اقتصاد الإبادة.. تقرير أممي يفضح شبكة دولية تتربح من مجازر الاحتلال الإسرائيلي في غزة
في تحوّل لافت في الخطاب الحقوقي الدولي، كشفت المقرّرة الخاصة بالأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز أن الاحتلال الإسرائيلي لم يعد مجرد مشروع عسكري أو توسعي، بل بات “اقتصاد إبادة” متكامل الأركان، تدعمه مئات الكيانات العالمية: من الشركات التكنولوجية الكبرى إلى المصارف والمؤسسات الأكاديمية والخيرية.
وفي تقرير قدمته المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، ألبانيز خلال الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تؤكد أن ما يجري في غزة يتجاوز الاحتلال التقليدي نحو منظومة إبادة تُدار اقتصاديًا، محذّرة من أن صمت المجتمع الدولي وغياب المساءلة القانونية يغذيان هذه المنظومة.
وأوضحت ألبانيز في تقريرها المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن إسرائيل تدير نظامًا متكاملًا من الربح قائم على الدم الفلسطيني، حيث تتحول غزة إلى حقل تجارب يوميّ لأسلحة وتكنولوجيا تُختبر على أجساد المدنيين، ثم تُباع عالميًا كسلع “مجرّبة ميدانيًا”.
الإبادة كصناعة مربحة
وقالت ألبانيز في جلسة عرض التقرير إن “الإبادة في غزة لم تتوقف لأنها مجزية ومربحة لكثيرين جدًا”، مضيفة أن شركات عالمية، بعضها من دول تصف نفسها بـ”أصدقاء الشعب الفلسطيني”، تجني الأرباح منذ عقود من الاحتلال، ومع تصاعد العدوان على غزة، “تحوّل اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد إبادة”.
ويسلط التقرير الضوء على دور شركات الأسلحة والتكنولوجيا والجامعات والبنوك وصناديق الاستثمار في تمكين آلة القتل الإسرائيلية، كاشفًا تورط أكثر من 60 شركة بشكل مباشر في تمويل أو تسهيل الإبادة الجماعية، بينها شركات أميركية وأوروبية بارزة مثل: مايكروسوفت، أمازون، غوغل، IBM، لوكهيد مارتن، كاتربيلر، بلاك روك، MIT، بالانتير، أليانز، باركليز، BNP Paribas، شيفرون، إير بي إن بي، بوكينغ، وغيرها.
بيئة قتل مثالية لاختبار السلاح
يصف التقرير الأراضي الفلسطينية بأنها “بيئة مثالية لاختبار الأسلحة وتكنولوجيا المراقبة”، بفضل ما توفره من طلب ثابت، وغياب للمساءلة، وغياب كليّ للقيود القانونية.
واعتمد التقرير على أكثر من 200 مصدر موثق، من بلاغات أممية ومنظمات حقوقية ودول وأكاديميين، وحدد تورط أكثر من 60 شركة عالمية في دعم العدوان على الفلسطينيين، إما عبر التسليح أو المراقبة أو تسهيل عمليات التهجير والهدم.
وأشار إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدم خلال العدوان على غزة أكثر من 85 ألف طن من المتفجرات، وفرتها شركات عالمية، أي 6 أضعاف قوة قنبلة هيروشيما.
وقد ساهمت شركات التكنولوجيا، وخاصة مايكروسوفت وأوبن إيه آي، في تطوير منصات الذكاء الاصطناعي القاتلة، مثل “لافندر” و”غوسبل”، التي تُستخدم في تحديد الأهداف البشرية بشكل آلي. فيما قدّمت شركات مثل بالانتير بنية الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرارات فورية بالقتل في ساحات القتال، وفق التقرير.
التواطؤ المؤسسي
يعتمد التقرير على نماذج من محاكمات الصناعيين بعد الهولوكوست ولجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا لإثبات أن الشركات ليست مجرد كيانات تجارية بل أطراف مشاركة في الجريمة، تستحق المساءلة والعقاب.
ويكشف التقرير أن: المصارف مثل باركليز وBNP Paribas موّلت عمليات عسكرية عبر شراء سندات إسرائيلية. كما أن الجامعات (مثل MIT) موّلت أبحاثًا عسكرية وشاركت في تطوير طائرات بدون طيار وأنظمة استهداف آلية.
أما الجمعيات الخيرية الدينية فدعمت الاستيطان والجنود الإسرائيليين من خلال تمويل مباشر، رغم الحظر الدولي.
وأشار إلى أن شركات البناء ككاتربيلر وفولفو وهيونداي قدمت معدات تُستخدم في تدمير المنازل والبنية التحتية، وحتى دفن الضحايا أحياء.
كما يشير التقرير إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يخسر سنويًا ما لا يقل عن 35% من الناتج المحلي نتيجة للاستغلال الإسرائيلي للموارد والأسواق الفلسطينية، وتحويلها إلى “سوق أسيرة” تصب أرباحها في خزائن الاحتلال.
ردود فعل إسرائيلية وغربية: إنكار وهجوم
كالعادة رفضت إسرائيل التقرير ووصفته بأنه “منحاز وكاذب”، بينما شنّت الولايات المتحدة هجومًا دبلوماسيًا على ألبانيز، مطالبة بإقالتها، واصفة التقرير بأنه “يشوّه الحقائق ويحرّض على الكراهية”.
لكن الحقائق تشير إلى أن هذا الهجوم هو دليل على عمق الإحراج الدولي من الكشف عن النظام الرأسمالي المتواطئ في الإبادة، كما وصفه الكاتب الأميركي كريس هيدجيز، الذي قال إن الشركات المتورطة “تجني المليارات من العنف الصناعي”، وإن ما يحدث في غزة ليس مجرد حرب بل مشروع ربح مؤسسي.
وأوضح في مقال له نشره المركز الفلسطيني للإعلام أن الإبادة الجماعية تحتاج إلى شبكة عالمية وتمويل بالمليارات. وقال: “لم يكن بإمكان إسرائيل تنفيذ هذا القتل الجماعي دون هذا النظام. الجهات التي تجني الأرباح من العنف الصناعي ضد الفلسطينيين، ومن تشريدهم، مجرمة مثل الوحدات العسكرية الإسرائيلية. ويجب محاسبتها كذلك”.
تأثيرات متوقعة: هل تنقلب الطاولة؟
يرى خبراء أن التقرير سيغيّر قواعد اللعبة، ويعزز مساعي الحركات الشعبية العالمية لعزل إسرائيل ومقاطعة داعميها، تمامًا كما حصل مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
ويرى الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، في تعليق له عبر قناة الجزيرة، أن أهمية التقرير تكمن في كونه يفضح تورط شركات عالمية كبرى في حرب الإبادة الجارية في قطاع غزة بدون تردد في تسمية هذه الشركات بأسمائها.
الخبير العسكري والإستراتيجي الدكتور أحمد الشريفي، يذهب إلى أن ردود الأفعال الأميركية الغاضبة تعكس ضيقا واضحا من انتقاد النظام الرأسمالي الذي خصخص مصادر السلاح وجعلها بعيدة عن الضوابط القانونية والأخلاقية.
ويوضح أن هذه الشركات متعددة الجنسيات على نظرية رأس المال والعرض والطلب وتحقيق المنفعة بصرف النظر عن البعد القيمي لهذا المنتج، وهذا يجعلها تعمل بمنأى عن المساءلة الأخلاقية والقانونية، وفق ما نقلته الجزيرة.
ويرى خبراء أن هذا التقرير سيُستخدم كمرجعية قانونية وأخلاقية للضغط على الحكومات والمؤسسات الدولية لوقف التعاون مع شركات متورطة في جرائم حرب، ولفرض نظام مساءلة دولية يتجاوز حدود الإدانة.
وفي تقريرها، طالبت ألبانيز بوضوح وحسم بتعليق جميع الاتفاقيات التجارية مع إسرائيل التي تسهم في حرب الإبادة بقطاع غزة، وكشفت أن شركات أسلحة دولية زوّدت إسرائيل بنحو 35 ألف طن من المتفجرات، أي ما يعادل ستة أضعاف القوة التدميرية للقنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما.
تقرير “اقتصاد الإبادة” لا يحمّل إسرائيل وحدها مسؤولية الجرائم، بل يكشف أن أداة الإبادة جماعية هي النظام الاقتصادي العالمي نفسه.
وما بين وعي قانوني متصاعد وغضب شعبي عالمي، يظل السؤال المطروح: هل يتحرك العالم من الإدانات إلى المساءلة؟ أم تستمر الإبادة ويبقى الربح سيد الموقف؟!.
المصدر ـ المركز الفلسطيني للإعلام