البحر الأحمر مسرح مواجهة مباشرة مع الكيان الصهيوني
يشكل البحر الأحمر اليوم أحد أبرز ميادين الصراع الإقليمي والدولي، حيث تحوّل إلى ورقة ضغط قوية بيد اليمن في ظل الحرب الدائرة على قطاع غزة، بيانات القوات المسلحة اليمنية حول استمرار إغلاق الممر البحري أمام السفن المرتبطة بالنظام الصهيوني حتى توقف العدوان على غزة يعكس بوضوح حجم التحول الاستراتيجي في موازين القوة.
هذا الموقف اليمني يضع واشنطن ولندن وعدداً من العواصم الغربية والعربية في مأزق حقيقي، إذ يربك حساباتهم الاقتصادية والأمنية، ويفرض معادلة جديدة عنوانها لا تجارة آمنة للكيان الصهيوني وحلفائه ما دامت دماء الفلسطينيين تسفك في غزة، إن قراءة هذا الموقف لا تنفصل عن البعد التاريخي والسياسي والعسكري الذي تعيشه المنطقة، حيث تتحرك صنعاء لتثبيت نفسها لاعباً محورياً في معادلات الصراع، وتؤكد أن ساحة البحر الأحمر ليست مجرد ممر للتجارة العالمية، بل هي جزء من ميدان معركة مفتوحة ستحدد ملامح مستقبل الشرق الأوسط.
البحر الأحمر ليس مجرد خط ملاحي يربط الشرق بالغرب، بل هو شريان اقتصادي عالمي تمر عبره نسبة معتبرة من تجارة الطاقة والسلع الاستراتيجية، هذا الموقع الاستراتيجي حوّله إلى ساحة تنافس بين القوى الدولية والإقليمية منذ عقود، لكن الجديد أن اليمن، رغم ما خلفة العدوان الأمريكي السعودي على مدى عقد من الزمن، استطاع أن يحول هذا الموقع إلى ورقة ضغط فاعلة على حكومة الاحتلال الإسرائيلي وحلفائها.
إن قرار إغلاق الممر البحري أمام السفن المرتبطة بالنظام الصهيوني لا يقتصر على الجانب العسكري، بل يضرب في عمق الحسابات الاقتصادية العالمية، فكل إعاقة لحركة الملاحة تعني ارتفاع تكاليف النقل والتأمين وتهديد الاستقرار التجاري الدولي، هنا تظهر قدرة اليمن على تحويل جغرافياه إلى سلاح استراتيجي، يربط بين قضيته الوطنية في مواجهة العدوان السعودي ـ الإماراتي المدعوم أمريكيا وبين القضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة، بهذا المعنى، لم يعد البحر الأحمر ممراً آمناً بقرار يمني، بل تحول إلى خط مواجهة مفتوح يعكس توازنات جديدة في المنطقة.
إعلان اليمن استمرار الحصار البحري حتى توقف الحرب في غزة يعكس رسالة سياسية مزدوجة: الأولى موجهة حكومة الاحتلال الصهيوني بأنها لن تكون بمنأى عن تداعيات عدوانها، والثانية للعالم بأن صنعاء قادرة على فرض معادلاتها رغم الضغوط الدولية، هذا الموقف ينسجم مع رؤية أوسع ترى أن الصراع في المنطقة لم يعد محصوراً في جبهات تقليدية، بل صار متعدد الأبعاد يشمل البر والبحر والفضاء السياسي.
كما أن اليمن من خلال هذا الموقف يقدم نفسه كطرف لا يساوم في القضايا الكبرى للأمة، وفي مقدمتها فلسطين، الدعم الأمريكي والبريطاني المفتوح حكومة الاحتلال الصهيوني يضع صنعاء في موقع المواجهة المباشرة مع القوى الكبرى، لكن ذلك لم يمنعها من التمسك بخطابها الحاد، بل على العكس، تعزز هذه المواجهة صورة اليمن كقوة مقاومة تسعى لإعادة صياغة التوازنات في الشرق الأوسط، حتى وإن كان الثمن مواجهة عسكرية أو اقتصادية مفتوحة مع تحالف دولي واسع.
تصريحات المسؤولين اليمنيين تكشف أن الاستعداد العسكري ليس مجرد خطاب دعائي، بل يعكس جاهزية ميدانية متنامية، القوات المسلحة اليمنية التي راكمت خبرات قتالية خلال سنوات العدوان باتت ترى في البحر الأحمر جبهة استراتيجية لا تقل أهمية عن المعارك البرية، التهديد بمنع عبور السفن الصهيونية يمثل رسالة ردع، ويؤكد أن اليمن قادر على إلحاق أضرار مباشرة بالمصالح الإسرائيلية في أي وقت، وما يزيد من خطورة الموقف هو أن أي مواجهة في هذا الممر المائي الحيوي قد تتطور إلى حرب إقليمية تشمل أطرافاً متعددة، من الناحية العسكرية، يملك اليمن ميزة الموقع الجغرافي وقدرات صاروخية وطائرات مسيّرة تمكنه من فرض معادلات معقدة على خصومه، ولذلك، فإن تأكيدات القوات اليمنية عن “رد مؤلم” ليس مجرد تهديد إعلامي، بل يندرج ضمن استراتيجية واضحة هدفها رفع تكلفة العدوان على غزة، وتحويل التضامن مع الفلسطينيين إلى فعل عسكري ملموس على الأرض والبحر.
إن استمرار إغلاق البحر الأحمر أمام السفن المرتبطة بحكومة الكيان الصهيوني يهدد بتوسيع دائرة الصراع من فلسطين واليمن إلى الإقليم بأكمله، هذا التصعيد يضع القوى الدولية أمام تحديات غير مسبوقة، حيث تتقاطع مصالح الطاقة والتجارة مع حسابات الأمن والسياسة، إذا استمرت الجرائم الصهيونية في غزة، فإن احتمالية انزلاق المنطقة نحو مواجهة أوسع تصبح واقعية جداً، وهو ما حذر منه القيادة اليمنية، كما أن دخول لاعبين كبار مثل الولايات المتحدة وبريطانيا على خط المواجهة قد يحول البحر الأحمر إلى ساحة صراع عالمي مصغر.
في الوقت ذاته، يعزز الموقف اليمني الروح التضامنية للشعوب العربية والإسلامية التي ترى في اليمن صوتاً معبّراً عن وجعها وغضبها، إن التوتر في هذا الممر الاستراتيجي قد يعيد رسم خريطة التحالفات، ويؤسس لمرحلة جديدة من الصراع حيث تصبح المعادلة: لا استقرار اقتصادي عالمي ما دامت فلسطين تنزف، ولا عبور آمن للسفن ما دام العدوان قائماً.
في الختام، المشهد في البحر الأحمر يعكس بوضوح أن اليمن لم يعد مجرد ساحة حرب داخلية، بل تحوّل إلى لاعب إقليمي قادر على التأثير في مسار الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، إصرار صنعاء على استمرار الحصار البحري حتى توقف الحرب على غزة يبعث برسالة قوية إلى العالم: لا يمكن تجاوز القضية الفلسطينية أو التعامل معها كملف ثانوي، كما أن هذا الموقف يعكس وعياً استراتيجياً بأن القوة لا تكمن فقط في السلاح، بل في القدرة على استثمار الجغرافيا وتوظيفها في المعركة.
في المحصلة، ما يجري اليوم في البحر الأحمر قد يكون بداية لمرحلة جديدة من التوازنات في الشرق الأوسط، حيث يثبت اليمن أنه رغم الجراح والحصار، قادر على صياغة معادلات كبرى تفرض نفسها على القوى العظمى، إنها رسالة تقول إن التضامن مع فلسطين لم يعد شعاراً سياسياً، بل واقعاً عملياً قد يعيد رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة بأسرها.
الوقت التحليلي