشق”، الذي سيعرض لأول مرة في مهرجان “صاندانس”، ويعرض تفاصيل مقتل “خاشقجي”، الذي كان كاتب عمود في الصحيفة الأمريكية.

واعتبرت الصحيفة مقتل “خاشقجي”، حدثا تاريخيا، يعكس “وحشية الوضع وهشاشة حرية التعبير، في ظل زعيم سعودي يفترض أن يكون إصلاحيا”، في إشارة لـ “بن سلمان”.

فيلم بمثابة عاصفة

واستعرضت الصحيفة ملامح الفيلم، الذي اعتبرته بمثابة “عاصفة” تتعلق بالعلاقات السعودية الأمريكية، قائلة إنه يتسم بطابع إخباري ودرامي، ويقدم انتقادات أخلاقية لاذعة، لواشنطن والرياض، والشركات الأمريكية “التي لا تفكر سوى بمنطق ربحي بحت”.

المحققة الأممية التي بحثت قضية مقتل “خاشقجي”، “أجنيس كالامارد”، كانت أحد ضيوف الفيلم، واعتبرته “أقوى بكثير من أي تقرير تستطيع أن تكتبه، عندما يتعلق الأمر بقصة سيقرؤها عدد كبير من الناس”.

ونقلت “واشنطن بوست” عن “فوجل” قوله إن “هذه القصة تدور حول نظام قمعي بعيد، لديه صحفي مقتول، في ظل وجود خطيبة تحبه. وفي الوقت ذاته، تتواطأ في هذه القصة بعض الجهات الأمريكية”.

ويروي فيلم “المنشق”، بحسب الصحيفة، تلك القصة، إلى جانب أنه يقدم بحثا معقدا عن الحقيقة بعد مرور 16 شهرا عن عملية الاغتيال. ويتضمن عددا كبيرا من التفاصيل التي توصل إليها جملة من المحققين الأتراك، الذين قدموا تصريحات عن طريقة ارتكاب جريمة القتل والتستر عليها.

كما يعرض الفيلم مقابلات مصورة مع شخصيات مثل خطيبة “خاشقجي” التركية، “خديجة جنكيز”، وزملاءه الذين لجؤوا إلى كيبيك (بكندا)، وكشفوا في الفيلم أنهم تعرضوا لاستهداف مماثل.

ويوضح الفيلم أن “خاشقجي” أحب خطيبته للغاية، وأراد أن يتزوجها بسرعة. ويُذكر أن ترخيص الزواج هو السبب الذي جعله يزور القنصلية، حيث انتظرت “خديجة” بقلق خارج القنصلية حتى فجعت بموته، وتحملت المسؤولية بعدها.

وعلى الرغم من أحاسيسها التي تتناوب بين الفقدان والثبات، تظهَر “خديجة” في لحظات أساسية من الفيلم لتوفير نقطة تواصل بشرية للمشاهد، وتقول في مقطع “لم يخطر ببالي مطلقا أنه بإمكانهم أن يقتلوا الناس في القنصلية. لم أصدق ذلك”.

إخراج مثير لجريمة بشعة

وفي القسم الأخير من الفيلم، ينتقد “المنشق” الشركات الأمريكية التي تواصل العمل مع السعودية، مع إبراز الدور الذي أدته المصالح التجارية الغربية في تعزيز نفوذ “بن سلمان”.

وأشار “فوجل” إلى أن “واشنطن بوست” لم تضطلع بأي دور مالي فيما يتعلق بعملية تمويل الفيلم، وإنما تم بتمويل مستقل من مؤسسة حقوقية.

ونوهت الصحيفة إلى أن “فوجل” تطرق إلى شخصيات مطلعين على الكثير من المعلومات حول النظام السعودي الذي خيروا المنفى.

وبالرغم من أن “خاشقجي” لم يكن يفضل لقب “المنشق”، ولا “المعارض”، اتبع الفيلم أسلوبا مثيرا، أملا في استقطاب قاعدة جماهيرية واسعة.

باستخدام النصوص وغيرها من الأدلة، يعرض “المنشق” خطة قتل “خاشقجي”، ويزعم أن الخطة حاكها “سعود القحطاني”، الذي كان آنذاك أحد كبار المستشارين لـ”بن سلمان”، والطبيب الشرعي السعودي؛ “صلاح الطبيقي”، الذي استخدم منشار كهربائي لتمزيق الجثة، وطمس الأدلة.

ويستشهد “فوجل” بالمحققين الأتراك الذين يقولون إن أشلاء “خاشقجي” نقلت إلى فرن تم شراؤه وتثبيته في منزل القنصل السعودي بإسطنبول وحرقه. كما اشترت القنصلية في ذلك الوقت 70 رطلا من اللحم من مطعم محلي، حتى تتمكن من حرق وإخفاء رائحة الجثة المحروقة.

ويعرض الفيلم مقابلات مع المعارض السعودي المقيم بكندا “عمر عبدالعزيز”، الذي روى كيف ألقى عملاء ولي العهد أصدقاءه وأقاربه في السجن واستخدموا أساليب الترغيب والترهيب، في محاولة لحمله على العودة إلى السعودية أو زيارة إحدى قنصلياتها.

وتعاون “عبدالعزيز” مع “خاشقجي” لإطلاق “النحل”، وهو هجوم له صبغة ديمقراطية على “تويتر” لمواجهة شبكة التصيّد القوميّة المتطرفة التابعة لـ”بن سلمان”، والمعروفة باسم “الذباب الإلكتروني”.

وقال الناشط في الفيلم: “عندما أتذكره، أشعر أنه يتعين عليَ فعل المزيد. ولا أريد أن أخيّب ظنّه”.

الفيلم يتجاوز “خاشقجي”

ووفق “فوجل” يتجاوز فيلم “المنشق” التكتيكات السعودية القاسية لقتل “خاشقجي”، إلى تفاصيل القرصنة المستمرّة التي استهدفت عدّة شخصيات رئيسية في الغرب، عن طريق برنامج بيجاسوس للتجسّس على الهاتف، وفي مقدمتهم، مالك “واشنطن بوست”، الملياردير الأمريكي “جيف بيزوس”.

وقال “فوجل”: “إنه لأمر مثير للصدمة أنهم تمكنوا من اختراق شخص مثل جيف بيزوس من وجهة نظر الأمن السيبراني. لكن في ضوء ما نعرفه عن القصة الإجمالية وما فعلوه بجمال (خاشقجي)، يعد ذلك أمرا منطقيا تماما”.

وعرض “فوجل” في نهاية الفيلم قائمة بالشركات التي ما تزال تعمل في السعودية بعد مقتل “خاشقجي”، منددا بتفضيلها للمصالح التجارية على الحقوق الإنسانية.

ويأمل “فوجل” في عرض الفيلم في جميع أنحاء العالم، حتى تشعر الشركات مرة أخرى بالضغط للتراجع عن الشراكات مع الدولة الخليجية الغنية بالنفط.

وتعد “نتفليكس” من بين المنافسين لشراء فيلم “المنشق”، وهو ما أبدى “فوجل” ترحيبا به،. وفي حال حصول الفيلم على صفقة توزيع كبيرة، سيحظى بتأثير أوسع.

أما أهم ما يميز فيلم “المنشق”، فهو أنه يعرض الحقائق التي نُقلت في أشكال أخرى مرئية ودرامية، فضلا عن الأبعاد الجادة والتصويرية للمؤامرة بطرق جديدة. وعلى وجه الخصوص، يتمثل الأمر الذي تقشعر له الأبدان في متابعة الصحفي الراحل، وهو ينتقل من الثقة إلى الحذر إلى الإدراك بأنه على وشك أن يُقتل.

قد يعجبك ايضا