أبناء اليمن من جعلوا الأسطورة واقعًا واستمرارية.. كاتب سوري

علي وطفي*

كان الرد في قصف الكيان مع الإطباق البحري على تجارته بعد العدوان على مدينة الحديدة.

ويبقى اليمن السعيد نجمتنا نرنو إليها رافعي الرؤوس في زمن الانكسار، هو خيمتنا الوحيدة في مضارب العار المستدامة مرة أخرى، وكم من مرة تعجز الكلمات عن وصف يوفي حق إخوتنا أبناء اليمن، الكرامة، أحفاد بلقيس العظيمة، في زمنِ أنظمةٍ وشعوبٍ حكّامُها تمتهن الزحف على بطونها إرضاءً للسيد في المكتب البيضاوي أياً كان، ويفعلون ما لا طاقة لهم به.

وصل بهم الأمر إلى إمداد عدو هذه الأمة والإنسانية بكل ما يستطيعون من إسناد، وهو يسفك دماء ويقطع أشلاء أطفال غزة، ويواصل تعذيب وقتل من بقي من المحاصرين الجائعين، الهائمين على وجوههم، ينتقلون بين جدران القطاع – السجن، ثم وبأمر يصبحون جنوده على خط الدفاع الأول بوجه من تجرأ ويتجرأ على إرسال الغضب في رؤوس الصواريخ والمسيرات تهز أركانه وتدمر شرايين دورته الاقتصادية الصناعية التجارية، وهلَع المستوطنين من ملجأ إلى ملجأ.

يعملون سماسرة بيع ما تبقى من فلسطين جملة أو بالتقسيط.

كيف لا أُصرف غضبي بهذه الكلمات في وصفهم وأنا أرى – بكل خجل – من جهة مقابلة، مهرجان مظاهرة في إسبانيا مؤخرًا لدعم والدعاء من أجل فلسطين وغزة، بينما هؤلاء (الأقربون) لا يملكون شجاعة استدعاء سفير، أو احتجاج، أو إغلاق سفارة أو مركز تجاري أو ارتباط، منذ بداية المجزرة..!

 

هؤلاء اليعربيون الأقحاح، من فضح وأثبت عمالة الأمة بعربها ومسلميها، رغم مصائبهم وبعد عدوان جائر وحشي (عاصفة الحزم) أفشله صمودهم، رغم الجوع وندرة مواردهم والحصار المجرم، أبوا أن يتركوا غزة وحيدة تُذبح من الوريد إلى الوريد…

إنهم الأشرف، ويصح فيهم “شعب الأمة المختار”، ناصرو المظلومين، كتف المتعبين، وعكاز المكسورين، من حين لآخر يرسمون بسمة فرح على شفاه أطفال عطشى تتوسل رشفة ماء من شقيق أو صديق.

أيها اليمن العزيز، نشعر أننا مخصيّون عندما نراك تتفوق على ذاتك وعلينا، وتتجاوز آلامك وجراحاتك التي لم تندمل، بل جعلتهم صواريخ ومسيرات نصرة لأخوة طلبوا عونك فلم تتردد.

 

تبقون العلامة الفارقة المضيئة في تاريخ من الاستسلام ارتضته الأمة لنفسها، لستم أنصار الله بل أنتم الأقرب إليه، والأعلى مرتبة، بعد أن غسلتم شيئًا من عار خضوع وخنوع أكل وجوهنا. ومع ذلك، إنها ليست عقيمة في إنجاب الرجال رغم حكامها الذين ارتضوا البقاء على الكراسي مقابل الكرامة، وشعب من الماء إلى الماء قد تغنّم وتنعجن، بينما جباهكم تلامس حدود الكون كبرياء، وجباههم في مستنقع الذل والخيانة تتوضأ للصلوات الخمس، لعلها كفارة، ولكن على من ينافقون؟

إنكم وبجدارة، سادة العرب، وأحفاد بلقيس الشامخة بحق.

كونوا على حذر، هؤلاء لن يدعوكم تستمرون بصمودكم ودعمكم، لأنكم بذلك فضحتم حقيقتهم في عيون البشر، أثبتم للعالم والإنسانية وضاعتهم ونفاقهم، ولا يبالون، بل قطعوا عهودًا ألا يجوع مستوطن وجندي احتلال وهو يتغول في دماء غزة وأهلها قتلاً، وألا ينقصه فاكهة أو زجاجة ماء.

من أين لكم هذه القدرة والعزيمة والصمود، بعد عدوان عشر سنين وأطنان من قنابل المهووسين من عرب وعجم سقطت على رؤوسكم، واستكثر عليكم عربنا بيان استنكار – اللازمة الثابتة – من قنّ الدجاج العربي؟

وها هو ابن يمن الحضارة وشاعره العظيم البردوني يؤكد المؤكد قائلاً:

“وإن ظلمونا ازدراءً بنا

فأدنى الدناءات أن يُظلموا

وإن فخروا بانتصار اللئام

فخذلاننا شرف مرغم

فلا نحن نقوى على كفّهم

ولا هم كرام فمن ألوم؟

وكل جبان شجاع الفؤاد

عليك إذا أنت مستسلم

وأشرف أشرافهم سارق

وأفضلهم قاتل مجرم.”

 

كم شعرنا بالغبطة حين رفعت يديها أقوى وأظلم قوة في التاريخ، بل اعترف رئيسها بشجاعتكم، ساحبًا أساطيله بعد عدوان بربري استمر أربعين يومًا، ومعه بلطجيته العرب والأجانب.

ربما سركم من بناة سد مأرب، ورسوخ وصلابة جبال صعدة وهضاب نجران، فبوركت تلك السواعد التي لا تنكسر..!

 

ويا فرحة فلسطين 2 بفلسطين المنكوبة، وزغاريد أحبتنا فيها ترافق وصول الزائر – الثائر لكل جراحاتهم وعذاباتهم، بعد أن تركتهم هذه الأمة في الجحيم، وطوق (أخوة) هم حمالة الحطب، هم نفسهم من حاصر العراق وسوريا وهذا اليمن الأسطورة.

وعبثًا، القدس تراهن على من لا يملك سلطة داخل غرفة نومه، وللأمانة أحيانًا ربما أعذرهم وأشفق عليهم، لأن من أجلسهم على كرسي السلطة له سلطة خلعهم.

وأحيانًا تنتابني حيرة، ربما هم تماسيح على صورة بشر، فيما مذبحة العصر تجري على مرمى نظرهم ومسمع آذانهم..

لكنهم أول المتبرعين، وبلهفة، لا يبخلون على متضرري إعصار “مارينا” كل عام، ولا يبخلون بالملايين لإنشاء حديقة حيوانات في عاصمة أوروبية مثلاً… ومنهم من هو مصاب بجنون العظمة وتخمة مالية وانفصام في الشخصية السياسية، يُسرف مئات الملايين في القتل والفتن وعلى شراء أندية مفلسة، يتخيّل نفسه المقعد السادس في مجلس الأمن.

تعلموا من رجال اليمن كِبَر النفوس وشموخ الرؤوس، هؤلاء هم “وقفة عز هذه الأمة” المصابة بثبات شتوي بعيد المدى.

هكذا أمة لا تستحق إلا هكذا أنظمة، تقود قطيعًا براعٍ يفهم عليهم، والطاعة لولي الأمر على سنة “القناعة كنز لا يفنى”.

الآن تيقنت أن أهلنا في اليمن – على قلتهم – هم الأمة الحق، والبقية خوارجها…

كل الوفاء، ولا نملك إلا الانحناء إجلالاً، ورفع الصلوات كي يبقى هذا اليمن المقاوم عزيزًا، ويتعافى أهله، ويعيش بكرامة ورفاه.

 

*كاتب سوري

قد يعجبك ايضا