أين نقف الآن.. ومن أين أتينا.. وماذا فعلت حماس بخطة ترامب؟
فؤاد البطاينة
المشاريع الثلاثة
أمريكا وأوروبا طرف أصيل في الصراع في المنطقة العربية ولهما مشروعهما فيها، ومن يعتبرهم وسطاء فهو عميلهم. والثاني هو المشروع الصهيوني \ اليهودي، ورغم أن الغرب هو مَن خطط له ولحدوده مع الحركة الصهيونية ليكون في خدمة مشروعهم، إلا أن الحركة الصهيونية اليهودية كانت تختزن مشروعها الحقيقي الذي يتجاوز المشروع الغربي في المنطقة حجما وطبيعة. ففي حين كان الغرب قد حدد نطاق المشروع الصهيوني في دولة لليهود في فلسطين كلها بما فيه الأردن أو أجزاء منه استنادا لمنطوق وعد بلفور وصك الانتداب، كانت الحركة الصهيونية باسم الوكالة اليهودية آنذاك تتطلع لمشروعها التوراتي. نواته فلسطين ويمتد الى احتلال أجزاء واسعة من الوطن العربي وضمها لكيانه. أي إنه مشروع احتلالي إحلالي توسعي، بينما المشروع الأمروأوروبي في المنطقة العربية استعماري اخضاعي نهبوي. أما المشروع العربي المفترض فهو تحريري وحدوي نهضوي، تضطلع به المقاومة الفلسطينية وحدها، وتقاومه أنظمة العرب.
تصادم المشاريع
وفي هذه الحالة هناك تصادم في المحصلة بين المشروعين الغربي والصهيوني\اليهودي ولكنه لن يحدث إلى أن يحقق الغرب وطره بتثبيت دولة “إسرائيل”: بالمناطق التي خصصت له في وعد لفور، وسيبقى يقف بالقوة الأمريكية لجانب الكيان حتى ينهي مهمته للصهيونية في كامل فلسطين التاريخية وبما يشمل أجزاء من الأردن. فهذا أمر حيوي للمشروع الأوروبي \ الأمريكي. وهناك تصادم وصراع لم يتوقف بين تحالف المشروعين والمشروع الثالث، مشروع المقاومة،،عربية كانت أو إسلامية.
إمكانية الحل السلمي
المراد مما سبق، أنه لا يمكن أن يكون في قاموس الغرب وأمريكا مكان لحلول سلمية ومبادرات تنتقص من مشروعيهما، وإن كانت فهي خدعة حرب. وبالتالي لن يكون أمام الفلسطينيين والعرب ومشروعهم إلا رفض التعاطي مع مبادرات السلام والتمسك بالمواجهة السياسية والإعلامية وبالمقاومة المسلحة معاً.
وبهذا، كلنا نعلم ونتناسى بأن طموح هذا الكيان الذي قام مستندا على قرار للأمم المتحد لا يتوقف عند خط تقسيم عام 1948، وأنه ما كان ليكون التقسيم بديلاً عن احتلال كل فلسطين مرة واحدة آنذاك تنفيذا لوعد بلفور لولا إدراك الإنجليز بصعوبة نجاح قيام الكيان واستقراره دفعة واحدة وبدون مساعدة عربية ومحلية. فكانت مبادرة التقسيم بدولتين في فلسطين خيارهم، قامت بموجبها “إسرائيل” ولم تقم فلسطين للآن. بل حرص العدو حينها على طمس هوية الشعب الفلسطيني من خلال النص في قرار التقسيم على أنه بين اليهود والعرب، وليس الفلسطينيين، وإلحاق الضفة بالضفة. وكان ما كان.
المبادرات والقضية والمقاومة
أبدأ موضوعي على قاعدة أن أمريكا وأوروبا، إنهما وعبر تاريخ القضية لم يذكرا القضية الفلسطينية ولا يلجؤون إلى طرح مشاريع ومبادرات سلمية إلا عندما يطرأ أي تحد عربي أو فلسطيني للاحتلال، أو تطرأ حاجة له. وكل مبادرة سلام طرحت للتفاوض كانت نتيجتها مكاسب للاحتلال وخسائر للعرب، وارتفاع سقف الكيان وتراجع سقف العرب، وكلها على طريق هدف انجاز المشروع الصهيوني في فلسطين كما خططوا له في وعد بلفور. ولا ينجز هذا المشروع إلا بتصفية القضية الفلسطينية أولا حيث لا شرعنة للكيان ولا قبولا دوليا له وهناك قضية فلسطينية على الأجندة الدولية، بينما لا تُصفى القضية الا بتذليل العقبات، وكلها ذللت إلا الرئيسة وهي،،مقاومة الشعب الفلسطيني، فهي علاوة على أنها ناقوس يدق على مدار الساعة إيذانا للعالم بوجود احتلال، فإنها الخطر الوجودي على كيانه.
خطة ترامب والنقطة المفصلية
ومن هذا المفهوم أنظر إلى خطة ترامب الأخيرة التي لم يطرحها كمبادرة للنقاش بل كخطه للتنفيذ، وفي هذا دلالة على عجز يقع ما بين عجزنا وعجزه. ومن هذا قد تكون نقطة تحول مفصلية. فترامب تنازل بخطته عن كل الرتوش الخادعة التي سبقتها، وركز على الهدف النهائي. فثقل النار ومذابحها خيالي وصمود المقاومة خرافي وهزيمة الغرب وكيانه نصر للمعطيات الروحية على يد الفلسطيني، والكيان وقادته في قفص الاتهام الدولي، ولن يتعافى ولن يعود لوضع ما قبل الطوفان وآيل للسقوط والرحيل. أمريكا والغرب تركيزهم الآن على الانقلاب على هذا الفشل وإنقاذ الكيان، ولا إنقاذ للكيان أو انقاذ للقضية الفلسطينية إلا من غزة والقرار لحماس.
اهتمامات ترامب ورد حماس
أما في اهتمامات ترامب التي يحشد لها فأقول، لا حاجة للذكاء، ترامب أعلنها في يومه الأول للحكم، وأثناء حملته الانتخابية. مشروعه في رئاسته يتركز في مواجهة الصين. الصراعات الدولية وتحالفاتها تعيقه وتهدد مشروعه، ولا بد له أولاً من تسويتها وتوفير جغرافيا سياسية ومادية وديمغرافيا لتصبح طريقه للصين سالكة، إنها محل مشروعه الشخصي للتحدي والتمَيز. ومن المرجح أن يخوض معها حربا باردة\ ساخنة بالوكالة ليضعها في ورطة استنزاف وعدم استقرار كورطة روسيا، ولكنه علِق في الشرق الأوسط وطوفانه، “فإسرائيل قاعدة عالمية لأمريكا ومخلبها في الإقليم، وفي خطر وجودي.
واليوم ترامب يهدد باستخدام أقصى ما يمتلكه من أسلحة في غزة، لكنه جربها كلها ولم يبق إلا النووي، كما لم يبق هدف في غزة إلا وضربه. فلمن سيوجه أسلحته؟ فإذا كان أو لم يكن تهديده خدعة للضغط على المقاومة، فستبقى حرب المذابح قائمة الى أن تفرض تلك الخطة نفسها، وتنفيذ هذه الخطة سيحقق الهدف السياسي الرهيب للكيان. ورد حماس على ترامب كان عملاً سياسيا مسؤولاً وتغلب على حنكة ترامب، حيث استطاعت حماس به أن تحول الخطة وتنفيذها الى مبادرة للبحث والنقاش مع المقاومة هذه المر ة، وتخذل أطماع الكيان وتسحب ذريعة استمرار المذابح وتتركه يتصارع مع نفسه، ويبقى أمامنا موضوع اللاثقة بترامب والكيان والضامنين.
فنحن نتحدث عن مخططات ومصائر تنطلق مسيرتها من غزة أو تدفن فيها. ولا أجزم بخلفية التحالف السعودي- الباكستاني الذي هبط اليوم و ليس بالأمس. ولا أدري ان كان هجوميا وضد من أم دفاعيا ومِن مَن. المعطيات وفيرة وليست حاسمة، ولكنها تفترض حرباً إقليمية قادمة، تبدأ بحرب على أيران ولا هدف لأمريكا منها سوى تغيير النظام.
*كاتب عربي أردني