حرب اليمن تقرع الجرس: أميركا متأخّرة في صنع الذخائر

يبدو أن تداعيات قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وقف إطلاق النار في اليمن، والتي لا تزال تتفاعل في الأوساط السياسية والمؤسّساتية الأميركية، ستستمرّ على هذا النحو إلى أمد غير قريب. ففي كلّ مرّة يُكشف فيها عن واحدة من زوايا الحرب المتعدّدة، وتخرج إلى النقاش العلني، يتأكد أنه كان لزاماً على ترامب أن يجد وسيلة للخروج من هذه الورطة؛ إذ وفقاً لرأي كثيرين بمن فيهم أركان إدارته، فإن قراره وقف القتال بدا أفضل لبلاده ممّا كان سيحدث لو أصرّ على مواصلة المسار العسكري.

على أن شخصية ترامب المعروفة بكونها متقلّبة، وقليلة الصبر، ظهر لها الدور البارز في حسم المسألة على طريقة الرجل، بادّعاء نصر مزيّف. وربّما يكون ادعاؤه المتقدّم، انتصاراً من ناحية التساوق مع إستراتيجيته القائمة على عدم التورّط العسكري الطويل الأجل في الشرق الأوسط، وانسجاماً مع عقيدته القائمة على «أميركا أولاً». ولعلّ خير مَن عبّر عن ذلك، موقع قناة «إم إس إن بي سي»، بتأكيده أن قرار ترامب كان «بمنزلة انتصار، ولكن ليس على الحوثيين، وإنّما لأنه كان قراراً حكيماً».

وذكّر الموقع بأن «إطالة أمد الحملات العسكرية الأميركية يؤدي إلى شعور الرؤساء الأميركيين بضرورة مضاعفة الجهود بحثاً عن نصر ملموس يبرّر سفك الدماء. ففي فيتنام وأفغانستان والعراق، أشرف رؤساء أميركيون على مقتل ملايين المدنيين وعشرات الآلاف من الجنود الأميركيين، لأنهم لم يرغبوا في الاعتراف بأن مهمّاتهم كانت مستحيلة».

ورغم أن وسائل الإعلام الأميركية تقرّ بالفشل العسكري في اليمن، وبأن ما حصل يعطي امتيازاً لحركة «أنصار الله»، إلّا أن إدارة ترامب لم تتعرّض لسخط جماهيري أو انتقادات من المجمع السياسي؛ وذلك مردّه أن خصومه الديموقراطيين تورّطوا هم أيضاً طويلاً في هذا البلد، ولم يستطيعوا إيجاد طريق للخروج من المأزق. ولا يعني ما تقدّم، التوقّف عن دراسة الأسباب التي كانت وراء فشل الحملة الجوية، ومناقشتها في المؤسسات الدستورية، ولا سيما في وزارة الدفاع واللجان المختصة في الكونغرس، تماماً كما حصل في «لجنة المخصصات» في مجلس النواب، والتي استجوبت القائم بأعمال رئيس العمليات في القوات البحرية، الأدميرال جيمس كيلبي، في جلسة خُصّصت لمناقشة استهلاك الذخائر في العدوان على اليمن، وأقرّ كيلبي فيها بأن العمليات في البحر الأحمر «سلّطت الضوء على الضغط على قاعدة صناعة الذخائر لدينا».

وفيما يعمل المسؤولون على سدّ تلك الفجوة، فإن خطوط الإنتاج الحالية قد لا تكفي لإعادة الإمداد؛ ولذا، يسعى قادة البحرية إلى الحصول على أنواع جديدة من الذخائر لضمان القوّة النارية الكافية للصراعات المستقبلية. وأُشير في الجلسة المذكورة عينها، إلى أن القوات الأميركية نفّذت أكثر من 1100 غارة جوية على مدى خمسة أسابيع تقريباً، مستخدمةً أسلحة تُقدّر قيمتها بمليار دولار؛ وعليه، وبحسب كيلبي: «نحن بحاجة إلى أن نبذل كلّ ما في وسعنا لتسريع عملية استبدال الذخائر، لأننا جميعاً نشعر بقلق بالغ جداً».

ومن جهته، علّق رئيس اللجنة، النائب الجمهوري عن ولاية أوكلاهوما توم كول، على ما سمعه من الأدميرال، بالقول: «(إنّنا) لا نمتلك ما يكفي من الذخائر لدعم قتال طويل الأمد». ومنذ ما قبل بدء الضربات الأخيرة على اليمن، حذّر تقرير صادر عن «مؤسسة التراث» من أن الجهود العسكرية لإعادة التزوّد بتلك الأنواع من الذخائر، كانت بطيئة جداً بالفعل، مشيراً إلى أنه في السنة المالية 2023، «أنتج مورّدو الصناعة أقلّ من 70 صاروخ «توماهوك» هجومي أرضي. وفي بضعة أشهر من المناوشات مع قوات الحوثيين، في خريف 2024، أطلقت القوات أكثر من 125 صاروخاً من هذا النوع».

ومن جهة أخرى، يعكس الاستخدام الواسع للأسلحة البعيدة المدى، إضافة إلى استعمال قاذفات «B-2» الشَبَحية، التهديد الحقيقي الذي تشكّله ترسانة الدفاع الجوي في اليمن؛ إذ يُنظر في واشنطن بقلق إلى قدرات القوات اليمنية التي كادت تتغلّب على المزايا المادية للآلة العسكرية الأميركية والبريطانية والإسرائيلية. ويجري التركيز بشكل خاص، هنا، على «تكتيكات البرمجيات اليمنية» وتطوير أسلحة الدفاع الجوي أثناء القتال، والتي تجاوز النقاش بخصوصها إسقاط اليمن 22 طائرة مسيّرة من طراز «MQ-9»، تُقدّر قيمة كل منها بنحو 30 مليون دولار، إلى الإقرار بأن الدفاعات الجوية لهذا البلد كادت تُصيب طائرات عدة من طراز «F-16»، وطائرة من طراز «F-35».

ويرجّح خبراء في الأوساط العسكرية الغربية أن يكون الصاروخ اليمني الذي دفع طائرة «F-35» إلى الهروب، جزءاً من شبكة دفاع جوي أثبتت مرونتها بشكل مدهش. كما يقدّر هؤلاء أن القوات المسلحة اليمنية طوّرت، بدعم من الخبرة التقنية الإيرانية، مزيجاً من الأنظمة المضادة للطائرات محلية الصنع والمعدّلة، بما في ذلك منظومتا صواريخ أرض ــ جو «برق ــ 1» و«برق ــ 2».

ووفقاً لتقارير غربية، فإن الدفاعات الجوية اليمنية تتضمّن أنظمة رادار من مثل «P-18» الروسي الصنع و«Meraj-4» الإيراني، توفّر بيانات الإنذار المبكر والاستهداف، فيما تستبطن محاولة إسقاط طائرة «F-35» تحذيراً مهمّاً من أن انتشار الدفاعات الجوية المتقدّمة، حتى في أيدي القوات غير النظامية، يتطلّب ابتكاراً وتكييفاً مستمرَّين.

لقمان عبد الله السبت 17 أيار 2025

قد يعجبك ايضا