ما هو الهدف من اتفاق الحديدة؟…بقلم/عبدالملك العجري

 

هل الهدف هو الاعتبارات الإنسانية لقضية الحديدة وضمان استمرار عمل الميناء وخطوط الإمداد ومخازن الغذاء وسحب ذرائع العدوان المتعلقة بالإيرادات والتهريب؟

أم أن الهدف تحقيق انتصار سياسي لتحالف العدوان وتحميل الاتفاق مكاسب سياسية خارج ما نص عليه كما يفكر تحالف العدوان؟

وهل يمكن تجزئة التسوية السياسية وتنفيذ ترتيبات السلطة بشكل جزئي وهل يساهم ذلك في بناء الثقة كألية في بناء السلام وحل النزاع أم العكس؟

إذا كان الهدف مراعاة الاعتبارات الإنسانية  والحيلولة دون  وقوع كارثة إنسانية شاملة وعلى هذا الأساس جاء اتفاق السويد بالتعامل مع قضية الحديدة كقضية إنسانية فإن الخطوات التي قررها كفيلة بإبعاد شبح الحرب عن المدينة  وتثبيت وقف إطلاق النار  في عموم المحافظة ومنع التحشيد ونشر مراقبين  وإعادة الانتشار العسكري للفصل بين القوات المسلحة للفريقين بشكل يقلل من احتمال الاحتكاك وإخراج القوات العسكرية لخارج المدينة 30 الى 50 كيلو متر والسماح بتحرك وعودة المدنيين  وهي خطوات كافية تؤمن تحقيق الأهداف الإنسانية المذكورة  إضافة لإبطال مزاعم  العدوان عن التهريب وعائدات الميناء .

وإذا كان هناك جهة يجب أن تشكر فهي السلطة الوطنية في صنعاء لأنها هي من قدمت تنازلات حقيقية بالموافقة على وجود مراقبين في الميناء وإعادة الانتشار العسكري في مناطق 90% منها تحت سيطرتها.

أما إذا كان الهدف تحميل الاتفاق مكاسب سياسية فشلوا في تحقيقها عسكريا فهذا شأن أخر وانقلاب على جوهر ومضمون الاتفاق و لا أريد أن أدخل في سرد عشرات الشواهد على النوايا المبيتة للانقلاب على اتفاق الحديدة وكل مخرجات السويد بما فيها اتفاق الأسرى الواضح والصريح والتي بدأت أول مؤشراتها ونحن لا زلنا في ستوكهولم والأهم برأينا هو الانتقال لمناقشة السؤال الثالث المتعلق بتجزئة الحل.

منذ جنيف الأولى وموقفنا أن تجزئة ترتيبات السلطة، سواء من حيث النوع  بالفصل بين السياسي والأمني كما كان يطرح في مشاورات الكويت أو من حيث النطاق الجغرافي لترتيبات السلطة  إدارية أو أمنية  كما يطرح البعض في مدينة الحديدة ، غير واقعي وغير قابلة للتنفيذ ليس لرغبة ذاتية بل لأن علاقتها بالتسوية الشاملة كعلاقة الفرع بالأصل وكعلاقة البناء بالأرضية أو قاعدة البناء إضافة للمحاذير والمخاطر المترتبة على ذلك سواء الأمنية والعسكرية أم لناحية ارتداداتها على  التسوية السياسية الشاملة وتفصيل هذه المانع والمحاذير كالتالي :

الأمر الأول:  يتعلق بوجود موانع موضوعية تجعل من الخيارات التي تطرح أو التي  يمكن افتراضها سواء قلنا سلطة 2014م أو سلطة توافقية أو محايدة أو بمساعدة الأمم المتحدة كلها خيارات خيالية وغير واقعية  وصعبة التنفيذ لسبب جوهري وموضوعي لا علاقة له بالإرادة أو الرغبة  هو أن  اليمن دولة بسطيه، السلطة المحلية بكل مؤسساته الأمنية والإدارية من المديرية إلى المحافظة مرتبطة ارتباطا عضويا ووظيفيا وقانونيا بالسلطة المركزية وبالتالي مهما كان شكل ترتيبات السلطة في المدينة  فإنها حتى تتمكن من أداء وظائفها لابد أن تتبع السلطة المركزية في صنعاء أو عدن (على فرض أن في عدن سلطة  بينما الواقع أن كل شيء حاضر في عدن إلا سلطة  حكومة الفنادق ) و لذلك فإن افتراض سلطة مستقلة أو  سلطة محايدة كما صرح وزير خارجية بريطانيا لا يستقيم إلا لو كنا في دولة  كونفدرالية مثل الإمارات كل إمارة  تتمتع بوظائف وصلاحيات شبه مستقلة عن العاصمة أبوظبي ويحتاج لإعادة هيكلة السلطة بيروقراطيا وقانونيا سواء في قرارات التعيين وفي الوظائف أو في العلاقة وآليات التنسيق مع بقية المحافظات وهي عملية معقدة اجزم جزما قاطعا ومن واقع لقاءاتنا ونقاشاتنا معهم أن الأمم المتحدة و لا كل الذين يطرحون مثل هذه الحلول الخيالية يملكون تصورا لكيفية تنفيذها .

الأمر الثاني: أن مدينة الحديدة ومينائها كحاجة إنسانية مرتبطة أكثر باحتياجات المواطنين القاطنين في مناطق سلطة صنعاء والذي يشكلون 80% من سكان اليمن  ويعتمدون على ميناء الحديدة اعتمادا كليا في تامين احتياجاتهم الأساسية  ومعظم مؤسسات وشركات الاستيراد ورجال الأعمال  اليمنيين في صنعاء ومناطق سيطرة السلطة الوطنية و المعاملات التجارية وغيرها  تعتمد كليا على هذا المنفذ الوحيد  المتبقي الذي يمثل الشريان والمنفذ الذي يربط هذه المناطق بالعالم نتيجة للإقفال الشامل ومن الصعب التفريط بها أو المجازفة باي خطوات من شانها أن تهدد حياة الملايين وبالتالي فإن السلطات الوطنية في صنعاء هي الأحرص على استمرار عمل  الميناء وخطوط الإمداد من  تحالف العدوان  الذي لو كان بيده أن يمنع الهواء والشمس عن اليمنيين  لفعل ، أما والأمم المتحدة  لا تملك إلا الإعراب عن القلق، والمشاعر الطيبة لا توفر الخبز والماء  .

الأمر الثالث : المحاذير والمخاطر التي تترتب على  فصل أي  تسوية جزئية لترتيبات السلطة في مدينة الحديدة عن التسوية الشاملة تجعل منه فخا تكتيكيا بامتياز من ناحية يزيد من تعميق أزمة الثقة أكثر مما يساهم في إعادة بنائها أما كونه فخا  فلأنه يجرد الجيش واللجان الشعبية من أهم عناصر قوتهم ويسمح باختراق تحصينات المدينة في وقت  لا زال الصراع وتنازع الشرعية وانقسام المؤسسات  على أشده وعدم وجود مؤسسات أمنية وعسكرية محايدة يثق بها أطراف الصراع  والأهم من ذلك كله غموض المستقبل السياسي وغياب التوافق على إطار سياسي يحدد ويثبت الملامح العامة للمرحلة الانتقالية ومؤسساتها بسبب رفض  حكومة هادي الإطار السياسي الذي قدمته الأمم المتحدة في ستوكهولم  ولا شيء يؤكد انهم بصدد  تقبل التسوية الشاملة في الجولة القادمة.

 وكلها عوامل تجعل مثل هكذا اتفاق مجازفة لا نبالغ إذا قلنا أن نسبة المخاطرة فيها قد تصل لـ 90% ويوفر فرصة للانقلاب الأمن والسيطرة السهلة على المدينة، وتحقيق مثل هذا النصر هو ما كانت ترغب فيه الأطراف الدولية الفاعلة كأمريكا وبريطانيا  إلا أن تجارب التصعيد في الشهور الأخيرة في الحديدة أقنعتهم أن مثل هذا الانتصار صعب وأقصى  ما يستطيعه تحالف العدوان أن يحول المدينة لمنطقة صراع قد يستمر لشهور بل لأعوام إضافة لتدمير الميناء وما يترتب على ذلك من أثار كارثية يتحمل مسؤوليتها التحالف والمجتمع الدولي نتيجة للحصار المطبق الذي يفرضه تحالف العدوان وتغاضي المجتمع الدولي عن هذه الانتهاكات الجسيمة  للقانون الدولي  وسكوته عن إقفال مطار صنعاء بدون أي مبرر فإن السماح بتهديد هذا المنفذ والشريان الوحيد يعني الحكم بالموت الجماعي على الشعب اليمني .

الأمر الرابع : أن أزمة الثقة حالة طبيعية بين أطراف الصراع  لكنها ليست حالة  يمكن معالجتهما خلال (مهدئات مؤقتة)  بل عملية ديناميكية تتخلق تدريجيا مع تحرك عجلة السلام بالتحرك لذا فإن أهم عنصر في بناء الثقة هو التزام الأطراف بالدخول في تسوية شاملة بترتيبات سياسية وأمنية وعسكرية وليس كتدابير منفصلة  لأن  بقاء المستقبل السياسي غامضا لا يساعد على خلق ثقة إضافية في استمرارية الاتفاق على المدى الطويل ولا على تقليل المخاوف بشأن الاستغلال في المستقبل بينما  اتفاقيات السلام التي تمنح أطراف الصراع سلطة مساومة متساوية نسبيا وتوزيع أكثر مساواة   في شكل التمثيل السياسي، والتوازن العسكري في القوى الوطنية هي الأقدر على خلق الثقة والأكثر قدرة على النجاح في إنهاء النزاع .

قد يعجبك ايضا