عصابات الظل بين غزة وسيناء: خيوط معقدة تكشف العلاقة بين الاحتلال الإسرائيلي و”داعش” وعصابة “أبو شباب”
الحقيقة ـ جميل الحاج
ارتباطات بين عناصر تكفيرية وجماعات مسلحة وعصابات إجرامية، تداخلت في مساحات رمادية بين سيناء وغزة، وصولاً إلى تنسيق غير مباشر مع أجهزة الاحتلال الإسرائيلي، في مشهد يعكس مدى تعقيد الصراع وتشابك المصالح داخل المنطقة.
هذا التقرير يتناول المعطيات التي كشفها الباحث المصري عمر سعيد، إلى جانب ما ظهر لاحقًا من وثائق وشهادات واعترافات، لتبيان كيف تحوّلت مجموعات صغيرة خارجة عن القانون إلى أدواتٍ تستخدمها أطراف مختلفة داخل ساحة شديدة الاضطراب.
من “داعش سيناء” إلى قلب غزة
بدأت القصة حين نشر الباحث المصري عمر سعيد في أكتوبر/تشرين الأول 2017 تقريرًا موسعًا عن فلسطينيين انضموا إلى تنظيم داعش في سيناء. وكان من بين أبرز تلك الأسماء:
عصام النباهين ـ فادي الحجارـ مصطفى نواف ـ نادر بسام ـ محمد شهدا الدلو ـ عبد الرحمن أبو المغيصب ـ محمد جمال أبو دلال
وقد اتُّهم هؤلاء بالمشاركة في عمليات ضد الجيش والشرطة في مصر، إضافة إلى تفجيرات استهدفت مركبات تابعة لكتائب القسام عام 2015 داخل قطاع غزة. وبعد افتضاح نشاطهم، فرّ عدد من أفراد هذه الخلايا إلى سيناء والتحقوا بـ ولاية سيناء – فرع داعش.
في تلك المرحلة، بدأت حماس تعاونًا أمنيًا مع السلطات المصرية لضبط الحدود، إلا أن القبض على تلك المجموعة أو تفكيكها بشكل كامل لم يتحقق.
الظهور المريب لعصام النباهين في غزة
على مدار سنوات، قضت العمليات العسكرية المصرية على معظم أعضاء هذه الخلايا. لكن مصير عصام النباهين بقي غامضًا حتى يونيو 2023.
وفق المعلومات المتداولة، تلقت شرطة غزة بلاغًا يفيد بوجوده في مخيم النصيرات، فأُرسلت قوة لاعتقاله بقيادة الضابط خالد مصلح، إلا أن النباهين تمكن من قتل أحد أفراد القوة والفرار.
وبعد فترة قصيرة، ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليه وحكمت عليه بالإعدام شنقًا، لكنه هرب من السجن مع بداية حرب غزة، مستغلًا الفوضى التي صاحبت الأيام الأولى.
المفاجأة الكبرى تمثلت في ظهوره مجددًا في منطقة رفح، بجانب عناصر محسوبة الخائن ياسر أبو شباب، ما أثار الكثير من الأسئلة حول الحماية التي حصل عليها، وكيفية انتقاله رغم ملاحقته.
من هو عصام النباهين؟
يبلغ النباهين 33 عامًا ومن سكان النصيرات. قاتل ضمن داعش في سيناء، وشارك – وفق تقارير أمنية – في تفجيرات استهدفت سيارات قيادات في القسام عام 2015.
عاد إلى غزة قبل حرب 7 أكتوبر، وظهرت له صور وهو يطلق صواريخ نحو إسرائيل ضمن مجموعات وصفت بأنها “مشبوهة وغير تابعة لفصائل المقاومة”.
بعد هروبه، تقول مصادر فلسطينية مطلعة إنه انضم إلى عصابة أبو شباب، التي يُتهم عدد من أفرادها بالتنسيق غير المباشر مع قوات الاحتلال. وقد أصدرت عائلته بيانًا أعلنت فيه براءتها منه، في خطوة مشابهة لما فعلته عائلة ياسر أبو شباب.
عصابة ياسر أبو شباب: شبكة علاقات غامضة تمتد من غزة إلى (إسرائيل) ورام الله ودولة عربية
يشير الباحث المصري عمر سعيد إلى أن العلاقة بين عصابة ياسر أبو شباب وقوات الاحتلال الإسرائيلي تجاوزت حدود الظن لتصبح شبه معلنة، خاصة بعد تصريحات متكررة لأعضاء العصابة في وسائل إعلام إسرائيلية.
وتشير مصادر أمنية فلسطينية إلى أن أفرادًا من العصابة تلقوا أسلحة مصدرها قوات الاحتلال، وأن بعضهم شارك في “عمليات تفتيش” شرق رفح، في مناطق انسحبت منها حماس خلال الحرب.
اتصالات مع السلطة الفلسطينية
في مقابلة إذاعية، أكد أبو شباب أنه على تواصل مع السلطة الفلسطينية، وأن جهاز المخابرات في رام الله يتعاون معه في منع دخول عناصر المقاومة.
كما نسبته تقارير صحفية إلى مستشار الرئاسة الفلسطينية محمود الهباش، الذي قيل إن له علاقة مباشرة مع أبو شباب، وهو ما أثار جدلًا واسعًا.
مصدر سياسي في رام الله قال – وفق تسريبات صحفية – إن “كل شيء يتم بعلم الرئيس محمود عباس”، دون تفاصيل إضافية.
دور دولة عربية
القناة الإسرائيلية i24NEWS تحدثت في تقرير لها عن دولة عربية – لم تُسمَّ – “تقوم بتدريب أفراد عصابة ياسر أبو شباب”، ما يعزز فرضية أن العصابة ليست نتاجًا محليًا فحسب، بل جزء من مشروع سياسي–أمني متعدد الأطراف.
واحدة من النقاط الأخطر في هذا الملف هي تشابه المسارات بين عناصر داعش الفارين وبين الأدوار التي لعبتها عصابة أبو شباب.
ففي الوقت الذي حاولت المقاومة استهداف عناصر داعش داخل غزة، تزايدت التقارير التي تشير إلى استفادة الاحتلال الإسرائيلي من نشاط تلك المجموعات لضرب بنية المقاومة الأمنية والعسكرية.
ويرى محللون أن “داعش” و“العصابات المسلحة” كانت تستخدم فوضى الحرب لإعادة التموضع، في حين استغل الاحتلال وجودها لإضعاف الفصائل المقاومة.
خطة الشاباك لتسليح جماعات مسلحة داخل غزة
كان من أبرز ما كشفته وسائل الإعلام الإسرائيلية ما ذكرته القناة 12 عن وجود خطة وضعها الشاباك لتشكيل “قوة بديلة” لمواجهة حماس. وذكرت تقارير أخرى:
ـ أن الخطة نُفذت بـ موافقة نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس.
ـ نقل أسلحة خفيفة بالمئات إلى مجموعات مسلحة داخل القطاع.
ـ ضبط جزء من هذه الأسلحة لاحقًا بحوزة عصابات تعمل تحت إشراف الاحتلال.
وفي الوقت نفسه، أقر مسؤولون إسرائيليون بأن هذه العصابات متورطة في تجارة المخدرات والدعارة والابتزاز، ولا علاقة لها بأي مشروع سياسي وطني.
مشاهد من الميدان: عملية شرق رفح
عرضت كتائب القسام سابقًا مقطع فيديو يُظهر مجموعة تُنسب لعصابة أبو شباب تقوم بتطهير منطقة شرق رفح من العبوات والأنفاق بإشراف قوات الاحتلال.
لكن العملية انتهت بانفجار عبوة كبيرة – نُسبت للمقاومة – أدت إلى مقتل أربعة عناصر من العصابة، وهو ما أعطى دليلًا إضافيًا على طبيعة المهام التي كانت تقوم بها هذه المجموعات.
وجهان لعملة واحدة؟ وتكشف الوقائع المتداولة أن العلاقة بين الاحتلال وبعض الجماعات التكفيرية أو العصابات المسلحة في غزة ليست مجرد اتهامات إعلامية؛ بل سلسلة طويلة من:
هروب مُنسَّق ـ إعادة تموضع مفاجئ ـ تصريحات متناقضة ـ تسليح غير مفهوم المصدر ـ ارتباطات خارجية في أكثر من جهة
ويجمع باحثون أن هذه الظواهر تعكس تشابك مصالح معقّد، يجعل من بعض المجموعات التكفيرية والإجرامية أدوات قابلة للتوظيف من أي طرف يبحث عن اختراق المشهد الفلسطيني، سواء عبر جمع المعلومات، أو إضعاف البنية الداخلية، أو خلق مناطق عازلة.
ورغم أن الصورة كاملة لم تتضح بعد، فإن ما هو ثابت أن الاحتلال الإسرائيلي كان الأكثر استفادة من ظهور عصابات كهذه داخل غزة، خاصة تلك التي فتحت قنوات اتصال معلنة معه.
وفي المقابل، تشير تجارب سابقة في المنطقة من جنوب لبنان وصولاً إلى سوريا والعراق إلى أن الجماعات التكفيرية كانت في كثير من الأحيان تتحرك بطرق يستفيد منها الاحتلال بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ما يساهم في تكريس فكرة أن “الصهاينة والتكفيريين وجهان لعملة واحدة”، وفق تعبير شائع في الأوساط التحليلية، بمعنى تشابه الأدوار والنتائج لا التطابق التنظيمي.
ختاما: يبدو أن قصة عصام النباهين وياسر أبو شباب ليست سوى نقطة في خريطة أكبر، تكشف عن وجود شبكات تعمل خارج أي إطار وطني فلسطيني، وفق أجندات تختلف جذريًا عن أهداف المقاومة أو أهداف الدولة الفلسطينية.
وبينما تستمر الحرب في غزة، تتزايد المخاوف من أن يؤدي تمكين عصابات مسلحة أو تسليح جماعات خارجة عن القانون إلى إعادة إنتاج سيناريوهات خطيرة سبق أن عرفتها المنطقة، ودفعت أثمانًا باهظة بسببها.
ومع استمرار انكشاف مزيد من التفاصيل، يبقى السؤال الأهم:
إلى أي مدى يمكن أن تتحول هذه العصابات إلى أدوات دائمة في يد الاحتلال؟ وما تأثير ذلك على مستقبل الأمن الداخلي في غزة؟