الاغتيالات لا تُحدث فرقاً: إسرائيل عالقة في اليمن

اغتيال الحكومة في صنعاء لا يغطّي عجز إسرائيل عن كسر البنية السياسية اليمنية، ويؤكد استمرار الضربات على الكيان وتنامي التهديد في البحر الأحمر.

لا تزال عملية استهداف مجلس الوزراء في اليمن تتفاعل لدى كثير من الجهات المعنيّة، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج، التي ترصد تداعياتها على الداخل اليمني، وتأثيرها المباشر على استمرار جبهة الإسناد لقطاع غزة، وكذلك على العمليات العسكرية في البحر الأحمر، وما يتّصل منها بحصار إسرائيل. ورغم احتفاء إسرائيل بالضربة واعتبارها إيّاها إنجازاً، إلا أنّ تل أبيب تقرّ في الوقت ذاته بأنّ أثرها يقتصر على المدلولات الرمزية والمعنوية، وأنها لن تؤدّي إلى وقف الهجمات الصاروخية ضدّ إسرائيل.

هكذا، لمست إسرائيل أنّ الهيكل السياسي في اليمن متين بتركيبته السياسية والاجتماعية والقبلية، وأنّ الأثر الذي تتركه خسارة الشخصيات التي تتبوّأ المناصب القيادية محدود؛ إذ تمتلك القيادة السياسية قدرة على ملء الفراغ وإيجاد البدائل الفورية، وهو ما حصل بالفعل عند تعيين نائب رئيس الحكومة، محمد مفتاح، للقيام بمهام سلفه أحمد الرهوي، فور الإعلان عن استشهاد الأخير.

كذلك، استمرّ استهداف السفن المرتبطة بالعدو في البحر الأحمر، وبقيت الضربات اليمنية موجّهة إلى العمق الإسرائيلي، وتحديداً إلى مطاراته، وآخرها مطار «رامون» في النقب. وفي هذا الإطار، أشارت صحيفة «يسرائيل هيوم» إلى أنه «إذا كان لدى متّخذي القرار اعتقاد بأنّ الضربة التي تلقّاها الحوثيون واغتيال معظم القيادة المدنية، سيجعلهم يعيدون حساب خطواتهم، فإنّ الساعات الأخيرة أثبتت العكس».

وبخلاف ما ذكرته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية من أنّ «أعظم أثر للضربات لم يكن في استمرارية القيادة، بل في كشف هشاشة حركة أنصار الله»، فإنّ الواقع يظهر أنّ قتل القادة في اليمن لن يؤدّي إلى شلّ الحركة أو الحدّ من طموحها وقدرتها على امتصاص الخسائر مهما بلغت كلفتها.

ورغم أنّ خسارة هؤلاء القادة تعَدّ ثمناً باهظاً، إلا أنّ الثقافة المجتمعية والسياسية في بلد كاليمن، يوصف أهله بأنهم «شعب الاحتراب»، وخصوصاً في العقود الأخيرة، تجعل من ثقافة التضحية – بالموت أو القتل أو حتى التخلّي – خسارة للأفراد من دون أنّ تمسّ جوهر القوة أو تنتقص من مظاهر الحكم. لا بل يمكن القول إنّ خسارة القادة، ولا سيّما إذا ارتبطت بمستوى الحروب «المقدّسة» كما هي الحال في نصرة الشعب الفلسطيني، تتحوّل إلى دعامة إضافية تزيد من التماسك السياسي، وتعزّز وحدة الجبهة الداخلية، وتؤدّي إلى التفاف شعبي واسع حول القيادة العليا في البلد.

لا استنكار عربياً لاغتيال الرهوي في خروج عن الردود المعتادة على العمليات الإسرائيلية

وفضلاً عن ضعف التأثير الداخلي في اليمن، فإنّ عملية الاغتيال في صنعاء لم يكن لها أي تأثير ملموس على الاستقرار الإقليمي أيضاً، أو على احتمال انزلاق المنطقة إلى الفوضى وانفلات الوضع عن عقاله، وخصوصاً في البحر الأحمر. والمرجّح بحسب المعطيات، أن تسير الأمور وفق المخطّط المرسوم مسبقاً من قبل القيادة السياسية العليا في صنعاء، التي أعلنت صراحة أنّ عملياتها ستتصاعد، وأنّ الردّ الحقيقي على العدوان الإسرائيلي يكمن في معالجة الخلل الاستخباراتي الذي أفضى إلى عملية الاستهداف، وهو خلل معروف مسبقاً، ولولا التراخي في استدراكه من قبل الجهات المعنية، لما حدث ما حدث.

على أي حال، يبدو أنّ إسرائيل لا تزال تنظر إلى اليمن باعتباره تهديداً إستراتيجياً من الدرجة الأولى، خصوصاً أنّ قتل القادة، بحسب تقييمات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نفسها، لن يغيّر من طبيعة الضربات اليمنية على الكيان، الأمر الذي يجعل تل أبيب معنيّة أكثر بالبحث عن مقاربات تتجاوز حدود قدراتها العسكرية، وتركّز في المقام الأول على بناء تحالفات مع دول الخليج، ولا سيّما السعودية والإمارات. وإذا ما تعذّر عليها تحقيق تحالف مباشر، فإنها لا تخفي استعدادها للقبول بتحالفات غير مباشرة عبر الحليف المشترك، أي الولايات المتحدة.

وفي هذا الإطار، رصدت وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية ردود الفعل على عملية استهداف صنعاء، وتوقّفت خصوصاً عند الصمت العربي إزاء اغتيال أول رئيس وزراء عربي وأعضاء فريقه، من دون صدور حتى بيان استنكاري أو مجرّد إدانة لاستهداف عاصمة عربية. وقالت مجلة «فورين بوليسي» مثلاً: «حتى المنتقدون التقليديون للضربات الإسرائيلية ظلّوا صامتين بشكل لافت. فلم تُصدر الحكومة اليمنية المدعومة من الأمم المتحدة، ولا جامعة الدول العربية، ولا أي من العواصم العربية بيانات إدانة، في خروج واضح عن ردودهم المعتادة على العمليات الإسرائيلية في المنطقة».

أكثر من ذلك، فقد وجدت حكومة عدن، المحسوبة على الرياض وأبو ظبي، في عملية استهداف صنعاء فرصة لتوظيفها في صراعاتها الداخلية، بما يوحي بالارتياح إلى ما جرى. إذ عمد وزير إعلامها إلى ترويج أخبار زائفة تزعم امتلاك القوات المسلّحة اليمنية مراكز أبحاث لإنتاج مواد كيميائية، وهي مزاعم تلقّفتها وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية سريعاً، لتوظّفها في سياق التحريض على صنعاء، وتهيئة المبرّرات لأي خطوات عدوانية لاحقة ضدّها.

لقمان عبد اللهلقمان عبد الله الثلاثاء 9 أيلول 2025
قد يعجبك ايضا