بعد حرب الإبادة الهمجية في غزة: من سيقتنع من العرب باتفاقات إبراهام؟

بروفيسور دبي علي*

نشر الصهاينة الشهر الماضي صورة لقيادات دول عربية بجنب ترامب عبر جداريات ضخمة في أرض فلسطين والتي ادعت المصالح التابعة لجهاز الدعاية الصهيوني بأنهم “الشجعان” الذين سيحققون مشروع ترامب للتطبيع بين الدول العربية و الكيان الصهيوني عبر ما يسمى باتفاقيات ابراهام. قبل أن تفكّر أمريكا في تفصيلات وقف المجازر وانتزاع موافقة من المقاومة، عجّلت بالكلام عن التطبيع واقامة علاقات عاجلة بين الكيان الصهيوني و دول عربية يحكمها أشخاص تطرح تساؤلات حول مشروعيتهم. الكيان و امريكا يعلمون كيف يرتّبون أولوياتهم وكيف يجسّدون أهدافهم على المستوى البعيد، أما القائمون على الدول العربية فإنهم تائهون، منقادون، شاردون، إن لم نقل متواطئون.

سلام الشجعان: خدعة الاستعمار القديمة لفرض الاستسلام على المقاومة

يظهر بأن الاستعمار تلميذ غبي، ورغم انهزامه على مر التاريخ، فإنه يظل يعتمد على نفس الوسائل الوحشية لإبادة الشعوب والقضاء على المقاومة والاستيلاء على الأرض والثروات، و يكرر نفس الخدع والمؤامرات لتمرير خططه الاستعمارية الاستيطانية.

من هذه الوسائل، سياسة المحتشدات التي بدأت في بدايات الثورة الجزائرية، والتي تقضي بتجميع السكان في تجمعات سكانية محاطة بأسلاك شائكة بما يؤدي إلى قطع اتصال الشعب الجزائري عن جبهة التحرير الوطني والثورة، والتي  أدت آنذاك إلى استشهاد مئات الآلاف من المدنيين بالجوع والأمراض والقتل المباشر. تذكر بعض الاحصائيات أن فرنسا أقامت أكثر من 3000 محتشد عبر التراب الوطني، وشملت أكثر من 03 ملايين جزائري، تم تجويعهم وقهرهم والحد من زيادة المواليد فيهم. كانت المحتشدات تهدف إلى فصل المجاهدين عن حاضنة الثورة المتمثلة في الشعب الذي كان يأوي المقاومين ويطعمهم، بهدف اضعاف الثورة والقضاء عليها.

مؤسسة غزة الأمريكية الصهيونية هي نسخة معدلة للمحتشدات الفرنسية، ولديها نفس الأهداف : قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين بالتجويع والتنكيل ونشر الأمراض، اضعاف المقاومة وفصلها عن حاضنتها. هي ليست آلية لتوزيع المساعدات بل آلية استعمارية للنيل من المقاومة، ومآلها الفشل. لقد استطاع الشعب الجزائري آنذاك من التعامل مع المحتشدات، وأبطل مخططات الاستعمار بتكوين خلايا داخلها تربي الأجيال على استلام المشعل ومواصلة المقاومة، رغم كل التنكيل والتجويع. وبنفس المنوال، سيتعامل شعبنا في غزة بنفس العزيمة، وسيقضي على أهداف هذه الآلية الاستعمارية، وستسقط أمام شجاعته وصبره. المطلوب فقط من كل فلسطيني حر وكل عربي وكل متعاطف بعد وقف اطلاق النار أن يباشر اجراءات رفع دعاوى قضائية ضد مؤسسة غزة الاستعمارية الأمريكية الصهيونية بحكم أنها جريمة حرب مكتملة الأركان.

وبحكم فشل هذه الوسيلة، لجأت فرنسا الاستعمارية إلى خدعة سمتها آنذاك : سلام الشجعان، وهي خطة اقترحها الجنرال الفرنسي ديغول في 23 أكتوبر 1958 تقضي بدعوة جبهة التحرير الوطني الجزائرية إلى القاء السلاح دون شروط ورفع الراية البيضاء مقابل العفو عنهم والرجوع إلى الحياة العادية و المشاركة في الحياة الاقتصادية والسياسية تحت مظلة الاستعمار الفرنسي الذي يظل مهيمنا على الأرض والثروات.

وحسب المؤرخين، فإن الأهداف الرئيسية لهذه الخدعة تمثلت في العمل على إضعاف جبهة التحرير الوطني، و لاحقا القضاء على الثورة نهائيا وذلك بزرع الخلافات والانقسامات بين قيادات الثورةـ لاسيما من خلال امتداح بعض القيادات العسكرية للثورة. لقد صرّح ديغول آنذاك بعدة عبارات، ظاهرها جميل، وباطنها يحمل الكثير من الدسائس والخدع والمناورات : ” اللذين يقودون الحرب على تراب الجزائر، أعترف بشجاعتهم، فأرض الجزائر لا تنقصها الشجاعة” . رد جبهة التحرير كان سريعا بالرفض، ولم ترض إلا بالاستقلال التام لآنها فهمت بأن المقصود بالشجعان هم المستسلمين: استسلام المقاومة في فهم الاستعمار هو شجاعة !!!

نفس الخطاب يستعمله الآن ترامب، حيث يصف القيادات العربية التي اقبلت على التطبيع مع الكيان الصهيوني بالشجاعة والجمال والعظمة، ويدعو الباقين منهم إلى أن يصبحوا عظماء، جميلين وشجعان “بالتطبيع الاستسلامي”.

اتفاقيات ابراهام  او معاهدة استسلام: التطبيع نحو توسيع رقعة الكيان الصهيوني

اتفاقيات ابراهام التي يقترحها ترامب، والتي بدأ بعض الجبناء يسمونها الاتفاقيات الابراهيمية، وسيدنا إبراهيم بريء منهم، ما هي الا اتفاقيات استسلام للوطن العربي يتمكن من خلالها الكيان الصهيوني ابتلاع اراضي جديدة لاسيما من لبنان، سوريا، الاردن، مصر، والسعودية. هذا المشروع الصادم معروف لدى كل المتابعين الذين يقولون بانه مشروع تم المصادقة عليه من طرف الكيان منذ بداية الثمانينات، وينتظر الظروف المواتية لتجسيده.

وحيث أن الأمر يتعلق باتفاقية استسلام وتسليم للوطن العربي وثرواته للكيان الصهيوني ولأمريكا، فأي صنف من الناس سيقبل بها. من سيقبل بتسليم الأرض والثروات و بالقضاء على هوية الشرق الأوسط وشمال افريقيا و بناء منطقة جديدة حسب معايير الغرب والصهاينة. في اعتقادنا، كما رفض الشعب الجزائري سلام الشجعان الذي اقترحته فرنسا آنذاك بحكم انه استسلام، فان الشعوب العربية سترفض هذه الاتفاقات، وعلى الشعوب التي ورطتهم حكوماتهم ان ينتفضوا و يحرروا انفسهم من ورطة التطبيع.

ورغم أن استحالة قبول اتفاقات ابراهام من طرف اناس أسوياء هو أمر جلي لا يقبل النقاش، فإننا نشير إلى أن من قبل ويقبل من العرب اتفاقيات الاستسلام والتسليم المسماة اتفاقات ابراهام،  لا يكون إلا من الأصناف التالية :

العملاء والخونة : لقد وافق “الحركى” (العملاء) على سلام الشجعان إبان الثورة التحريرية، لأنه يحفظ امتيازاتهم ويضمن بقاء الاستعمار الفرنسي على أرض الجزائر. نفس الشيء هنا، حيث أن العملاء المتعاونين مع الكيان الصهيوني وأمريكا هم من يسوّقون لاتفاقات ابراهام، ليحافظوا على وظيفتهم كعملاء ووكلاء والاستمرار في الاستفادة من الامتيازات المقدمة لهم.

يهود مندسون : الوطن العربي يسجل وجود جالية يهودية تدّعي انتمائها للوطن. غير أن التاريخ يثبت بأن لهم ولاء واحد وهو الولاء للكيان الصهيوني إلا من رحم ربك منهم، وهو ما دفع أفراد منهم للعمل سرا لصالح الكيان الصهيوني ويقومون حاليا انطلاقا من منازلهم في الدول العربية بالترويج لاتفاقيات ابراهام. يجب أن لا ننسى كذلك مندسين آخرين استوطنوا الدول العربية بجنسيات عديدة وتحولوا لاحقا إلى خدمة أجندة الكيان الصهيوني.

المجرمين : أصبح الوطن العربي يعج بالمجرمين من القتلة والمرتشين وأصحاب المال الفاسد والمنحرفين الذين يتاجرون في كل الممنوعات ويقدمون على جرائم القتل والتعنيف و الترهيب. هؤلاء المجرمون ينسجون شبكة علاقات كبيرة وتجدهم في كل المستويات، وينظرون إلى الأشياء نظرة براغماتية تركز أساسا على ما يعود عليهم بالفائدة، وبالنسبة إليهم، اتفاقات ابراهام فرصة مناسبة لتثبيت سلطتهم وتنمية أموالهم واستثماراتهم الفاسدة.

الوسطاء والسماسرة : في كل الحروب تجد الوسطاء والسماسرة يحاولون الاستفادة من توجهات الحرب ويحاولون التأثير على مجريات الحرب والمفاوضات بما يحقق مصالحهم ومصالح دولهم. السماسرة والوسطاء سيفرحون باتفاقات ابراهام لأنها ستعطيهم أدوارا طلائعية في المرحلة القادمة مكافأة لهم عن ما قدموه خلال السنوات السابقة.

المخنثين و الانثويين : لقد حاول الغرب للترويج للمثلية والأنثوية في العالم للتحكم فيهم لاحقا، وهي سياسات الكيان الصهيوني الذي يرفضها في مجتمعه ويروج لها في المجتمع الغربي ويحاول ترويجها في الوطن العربي. للأسف، تكونت فئة قليلة جدا منهم في الوطن العربي من المثليين و من الأنثويين الذين وحتى ان كان عسكريا فإنه جبان أنثوي يميل إلى عدم التحرك ويرفض الحرب والمقاومة ويجنح إلى الاستسلام، وطبعا اتفاقات ابراهام تمثل له ملاذا له فسيدعمها وسيروج لها.

مجهولو النسب: في الحقيقة وبحكم الدين والتقاليد، فإن الأبناء بدون نسب قليلون جدا في الوطن العربي بالمقارنة مع الغرب الذي قنّن وشرعن لهذه الفئة و سمح بإعطاء لقب الأمة العازبة للطفل المولود خارج اطار الزواج. غير أن هذا لا ينفي وجود العلاقات السرية، والتي قد تكون بين مختلف فئات المجتمع بما فيها العائلات النافذة، وكذلك مع فئات قد تكون مندسة. هذه الفئة التي قد ترى المجتمع ككل كعدو، فإنها ستتحالف مع أي طرف خارجي يأتي ليحكم مجتمعاتهم التي لا يحسون بالانتماء الفعلي لها. اتفاقات ابراهام فرصة لهم للخروج للعلن وطلب التبني من الغرب والكيان الصهيوني.

أئمة مزيفون: من الأخطاء الشائعة في المجتمع العربي وهو مجتمع تقليدي أنه عاطفي ولا يزال يحب الدين الاسلامي بالفطرة. لذا، عمل الغرب، وفي مقدمتهم بريطانيا، على انشاء فئات من الناس يرتدون القمصان ويعفون اللحى ويدّعون التدين ويعملون على تشويه الدين والشريعة الاسلامية، ولن يفلحوا. من جهة أخرى، فإن هؤلاء المدسوسين يكرهون مقاومة الاحتلال، و يمنعون النقاش حول مشروعية الحكم وشرعية الاستيلاء على ثروات الشعوب من طرف زمر حاكمة، ويحرّمون الديمقراطية والشورى، ويدافعون على المواثيق. سيفرحون طبعا لميثاق جديد مع العدو والمتمثل في اتفاقات ابراهام.

لقد قال ترامب بالمليان، بأن السلام تصنعه القوة، وأن على الدول المعنية الاستسلام. وعليه، اتفاقات ابراهام التي يقترحها ترامب هي اتفاقات استسلام لابتلاع الوطن العربي، وهي نسخة معدلة من سلام الشجعان الذي اقترحته فرنسا ورفضه المجاهدون الجزائريون. ولن يقتنع باتفاقات ابراهام بعد كل جرائم الابادة في غزة المرتكبة منذ السابع من اكتوبر إلا الفئات التي تمثل الأقلية القليلة والتي ذكرناها سالفا.

تحيا فلسطين

الموت للأعداء

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار

*أستاذ المناجمنت – ابن مجاهد

الجزائر

قد يعجبك ايضا