ديبلوماسية الرد على خطة ترامب تحرج إسرائيل والغرب.. بقلم/ عبدالرحمن العابد

عند قراءة رد حركة حماس على مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خيّل لي أني أستمع إلى بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية، واقصده هنا بمعنى إيجابي لا سلبي.. وربما أعنيه حرفياً.

بيان صيغ بلغة دبلوماسية دقيقة، تحمل قدراً كبيراً من المسؤولية الوطنية والانفتاح على المجتمع الدولي، وكأن الحركة تقول للعالم:
لسنا رافضين للسلام لكننا نطالب بالعدالة.

بهذا الأسلوب، تمكنت الحركة من تجنّب الوقوع في فخ الرفض القاطع او #القبول_المطلق، تاركة القضايا الجوهرية للميدان التفاوضي، بدلاً من التعاطي مع مقترح ترامب باعتباره وثيقة استسلام مفروضة تحت التهديد بالإبادة.

صياغة سياسية لا توحي بالضعف بقدر ما تمثل شكلاً من أشكال القوة الناعمة، خاصة أنها بعد معركة عسكرية استمرت لعامين.

هذا الرد الدبلوماسي يضع الأطراف الراعية أمام مسؤولية الدفع نحو مقترحات وسطية قابلة للحياة، ويمكنهم الدفاع عنها أمام العالم، ويزيد في الوقت ذاته الضغط الدولي على إسرائيل.

لكن السؤال الأعمق هو: بعد ماذا؟

لا اقصد “بعد أن دُمرت غزة” كما يردد البعض..
بل بعد أن نجح الفلسطينيون، وبمقدمتهم حركات المقاومة وعلى رأسها حماس، في إيصال رسالتهم إلى العالم وكشف حقيقة إسرائيل للمرة الأولى منذ تأسيسها.

أصبح الكيان الذي طالما وُصف بأنه “الديمقراطية الوحيدة في المنطقة العربية وما يسمونه الشرق الأوسط” موضع اتهام ونقد عالمي متصاعد، وتغيّرت صورته الذهنية بوعي شعوب العالم، لا سيما لدى المواطن الغربي.

فلأول مرة منذ عقود، يرى الرأي العام الغربي في إسرائيل دولة احتلال ترتكب جرائم حرب بحق المدنيين، وتعتقل الآن في سج9نها مئات الصحفيين والناشطين الحقوقيين من مختلف دول العالم، وليس فقط من الفلسطينيين.
هذا التحول لم يكن ليتحقق لولا صلابة الميدان في غزة ودهاء الموقف السياسي لاحقاً.

وهنا يبرز السؤال الذي يضع الغرب في موقع المساءلة:
ماذا سيفعل قادة أوروبا والولايات المتحدة إزاء هذا الواقع الجديد؟
لقد باتت شعوبهم ترى إسرائيل بعيون مختلفة، والازدواجية بين خطاب حقوق الإنسان ودعم تل أبيب بات أكثر انكشافاً من أي وقت مضى.
لهذا أقول؛ إن رد حماس لم يحرج إسرائيل وحدها، بل وضع الحكومات الغربية في قفص الاتهام أمام مواطنيها.

وبذلك، يمكن القول إن حماس قدّمت رداً دبلوماسياً بالغ الذكاء، يمزج بين الصلابة والمرونة، بين حماية الثوابت وفتح باب التفاوض، وليس التوقيع على وثيقة استسلام.

قد يعجبك ايضا