انتصار مجاني للاحتلال الإسرائيلي.. ورقة أمريكية مفروضة.. ونزع السلاح بلا مقابل

الحقيقة ـ جميل الحاج

أعاد المبعوث الأمريكي إلى لبنان توم براك إلى الواجهة ملف “نزع سلاح المقاومة”، من خلال ورقة سياسية فرضها على الحكومة اللبنانية دون أي ضمانات بانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة.

الورقة، التي جاءت في سياق ضغوط أمريكية  إسرائيلية متجددة، اشترطت نزع سلاح حزب الله تحت طائلة “العزلة الدولية”، لكنها لم تتطرق مطلقًا إلى وقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة أو إلى أي التزام بالانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقرى السبع.

فرحة نتنياهو الغامرة بقرار مجلس الوزراء اللبناني، مفهومة، فهذا السلاح حرر الجنوب اللبناني من احتلال إسرائيلي دام 20 عاما، وأذله وأذل كيانه، أكثر من مرة، والهزائم التي منيت بها “إسرائيل” في تاريخها المشؤوم لم تحدث إلّا بسب هذا السلاح، الذي يتطوع بعض اللبنانيين لنزعه اليوم، لأسباب لم تعد خافية على أحد.

نتنياهو يشيد.. ويفضح النوايا الحقيقية

ما كان متوقعًا هو أن يسارع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء كيان الاحتلال، إلى الترحيب بقرار مجلس الوزراء اللبناني الذي تبنى الورقة الأمريكية، واصفًا القرار بـ”الخطوة البالغة الأهمية”.

لكن ما لم يكن متوقعًا هو تماديه بالقول إن كيانه “مستعد لدعم لبنان في نزع سلاح حزب الله”.

هذا السلاح هو ذاته الذي حرر الجنوب اللبناني عام 2000 بعد احتلال دام عقدين، وهو الذي ألحق بجيش الاحتلال هزائم كبرى في 2006، فكيف يقبل اللبنانيون اليوم أن يحقق نتنياهو حلمه القديم، لا بالقوة العسكرية، بل بقرار حكومي داخلي؟

يبدو أن فرحة نتنياهو لا توصف، فهذا السلاح لم يعجز كيانه في نزعه أو التخلص منه رغم كل ما يمتلك من قوة عسكرية، فحسب، بل عجز حتى أسياد هذا الكيان من أمريكيين وغربيين، ليس عن نزعه، بل عجزوا حتى عن الاقتراب منه، واليوم يتصور أن حلمه قد يتحقق على يد حكومة لبنانية، لم تدرك مدى خطورة ما أقدمت عليه، مدفوعة فقط بتأييد ودعم من يريد خراب لبنان وعلى رأسهم امريكا.

اللافت أن نتنياهو لم يقدّم في بيانه أي التزام بانسحاب جيشه من الجنوب اللبناني، بل تحدث فقط عن “تقليص الوجود العسكري” في الأراضي اللبنانية، في التفاف مكشوف على مطلب الانسحاب الكامل. وهذا ما يجعل فرحته بالقرار اللبناني مفهومة: فالمقاومة التي عجز الاحتلال وأسياده الأمريكيون عن نزع سلاحها بالقوة، قد تنجح الضغوط الداخلية في تجريدها من دورها الحامي للبنان.

فضيحة دبلوماسية: المبعوث الأمريكي يهين الصحافيين

المشهد لم يتوقف عند حدود القرار السياسي، بل تعداه إلى أزمة إعلامية، فخلال مؤتمر صحافي في قصر بعبدا، فقد الموفد الأمريكي أعصابه عندما قاطعه الصحفيون بأسئلتهم، فوصف سلوكهم بـ”الفوضوي والحيواني”، مهددًا بإنهاء المؤتمر.

تصريحات براك أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي غضبًا، ورأى فيها اللبنانيون إهانة وطنية وإشارة إضافية على أسلوب الوصاية الأمريكية على لبنان.

المؤامرة الداخلية: أحزاب وشخصيات تبارك نزع السلاح

المعضلة الكبرى لا تكمن فقط في التهديدات الأمريكية أو الإسرائيلية، بل في الأطياف اللبنانية التي تروج لنزع سلاح المقاومة متعامية عن الاحتلال والاعتداءات المستمرة. هذه القوى، وفق مراقبين، لا ترى خطرًا في تجريد لبنان من قوته الوحيدة، لكنها في الوقت نفسه تصف أي خطاب لحزب الله برفض التخلي عن سلاحه بأنه “فتنة” أو “تهديد للحرب الأهلية”.

المشهد السوري درس لمن لا يعتبر ويقدم نموذجًا مقلقًا: فالنظام هناك قدم تنازلات كبرى في اتجاه التطبيع، ومع ذلك لم يتوقف المشروع الصهيوني الأمريكي عن محاولة تقسيم البلاد وقضم أراضيها.

واليوم يسعى الأمريكيون لتكرار السيناريو ذاته في لبنان عبر تجريد المقاومة من سلاحها، ما يفتح الباب أمام الفوضى والتفكك.

خطورة الفخ الأمريكي الإسرائيلي

حين تصر الولايات المتحدة على نزع سلاح حزب الله دون ضمانات، وترفض “إسرائيل” الانسحاب من أراض لبنانية محتلة، فإن ذلك لا يعني سوى أن شيئًا مظلمًا يُدبّر للبنان.

مراقبون يحذرون من أن السيناريو السوري قد يُعاد تطبيقه في لبنان لكن بشكل أشد دموية، وهو ما يفرض على اللبنانيين وقفة وطنية جامعة قبل الانزلاق إلى هاوية الفتنة.

وفي الختام إن “الورقة الأمريكية” ليست مشروع سلام أو استقرار، بل مشروع فتنة يستهدف المقاومة التي شكلت الحصن الوحيد في وجه الاعتداءات الإسرائيلية.

والقبول بنزع السلاح دون انسحاب الاحتلال الإسرائيلي، هو عمليًا منح (إسرائيل) انتصارًا مجانيًا على حساب وحدة لبنان ووجوده.

قد يعجبك ايضا