“اتفاق” غزّة هدفه شنّ العدوان على إيران

زهير حليم أندراوس*

“نحن لا نُبرئ كلّ مَنْ لا يرفع إصبع الاتهام في وجه مضطهدي الشعوب، وتستطيع طائرات العدوّ أنْ تقصف مخيماتنا وأنْ تقتل شيوخنا وأطفالنا وأنْ تهدم بيوتنا ولكنّها لن تستطيع أنْ تقتل روح النضال فينا”. حكيم الثورة وضميرها، المُرتحِل-الباقي، د. جورج حبش.

ـ أولاً:  بادئ ذي بدء، لا نعرف ما هو قرار (حماس) من الخطّة الأمريكيّة المطروحة على الأجندة هذه الأيّام، ولكن وَجَبَ التنويه أنّ المقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، التي تُواجِه العدوان الأمريكيّ-الإسرائيليّ منذ حوالي السنتين، لها، وفقط لها، القول الفصل في هذه القضية الشائكة، ولذا نُطالِب ونُناشِد جميع اللاعبين في المنطقة أنْ ينتحوا جانبًا، ذلك أنّ 57 دولةً عربيّةً وإسلاميّةً، لم تفعل شيئًا من أجل وقف حمّام الدماء وذبح قطاع غزّة الفلسطينيّ من الوريد إلى الوريد، وببثٍّ حيٍّ ومُباشرٍ، مع التذكير بأنّ مصر، أمّ الدنيا، وقطر لعبتا وما زالتا تلعبان دور الوسيط من أجل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المأسورين لدى (حماس)، وفي الوقت عينه لم نسمع أيّ تصريحٍ عن عشرات آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يقبعون في غياهب سجون الاحتلال، في ظروفٍ غيرُ إنسانيّةٍ، وهذا الوصف مُلطّف، بمن فيهم الآلاف الذين اختطفهم الاحتلال خلال العدوان المُستمِّر ضدّ غزّة.

ـ ثانيًا: يُحاوِل العديد من “جهابذة” المُحلِّلين العرب أوْ المُستعربين، أوْ الاثنيْن معًا، تصوير خطة معتوه أمريكا، دونالد ترامب، بأنّها بمثابة انتصارٍ للدول العربيّة والإسلاميّة التي “أقنعت” (!) الإدارة في البيت الأبيض بفرض الشروط على حبيبتها وربيبتها، الدولة العبريّة، ولكن الاطلاع والتمحيص في بنود الخطّة يؤكِّد المؤكَّد: الولايات المُتحدّة، كانت وما زالت ووفق كلّ المؤشّرات، ستبقى رأس الأفعى، وتعمل دون كللٍ أوْ مللٍ على استعباد واستبعاد الأنظمة العربيّة أكثر ممّا هو الحال اليوم، من المحيط للخليج.

ـ ثالثًا: وفق الإعلام العبريّ، الذي يعتمِد على مصادر عسكريّةٍ وأمنيّةٍ وازنةٍ في الكيان، ويُشكِّل رأس الحربة في المعركة بهدف شيطنة الفلسطينيين شعبًا ومُقاومةً، فإنّ جيش الاحتلال بات منهكًا، وهناك حالة من عدم الانصياع لأوامر التجنيد، وأنّ قوّته تآكلت بسبب الحرب الأطول في تاريخ الدولة العبريّة، علمًا أنّ الحديث لا يدور عن حربٍ، وفق المصطلح المُتعارف عليه في العلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة، بلْ عن عدوانٍ تشنّه دولةً تملك أحد أقوى الجيوش بالعالم، ومدعومة من أعظم قوّةٍ عسكريّةٍ في أرجاء المعمورة، أمريكا، ضدّ تنظيمات حرب العصابات، وعلى الرغم من ذلك، يجِب التأكيد والتشديد في هذه العُجالة، أنّ “الجيش الذي لا يُقهر” (!) لم يتمكّن من حسم المعركة، وبات شعار النصر المُطلَق، الذي لطالما تبجّح به رئيس وزراء الاحتلال، الكذّاب ابن الكذّاب، بنيامين نتنياهو، بات في خبر كان، وتحوّل إلى مادّةٍ للتندر على عنتريات رئيس وزراء الاحتلال وحكومته الفاشيّة، التي لا تترك فرصةً، إلّا وتؤكِّد فيها أنّ حسم المعركة في الميدان بات قاب قوسيْن أوْ أدنى.

ـ رابعًا: من اللافت جدًا أنّ الدول الأوروبيّة، التي أشبعتنا كذبًا ونفاقًا منذ إقامة دولة الاحتلال في العام 1948، باتت تتحدّث عن إقامة دولةٍ فلسطينيّةٍ منزوعة السلاح في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، وهذا الاعتراف التسويفيّ سيرتطم عاجلاً أمْ أجلاً بالواقع، إذْ أنّ واشنطن لن تسمح بإقامة هذه الدويلة، علمًا أنّها أفرغت مجلس الأمن الدوليّ من أيّ مضمونٍ، وبات استخدام حقّ النقض (الفيتو) رياضةً أمريكيّةً وطنيّةً، وغدا سلاحًا فتّاكًا لوأد كلّ محاولةٍ من الدول حتى الأوروبيّة للتظاهر بأنّها تؤيِّد الحق الفلسطينيّ المشروع بدولةٍ منزوعة السلاح، شريطة ألّا تكون (حماس) شريكةً بأيّ شكلٍ من الأشكال، بالحكم. أيْ أنّ الحديث يدور عن أفكارٍ من الصعب، إنْ لم يكُن مستحيلاً، تحويلها إلى قرارٍ يُلزِم إسرائيل، وهي الدولة المارِقة بامتياز، والتي تجاهلت القرارات الدوليّة الصادرة عن الأمم المُتحدّة ومجلس الأمن الدوليّ، وعلى الرغم من اتسّاع مقاطعتها ونبذها عالميًا، ما زالت ترفض هذه القرارات في رسالةٍ واضحةٍ للعالم: نحنُ، أمريكا وإسرائيل، نتحدّى العالم.

ـ خامسًا: الخشية أنّ واشنطن وتل أبيب والجرائر، أي الأنظمة العربيّة الرجعيّة، أبرموا صفقةً بموجبها يتّم وقف العدوان على غزّة، مُقابل مواصلة المهمّة القاضية بتدمير البرنامج النوويّ الإيرانيّ، الأمر الذي يؤشِّر أنّ أمريكا وإسرائيل فشلتا في معركة حزيران (يونيو) الفائت، حرب الـ 12 يومًا، بتحقيق هذا الهدف، لذا نميل إلى الترجيح بأنّ الهجوم على إيران بات وشيكًا، وبدعمٍ عربيٍّ وإسلاميٍّ، للتخلّص من الفزاعة، أيْ إيران، والخوف الأخطر أنّ حربًا من هذا القبيل قد تُشعِل الشرق الأوسط برّمته.

أخيرًا، لنتذكّر جميعًا أقوال البروفيسور اليهوديّ-الأمريكيّ، وهو ابنٍ لناجين من محرقة هتلر (الهولوكوست) إبّان الحرب العالميّة الثانيّة، الذي أكّد أنّ السياسة الخارجيّة للولايات المُتحدّة الأمريكيّة لا تعرِف ولا تعترِف بالقيم، بل ما يُديرها ويُحرّكها المصالح، ومصلحة واشنطن تقضي بإنهاء البرنامج النوويّ للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.

*كاتبٌ من بلدة ترشيحا، شمال فلسطين.

قد يعجبك ايضا